→ باب الخلاف في الحجر | كتاب الأم - الصلح المؤلف: الشافعي |
الحوالة ← |
الصلح |
[أخبرنا الربيع بن سليمان]: قال أملى علينا الشافعي رحمه الله قال: أصل الصلح أنه بمنزلة البيع فما جاز في البيع جاز في الصلح وما لم يجز في البيع لم يجز في الصلح ثم يتشعب ويقع الصلح على ما يكون له ثمن من الجراح التي لها أرش وبين المرأة وزوجها التي لها عليه صداق، وكل هذا يقوم مقام الأثمان، ولا يجوز الصلح عندي إلا على أمر معروف كما لا يجوز البيع إلا على أمر معروف، وقد روي عن عمر رضي الله عنه الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا. ومن الحرام الذي يقع في الصلح أن يقع عندي على المجهول الذي لو كان بيعا كان حراما وإذا مات الرجل وورثته امرأة أو ولد أو كلالة فصالح بعض الورثة بعضا فإن وقع الصلح على معرفة من المصالح والمصالح بحقوقهم أو إقرار بمعرفتهم بحقوقهم، وتقابض المتصالحان قبل أن يتفرقا فالصلح جائز وإن وقع على غيره معرفة منهما بمبلغ حقهما أو حق المصالح منهما لم يجز الصلح كما لا يجوز بيع مال امرئ لا يعرفه وإذا ادعى الرجل على الرجل الدعوى في العبد أو غيره أو ادعى عليه جناية عمدا أو خطأ بما يجوز به البيع كان الصلح نقدا أو نسيئة وإذا كان المدعى عليه ينكر فالصلح باطل وهما على أصل حقهما ويرجع المدعي على دعواه والمعطي بما أعطى، وسواء إذا أفسدت الصلح قال المدعي قد أبرأتك مما ادعيت عليك أو لم يقله من قبل أنه إنما أبرأه على أن يتم له ما أخذ منه، وليس هذا بأكثر من أن يبيعه البيع الفاسد فإذا لم يتم له الفساد رجع كل واحد منهما على أصل ملكه كما كانا قبل أن يتبايعا. فإذا أراد الرجلان الصلح وكره المدعى عليه الإقرار فلا بأس أن يقر رجل أجنبي على المدعى عليه بما ادعى عليه من جناية أو مال ثم يؤدي ذلك عنه صلحا فيكون صحيحا، وليس للذي أعطى على الرجل أن يرجع على المصالح المدعى عليه، ولا للمصالح المدعي أن يرجع على المدعى عليه؛ لأنه قد أخذ العوض من حقه إلا أن يعقدا صلحهما على فساد فيكونون كما كانوا في أول ما تداعوا قبل الصلح. قال: ولو ادعى رجل على رجل حقا في دار فأقر له بدعواه وصالحه من ذلك على إبل أو بقر أو غنم أو رقيق أو بز موصوف أو دنانير أو دراهم موصوفة أو طعام إلى أجل مسمى كان الصلح جائزا كما يجوز لو بيع ذلك إلى ذلك الأجل، ولو ادعى عليه شقصا من دار فأقر له به ثم صالحه على أن أعطاه بذلك بيتا معروفا من الدار ملكا له أو سكنى له عدد سنين فذلك جائز كما يجوز لو اقتسماه أو تكارى شقصا له في دار، ولكنه لو قال أصالحك على سكنى هذا المسكن، ولم يسم وقتا كان الصلح فاسدا من قبل أن هذا لا يجوز كما لو ابتدأه حتى يكون إلى أجل معلوم وهكذا لو صالحه على أن يكريه هذه الأرض سنين يزرعها أو على شقص من دار أخرى سمى ذلك وعرف جاز كما يجوز في البيع والكراء وإذا لم يسمه لم يجز كما لا يجوز في البيوع والكراء.
