الرئيسيةبحث

الموسيقى العربية ( Arabic music )



الموسيقى العربية. عرف العرب ـ كغيرهم من الشعوب ـ الموسيقى منذ أقدم العصور، فقد كتبوا عن موسيقاهم، كما كتب عنها آخرون. وبرع فيها موسيقيون كثيرون على مر العصور وفي سائر البلاد العربية. وقد تأثرت الموسيقى العربية بموسيقى الأقطار المجاورة، كما أثرت بدورها في موسيقى البلاد المجاورة لها، بل في موسيقى بلاد غير متاخمة لها مثل أوروبا.

الكتابة الموسيقية العربية:

يمكن تقسيم الكتاب الذين كتبوا عن الموسيقى العربية إلى ثلاثة أقسام: الكتّاب القدامى، والمستشرقين، والكتاب المعاصرين. فمن القدامى الذين سبقوا غيرهم في الكتابة عن الموسيقى العربية إبراهيم ابن إسحاق الموصلي، والخليل بن أحمد الفراهيدي، الذي تذكر المراجع أنه ألف كتابًا في الموسيقى أسماه النغم والإيقاع، ومنهم كذلك أبو الفرج الأصفهاني مؤلف كتاب الأغاني، والفارابي مؤلف كتاب الموسيقى الكبير، وابن سينا، والكندي صاحب كتاب رسالة في خبر تأليف الألحان، وصفي الدين عبدالمؤمن البغدادي مؤلف كتاب الموسيقى الشرقية. وفي العصر الحديث كتب عنها عدد غير قليل ممن تخصصوا فيها، ومن هؤلاء زكريا يوسف، وعلي الدرويش، ووديع صبرا، وتوفيق الصباغ، وسليم الحلو مؤلف كتاب خمس حقائق تاريخية عن تأثير الموسيقى الغربية، الذي طبعه في لندن عام 1930م. أما من المستشرقين فهناك رودلف ديرلانجيه، ولويس هابا، والبروفيسور بوريك، والدكتور هنري جورة فارمز، مؤلف كتاب مصادر الموسيقى العربية.

ولعل أفضل من قدم الموسيقى العربية للغرب هو أوجين بوريل، رئيس جمعية الدراسات الموسيقية الغربية، الذي لخص بعض أبحاثه سليم الحلو صاحب الموسوعة الموسيقية، في كتابه تاريخ الموسيقى الشرقية. وأوجين بوريل هو الذي نبَّه الدارسين بالغرب إلى ضرورة إدخال الموسيقى العربية في البرامج الدراسية لطلاب الموسيقى في أوروبا.

النوتة العربية والسلم الموسيقى العربي القديم:

لعل أفضل تعريف للنوتة الموسيقية هو أنها لغة الأصوات اللحنية، وكما تكتب الكلمات لتقرأ فإن الموسيقى تُكْتَب ليعاد عزفها كما هي. فإذا ماتمت كتابة حديث معين على ورقة مثلاً فإن كل من يعثر على هذه الورقة يستطيع أن يقرأها، ولن يكون هناك أي فرق يذكر بين قراءة القراء المختلفين لهذه الورقة. والشيء نفسه يحدث بالنسبة للموسيقى المكتوبة. فإذا سُجِّلت الموسيقى بالنوتة فإن أي دارس للموسيقى يستطيع أن يعزفها، ولن تكون هناك أي فروق تذكر بين العازفين.

وعلى الرغم من عدم وجود سجل يحمل ألحان العرب القدامى، إلا أن هناك دلائل كثيرة تشير إلى أن العرب قد دوَّنوا ألحانهم بالحروف الألفبائية التي اصطلحوا عليها. ومن تلك الأدلة: 1- ماكتبه أبو الفرج الأصفهاني في الجزء العاشر من الأغاني. 2- معرفة العرب بمن سبقهم ممن عرفوا النوتة الموسيقية ـ كالإغريق مثلاً ـ وورود اسَميْ إقليدس وفيثاغورث وغيرهما. 3- اتصال العرب الوثيق بجيرانهم الفرس والهنود الذين كانت لهم نوتة موسيقية معروفة تناقلوها منذ آلاف السنين. 4- كتاب النغم والإيقاع المنسوب للخليل بن أحمد الفراهيدي. ولا يخفى على أحد شغف الخليل بن أحمد بالموسيقى والإيقاع، ومقدرته على التسجيل واختراع الرموز. فالذي استطاع أن يخترع العروض، ويحدد كل أوزان الشعر العربي وبحوره وموسيقاه لا يعجزه أبدًا أن يوجد نوتة تحدد النغم والإيقاع العربي.

