→ باب الحج | كتاب الأم كتاب اختلاف مالك والشافعي رضي الله عنهما الشافعي |
باب ما جاء في الصدقات ← |
أخبرنا أبو محمد الربيع بن سليمان المرادي المؤذن صاحب الشافعي رحمه الله تعالى قال: سألت الشافعي بأي شيء تثبت الخبر عن رسول الله ﷺ؟ فقال: قد كتبت هذه الحجة في كتاب " جماع العلم " فقلت: أعد من هذا مذهبك ولا تبال أن يكون فيه في هذا الموضع ف[قال الشافعي]: إذا حدث الثقة عن الثقة حتى ينتهي إلى رسول الله ﷺ فهو ثابت عن رسول الله ﷺ ولا نترك لرسول الله حديثا أبدا إلا حديثا وجد عن رسول الله حديث يخالفه، وإذا اختلفت الأحاديث عنه فالاختلاف فيها وجهان: أحدهما أن يكون بها ناسخ ومنسوخ فنعمل بالناسخ ونترك المنسوخ، والآخر أن تختلف، ولا دلالة على أيها الناسخ فنذهب إلى أثبت الروايتين فإن تكافأتا ذهبت إلى أشبه الحديثين بكتاب الله وسنة نبيه فيما سوى ما اختلف فيه الحديثان من سنته ولا يعدو حديثان اختلفا عن النبي ﷺ أن يوجد فيهما هذا أو غيره مما يدل على الأثبت من الرواية عن رسول الله ﷺ فإذا كان الحديث عن رسول الله ﷺ لا مخالف له عنه، وكان يروى عمن دون رسول الله ﷺ حديث يوافقه لم يزده قوة، وحديث النبي ﷺ مستغن بنفسه، وإن كان يروى عمن دون رسول الله حديث يخالفه لم ألتفت إلى ما خالفه وحديث رسول الله أولى أن يؤخذ به، ولو علم من روى خلاف سنة رسول الله ﷺ سنته اتبعها إن شاء الله فقلت للشافعي: أفيذهب صاحبنا هذا المذهب؟ قال: نعم في بعض العلم وتركه في بعض قلت: فاذكر ما ذهب إليه صاحبنا من حديث النبي ﷺ مما لم يرو عن الأئمة أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي شيئا يوافقه، فقال: نعم سأذكر من ذلك - إن شاء الله - ما يدل على ما وصفت، وأذكر أيضا ما ذهب إليه من حديث رسول الله وفيه عن بعض الأئمة ما يخالفه ليكون أثبت للحجة عليكم في اختلاف أقاويلكم فتستغنون مرة بالحديث عن النبي دون غيره وتدعون له ما خالفه ثم تدعون الحديث مرة أخرى بغير حديث يخالفه.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ومن ذلك أنه أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس، قال: وأخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة كلاهما قالا: (إن الشمس خسفت فصلى النبي ﷺ ركعتين ووصفاهما في كل ركعة ركعتين) [قال: الشافعي] رحمه الله تعالى فأخذنا نحن وأنتم به وخالفنا غيركم من الناس فقال: تصلي ركعتين كصلاة الناس وروى حديثا عن النبي ﷺ مثل قوله، وخالفنا غيرهم من الناس فقال: تصلي ركعتين، في كل ركعة ثلاث ركعات واحتج علينا بأن ابن عباس صلى في زلزلة ركعتين، في كل ركعة ثلاث ركعات واحتج علينا غيره بأن علي بن أبي طالب صلى ركعتين، في كل ركعة أربع ركعات أو خمس وكانت حجتنا عليهم أن الحديث إذا ثبت عن رسول الله ﷺ لم يكن في أحد بعده حجة لو جاء عنه شيء يخالفه.