[قال الشافعي]: ولو أن رجلا أشرع ظلة أو جناحا على طريق نافذة فخاصمه رجل؛ ليمنعه منه فصالحه على شيء على أن يدعه كان الصلح باطلا؛ لأنه أخذ منه على ما لا يملك ونظر فإن كان إشراعه غير مضر خلي بينه وبينه، وإن كان مضرا منعه وكذلك لو أراد إشراعه على طريق لرجل خاصة ليس بنافذ أو لقوم فصالحه أو صالحوه على شيء أخذوه منه على أن يدعوه يشرعه كان الصلح في هذا باطلا من قبل أنه إنما أشرع في جدار نفسه وعلى هواء لا يملك ما تحته، ولا ما فوقه فإن أراد أن يثبت خشبة ويصح بينه وبينهم الشرط؛ فليجعل ذلك في خشب يحمله على جدرانهم وجداره فيكون ذلك شراء محمل الخشب، ويكون الخشب بأعيانه موصوفا أو موصوف الموضع أو يعطيهم شيئا على أن يقروا له بخشب يشرعه ويشهدون على أنفسهم أنهم أقروا له بمحمل هذا الخشب ومبلغ شروعه بحق عرفوه له فلا يكون لهم بعده أن ينزعوه. قال: وإن ادعى رجل حقا في دار أو أرض فأقر له المدعى عليه وصالحه من دعواه على خدمة عبد أو ركوب دابة أو زراعة أرض أو سكنى دار أو شيء مما يكون فيه الإجارات ثم مات المدعي والمدعى عليه أو أحدهما فالصلح جائز ولورثة المدعي السكنى والركوب والزراعة والخدمة وما صالحهم عليه المصالح.
[قال الشافعي]: ولو كان الذي تلف الدابة التي صالح على ركوبها أو المسكن الذي صالح على سكنه أو الأرض التي صولح على زراعتها فإن كان ذلك قبل أن يأخذ منه المصالح شيئا فهو على حقه في الدار وقد انتقضت الإجارة وإن كان بعدما أخذ منه شيئا تم من الصلح بقدر ما أخذ إن كان نصفا أو ثلثا أو ربعا وانتقض من الصلح بقدر ما بقي يرجع به في أصل السكن الذي صولح عليه. قال: وهكذا لو صالحه على عبد بعينه أو ثوب بعينه أو دار بعينها فلم يقبضه حتى هلك انتقض الصلح، ورجع على أصل ما أقر له به، ولو كان صالحه على عبد بصفة أو غير صفة أو ثوب بصفة أو دنانير أو دراهم أو كيل أو وزن بصفة تم الصلح بينهما، وكان عليه مثل الصفة التي صالحه عليها. ولو صالحه على ربع أرض مشاع من دار معلومة جاز. ولو صالحه على أذرع من دار مسماة وهو يعرف أذرع الدار ويعرفه المصالح جاز وهذا كجزء من أجزاء وإن كان صالحه على أذرع وهو لا يعرف الذرع كله لم يجز من قبل أنه لا يدري كم قدر الذرع فيها ثلثا أو ربعا أو أكثر أو أقل. ولو صالحه على طعام جزاف أو دراهم جزاف أو عبد فجائز فإن استحق ذلك قبل القبض أو بعده بطل الصلح وإن هلك قبل القبض بطل الصلح. ولو كان صالحه على عبد بعينه، ولم يرد العبد فله خيار الرؤية فإن اختار أخذه جاز الصلح وإن اختار رده رد الصلح. [قال الربيع]:
[قال الشافعي]: بعد لا يجوز شراء عبد بعينه، ولا غيره إلى أجل ويكون له خيار رؤيته من قبل أن البيع لا يعدو بيع عين يراها المشتري والبائع عند تبايعهما وبيع صفة مضمون إلى أجل معلوم يكون على صاحبها أن يأتي بها من جميع الأرض وهذا العبد الذي بعينه إلى أجل إن تلف بطل البيع فهذا مرة يتم فيه البيع ومرة يبطل فيه البيع، والبيع لا يجوز إلا أن يتم في كل حال.
[قال الشافعي]: وهكذا كل ما صالحه عليه بعينه مما كان غائبا فله فيه خيار الرؤية. [قال الربيع]: رجع الشافعي عن خيار رؤية شيء بعينه.
[قال الشافعي]: ولو قبضه فهلك في يديه وبه عيب رجع بقيمة العيب، ولو لم يجد عيبا، ولكنه استحق نصفه أو سهم من ألف سهم منه كان لقابض العبد الخيار في أن يجيز من الصلح بقدر ما في يديه من العبد ويرجع بقدر ما استحق منه أو ينقض الصلح كله. [قال الربيع]: الذي يذهب إليه الشافعي أنه إذا بيع الشيء فاستحق بعضه بطل البيع كله؛ لأن الصفقة جمعت شيئين حلالا وحراما فبطل كله والصلح مثله.