وترجِّح كثير من المراجع أن الموسيقى العربية كانت من السلم الخماسي، كما كانت الموسيقى المصرية القديمة، والموسيقى البابلية والآشورية والسبأية، والموسيقى اليابانية والصينية، والموسيقى الإفريقية. والوسيلة التي لجأ إليها الباحثون لإثبات أن تلك الموسيقى القديمة كانت خماسية هي الآثار القديمة الموجودة حاليًا، والصور والمنحوتات. فنوع الوتر وطوله يوضح المساحة الصوتية، ويرشدنا إلى شكل البناء الموسيقي المستخدم، وهل هو رباعي أم خماسي أم سباعي. فعلى سبيل المثال: عرفنا أن الموسيقى المصرية القديمة كانت خماسية ـ كما يذكر الدكتور فتحي الصنفاوي مؤلف كتاب الموسيقى البدائية، وموسيقى الحضارات القديمة ـ من الآلات التي عُثِر عليها قرب الأهرامات، وفي وادي الملوك، وفي مقابر أمنحوتب ورمسيس وتوت عنخ آمون. وقد ساعدتنا المنحوتات والصور القديمة على تصوّر نوع الموسيقى، وهل كانت هادئة أم صاخبة. فعرفنا من النقوش والرسوم أنها كانت رزينة ووقورة، ولم تكن صاخبة، وأنها كانت ذات طابع تقديسي، ولا يمارسها إلا الكهنة في معابدهم. والذي أكد هذا هو حركات الأجسام الوقورة، ووجود الكهنة، وتقديم البخور، ووجود رموز وشعارات آلهتهم التي كانوا يقدسونها، إضافة إلى أزياء الموسيقيين أنفسهم، فقد تزيُّوا بأزياء كانت تشبه إلى حد كبير أزياء الكهنة. وعلى أي حال فإن كل هذه الأدلة تظل قاصرة عن أن تمدنا بالأصوات الحقيقية التي كانت لتلك الموسيقى الخماسية. ولو كانت مدونة لتمكن المعاصرون من قراءتها كما هي.

وباختلاط العرب بغيرهم من الشعوب تغيرت موسيقاهم من السلم الخماسي إلى السلم السباعي. وسُمِّي السلم الموسيقي بهذا الاسم لأنه يتكون من أصوات أساسية، أو درجات من الصوت تختلف بعضها عن بعض بالعلو. فكل سلم أو درجة تختلف عن الدرجة الأخرى في الحدة الصوتية. فالدرجة الثانية تزداد حدة عن الأولى والثالثة عن الثانية وهكذا. وإضافة إلى الحدة فإن هذه الدرجات تختلف أيضًا في عدد الذبذبات، أي في تردد صوتها في الهواء في الثانية الواحدة، وكلما ارتفعت درجة الصوت ازداد عدد هذه الذبذبات، وكلما انخفضت قل عددها. وتجدر الإشارة إلى أن عدد الذبذبات يختص بعلم النسب العددية للأصوات. وأول من وضع علم النسب العددية البسيطة لأبعاد ومسافات السلم اليوناني هو فيثاغورث، الذي عاش في القرن السادس قبل الميلاد. وقد تم لاحقًا تطوير دراسة الذبذبات الصوتية وإحصاؤها.

أصول النوتة الموسيقية العربية وأوصافها:

لعل أول وصف واضح لشيء ملحَّن بالنوتة العربية هو ماجاء في كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني. فقد ذكر المؤلف أن إسحاق الموصلي كتب إلى إبراهيم المهدي بجنس صوت صنعه فوصل خبره إلى إبراهيم المهدي فكتب يسأله عنه. فكتب إليه بشعره وإيقاعه وبسيطه ومجراه، وتجزئته وأقسامه ومخارج نغمه ومواضع مقاطعه ومقادير أدواره وأوزانه فغَنَّاه.

وقد جاء في وصف إسحاق الموصلي بالمرجع السابق نفسه أنه كان مغنيًّا بارعًا، وكان الغناء أصغر علومه، وأدنى ما يوسم به، وله في سائر علومه نظراء وأكفاء، وليس له في الغناء نظير، وقد لحق بمن مضى، وسبق من بقي وأوضح للناس طريقه، وسهل عليهم سبله بما ألَّف من كتب بتصحيح أجناس الغناء وطرائقه. استخرج هذا كله بتميزه حتى أتى على كل ما رسمه الأوائل مثل إقليدس ومن قبله ومن بعده من أهل العلم بالموسيقى، ووافقهم بطبعه وذهنه فيما أفنوا فيه الدهور.

ونخلص مما سبق إلى أن الملحنين العرب والمغنّين كانوا على دراية بموسيقى من سبقهم، وأنهم كانوا على علم بما وضعه الأوائل من ألحان، وأن معرفتهم لم تكن مقتصرة على موسيقى من جاورهم بل شملت موسيقى الإغريق القدامى.

