→ باب الشهادة في البيوع | كتاب الأم - باب السلف والمراد به السلم المؤلف: الشافعي |
باب ما يجوز من السلف ← |
باب السلف والمراد به السلم |
[قال الشافعي]: رحمه الله قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل} - إلى قوله - {وليتق الله ربه}.
[قال الشافعي]: فلما أمر الله عز وجل بالكتاب ثم رخص في الإشهاد إن كانوا على سفر ولم يجدوا كاتبا احتمل أن يكون فرضا وأن يكون دلالة فلما قال الله جل ثناؤه {فرهان مقبوضة} والرهن غير الكتاب والشهادة ثم قال {فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته وليتق الله ربه} دل كتاب الله عز وجل على أن أمره بالكتاب ثم الشهود ثم الرهن إرشاد لا فرض عليهم لأن قوله {فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته} إباحة لان يأمن بعضهم بعضا فيدع الكتاب والشهود والرهن.
قال: وأحب الكتاب والشهود، لأنه إرشاد من الله ونظر للبائع والمشتري وذلك أنهما إن كانا أمينين فقد يموتان أو أحدهما فلا يعرف حق البائع على المشتري فيتلف على البائع أو ورثته حقه وتكون التباعة على المشتري في أمر لم يرده، وقد يتغير عقل المشتري فيكون هذا والبائع وقد يغلط المشتري فلا يقر فيدخل في الظلم من حيث لا يعلم ويصيب ذلك البائع فيدعي ما ليس له فيكون الكتاب والشهادة قاطعا هذا عنهما وعن ورثتهما ولم يكن يدخله ما وصفت انبغى لأهل دين الله اختيار ما ندبهم الله إليه إرشادا ومن تركه فقد ترك حزما وأمرا لم أحب تركه من غير أن أزعم أنه محرم عليه بما وصفت من الآية بعده.
[قال الشافعي]: قال الله عز وجل: {ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله} يحتمل أن يكون حتما على من دعي للكتاب فإن تركه تارك كان عاصيا، ويحتمل أن يكون كما وصفنا في كتاب جماع العلم على من حضر من الكتاب أن لا يعطلوا كتاب حق بين رجلين فإذا قام به واحد أجزأ عنهم كما حق عليهم أن يصلوا على الجنائز ويدفنوها فإذا قام بها من يكفيها أخرج ذلك من تخلف عنها من المأثم، ولو ترك كل من حضر من الكتاب خفت أن. يأثموا بل كأني لا أراهم يخرجون من المأثم وأيهم قام به أجزأ عنهم.
[قال الشافعي]: وهذا أشبه معانيه به والله تعالى أعلم.
[قال الشافعي]: وقول الله جل ذكره {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا} يحتمل ما وصفت من أن يأبى كل شاهد ابتدئ فيدعى ليشهد ويحتمل أن يكون فرضا على من حضر الحق أن يشهد منهم من فيه الكفاية للشهادة فإذا شهدوا أخرجوا غيرهم من المأثم، وإن ترك من حضر الشهادة خفت حرجهم بل لا أشك فيه وهذا أشبه معانيه به والله تعالى أعلم. قال فأما من سبقت شهادته بأن أشهد أو علم حقا لمسلم أو معاهد فلا يسعه التخلف عن تأدية الشهادة متى طلبت منه في موضع مقطع الحق.
[قال الشافعي]: والقول في كل دين سلف أو غيره كما وصفت، وأحب الشهادة في كل حق لزم من بيع وغيره نظرا في المتعقب لما وصفت وغيره من تغير العقول.
[قال الشافعي]: في قول الله عز وجل: {فليملل وليه بالعدل} دلالة على تثبيت الحجر وهو موضوع في كتاب الحجر.
[قال الشافعي]: وقول الله تعالى {إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى} يحتمل كل دين ويحتمل السلف خاصة، وقد ذهب فيه ابن عباس إلى أنه في السلف [أخبرنا] الشافعي قال أخبرنا سفيان عن أيوب عن قتادة عن أبي حسان الأعرج. عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله تعالى في كتابه وأذن فيه ثم قال {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى}.
[قال الشافعي]: وإن كان كما قال ابن عباس في السلف قلنا به في كل دين قياسا عليه لأنه في معناه، والسلف جائز في سنة رسول الله ﷺ والآثار وما لا يختلف فيه أهل العلم علمته.
[قال الشافعي]: أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن عبد الله بن كثير عن أبي المنهال عن ابن عباس (أن رسول الله ﷺ قدم المدينة وهم يسلفون في التمر السنة والسنتين وربما قال السنتين والثلاث فقال " من سلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم وأجل معلوم).
[قال الشافعي]: حفظته كما وصفت من سفيان مرارا.