[قال الشافعي]: ولو ادعى رجل حقا في دار فأقر له رجل أجنبي على المدعى عليه وصالحه على عبد بعينه فهو جائز وإن وجد بالعبد عيبا فرده أو استحق لم يكن له على الأجنبي شيء ورجع على دعواه في الدار وهكذا لو صالحه على عرض من العروض، ولو كان الأجنبي صالحه على دنانير أو دراهم أو عرض بصفة أو عبد بصفة فدفعه إليه ثم استحق كان له أن يرجع عليه بمثل تلك الدنانير والدراهم وذلك العرض بتلك الصفة. ولو كان الأجنبي إنما صالحه على دنانير بأعيانها فهي مثل العبد بعينه يعطيه إياها وإن استحقت أو وجد عيبا فردها لم يكن له على الأجنبي تباعة وكان له أن يرجع على أصل دعواه والأجنبي إذا كان صالح بغير إذن المدعى عليه فتطوع بما أعطى عنه فليس له أن يرجع به على صاحبه المدعى عليه، وإنما يكون له أن يرجع به إذا أمره أن يصالح عنه قال: ولو ادعى رجل على رجل حقا في دار فصالحه على بيت معروف سنين معلومة يسكنه كان جائزا أو على سطح معروف يبيت عليه كان جائزا فإن انهدم البيت أو السطح قبل السكنى رجع على أصل حقه وإن انهدم بعد السكنى تم من الصلح بقدر ما سكن وبات وانتقض منه بقدر ما بقي. ولو ادعى رجل حقا في دار وهي في يد رجل عارية أو وديعة أو كراء تصادقا على ذلك أو قامت به بينة فلا خصومة بينه وبين من الدار في يديه ومن لم ير أن يقضي على الغائب لم يقبل منه فيها بينة، وأمره إن خاف على بينته الموت أن يشهد على شهادتهم، ولو أن الذي في يديه أقر له بدعواه لم يقض له بإقراره؛ لأنه أقر له فيما لا يملك، ولو صالحه على شيء من دعواه فالصلح جائز والمصالح متطوع والجواب فيه كالجواب في المسائل قبلها من الأجنبي يصالح عن الدعوى. ولو ادعى رجل على رجل شيئا لم يسمه فصالحه منه على شيء لم يجز الصلح، وكذلك لا يجوز لو ادعى في شيء بعينه حتى يقر فإذا أقر جاز. ولو أقر في دعواه التي أجملها فقال: أنت صادق فيما ادعيت علي فصالحه منه على شيء كان جائزا كما يجوز لو تصادقا على شراء لا يعلم إلا بقولهما وإن لم يسم الشراء فقال: هذا ما اشتريت منك مما عرفت وعرفت فلا تباعة لي قبلك بعد هذا في شيء مما اشتريت منك. ولو كانت الدار في يدي رجلين فتداعيا كلها فاصطلحا على أن لأحدهما الثلث وللآخر الثلثين أو بيتا من الدار وللآخر ما بقي فإن كان هذا بعد إقرارهما فجائز وإن كان على الجحد فلا يجوز وهما على أصل دعواهما. ولو ادعى رجل على رجل دعوى فصالحه منها على شيء بعدما أقر له بدعواه غير أن ذلك غير معلوم ببينة تقوم عليه فقال المصالح للذي ادعى عليه: صالحتك من هذه الأرض. وقال الآخر: بل صالحتك من ثوب فالقول قوله مع يمينه ويكون خصما له في هذه الأرض.
[قال أبو محمد]: أصل قول الشافعي أنهما إذا اختلفا في الصلح تحالفا وكانا على أصل خصومتهما مثل البيع سواء إذا اختلفا تحالفا، ولم يكن بينهما بيع بعد الأيمان.
[قال الشافعي]: ولو كانت دار بين ورثة فادعى رجل فيها دعوى وبعضهم غائب أو حاضر فأقر له أحدهم ثم صالحه على شيء بعينه دنانير أو دراهم مضمونة فالصلح جائز وهذا الوارث المصالح متطوع، ولا يرجع على إخوته بشيء مما أدى عنهم؛ لأنه أدى عنهم بغير أمرهم إذا كانوا منكرين لدعواه، ولو صالحه على أن حقه له دون إخوته فإنما اشترى منه حقه دون إخوته وإن أنكر إخوته كان لهم خصما فإن قدر على أخذ حقه كان له وكانت لهم الشفعة معه بقدر حقوقهم وإن لم يقدر عليه رجع عليه بالصلح فأخذه منه وكان للآخر فيما أقر له به نصيبه من حقه.
