→ فصل | الروح - المسألة التاسعة عشرة - فصل المؤلف: ابن القيم |
فصل ← |
فصل |
قولكم في الثامن عشر: لو كانت النفس جسما لوجب أن تقع تحت جميع الحواس أو تحت حاسة منها. إلى آخره.
فجوابه: منع اللزوم فإنكم لم تذكروا عليه شبهة فضلا عن دليل، ومنع انتقاء اللازم فإن الروح تدرك بالحواس فتلمس وترى وتشم لها الرائحة الطيبة والخبيثة كما تقدم هم النفوس المستفيضة ولكن لا نشاهد نحن ذلك وهذا الدليل لا يمكن ممن يصدق الرسل أن يحتج به فإن الملك جسم ولا يقع تحت حاسة من حواسنا، وكذلك الجن والشياطين أجسام لطاف لا تقع تحت حاسة من حواسنا، والأجسام مفاوتة في ذلك تفاوتا كثيرا، فمنها ما يدرك بأكثر الحواس، ومنها ما لا يدرك بأكثرها، ومنها ما يدرك بحاسة واحدة، ومنها ما لا ندركه نحن في الغالب وإن أدرك في بعض الأحوال لكونه لم يخلق لنا إدراكه أو لمانع يمنع من إدراكه أو للطفه عن إدراك حواسنا، فما عدم اللون من الأجسام لم يدرك بالبصر كالهواء والنار في عنصرها، وما عدم الرائحة لم يدرك بالشم كالنار والحصا والزجاج.
و أيضا فالروح هي المدركة لمدارك هذه الحواس بواسطة آلائها فالنفس هي الحاسة المدركة وإن لم تكن محسوسة والأعراض محسوسة والنفس محسة بها، وهي القابلة لأعراضها المتعاقبة عليها من الفضائل والرذائل كقبول الأجرام لأعراضها المتعاقبة عليها، وهي المتحركة باختيارها المحركة للبدن قسرا وقهرا.
و هي مؤثرة في البدن متأثرة به تألم وتلد وتفرح وتحزن وترضى وتغضب وتنعم وتيأس وتحب وتكره وتذكر وتنسى وتصعد وتنزل وتعرف وتنكر، وآثارها من أدل الدلائل على وجودها كما أن آثار الخالق سبحانه دالة على وجوده وعلى كماله فإن دلالة الأثر على مؤثرة ضرورية.
و تأثيرات النفوس بعضها في بعض أمر لا ينكره ذو حس سليم ولا عقل مستقيم ولا سيما عند تجردها نوع تجرد عن العلائق والعوائق البدنية فإن قواها تتضاعف وتتزايد بحسب ذلك ولا سيما عند مخالفة هواها وحملها على الأخلاق العالية من العفة والشجاعة والعدل والسخاء وتجنبها سفساف الأخلاق ورذائلها وسافلها فإن تأثيرها في العالم يقوى جدا تأثيرا بعجز عنه البدن وأعراضه أن تنظر إلى حجر عظيم فتشقه أو حيوان كبير فتتلفه أو إلى نعمة فتزيلها وهذا أمر قد شاهدته الأمم عن اختلاف أجناسها وأديانها وهو الذي سمى إصابة العين فيضيفون الأثر إلى العين وليس لها في الحقيقة وإنما هو للنفس المتكيفة ردية سمية، وقد تكون بواسطة نظر العين وقد لا تكون بل يوصف له الشيء من بعيد فتتكيف عليه لنفسه بتلك الكيفية فتفسده وأنت ترى تأثير النفس في الأجسام صفرة وحمرة وارتعاشا بمجرد مقابلتها لها وقوتها وهذه وأضعافها آثار خارجة عن تأثير البدن وأعراضه فإن البدن لا يؤثر إلا فيما لاقاه وماسه تأثيرا مخصوصا ولم تزل الأمم تشهد تأثير الهمم الفعّالة في العالم وتستعين بها وتحذر أثرها، وقد أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يغسل عائن مغابنه ومواضع القذر منه، ثم يصب ذلك الماء على المعين فإنه يزيل عنه تأثير نفسه فيه، وذلك بسبب أمر طبيعي اقتضته حكمة اللّه سبحانه، فإن النفس الأمّارة لها بهذه المواضع تعلق وألف والأرواح [1][2] الخبيثة الخارجية تساعدها وتألف هذه المواضع غالبا للمناسبة بينها وبينها فإذا غسلت بالماء طفئت تلك النارية منها كما يطفأ الحديد المحمى بالماء فإذا صب ذلك الماء على المصاب طفا عنه تلك النارية التي وصلت إليه من العائن وقد وصف الأطباء الماء الذي يطفأ فيه الحديد لآلام وأوجاع معروفة، وقد جرب الناس من تأثير الأرواح بعضها في بعض عند تجردها في المنام عجائب تفوت الحصر وقد نبهنا على بعضها فيما مضى فعالم الأرواح عالم آخر أعظم من عالم الأبدان وأحكامه وآثاره أعجب من آثار الأبدان بل كل ما في العالم من الآثار الإنسانية فإنما هي من تأثير النفوس بواسطة البدن فالنفوس والأبدان يتعاونان على التأثير تعاون المشتركين في الفعل وتنفرد النفس بآثار لا يشاركها فيها البدن ولا يكون للبدن تأثير لا تشاركه فيه النفس.
هامش
المسألة التاسعة عشرة | |
---|---|
حقيقة النفس | فصل نفس المؤمن ونفس الكافر | فصل خروج نفس المؤمن | فصل حضور الملائكة عند خروج نفس المؤمن | فصل الأرواح جنود مجندة | فصل روح النائم | فصل فتح أبواب السماء لروح المؤمن | فصل | فصل الروح والجسم، والنفس والجسم | فصل النفس والجسم | فصل الوجود | فصل هل الصورة العقلية مجردة | فصل القوى العقلية والإدراكات | فصل الإدراك | فصل | فصل الخيالات | فصل حال البدن والقوة العقلية | فصل | فصل الرد على القول بأن القوة الجسمانية تتعب | فصل | فصل الرد على أن محل الإدراكات جسم | فصل | فصل | فصل | فصل | فصل | فصل | فصل | فصل | فصل | فصل |