الرئيسيةبحث

التراث الشعبي ( Folklore )



رقصة المزمار الشعبية من التراث الشعبي في المملكة العربية السعودية.
التراث الشعبي عادات الناس وتقاليدهم وما يعبرون عنه من آراء وأفكار ومشاعر يتناقلونها جيلاً عن جيل. ويتكون الجزء الأكبر من التراث الشعبي من الحكايات الشعبية مثل الأشعار والقصائد المتغنّى بها وقصص الجن الشعبية والقصص البطولية والأساطير. ويشتمل التراث الشعبي أيضًا على الفنون والحرف وأنواع الرقص، واللعب، واللهو، والأغاني أو الحكايات الشعرية للأطفال، والأمثال السائرة، والألغاز والأحاجي، والمفاهيم الخرافية والاحتفالات والأعياد الدينية.

والتراث الشعبي قديم قدم الإنسان. وتحتوي المُدَوَّنَات المخطوطة التي تركها الناس قديمًا على أمثلة للتراث الشعبي. وعندما طور الناس نظام الكتابة، بدأوا في تسجيل أو تدوين القصص الشعبية. ليس من الضروري أن يكون التراث الشعبي مدونًا أو مكتوبًا، إذ إن كثيرًا منه قد تناقله الناس شفهيًا من شخص لآخر. وحتى في يومنا هذا، فإن بعض الشعوب ليست لها لغة مكتوبة، ولكن لديها الأغاني الشعبية والأساطير والخرافات وعناصر التراث الشعبي الأخرى. وفي بعض الأحيان ينتقل التراث الشعبي عن طريق المحاكاة والتقليد. ولقرون عديدة، تعلَّم الأطفال الألعاب مثل القفز، ولعب البِلْيَة (كرة زجاجيّة أو رخاميّة صغيرة يلعب بها الأطفال) وذلك عن طريق مشاهدة ومحاكاة وتقليد صغار الأطفال الآخرين.

وعندما يهاجر الناس من بلد لآخَر فإنهم يأخذون معهم التراث الشعبي الخاص بهم، ويقومون بتكييفه مع بيئاتهم ومحيطهم الجديد، ومن القرن السادس عشر الميلادي حتى القرن التاسع عشر الميلادي، على سبيل المثال، تم ترحيل الآلاف من غربي إفريقيا إلى النصف الغربي من الكرة الأرضية حيث استُعبدوا.

تحتوي الحكايات الشعبية لغربي إفريقيا على قصص حول عنكبوت ماكر يسمى أنانسي، وعلى مر السنين واصل الناس سرد الحكايات عن أنانسي، ومع ذلك فقد تغيرت القصص حول العنكبوت بصورة تدريجية لتعكس الحياة في العالم الجديد، واليوم أصبح الأنانسي رمزاً شعبياً محبوبًا في التراث الشعبي الإفريقي أو الزنجي في كل من غربي إفريقيا والمنطقة الكاريبية.

ظهور التراث الشعبي

اعتقد العلماء الغربيون في القرن التاسع عشر الميلادي أن التراث الشعبي في أزمنة غابرة كان مشتركًا بين كل أفراد المجتمع. كما كان معظم الناس آنذاك يعيشون في المجتمعات الريفية. وعبر القرون، انتقل عديد من الناس إلى المدن وبدأوا تدريجيًا يفقدون الاتصال بما سموه بالتقاليد الشعبية الأصيلة. ووفقًا لما ذكره علماء القرن التاسع عشر، فقد حُفظت تلك التقاليد بوساطة (الشعب)، أي الفلاحين غير المتعلمين الذين لم يتغير أسلوب حياتهم لمئات السنين إلا قليلاً.

كان من بين علماء التراث الشعبي الرئيسيين، الأخوان الألمانيان جَاكُوبْ وفيلْهلْم جِريم. ففي الفترة مابين 1807م إلى 1814م، قام الأخوان بجمع الحكايات الشعبيّة من القرويين الذين عاشوا قرب مدينة كَاسُل في ألمانيا. واعتقد الأخوان أنهما بجمع هذه الحكايات فإنهما يحفظان موروثات كل الألمان على مدى الزمن. وأصبحت الحكايات التي جمعاها مشهورة بحكايات جريم الخرافية للأخوين جريم.