[قال الشافعي]: رحمه الله: وأخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وعن يسر بن سعيد وعن الأعرج يحدثونه عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: (من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر) فقلنا: نحن وأنتم بهذا، وخالفنا بعض الناس فيه فقال: هو مدرك العصر، وصلاته الصبح فائتة من قبل أنه خرج إلى وقت نهى فيه رسول الله ﷺ عن الصلاة.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: فكانت حجتنا عليه أن النبي ﷺ إنما نهى عما لا يلزم من الصلوات، وهذه صلاة لازمة قد بينها وأخبر أنه مدرك في الحالين معا أفرأيتم لو احتج عليكم رجل فقال: كيف ثبتم حديث أبي هريرة وحده عن النبي ﷺ ولم يروه أحد علمته عن النبي ﷺ غير أبي هريرة ولم تردوه بأن هذا لم يرو عن أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا أحد من أصحاب رسول الله ﷺ؟ قلت: ما كانت حجتنا عليه إلا أنه إذا ثبت الحديث عن رسول الله ﷺ استغني به عمن سواه.
[قال الشافعي]: أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ قال: (إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم) فأخذنا نحن وأنتم به أفرأيتم إن قال لنا قائل: إن الحر والبرد لم يحدثا بعد ولم يذهبا بعد فلما لم يأت عن أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي أنهم أمروا بالإبراد، ولم ترووه عن واحد منهم وكان النبي ﷺ يحض على أول الوقت وذلك في الحر والبرد سواء هل الحجة إلا ثبوت هذا عن النبي ﷺ وأن حضه على أول الوقت لا يدفع أمره بتأخير الظهر في شدة الحرة، ولو لم يرو عن أحد من أصحاب النبي ﷺ استغني فيه بالخبر عن رسول الله ﷺ.
[قال الشافعي]: أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن حميدة بنت عبيد بن رفاعة عن كبشة بنت كعب بن مالك عن أبي قتادة: (أن رسول الله ﷺ قال في الهرة: إنها ليست بنجس) قال: فأخذنا نحن وأنتم به فقلنا: لا بأس بالوضوء بفضل الهرة وخالفنا بعض الناس فكره الوضوء بفضلها واحتج بأن ابن عمر كره الوضوء بفضلها أفرأيتم إن قال لكم قائل: حديث حميدة عن كبشة لا يثبت مثله والهرة لم تزل عند الناس بعد النبي ﷺ فنحن نوهنه بأن لم يرو عن أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ما يوافق ما روي عن النبي ﷺ واحتج أيضا بأن النبي ﷺ قال: (إذا شرب الكلب من إناء أحدكم فليغسله سبع مرات) والكلب لا يؤكل لحمه، ولا الهرة فلا أتوضأ بفضلها فهل الحجة عليه إلا أن المرأتين إن كانتا معروفتين ثبت حديثهما، وأن الهر غير الكلب الكلب نجس مأمور بغسل الإناء منه سبعا، ولا نتوضأ بفضله وفي الهرة حديث أنها ليست بنجس فنتوضأ بفضلها ونكتفي بالخبر عن النبي ﷺ من أن يكون أحد بعده قال به، ولا يكون في أحد قال بخلاف ما روي عن النبي ﷺ حجة، ولا في أن لم يرو إلا من وجه واحد إذا كان الوجه معروفا.
