→ باب الذبيحة وفيه من يجوز ذبحه | كتاب الأم - كتاب الأطعمة المؤلف: الشافعي |
باب ذبائح بني إسرائيل ← |
كتاب الأطعمة |
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: أصل ما يحل أكله من البهائم والدواب والطير شيئان، ثم يتفرقان فيكون منها شيء محرم نصا في سنة رسول الله ﷺ وشيء محرم في جملة كتاب الله عز وجل خارج من الطيبات ومن بهيمة الأنعام فإن الله عز وجل يقول {أحلت لكم بهيمة الأنعام} ويقول {أحل لكم الطيبات} فإن ذهب ذاهب إلى أن الله عز وجل يقول {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه} فأهل التفسير أو من سمعت منه منهم يقول في قول الله عز وجل: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما} يعني مما كنتم تأكلون فإن العرب كانت تحرم أشياء على أنها من الخبائث وتحل أشياء على أنها من الطيبات فأحلت لهم الطيبات عندهم إلا ما استثنى منها وحرمت عليهم الخبائث عندهم قال الله عز وجل: {ويحرم عليهم الخبائث}.
[قال الشافعي]: فإن قال قائل ما دل على ما وصفت؟ قيل لا يجوز في تفسير الآية إلا ما وصفت من أن تكون الخبائث معروفة عند من خوطب بها والطيبات كذلك إما في لسانها وإما في خبر يلزمها ولو ذهب إلى أن يقول كل ما حرم حرام بعينه وما لم ينص بتحريم فهو حلال أحل أكل العذرة والدود وشرب البول لأن هذا لم ينص فيكون محرما ولكنه داخل في معنى الخبائث التي حرموا فحرمت عليهم بتحريمهم وكان هذا في شر من حال الميتة والدم المحرمين لأنهما نجسان ينجسان ما ماسا وقد كانت الميتة قبل الموت غير نجسة فالبول والعذرة اللذان لم يكونا قط إلا نجسين أولى أن يحرما أن يؤكلا أو يشربا. وإذا كان هذا هكذا ففيه كفاية مع أن ثم دلالة بسنة رسول الله ﷺ فلما أمر رسول الله ﷺ بقتل الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور دل هذا على تحريم أكل ما أمر بقتله في الإحرام ولما كان هذا من الطائر والدواب كما وصفت دل هذا على أن أنظر إلى كل ما كانت العرب تأكله فيكون حلالا وإلى ما لم تكن العرب تأكله فيكون حراما فلم تكن العرب تأكل كلبا ولا ذئبا ولا أسدا ولا نمرا وتأكل الضبع فالضبع حلال ويجزيها المحرم بخبر عن النبي ﷺ أنها صيد وتؤكل، ولم تأكل الفأر ولا العقارب ولا الحيات ولا الحدأ ولا الغربان فجاءت السنة موافقة للقرآن بتحريم ما حرموا وإحلال ما أحلوا وإباحة أن يقتل في الإحرام ما كان غير حلال أن يؤكل ثم هذا أصله، فلا يجوز أن يؤكل الرخم ولا البغاث ولا الصقور ولا الصوائد من الطائر كله مثل الشواهين والبزاة والبواشق ولا تؤكل الخنافس ولا الجعلان ولا العظاء ولا اللحكاء ولا العنكبوت ولا الزنابير ولا كل ما كانت العرب لا تأكله. ويؤكل الضب والأرنب والوبر وحمار الوحش وكل ما أكلته العرب أو فداه المحرم في سنة أو أثر، وتؤكل الضبع والثعلب.
[قال الشافعي]: أخبرنا مسلم وعبد المجيد وعبد الله بن الحارث عن ابن جريج عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن ابن أبي عمار قال سألت جابر بن عبد الله عن الضبع: أصيد هي؟ فقال: نعم. قلت أتؤكل؟ قال: نعم، قلت: أسمعته من رسول الله ﷺ؟ قال: نعم.
[قال الشافعي]: وما يباع لحم الضباع بمكة إلا بين الصفا والمروة وكل ذي ناب من السباع لا يكون إلا ما عدا على الناس وذلك لا يكون إلا في ثلاثة أصناف من السباع الأسد والذئاب والنمور فأما الضبع فلا يعدو على الناس وكذلك الثعلب ويؤكل اليربوع والقنفذ.
[قال الشافعي]: والدواب والطير على أصولها، فما كان منها أصله وحشيا واستؤنس فهو فيما يحل منه ويحرم كالوحش وذلك مثل حمار الوحش والظبي يستأنسان والحمار يستأنس فلا يكون للمحرم قتله فإن قتله فعليه جزاؤه ويحل أن يذبح حمار الوحش المستأنس فيؤكل وما كان لا أصل له في الوحش، مثل الدجاج، والحمر الأهلية، والإبل، والغنم، والبقر. فتوحشت فقتلها المحرم، لم يجزها، ويغرم قيمتها للمالك، إن كان لها، لأنا صيرنا هذه الأشياء كلها على أصولها، فإن قال قائل: في الوحش بقر وظباء مثل البقر والغنم؟ قيل: نعم، تخلق غير خلق الأهلية، شبها لها معروفة منها. ولو أنا زعمنا أن حمار الوحش إذا تأهل لا يحل أكله، دخل علينا أن لو قتله محرم لم يجزه. كما لو قتل حمارا أهليا لم يجزه، ودخل علينا في الحمار الأهلي أن لو توحش كان حلالا، وكل ما توحش من الأهلي، في حكم الوحشي، وما استؤنس من الوحشي، في حكم الإنسي: فأما الإبل التي أكثر علفها العذرة اليابسة، فكل ما صنع هذا من الدواب التي تؤكل، فهي جلالة، وأرواح العذرة توجد في عرقها وجرارها، لأن لحومها تغتذي بها فتقلبها. وما كان من الإبل وغيرها، أكثر علفه من غير هذا، وكان ينال هذا قليلا، فلا يبين في عرقه ولا جرره، لأن اغتذاءه من غيره، فليس بجلال منهي عنه. والجلالة منهي عن لحومها حتى تعلف علفا غيره ما تصير به إلى أن يوجد عرقها وجررها منقلبا عما كانت تكون عليه فيعلم أن اغتذاءها قد انقلب، فانقلب عرقها وجررها فتؤكل إذا كانت هكذا. ولا تجد شيئا نستطيع أن نجده فيها كلها أبين من هذا، وقد جاء في بعض الآثار: أن البعير يعلف أربعين ليلة، والشاة عددا أقل من هذا، والدجاجة سبعا. وكلهم فيما يرى إنما أراد المعنى الذي وصفت، من تغيرها من الطباع المكروهة، إلى الطباع غير المكروهة، التي هي في فطرة الدواب.