ولكن صورًا من تلك الحكايات وجدت في أماكن أخرى من أوروبا، والشرق الأدنى، وآسيا. واليوم، يعرِّف العلماء، الشعب بمعناه الخاص بأنه مجموعة من الناس تشترك في عامل تواصل مشترك واحد على الأقل. هذا العامل ربما يكون الجغرافيا، كما في التراث الشعبي لمنطقة جبال الأوزاك في الولايات المتحدة، أو الدين كما في التراث الشعبي الإسلامي، أو المهنة كما في التراث الشعبي لرعاة البقر، أو الخلفية العرقية كما في التراث الشعبي الأيرلندي.

َيعتقد بعض العلماء أن مصطلح الشعب يمكن إطلاقه حتى على الأسرة وذلك لأن العديد من الأسر لها تقاليدها الخاصة بها.

خصائص التراث الشعبي:

يمكن أن يكون التراث الشعبي قصيرًا وبسيطًا أو طويلاً ومعقدًا. من النماذج الشهيرة للتراث الشعبي الأمثال السائرة المختصرة مثل "الزمن يمضي أو يطير" أو "المال يتحدث" ومن ناحية أخرى نجد المسرحيَّات الشعبيَّة الإندونيسية تبدأ عند مغيب الشمس وتنتهي في الفجر.

من الصعوبة بمكان اصطناع التراث الشعبي، ولاشك أن الأغاني والقصص والمواد الأخرى التي صارت تراثًا شعبيًا، هي بالطبع أفكار وتأملات مختلف الأفراد. غير أن أولئك الأفرادكانوا قد ملكوا قدرات فنية مكنتهم من إبداع فكرة أو أسلوب راقٍ للآخرين عبر السنين.

يدوم التراث الشعبي فقط إذا احتفظ بذلك الإغراء، إذ الناس لايسردون قصصًا ولا يتقيدون بعادات لا معنى لها بالنسبة لهم. وهذا هو السبب في مواصلة الناس تداول التراث الشعبي نفسه بصورة مكررة.

ولكي يُعَدَّ التراث الشعبي تراثًا أصيلاً يجب أن يكون للشيء أو الفقرة المعنية صورتان على الأقل، كما يجب أن تكون قد وجدت في أكثر من فترة واحدة ومكان واحد. على سبيل المثال ميَّز العلماء أكثر من 1,000 رواية مختلفة لقصة سندريلا. وتطورت تلك النصوص عبر مئات السنين في العديد من البلدان، منها الصين، وفرنسا، وألمانيا، وتركيا.

غالبًا ما تحدث التغييرات في التراث الشعبي عندما تنتقل القصة من شخص لآخر. وهذه التغييرات التي تسمّى التباينات تعد من أقوى الدلائل على أن الموضوع تراث شعبي حقيقي. وتظهر التباينات غالبًا في كل من كلمات وموسيقى الأغاني الشعبيَّة. وربما تستخدم نفس كلمات الأغنية الشعبيِّة مع ألحان مختلفة، أو توضع كلمات مختلفة على نفس اللحن.

أنواع التراث الشعبي

الأساطير:

قصص خيالية توضح كيفية وصول العالم والبشرية إلى شكلها الحالي. وتختلف الأساطير عن معظم أنواع القصص الشعبية في أنها، أي الأساطير، لاتحدث في حياة الناس الذين ينشئونها.

تتناول بعض الأساطير نشأة الأرض. في بعض تلك القصص نجد آلهة تخلق الأرض، وفي أخرى تنشأ الأرض عن الطُْوفان. ويدور عدد من الأساطير حول خلق الجنس البشري ومصدره أو منشأ الموت.

من التراث الشعبي في المغرب المزمار البلدي.

الحكايات الشعبية:

حكايات خرافية حول الحيوانات أو الإنسان. لا تحدد معظم تلك الحكايات زمانًا أو مكانًا لحدوث ما تصفه غير أنها تبدأ وتنتهي بطريقة معينة.على سبيل المثال، يبدأ الكثير من الحكايات الشعبية بعبارة "في يوم من الأيام" وتنتهي بعبارة "وكلهم عاشوا بعد ذلك في سعادة أبدية".

والقصص على ألسنة الحيوانات هي من أكثر أنواع الحكايات الشعبية رواجًا بين الناس، وترمي عادة إلى تعلي الناس السلوك الحسن والأخلاق الفاضلة. فإحدى هذه الحكايات، على سبيل المثال، تصف لنا سباقًا بين سلحفاة وأرنب وحشيَّة، وبرغم أن السلحفاة حيوان بطيء جدًا فقد كسبت السباق، لأن الأرنب توقَّفت بحماقة وغباء لتنام. هذه القصة تعطي درسًا، بأن من يعمل بعزيمة وإصرار يمكنه أن يأتي في الطليعة ويسبق من هو أسرع منه أو يتقدم عليه.