[قال الشافعي] أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عروة عن مروان عن بسرة بنت صفوان أنها سمعت النبي ﷺ يقول: (إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ) فقلنا نحن وأنتم به، وخالفنا بعض الناس فقال: لا يتوضأ من مس الذكر واحتج بحديث رواه عن النبي ﷺ يوافق قوله فكانت حجتنا عليه أن حديثه مجهول لا يثبت مثله، وحديثنا معروف، واحتج علينا بأن حذيفة وعلي بن أبي طالب وابن مسعود وابن عباس وعمران بن الحصين وعمار بن ياسر وسعد بن أبي وقاص قالوا: ليس في مس الذكر وضوء وقالوا: رويتم عن سعد قولكم، وروينا عنه خلافه ورويتموه عن ابن عمر ومن رويناه عنه أكثر، لا توضئون لو مسستم أنجس منه فكانت حجتنا أن ما ثبت عن النبي ﷺ لم يكن في قول أحد خالفه حجة على قوله فقال منهم قائل: أفلا نتهم الرواية عن رسول الله إذا جاء عن مثل من وصفت وكان من مس ما هو أنجس منه لا يجب عليه عندكم وضوء فقلت لا يجوز لعالم في دينه أن يحتج بما يرى الحجة في غيره قال: ولم لا تكون الحجة فيه؟ والغلط يمكن فيمن يروي فقلت له: أرأيت إن قال لك قائل: إن جميع ما رويت عمن رويته عنه فأخاف غلط كل محدث منهم عمن حدث عنه إذا روي عن النبي ﷺ خلافه قال: لا يجوز أن يتهم حديث أهل الثقة قلت: فهل رواه عن أحد منهم إلا واحد عن واحد؟ قال: نعم قلت: ورواه عن النبي ﷺ واحد عن واحد؟ قال: نعم، قلت: فإننا علمنا أن النبي ﷺ قاله بصدق المحدث عندي، وعلمنا أن من سمينا قاله بحديث الواحد عن الواحد؟ قال: نعم قلت: وعلمنا بأن النبي ﷺ قاله علمنا بأن من سمينا قاله؟ قال: نعم قلت: فإذا استوى العلمان من خبر الصادقين أيهما كان أولى بنا أن نصير إليه، آلخبر عن رسول الله ﷺ أولى بأن نأخذ به أو الخبر عمن دونه؟ قال: بل الخبر عن رسول الله ﷺ إن ثبت قلت: ثبوتهما واحد قال: فالخبر عن رسول الله ﷺ أولى أن يصار إليه، وإن أدخلتم على المخبرين عنه أنهم يمكن فيهم الغلط دخل عليكم في كل حديث روي مخالف الحديث الذي جاء عن رسول الله ﷺ فإن قلتم: ثبت خبر الصادقين فما ثبت عن النبي ﷺ أولى عندنا أن يؤخذ به.
[قال الشافعي]: أخبرنا مالك عن أبي الزبير المكي عن أبي الطفيل عامر بن واثلة عن معاذ بن جبل: (أن النبي ﷺ كان يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في سفره إلى تبوك) فأخذنا نحن، وأنتم به وخالفنا فيه غيرنا فروي عن ابن مسعود: (أن النبي ﷺ لم يجمع إلا بالمزدلفة) وروي عن عمر أنه كتب أن الجمع بين الصلاتين إلا من عذر من الكبائر فكانت حجتنا عليه أن ابن مسعود وإن قال: لم يفعل فقال غيره: فعل فقول من قال فعل أولى أن يؤخذ به لأنه شاهد، والذي قال لم يفعل غير شاهد وليس في قول أحد خالف ما روي عن النبي ﷺ حجة لما وصفت من أنا إذا علمنا أن النبي ﷺ قال شيئا، وغيره قال غيره فلا يشك مسلم في أن ما جاء عن النبي ﷺ كان أولى أن يؤخذ به، وإن أدخلت أن الرجال المحدثين يمكن فيهم الغلط. في حديث النبي ﷺ أدخلنا ذلك في حديث من روى عنه ما يخالف ما جاء عن النبي ﷺ وكان ذلك في حديث من روى عن بعض أصحاب النبي ﷺ أمكن؛ لأنه لا يروي عن النبي عليه السلام شيئا سماعا إلا أصحابه وأصحابه خير ممن بعدهم، وعامة من يروي عمن دونه التابعون فكيف يتهم حديث الأفضل ولا يتهم حديث الذي هو دونه؟ ولسنا نتهم منهم واحدا ولكنا نقبلهما معا، والحجة فيما قاله رسول الله ﷺ دون ما قال غيره ولا يوهن الجمع في السفر بأن يقول رجل سافر أبو بكر غازيا وحاجا وعمر حاجا وغازيا وعثمان غازيا وحاجا ولم يثبت أن أحدا منهم جمع في سفر بل يكتفي بما جاء عن النبي ﷺ فلا يوهنه إن لم يحفظ أنه عمل به بعده ولا يزيده قوة أن يكون عمل به بعده، ولو خولف بعد ما أوهنه وكانت الحجة فيما روي عنه دون ما خالفه.
