الرئيسيةبحث

الروح/المسألة التاسعة عشرة/فصل حال البدن والقوة العقلية

حال البدن والقوة العقلية

قولكم في الثامن: لو كانت القوة العقلية جسدانية لضعفت في زمن الشيخوخة وليس كذلك. جوابه في وجوه:
الوجه الأول: لم لا يجوز أن يقال القدر المحتاج إليه من صحة البدن في كمال القوة العقلية مقدار معين، وأما كمال حال البدن في الصحة فإنه غير معتبر في كمال حال القوة العقلية، وإذا احتمل ذلك لم يبعد أن يقال ذلك القدر المحتاج إليه باق إلى آخر الشيخوخة فبقي العقل إلى آخرها.
الوجه الثاني: أن الشيخ لعله إنما يمكنه أن يستمر في الإدراكات العقلية على الصحة أن عقله يبقى ببعض الأعضاء التي يتأخر الفساد والاستحالة إليها فإذا انتهى إليها الفساد والاستحالة فسد عقله وإدراكه.
الوجه الثالث: أنه لا يمتنع أن يكون بعض الأمزجة أوفق لبعض القوى، فلعل مزاج الشيخ أوفق للقوة العقلية فلهذا السبب تقوى فيه القوة العاقلة.
الوجه الرابع: أن المزاج إذا كان في غاية القوة والشدة كانت سائر القوى قوية فتكون القوة الشهوانية والغضبية قوية جدا وقوة هذه القوى تمنع العقل من الاستكمال، فإذا حصلت الشيخوخة وحصل الضعف حصل بسبب الضعف ضعف في هذه القوى المانعة للعقل من الاستكمال وحصل في العقل أيضا ضعف ولكن بعد ما حصل في العقل من الضعف حصل ذلك في أضداده فينجبر النقصان من أحد الجانبين بالنقصان من الجانب الآخر فيقع الاعتدال.
الوجه الخامس: أن الشيخ حفظ العلوم والتجارب الكثيرة ومارس الأمور ودربها وكثرت تجاربه، وهذه الأحوال تعينه على وجوه الفكر وقوة النظر فقام [مقام] [1] النقصان الحاصل بسبب ضعف البدن والقوى.
الوجه السادس: أن كثرة الأفعال بسبب حصول الملكات الراسخة فصارت الزيادة الحاصلة بهذا الطريق جابرا للنقصان الحاصل بسبب اختلال البدن.
الوجه السابع: أنه قد ثبت في الصحيح عنه صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه قال: «يهرم ابن آدم وتشب فيه خصلتان، الحرص وطول الأمل» [2]. والواقع شاهد لهذا الحديث مع أن الحرص والأمل من القوى الجسمانية والصفات الخيالية، ثم إن ضعف البدن لم يوجب ضعف هاتين الصفتين فعلم أنه لا يلزم من اختلال البدن وضعفه ضعف الصفات البدنية.
الوجه الثامن: إنا نرى كثيرا من الشيوخ يصيرون إلى الخرف وضعف العقل بل هذا هو الأغلب، ويدل عليه قوله تعالى: ﴿وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا﴾[16:70] فالشيخ في أرذل عمره يصير كالطفل أو أسوأ حالا منه، وأما من لم يحصل له ذلك فإنه لا يرد إلى أرذل العمر.
الوجه التاسع: أنه لا تلازم بين قوة البدن وقوة النفس ولا بين ضعفه وضعفها، فقد يكون الرجل قوي البدن ضعيف النفس جبانا خوارا، وقد يكون ضعيف البدن قوي النفس فيكون شجاعا مقداما على ضعف بدنه.
الوجه العاشر: أنه لو سلم لكم ما ذكرتم لم يدل على كون النفس جوهرا مجردا لا داخل العالم ولا خارجه، ولا هي في البدن ولا خارجة عنه، لأنها إذا كانت جسما صافيا مشرقا سماويا مخالفا للأجسام الأرضية لم تقبل الانحلال والذبول والتبدل، كما تقبله الأجسام المتحللة الأرضية، فلا يلزم من حصول الانحلال والذبول في هذا البدن حصولهما في جوهر النفس.

هامش

  1. زيدت على المطبوع لسياق العبارة.
  2. أخرجه الترمذي بلفظ: «يهرم ابن آدم ويشب منه اثنان، الحرص على المال والحرص على العمر».
    و بلفظ آخر عن الترمذي: «قلب الشيخ شاب على حب اثنتين، طول الحياة وكثرة المال».
    انظر سنن الترمذي كتاب الزهد باب ما جاء في قلب الشيخ الشاب (4/ 493) الأرقام: 2338 و2339 و2455.
    و انظر صحيح مسلم كتاب الزكاة باب كراهة الحرص على الدنيا، وانظر سنن ابن ماجه كتاب الزهد باب الأمد والأجل.