في مجموعة من الحكايات الشعبيَّة، يغادر البطل وطنه بحثًا عن هدف معين، ويمكن أن يكون رجلاً أو امرأة. وبعد العديد من المغامرات يكسب جائزة أو شريك حياة. وفي أغلب الأحوال يكون هذا الشريك أميرًا أو أميرة.

أحد الأنواع الرائجة من الحكايات الشعبية تشتمل على شخصية المحتال أو المخادع. وكل ثقافة لها رمزها الخاص لهذا المخادع. وتكون معظم هذه الشخصيات المخادعة عبارة عن حيوانات تعمل مثلما يعمل الإنسان.

في إفريقيا تحتوي رموز الخداع على السلحفاة والأرنب، والعنكبوت أنانسي. كما أن أكثر الرموز المعروفة لتلك الشخصية في التراث الشعبي الهندي في أمريكا الشمالية يتمثل في الذئب الصغير.

القصص البطولية:

مثل الأساطير، قصص تُسرد وكأنها وقائع حقيقية غير أن الحوادث فيها، تحدث على مسرح من الحياة الواقعية وليست من وراء الطبيعة وفي وقت قريب نسبيًا.

يتحدث بعض هذه القصص عن الكائنات البشرية التي تلاقي المخلوقات الخارقة للعادة، مثل الجن، والأشباح، والعفاريت، والسحرة. ويرتبط كثير منها بشخصيات مشهورة فارقت الحياة، وأخرى تخبر عن الشخصيات المقدسة والقيادات الدينيّة، وبعض القصص تبين كيف يَصْنَع بعض الناس المعجزات.

وينتهي الحَدَثْ في الأساطير والحكايات الشعبية بنتيجة القصة ونهايتها. ولكن الحدث في العديد من القصص البطولية لايكتمل بنهاية القصة. مثلاً الكنز المخفي ربما تنتهي قصته بأن الكنز لم يوجد حتى الآن. وحكاية البيت المسكون بالأشباح توحي بأن البيت مايزال مسكونًا بالأشباح.

ويتحدث بعضها عن وحش لوخ نس في أسكتلندا وعن الإنسان الجليدي الكريه الشكل، وهو إنسان ذو شعر يغطي كل جسمه يسكن في جبال الهملايا. يعتقد بعض الناس أن هذه المخلوقات موجودة فعلا، وتقوم الحملات من وقت لآخر بمحاولة العثور عليها.

رقصة التحطيب من التراث الشعبي في صعيد مصر

الأغاني الشعبيّة:

لكل نشاط إنساني أغنية شعبية تقريبًا. بعضها يرتبط بالعمل. على سبيل المثال، يغني البحارة عند إيقاف سفنهم أو جرها إلى الموقف أهازيج مختلفة. وبعض الأغنيات الشعبية ترتبط بمناسبات مثل الميلاد، والطفولة، والغزل، والزواج، والموت. ويغني الأب والأم لهدهدة الطفل حتى ينام. كما يؤدي الأطفال أغاني تقليدية جزءًا من لعبهم ولهوهم، وتُغنى بعض الأغاني في حفلات الزفاف وفي المآتم عند بعض الشعوب.

ترتبط بعض الأغاني الشعبية بالأنشطة الموسميّة، مثل الزراعة والحصاد. وبعضها يُغنّى في أعياد دينية معينة. كما أنّ بعض الأغاني الشعبية تُمَجد مآثر الأبطال الأسْطُوريين والحقيقيين. غير أن الناس يغنون الكثير من الأغاني الشعبيّة للترويح عن أنفسهم.

المعتقدات الخرافية والعادات:

السمة الغالبة لهذا العنصر من التراث الشعبي أنه مؤشر للمرحلة الحضارية التي يعيش فيها معتنقوها. على سبيل المثال تحتوي العديد من الثقافات على عادة بدائية لحماية الطفل المنتظر، تسمّى كُوفَيْد. وبناءً على هذه العادة تتظاهر الزوجات بأنهن على وشك الولادة، فيمتنعن عن أنواع معينة من الأطعمة يعتقدن أنها مضرة للطفل المتوقع. وربما يتفادين العمل أيضًا لأن مثل هذا النشاط يمكن أنْ يؤذي الطفل القادم.