[قال الشافعي]: أخبرنا مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد عن أبي هريرة قال: (صلى لنا رسول الله ﷺ صلاة العصر فسلم من ركعتين فقام ذو اليدين فقال: قصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال النبي ﷺ كل ذلك لم يكن ثم أقبل على الناس فقال: أصدق ذو اليدين؟ فقالوا: نعم فأتم رسول الله ﷺ ما بقي من الصلاة ثم سجد سجدتين وهو جالس) فقلنا نحن وأنتم بهذا وخالفنا غيرنا فقال: الكلام في الصلاة عامدا يقطعها وكذلك يقطعها الكلام وإن ظن المصلي أنه قد أكمل ثم تكلم وروي عن ابن مسعود أن رسول الله ﷺ قال: (إن الله يحدث من أمره ما شاء، وإن مما أحدث الله أن لا تكلموا في الصلاة) فقلنا: هذا لا يخالف حديثنا نهى عن الكلام عامدا فأما الكلام ساهيا فلم ينه عنه، والدليل على ذلك أن حديث ابن مسعود بمكة قبل الهجرة وحديث أبي هريرة بالمدينة بعد حديث ابن مسعود بزمان فلم نوهن نحن وأنتم هذا الحديث بأن لم يرو عن أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي أنهم فعلوا مثل هذا ولا قالوا من فعل مثل هذا جاز له واكتفينا بالخبر لما ثبت عن رسول الله ﷺ ولم نحتج فيه إلى أن يعمل به بعده غيره.
[قال: الشافعي] أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبد الرحمن الأعرج عن عبد الله بن بحينة قال: (صلى لنا رسول الله ﷺ ركعتين ثم قام فلم يجلس وقام الناس معه فلما قضى صلاته ونظرنا تسليمه كبر فسجد سجدتين، وهو جالس قبل التسليم) فأخذنا نحن وأنتم بهذا، وقلنا وقلتم يسجد للسهو في النقص من الصلاة قبل التسليم فخالفنا بعض الناس، وقال: تسجدان بعد التسليم واحتج بروايتنا فقال من احتج عن مالك سجدهما النبي ﷺ في الزيادة بعد السلام فسجدتهما كذلك وسجدهما في النقص قبل السلام فسجدتهما كذلك ولم نوهن هذا بأن لم يرو عن أحد من الأئمة فيه شيء يخالفه ولا يوافقه واكتفينا بحديث النبي ﷺ.
[قال الشافعي]: أخبرنا مالك عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عمن صلى مع النبي ﷺ يوم ذات الرقاع: (صلاة الخوف أن طائفة صفت معه، وطائفة وجاه العدو فصلى بالذين معه ركعة ثم ثبت قائما فأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم).
[قال الشافعي]: أخبرنا بعض أصحابنا عن عبد الله بن عمر عن أخيه عبيد الله بن عمر عن القاسم عن صالح بن خوات عن خوات بن جبير عن النبي ﷺ مثل معناه فأخذنا نحن وهو بهذا حتى حكي لنا عنه غير ما عرضنا عليه وخالفنا بعض الناس فقال فيه بخلاف قولنا فقال: لا تصلى صلاة الخوف اليوم فكانت حجتنا عليه ما ثبت عن رسول الله ﷺ وكان من حجته أن قال: قد اختلفت الأحاديث في صلاة الخوف عن النبي ﷺ ولم نعلم أن أبا بكر ولا عمر ولا عثمان ولا ثبت عن علي أن واحدا منهم صلى صلاة الخوف ولا أمروا بها، والصلاة خلف النبي ﷺ في الفضل ليست كهي خلف غيره، وبأن لم يرو عن خلفائه حديث يثبت بصلاتها، ولم يزالوا محاربين ومحاربا في زمانهم فهذا يدل على أنه كان للنبي ﷺ خاصة فكانت حجتنا عليه أن هذا إذا ثبت عن رسول الله ﷺ فهو عام إلا بدلالة؛ لأنه لا يكون شيء من فعله خاصا حتى تأتينا الدلالة من كتاب أو سنة أو إجماع أنه خاص وإلا اكتفينا بالحديث عن النبي ﷺ عمن بعده كما قلنا فيما قبله.