[قال الشافعي]: ولو أن دارا في يدي رجلين ورثاها فادعى رجل فيها حقا فأنكر أحدهما، وأقر الآخر وصالحه على حقه منها خاصة دون حق أخيه فالصلح جائز وإن أراد أخوه أن يأخذ بالشفعة مما صالح عليه فله ذلك. ولو أن رجلين ادعيا دارا في يدي رجل وقالا هي ميراث لنا عن أبينا، وأنكر ذلك الرجل ثم صالح أحدهما من دعواه على شيء فالصلح باطل قال: ولو أقر لأحدهما فصالحه من ذلك الذي أقر له به على شيء كان لأخيه أن يدخل معه فيما أقر له بالنصف؛ لأنهما نسبا ذلك إلى أنه بينهما نصفين، ولو كانت المسألة بحالها فادعى كل واحد منهما عليه نصف الأرض التي في يديه فأقر لأحدهما بالنصف وجحد الآخر كان النصف الذي أقر به له دون المجحود وكان المجحود على خصومته، ولو صالحه منه على شيء كان ذلك له دون صاحبه، ولو أقر لأحدهما بجميع الأرض وإنما كان يدعي نصفها فإن كان لم يقر للآخر بأن له النصف فله الكل لا يرجع به عليه الآخر، وإن كان في أصل دعواه أنه زعم أن له النصف ولهذا كان له أن يرجع عليه بالنصف. قال: ولو ادعى رجلان على رجل دارا ميراثا فأقر لهما بذلك وصالح أحدهما من دعواه على شيء فليس لأخيه أن يشركه فيما صالحه عليه، وله أن يأخذ بالشفعة. ولو ادعى رجل على رجل دارا فأقر له بها وصالحه بعد الإقرار على أن يسكنها الذي في يديه فهي عارية إن شاء أتمها، وإن شاء لم يتمها، وإن كان لم يقر له الأعلى أن يسكنها فالصلح باطل، وهما على أصل خصومتها، ولو أن رجلا اشترى دارا فبناها مسجدا ثم جاء رجل فادعاها فأقر له باني المسجد بما ادعى فإن كان فضل من الدار فضل فهو له وإن كان لم يتصدق بالمسجد فهو له ويرجع عليه بقيمة ما هدم من داره. ولو صالحه من ذلك على صلح فهو جائز قال وإن أنكر المدعى عليه فأقر الذين المسجد والدار بين أظهرهم وصالحوه كان الصلح جائزا. وإذا باع رجل من رجل دارا ثم ادعى فيها رجل شيئا فأقر البائع له وصالحه فالصلح جائز. وهكذا لو غصب رجل من رجل دارا فباعها أو لم يبعها وادعى فيها رجل آخر دعوى فصالحه بعد الإقرار من دعواه على شيء كان الصلح جائزا وكذلك لو كانت في يده عارية أو وديعة. وإذا ادعى رجل دارا في يدي رجل فأقر له بها ثم جحده ثم صالحه فالصلح جائز، ولا يضره الجحد؛ لأنها ثبتت له بالإقرار الأول إذا تصادقا أو قامت بينة بالإقرار الأول فإن أنكر المصالح الآخذ لثمن الدار أن يكون أقر له بالدار، وقال: إنما صالحته على الجحد فالقول قوله مع يمينه والصلح مردود وهما على خصومتهما. ولو صالح رجل من دعوى أقر له بها على خدمة عبد سنة فقتل خطأ انتقض الصلح، ولم يكن على المصالح أن يشتري له عبدا غيره يخدمه، ولا على رب العبد أن يشتري له عبدا غيره يخدمه. قال: وهكذا لو كان له سكنى بيت فهدمه إنسان أو انهدم، ولو كان الصلح على خدمة عبد بعينه سنة فباعه المولى كان للمشتري الخيار إن شاء أن يجيز البيع ويكون لهذا الملك ولهذه الخدمة فعل وإن شاء أن يرد البيع رده وبه نأخذ. وفيه قول ثان: أن البيع منتقض؛ لأنه محول بينه وبينه. ولو كانت