[قال الشافعي]: وأخبرني من أصدقه عن سفيان أنه قال كما قلت وقال في الأجل إلى أجل معلوم [أخبرنا] سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول لا نرى بالسلف بأسا الورق في الورق نقدا.
[قال الشافعي]: أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أن ابن عمر كان يجيزه.
[قال الشافعي]: أخبرنا مالك عن نافع أنه كان يقول لا بأس أن يسلف الرجل في طعام موصوف بسعر معلوم إلى أجل مسمى.
[قال الشافعي]: أخبرنا ابن علية عن أيوب عن محمد بن سيرين أنه سئل عن الرهن في السلف فقال إذا كان البيع حلالا فإن الرهن مما أمر به.
[قال الشافعي]: أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أنه كان لا يرى بأسا بالرهن والحميل في السلم وغيره.
[قال الشافعي]: والسلم السلف وبذلك أقول لا بأس فيه بالرهن والحميل لأنه بيع من البيوع وقد أمر الله جل ثناؤه بالرهن فأقل أمره تبارك وتعالى أن يكون إباحة له فالسلم بيع من البيوع.
[قال الشافعي]: أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه كان لا يرى بأسا أن يسلف الرجل في شيء يأخذ فيه رهنا أو حميلا.
[قال الشافعي]: ويجمع الرهن والحميل ويتوثق ما قدر عليه حقه.
[أخبرنا] سعيد بن سالم عن ابن جريج عن جعفر بن محمد عن أبيه (أن رسول الله ﷺ رهن درعه عند أبي الشحم اليهودي رجل من بني ظفر).
[قال الشافعي]: أخبرنا إبراهيم بن محمد عن يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر أنه كان لا يرى بأسا أن يبيع الرجل شيئا إلى أجل ليس عنده أصله.
قال: أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر مثله.
[قال الشافعي]: ففي سنة رسول الله ﷺ دلائل، منها (أن رسول الله ﷺ أجاز أن يسلف إذا كان ما يسلف فيه كيلا معلوما ويحتمل معلوم الكيل ومعلوم الصفة، وقال ووزن معلوم وأجل معلوم أو إلى أجل معلوم) فدل ذلك على أن قوله ووزن معلوم إذا أسلف في كيل أن يسلف في كيل معلوم، وإذا سمى أن يسمي أجلا معلوما، وإذا سلف في وزن أن يسلف في وزن معلوم، وإذا أجاز رسول الله ﷺ السلف في التمر السنتين بكيل ووزن وأجل معلوم كله والتمر قد يكون رطبا، وقد أجاز أن يكون في الرطب سلفا مضمونا في غير حينه الذي يطيب فيه لأنه إذا سلف سنتين كان بعضها في غير حينه.
[قال]: والسلف قد يكون بيع ما ليس عند البائع فلما (نهى رسول الله ﷺ حكيما عن بيع ما ليس عنده وأذن في السلف) استدللنا على أنه لا ينهى عما أمر به، وعلمنا أنه إنما نهى حكيما عن بيع ما ليس عنده إذا لم يكن مضمونا عليه، وذلك بيع الأعيان.
قال: ويجتمع السلف وهو بيع الصفات وبيع الأعيان في أنه لا يحل فيهما بيع منهي عنه، ويفترقان في أن الجزاف يحل فيما رآه صاحبه، ولا يحل في السلف إلا معلوم بكيل أو وزن أو صفة.
[قال الشافعي]: والسلف بالصفة والأجل ما لا اختلاف فيه عند أحد من أهل العلم حفظت عنه.
[قال الشافعي]: وما كتبت من الآثار بعدما كتبت من القرآن والسنة والإجماع ليس لأن شيئا من هذا يزيد سنة رسول الله ﷺ قوة، ولا لو خالفها ولم يحفظ معها يوهنها بل هي التي قطع الله بها العذر ولكنا رجونا الثواب في إرشاد من سمع ما كتبنا فإن فيما كتبنا بعض ما يشرح قلوبهم لقبوله ولو تنحت عنهم الغفلة لكانوا مثلنا في الاستغناء بكتاب الله عز وجل ثم سنة نبيه ﷺ وما احتاجوا إذا أمر الله عز وجل بالرهن في الدين إلى أن يقول قائل هو جائز في السلف؛ لأن أكثر ما في السلف أن يكون دينا مضمونا.
[قال الشافعي]: فإذا أجاز رسول الله ﷺ بيع الطعام بصفة إلى أجل كان - والله تعالى أعلم - بيع الطعام بصفة حالا أجوز؛ لأنه ليس في البيع معنى إلا أن يكون بصفة مضمونا على صاحبه فإذا ضمن مؤخرا ضمن معجلا وكان معجلا أعجل منه مؤخرا، والأعجل أخرج من معنى الغرر وهو مجامع له في أنه مضمون له على بائعه بصفة.