بسم الله الرحمن الرحيم
أخبرنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا الشافعي رضي الله تعالى عنه قال: قال الله عز وجل: {والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم} أخبرنا عبد الله بن الحارث بن عبد الملك بن جريج أنه قال لعطاء: ما الخير؟ المال، أو الصلاح، أو كل ذلك؟ قال: ما نراه إلا المال، قلت: فإن لم يكن عنده مال وكان رجل صدق؟ قال: ما أحسب خيرا إلا. ذلك المال قال مجاهد: {إن علمتم فيهم خيرا} المال كائنة أخلاقهم وأديانهم ما كانت.
[قال الشافعي]: والخير كلمة يعرف ما أريد منها بالمخاطبة بها، قال الله عز وجل: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية} فعقلنا أنهم خير البرية بالإيمان وعمل الصالحات لا بالمال، وقال الله عز وجل: {والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير} فعقلنا أن الخير المنفعة بالأجر لا أن لهم في البدن مالا. وقال عز وجل: {إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا} فعقلنا أنه إن ترك مالا؛ لأن المال المتروك وبقوله: {الوصية للوالدين والأقربين} قال: فلما قال الله عز وجل: {إن علمتم فيهم خيرا} كان أظهر معانيها بدلالة ما استدللنا به من الكتاب قوة على اكتساب المال وأمانة؛ لأنه قد يكون قويا فيكسب فلا يؤدي إذا لم يكن ذا أمانة، وأمينا فلا يكون قويا على الكسب فلا يؤدي، قال: ولا يجوز عندي، والله تعالى أعلم، في قوله: {إن علمتم فيهم خيرا} إلا هذا وليس الظاهر أن القول إن علمت في عبدك مالا بمعنيين أحدهما أن المال لا يكون فيه إنما يكون عنده لا فيه، ولكن يكون فيه الاكتساب الذي يفيد المال، والثاني أن المال الذي في يده لسيده فكيف يكون أن يكاتبه بماله إنما يكاتبه بما يفيد العبد بعد بالكتابة؛ لأنه حينئذ يمنع ما أفاد العبد لأداء الكتابة، قال: ولعل من ذهب إلى أن الخير المال أنه أفاد بكسبه مالا للسيد، فيستدل على أنه كم يقدر مالا يعتق به كما أفاد أولا، والعبد والأمة البالغان في هذا سواء، كانا ذوي صنعة أو غير ذوي صنعة، إذا كان فيهما قوة على الاكتساب والأمانة.