ويرجّح سليم الحلو في كتابه تاريخ الموسيقى العربية (لندن عام 1929م) أن أول من أوجد علم الموسيقى العربية ابن مسجح وابن محرز المتوفيان عام 716م. وقد كان لهما عدد كبير من التلاميذ الذين تتلمذوا عليهما في الموسيقى. ومن أبرز تلاميذهم يونس الكاتب الذي يُعد أول كاتب معروف للموسيقى العربية. وتبعه ابن جامع الذي كتب مجموعات كبيرة من الأغاني، ثم جاء من بعدهم أحمد بن يحي المكي وإسحاق الموصلي.

ومجموعات هؤلاء المؤلفين تعرفنا بهوية الألحان في تلك الفترة، كما توضّح أساليبها وتراكيبها، لكنها لا تمكننا من معرفة صورتها الدقيقة. غير أن الألحان الشعبية المتواترة الموروثة، والمنتشرة في أغلب الأقطار العربية قد ساعدت الدارسين المعاصرين على التعرف على تلك الموسيقى القديمة وسلّمها وطراز ألحانها.

ولعل أفضل عربي كتب عن الموسيقى العربية هو الفيلسوف أبو نصر محمد بن إسحاق بن طرخان الفارابي، المتوفى عام 239هـ. وهو الذي ألف كتاب الموسيقى الكبير الذي قال عنه الدكتور محمود أحمد الحنفي في مقدمته "يعد أكمل ما كتبه العرب عن الموسيقى منذ ذلك التاريخ إلى وقتنا هذا".

ولعل أكثر البلاد تأثيرًا على السلم العربي هي بلاد فارس. والدليل على ذلك واضح من أسماء أصوات السلم العربي السباعي المستعمل حاليًا. فاسم الصوت السابع في السلم العربي الأوج، ويعني الصوت الأعلى أو الأكثر حدة، واسم الصوت السادس الحسيني، أما بقية الأصوات الخمسة فقد ظلّت فارسية لفترة طويلة. وتشتمل الأصوات الخمسة على كلمة كاه الفارسية، التي تعني المقام. فالصوت الخامس يُسمَّى بنجكاه، والكلمة مكونة من جزءين بنج، التي تعني خمسة أو الخامس في اللغة الفارسية، وكاه التي تعني المقام، والصوت الرابع يُسمَّى جهار كاه، وكلمة جهار معناها أربعة، وكاه معناها مقام. والصوت الثالث يُسمَّى سيكاه، وكلمة سي تعني في الفارسية ثلاثة، والصوت الثاني دوكاه وكلمة دو تعني اثنين في اللغة الفارسية. والصوت الأول يُسمَّى يكاه وكلمة يك فارسية تعني واحد.

ومن ثم فقد تغيّرت بعض أسماء هذه الأصوات كما أضيف لاحقًا صوت ثامن هو صوت الجواب، وهو في الفارسية الششكاه، وأطلق عليه العرب اسم الكردان وتعني هذه الكلمة العقد، وفي ذلك إشارة إلى اكتمال تنظيم الديوان.

غير أنه تبين لبعض الباحثين العرب، ومنهم الباحث السوري سعد الله أغا القلعة، أن بعض الكتابات العربية القديمة، وبخاصة كتابات الكندي وصفي الدين البغدادي وكتاب الأغاني، تتضمن ما يشير إلى أن أسماء السلم العربي كانت أسماء عربية، ومنها ما هو مرقم، ثم تحولت تلك الأسماء إلى فارسية بالتأثير الفارسي، مع بقاء الأصوات كما هي.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن السلم الغربي قد أخذ من السلم العربي الشيء الكثير. فالأصوات الأساسية في السلم الغربي سبعة وهي: دو، ري، مي، فا، صول، لا، سي. وتتوسطها أصوات كالتي تتوسط السلم العربي. وقد أثبت هذه الحقيقة كثير ممن كتبوا عن الموسيقى العربية والغربية.

الآلات الموسيقية العربية القديمة:

عرف العرب أدوات الموسيقى كلها، واستخدموها منذ أقدم العصور. وقد زخرت بعض المراجع القديمة بوصف بعض هذه الآلات وطرق استخدامها. وتفاعلت الموسيقى العربية ـ كما ذكرنا آنفًا ـ مع موسيقى الشعوب المجاورة. وكان طبيعيًا أن تتغيّر ملامح بعض الآلات الموسيقية العربية القديمة، كما استعار جيرانهم بعض آلاتهم التي توارثوها.