المسألة بحالها فأعتقه السيد كان العتق جائزا وكانت الخدمة عليه إلى منتهى السنة يرجع بها على السيد؛ لأن الإجارة بيع من البيوع عندنا لا ننقضه ما دام المستأجر سالما. قال: ولصاحب الخدمة أن يخدمه غيره ويؤاجره غيره في مثل عمله، وليس له أن يخرجه من المصر إلا بإذن سيده. ولو ادعى رجل في دار دعوى فأقر بها المدعى عليه، وصالحه منها على عبد قيمته مائة درهم ومائة درهم والعبد بعينه فلم يقبض المصالح العبد حتى جنى على حر أو عبد فسواء ذلك كله وللمصالح الخيار في أن يقبض العبد ثم يفديه أو يسلمه فيباع أو يرده على سيده وينقض الصلح، وليس له أن يجيز من الصلح بقدر المائة، ولو كان قبضه ثم جنى في يديه كان الصلح جائزا وكان كعبد اشتراه ثم جنى في يديه قال: ولو كان وجد بالعبد عيبا لم يكن أن يرده ويحبس المائة؛ لأنها صفقة واحدة لا يكون له أن يردها إلا معا، ولا يجيزها إلا معا إلا أن يشاء ذلك المردود عليه، ولو كان استحق كان له الخيار في أن يأخذ المائة بنصف الصلح ويرد نصفه؛ لأن الصفقة وقعت على شيئين. أحدهما: ليس للبائع، وليس للمشتري إمساكه، وله في العيب إمساكه إن شاء.
[قال الربيع]: أصل قوله إنه إذا استحق بعض المصالح به أو البيع به بطل الصلح والبيع جميعا؛ لأن الصفقة جمعت شيئين حلالا وحراما فبطل ذلك كله.
[قال الشافعي]: ولو كان الاستحقاق في العيب في الدراهم وإنما باعه بالدراهم بأعيانها كان كهو في العبد، ولو باعه بدراهم مسماة رجع بدراهم مثلها، ولو كان الصلح بعبد وزاده الآخذ للعبد ثوبا فاستحق العبد انتقض الصلح، وكان على دعواه، وأخذ ثوبه الذي زاده الذي في يديه الدار إن وجده قائما أو قيمته إن وجد مستهلكا، ولو كانت المسألة بحالها وتقابضا وجرح العبد جرحا لم يكن له أن ينقض الصلح وهذا مثل رجل اشترى عبدا ثم جرح عنده. قال: ولو كانت المسألة بحالها في العبد والثوب فوجد بالثوب عيبا فله الخيار بين أن يمسكه أو يرده وينتقض الصلح لا يكون له أن يرد بعض الصفقة دون بعض، ولو استحق العبد انتقض الصلح إلا أن يشاء أن يأخذ ما مع العبد، ولا يرجع بقيمة العبد. [قال الربيع]: إذا استحق العبد بطل الصلح في معنى قول الشافعي في غير هذا الموضع.
[قال الشافعي]: ولو كان الصلح عبدا ومائة درهم وزاده المدعى عليه عبدا أو غيره ثم خرج العبد الذي قبض أيهما كان حرا بطل الصلح وكان كرجل اشترى عبدا فخرج حرا، ولو كان العبد الذي استحق الذي أعطاه المدعي أو المدعى عليه قيل للذي استحق في يديه العبد: لك نقض الصلح إلا أن ترضى بترك نقضه وقبول ما صار في يديك مع العبد فلا تكره على نقضه وهكذا جميع ما استحق مما صالح عليه، ولو كان هذا سلما فاستحق العبد المسلم في الشيء الموصوف إلى الأجل المعلوم بطل السلم.
[قال الشافعي]: ولو كان المسلم عبدين بقيمة واحدة فاستحق أحدهما كان للمسلم إليه الخيار في نقض السلم ورد العبد الباقي في يديه أو إنفاذ البيع ويكون عليه نصف البيع الذي في العبد نصفه إلى أجله. [قال الربيع]: يبطل هذا كله وينفسخ.
