الرئيسيةبحث

الروح/المسألة التاسعة عشرة/فصل الإدراك

الإدراك

قولكم في الخامس: لو كانت القوة للعاقلة حالة في آلة جسمانية لوجب أن تكون دائمة الإدراك لتلك الآلة أو ممتنعة الإدراك لها. فهو مبني على أصلكم الفاسد أن الإدراك عبارة عن صورة مساوية للمدرك في القوة المدركة. ثم لو سلمنا لكم ذلك الأصل لم يفدكم شيئا فإن حصول تلك الصورة يكون شرطا لحصول الإدراك، فأما أن يقول أو يقال أن الإدراك عين حصول تلك الصورة فهذا لا يقوله عاقل، فلم لا يجوز أن يقال القوة العقلية حالة في جسم مخصوص، ثم إن القوة الناطقة قد تحصل لها حالة إضافية تسعى بالشعور والإدراك فحينئذ تصير القوة العاقلة مدركة لتلك الآلة، وقد لا توجد تلك الحالة الإضافية فتصير غافلة عنها، وإذا كان هذا ممكنا سقطت تلك الشبهة رأسا. ثم نقول أ تدعون أنا إذا عقلنا شيئا فإن الصورة الحاضرة في العقل مساوية لذلك المعقول من جميع الوجوه والاعتبارات أو لا يجب حصول هذه المساواة من جميع الوجوه. فالأول لا يقوله عاقل وهو أظهر من أن يحتج لفساده، وإذا علم أنه لا تجب المساواة من جميع الوجوه لم يلزم من حدوث صورة أخرى في القلب أو الدماغ اجتماع الممثلين.
و أيضا فالقوة العاقلة حالة في جوهر القلب أو الدماغ، والصورة الحادثة حالة في القوة العاقلة، فإحدى الصورتين محل القوة العاقلة، وأيضا فنحن إذا رأينا المسافة الطويلة والبعد الممتد فهل يتوقف هذا الإبصار على ارتسام صورة المرثي في عين الرائي أو لا يتوقف؟ فإن توقف لزم اجتماع المثلين، لأن القوة الباصرة عندكم جسمانية فهي في محل له حجم ومقدار فإذا حصل فيه حجم المرئي ومقداره لزم اجتماع المثلين، وإذا جاز هناك فلم يجوز مثله في مسألتنا؟ وإذا كان إدراك الشي ء لا يتوقف على حصول صورة المرئي في الرائي بطل قولكم أن إدراك القلب والدماغ يتوقف على حصول صورة القلب والدماغ في القوة العاقلة.
و أيضا فقولكم لو كانت القوة العقلية حالة في جسم لوجب أن تكون دائمة للإدراك لذلك الجسم لكن إدراكنا لقلبنا ودماغنا غير دائم فهذا إنما يلزم من يقول إنها حالة في القلب أو الدماغ، وأما من يقول أنها حالة في جسم مخصوص وهو النفس وهي مشابكة للبدن فهذا الإلزام غير وارد عليه فإنه يقول النفس جسم مخصوص والإنسان أبدا عالم بأنه جسم مخصوص ولا يزول ذلك عن عقله إلا إذا عرضت له الغفلة فسقطت الشبهة التي عولتم عليها كل تقدير.

هامش