ومن أقدم ماجاء في ذكر آلات الموسيقى العربية ووصفها ما ورد في كتاب المغنيات في الأدب العربي، حيث يذكر الكاتب أنه بعد امتداد رقعة البلاد العربية في الشرق والغرب، وبعد أن صار العرب في نضارة من العيش، تفرق المغنون من الفرس والروم فوقعوا إلى الحجاز، فغنوا بالعيدان والطنابير والمعازف والمزامير.

ويستمر الكاتب بعد ذلك ليذكر الآلات الموسيقية التي استخدموها، ومنها: الشبَّابة والزلامي، الذي يشرحه بقوله: إنه مزمار مصنوع من قطعتين منفردتين على شكل قصبة جوفاء منحوتة الجانبين مثقوبة الجوانب، ينفخ فيها بقصبة أخرى رفيعة توصل الصوت إلى جوفها فيخرج سريعًا.

وقد وجدت نماذج كثيرة من آلات موسيقية عربية قديمة، وهي موجودة اليوم في كثير من المتاحف العربية والأوروبية والآسيوية والأمريكية. ومن أقدم الآلات العربية العود، وأقدم الأعواد العربية يُسمَّى المزهر، واستمر هذا الاسم القديم للعود لفترة طويلة ثم اتخذ اسمه الحالي.

ومن الآلات الموسيقية القديمة الطنبور، وهي ثلاثة أنواع: الخراساني والبغدادي والتركي. ومن الآلات الموسيقية العربية القديمة أيضًا القيثارة والربابة والسنطور (الذي يشبه القانون الحالي)، والناي المعروف والناي المزدوج (الدُّوناي) والبوق. ومن الآلات التي تستخدم لضبط الإيقاع (وقد تستخدم مفردة) الطبل والدف (وهو الرق) والصنوج والجلاجل والكاسات (التي كثر استخدامها في الحروب).

ولم تكن الآلات الموسيقية العربية موحدة كما هو الحال الآن ؛ حيث إن بعض الموسيقيين والمغنّين كانوا يصنعون آلاتهم بطريقة خاصة ويغيرون أماكن الأوتار. ونستشف هذا مما أثبته أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني. فقد تحدث عن علي بن عبدالله بن سيف وقال عنه: ¸إنه موسيقي تخرَّج على يد إبراهيم الموصلي، وبرع في الغناء والتلحين، وفي الضرب على العود خاصة، وغنى للأمين العباسي، وعاش إلى زمن المتوكّل. وقد وصفه أبوالفرج بأنه كان مغنيًا حاذقًا ومؤدبًا محسنًا وصانعًا متفنّنًا وضاربًا متقدمًا، مع خفة روح وطيب مجالسة وملاحة نوادر، وغناؤه مثل نثل الطست يبقى ساعة في السمع بعد سكوته. وكان أعسر، وعوده مثلوب الأوتار، البَمُّ أسفل الأوتار، ثم المَثْلَث فوقه، ثم المَثْنى، ثم الزير·.

الآلات الموسيقية العربية الحديثة:

هي في الأصل الآلات القديمة نفسها، ولكن أضيف إليها بعض التحسينات، أو ظهرت فيها بعض التفريعات. فمن الآلات التي تطوَّرت العود. فقد ظهر منه العود ذو الأوتار الخمسة، والعود ذو الأوتار السبعة، وهو الذي يسمى السبعاوي. كما ظهرت أنواع متعددة من الكمان لم تكن معروفة. وقد أطلق عليها المجمع اللغوي بالقاهرة الأسماء التي تناسبها، فأطلق على الفيولون اسم الكمان، وعلى الفيولا اسم الكمان الأوسط، وعلى الفيولونسيل اسم الكمان الجهير. أما الكونترباس فقد أطلق عليه اسم الكمان الأجهر.

ومن الأسماء الحديثة التي أطلقها مجمع اللغة العربية على بعض الآلات الموسيقية الحديثة اسم اليراعة وهي الكلارينيت، والشبور وهو البوق.

ومن آلات النقر أو الإيقاع التي تستخدم حاليًا في العالم العربي الدف (الصغير والكبير)، والصُنُوج النحاسية، والمرعب (الدف ذو الأضلاع الأربعة المتساوية)، ونقارية الجمال التي ينقر عليها فوق الإبل في المواكب، والدّرْبُكَّة أو الطبلة، وطبلة المسَحِّر، والكاسات (التي أسماها مجمع اللغة العربية الصَّحنان) والصفاقات، والمقارح، والخشاخيش والأجراس، والجلاجل.

ولا تزال الآلات الموسيقية العربية في تفاعل مستمر مع آلات الموسيقى في سائر أرجاء المعمورة، فهي في عملية مستمرة من الأخذ والعطاء.

★ تَصَفح أيضًا: الفارابي، أبو نصر ؛ الأغاني، كتاب ؛ أبو الفرج الأصفهاني .

المصدر: الموسوعة العربية العالمية