[قال الشافعي]: وإذا كانت الدار في يدي رجلين كل واحد منهما في منزل على حدة فتداعيا العرصة فالعرصة بينهما نصفين؛ لأنها في أيديهما معا وإن أحب كل واحد منهما أحلفنا له صاحبه على دعواه فإذا حلفا فهي بينهما نصفين، ولو لم يحلفا واصطلحا على شيء أخذه أحدهما من الآخر بإقرار منه بحقه جاز الصلح، وهكذا لو كانت الدار منزلا أو منازل، السفل في يد أحدهما يدعيه والعلو في يد الآخر يدعيه فتداعيا عرصة الدار كانت بينهما نصفين كما وصفت. وإذا كان الجدار بين دارين أحدهما لرجل والأخرى لآخر وبينهما جدار ليس بمتصل ببناء واحد منهما اتصال البنيان إنما هو ملصق أو متصل ببناء كل واحد منهما فتداعياه، ولا بينة لهما تحالفا وكان بينهما نصفين، ولا أنظر في ذلك إلى من إليه الخوارج، ولا الدواخل، ولا أنصاف اللبن، ولا معاقد القمط؛ لأنه ليس في شيء من ذلك دلالة. ولو كانت المسألة بحالها ولأحدهما فيها جذوع، ولا شيء للآخر فيها عليه أحلفتهما، وأقررت الجذوع بحالها وجعلت الجدار بينهما نصفين؛ لأن الرجل قد يرتفق بجدار الرجل بالجذوع بأمره وغير أمره، ولو كان هذا الحائط متصلا ببناء أحدهما اتصال البنيان الذي لا يحدث مثله إلا من أول البنيان ومنقطعا من بناء الآخر جعلته للذي هو متصل ببنائه دون الذي هو منقطع من بنائه، ولو كان متصلا اتصالا يحدث مثله بعد كمال الجدار يخرج منه لبنة ويدخل أخرى أطول منها أحلفتهما وجعلته بينهما نصفين وإن تداعيا في هذا الجدار ثم اصطلحا منه على شيء بتصادق منهما على دعواهما أجزت الصلح وإذا قضيت بالجدار بينهما لم أجعل لواحد منهما أن يفتح فيه كوة، ولا يبني عليه بناء إلا بإذن صاحبه ودعوتهما إلى أن نقسمه بينهما إن شاءا فإن كان عرضه ذراعا أعطيت كل واحد منهما شبرا في طول الجدار ثم قلت له إن شئت أن تزيده من عرض دارك أو بيتك شبرا آخر؛ ليكون لك جدارا خالصا فذلك لك وإن شئت أن تقره بحاله، ولا تقاسم منه فاقرره وإذا كان الجدار بين رجلين فهدماه ثم اصطلحا على أن يكون لأحدهما ثلثه وللآخر ثلثاه على أن يحمل كل واحد منهما ما شاء عليه إذا بناه فالصلح فيه باطل، وإن شاءا قسمت بينهما أرضه وكذلك إن شاء أحدهما دون الآخر وإن شاءا تركاه فإذا بنياه لم يجز لواحد منهما أن يفتح فيه بابا، ولا كوة إلا بإذن صاحبه.
[قال الشافعي]: وإذا كان البيت في يد رجل فادعاه آخر واصطلحا على أن يكون لأحدهما سطحه، ولا بناء عليه والسفل للآخر فأصل ما أذهب إليه من الصلح أن لا يجوز إلا على الإقرار فإن تقارا أجزت هذا بينهما وجعلت لهذا علوه ولهذا سفله، وأجزت فيما أقر له به الآخر ما شاء إذا أقر أن له أن يبني عليه، ولا تجيزه إذا بنى وسواء كان عليه علو لم أجزه إلا على إقراره، ولو أن رجلا باع علو بيت لا بناء عليه على أن للمشتري أن يبني على جداره ويسكن على سطحه وسمى منتهى البناء أجزت ذلك كما أجيز أن يبيع أرضا لا بناء فيها، ولا فرق بينهما إلا في خصلة: أن من باع دارا لا بناء فيها فللمشتري أن يبني ما شاء ومن باع سطحا بأرضه أو أرضا ورءوس جدران احتجت إلى أن أعلم كم مبلغ البناء؛ لأن من البناء ما لا تحمله الجدران. قال: ولو كانت دار في يدي رجل في سفلها درج إلى علوها فتداعى صاحبا السفل