وهناك عادة زواج تسمى شاريفاري وهو لَفظ موسيقي يقصد منه الإغاظة والمرح بدلاً من الغناء، وتنتشر بصورة واسعة في مجتمعات أوروبية مختلفة. في ليلة الزفاف، يقوم أصدقاء العريس والعروس بعزف الألحان بالضرب على القدور والمقلاة خارج غرفة نوم الزوجين. والرغبة في تفادي شاريفاري هي التي أدت إلى عادة قيام الزوجين بشهر العسل بعد الزفاف مباشرة.

يؤمن قليل من الناس بأنّ عددا كبيرًا من المعتقدات الخرافيّة والعادات، تساعد على التحكم في المستقبل أو التنبؤ به. وربما تقيم المجتمعات العاملة في حقل صيد الأسماك احتفالات كبيرة، تعد لتأكيد نجاح الصيد بصورة جيدة. كما أن العديد من الناس يحاولون التنبؤ بأحداث المستقبل بتحليل العلاقات بين النجوم والكواكب السيارة.

العطلات:

مناسبات خاصة تحتفل بها مجموعة من الناس، وتحتوي جميعها تقريباً على بعض عناصر التراث الشعبي.

التراث الشعبي والفنون

رقصة الغزاوي في المملكة العربية السعودية.
أسهم التراث الشعبي إسهامًا عظيما في الفنون في العالم. فتحولت الكثير من القصص والأغاني الشعبية إلى أعمال فنية جميلة. وأوحى التراث الشعبي أيضاً بالآثار الفنية الرائعة في الأدب والموسيقى والرسم والنحت. واستخدم كثير من الشعراء والأدباء عددًا من الحكايات الشعبية في أعمالهم. كما اعتمد وليم شِكْسِبير، مثلاً، في الحِبْكَة الدرامية للعديد من رواياته، على الحكايات الشعبية. وتشتمل هذه المسرحيَّات على الملك لير ؛ تاجر البُنْدُقِيَّة ؛ ترويض المرأة السَّليطة.

لقد جذبت بعض القصص البطولية والأساطير الفنانين والملحنين والكتاب عبر القرون.وأسهم التراث الشعبي العربي في ذلك بنصيب الأسد. فالقصص التي حواها كتابا ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة كانت الأساس لعدد مما عُدَّ من أروع الأعمال الأدبية في التراث الإنساني.

نشأت موسيقى الجاز من الموسيقى الشعبيّة للزنوج الجنوبيين في الولايات الجنوبية للولايات المتحدة الأمريكية. كما قام الملحنون الكلاسيكيون بتضمين أعمالهم ألحانًا شعبية. على سبيل المثال، استخدم الملحن التشيكي أنتونين دَفُورَاكٌْ الأناشيد الدينيّة الزنجية في تأليف سيمفونيته المشهورة من العالم الجديد. كما استخدم الملحن النمساوي موزارت فولفغانغ أماديوس لحن المع المع أيها النجم الصغير أساسًا لعمله الذي كتبه في عام 1778م.

التراث الشعبي والمجتمع

يعكس التراث الشعبي أفكار المجتمع واتجاهاته. على سبيل المثال، يعكس الكثير من التراث الشعبي كيفية تقدير المجتمع لدورَ كلٍ من الرجل والمرأة في واقع الحياة. في كثير من نماذج التراث الشعبي الغربي، تعتبر المرأة غير مُعِينة وغير مبدعة. ولا شك أن مجتمعًا يحتوي على مثل هذا التراث الشعبي يمنح الرجال تفوقًا مطلقًا على النساء، وقد ظهر هذا المفهوم في مثل يقول: "الخادمة الصافرة والدجاجة الصائحة لا تليقان بالرجال". ووفقًا لهذا المثل، فإن الفتاة التي تصفِّر كالصبي، والدجاجة التي تصيح كالديك كلتاهما غير طبيعي. يُوحي المثل بأنه لا يجوز للمرأة أن تحاول القيام بأعمال ترتبط تقليديًا بالرجال.

وتدعو عادة زواجٍ شائعة في الغرب العريس أن يحمل عروسه فوق عتبة بيتهما. وتفترض هذه العادة أنّ المرأة ضعيفة، ويجب أن يحملها الرجل القوي وَيَعبُر بها عبر مدخل البيت، وبالتالي عبر الحياة كلها. وفي العديد من حكايات الجن الشعبية، يُقبض على المرأة بوساطة نَذْل أو وَغْد وتنتظر بهدوء حتى يحضر رجل بطل ينقذها.

مقالات ذات صلة

المصدر: الموسوعة العربية العالمية