والعلو الدرج والدرج بطريق صاحب العلو فهي لصاحب العلو دون صاحب السفل بعد الأيمان وسواء كانت الدرج معقودة أو غير معقودة؛ لأن الدرج إنما تتخذ ممرا وإن ارتفق بما تحتها، ولو كان الناس يتخذون الدرج للمرتفق ويجعلون ظهورها مدرجة لا بطريق من الطرق جعلت الدرج بين صاحب السفل والعلو؛ لأن فيها منفعتين إحداهما بيد صاحب السفل والأخرى بيد صاحب العلو بعدما أحلفهما. وإذا كان البيت السفل في يد رجل والعلو في يد آخر فتداعيا سقفه فالسقف بينهما؛ لأنه في يد كل واحد منهما هو سقف للسفل مانع له وسطح للعلو أرضه له فهو بينهما نصفين بعد أن لا تكون بينة وبعد أن يتحالفا عليه وإذا اصطلحا على أن ينقض العلو والسفل لعلة فيهما أو في أحدهما أو غير علة فذلك لهما ويعيدان معا البناء كما كان ويؤخذ صاحب السفل بالبناء إذا كان هدمه على أن يبنيه أو هدمه بغير علة وإن سقط البيت لم يجبر صاحب السفل على البناء وإن تطوع صاحب العلو بأن يبني السفل كما كان ويبني علوه كما كان فذلك له، وليس له أن يمنع صاحب السفل من سكنه ونقض الجدران له متى شاء أن يهدمها ومتى جاءه صاحب السفل بقيمة بنائه كان له أن يأخذه منه ويصير البناء لصاحب السفل إلا أن يختار الذي بنى أن يهدم بناءه فيكون ذلك له، وأصلح لصاحب العلو أن يبنيه بقضاء قاض. وإن تصادقا على أن صاحب السفل امتنع من بنائه وبناه صاحب العلو بغير قضاء قاض فجائز كهو بقضاء قاض وإذا كانت لرجل نخلة أو شجرة فاستعلت حتى انتشرت أغصانها على دار رجل فعلى صاحب النخلة والشجرة قطع ما شرع في دار الرجل منها إلا أن يشاء رب الدار تركه فإن شاء تركه فذلك له وإن أراد تركه على شيء يأخذه منه فليس بجائز من قبل أن ذلك إن كان كراء أو شراء فإنما هو كراء هواء لا أرض له، ولا قرار، ولا بأس بتركه على وجه المعروف وإذا تداعى رجلان في عينين أو بئرين أو نهرين أو غيلين دعوى فاصطلحا على أن أبرأ كل واحد منهما صاحبه من دعواه في إحدى العينين أو البئرين أو النهرين أو ما سمينا على أن لهذا هذه العين تامة ولهذا هذه العين تامة فإن كان بعد إقرار منهما فالصلح جائز كما يجوز شراء بعض عين بشراء بعض عين وإذا كان النهر بين قوم فاصطلحوا على إصلاحه ببناء أو كبس أو غير ذلك على أن تكون النفقة بينهم سواء فذلك جائز فإن دعا بعضهم إلى عمله وامتنع بعضهم لم يجبر الممتنع على العمل إذا لم يكن فيه ضرر وكذلك لو كان فيه ضرر لم يجبر والله أعلم. ويقال لهؤلاء إن شئتم فتطوعوا بالعمارة ويأخذ هذا ماءه معكم ومتى شئتم أن تهدموا العمارة هدمتموها، وأنتم مالكون للعمارة دونه حتى يعطيكم ما يلزمه في العمارة ويملكها معكم، وهكذا العين والبئر، وإذا ادعى رجل عود خشبة أو ميزاب أو غير ذلك في جدار رجل فصالحه الرجل من دعواه على شيء جاز إذا أقر له به. ولو ادعى رجل زرعا في أرض رجل فصالحه من ذلك على دراهم مسماة فذلك جائز؛ لأن له أن يبيع زرعه أخضر ممن يقصله، ولو كان الزرع لرجلين فادعى رجل فيه دعوى فصالحه أحدهما على نصف الزرع لم يجز من قبل أنه لا يجوز أن يقسم الزرع أخضر، ولا يجيز هذا على أن يقطع منه شيئا حتى يرضى وإذا ادعى رجل على رجل دعوى في دار فصولح منها على دار أو بعد أو غيره فله فيها خيار الرؤية كما يكون في البيع فإن أقر أن قد رآه قبل الصلح فلا خيار له إلا أن يتغير عن حاله التي رآه عليها. قال وإذا ادعى رجل على رجل دراهم فأقر له بها ثم صالحه على دنانير فإن تقابضا قبل أن يتفرقا جاز، وإن تفرقا قبل أن يتقابضا كانت له عليه الدراهم، ولم يجز الصلح، ولو قبض بعضا وبقي بعض جاز الصلح فيما قبض وانتقض فيما لم يقبض إذا رضي ذلك المصالح الآخذ منه الدنانير. [قال الربيع]: وفيه قول آخر أنه لا يجوز شيء من الصلح؛ لأنه صالحه من دنانير على دراهم يأخذها فكان هذا مثل الصرف لو بقي منه درهم انتقض الصرف كله وهو معنى قول الشافعي في غير هذا الموضع: وإذا ادعى رجل شقصا في دار فأقر له به المدعى عليه وصالحه منه على عبد بعينه أو ثياب بأعيانها أو موصوفة إلى أجل مسمى فذلك جائز، وليس له أن يبيع ما صالحه من ذلك قبل أن يقبضه كما لا يكون له أن يبيع ما اشترى قبل أن يقبضه، والصلح بيع ما جاز فيه جاز في البيع وما رد فيه رد في البيع، وسواء موصوف أو بعينه لا يبيعه حتى يقبضه وهكذا كل ما صالح عليه من كيل أو عين موصوف ليس له أن يبيعه منه، ولا من غيره حتى يقبضه؛ لأن (النبي ﷺ نهى عن بيع الطعام إذا ابتيع حتى يقبض) وكل شيء ابتيع عندنا بمنزلته وذلك أنه مضمون من مال البائع فلا يبيع ما ضمانه من ملك غيره.
وإذا ادعى رجل على رجل دعوى فأقر له بها فصالحه على عبدين بأعيانهما فقبض أحدهما ومات الآخر قبل القبض فالمصالح بالخيار في رد العبد ويرجع على حقه من الدار أو إجازة الصلح بحصة العبد المقبوض ويكون له نصيبه من الدار بقدر حصة العبد الميت قبل أن يقبضه، ولو كان الصلح على عبد فمات بطل الصلح وكان على حقه من الدار، ولو لم يمت ولكن رجلا جنى عليه فقتله خير بين أن يجيز الصلح ويتبع الجاني أو يرد الصلح ويتبعه رب العبد البائع له. وهكذا لو قتله عبد أو حر. ولو كان الصلح على خدمة عبد سنة فقتل العبد فأخذ مالكه قيمته فلا يجبر المصالح ولا رب العبد على أن يعطيه عبدا مكانه فإن كان استخدمه شيئا جاز من الصلح بقدر ما استخدمه وبطل من الصلح بقدر ما بطل من الخدمة، ولو لم يمت العبد ولكنه جرح جرحا فاختار سيده أن يدعه يباع كان كالموت والاستحقاق. ولو ادعى رجل على رجل شيئا فأقر له به فصالحه المقر على مسيل ماء فإن سمى له عرض الأرض التي يسيل عليها الماء وطولها ومنتهاها فجائز إذا كان يملك الأرض لم يجز إلا بأن يقول يسيل الماء في كذا وكذا لوقت معلوم كما لا يجوز الكراء إلا إلى وقت معلوم وإن لم يسم إلا مسيلا لم يجز، ولو صالحه على أن يسقي أرضا له من نهر أو عين وقتا من الأوقات لم يجز، ولكنه يجوز له لو صالحه بثلث العين أو ربعها وكان يملك تلك العين. وهكذا لو صالحه على أن يسقي ماشية له شهرا من مائه لم يجز. وإذا كانت الدار لرجلين لأحدهما منها أقل مما للآخر فدعا صاحب النصيب الكثير إلى القسم وكرهه صاحب النصيب القليل؛ لأنه لا يبقى له منه ما ينتفع به أجبرته على القسم وهكذا لو كانت بين عدد فكان أحدهم ينتفع والآخرون لا ينتفعون أجبرتهم على القسم للذي دعا إلى القسم وجمعت للآخرين نصيبهم إن شاءوا، وإذا كان الضرر عليهم جميعا إنما يقسم إذا كان أحدهم يصير إلى منفعة وإن قلت.