الرئيسيةبحث

الروح/المسألة التاسعة عشرة/فصل7

فصل

قولكم في الخامس عشر: لو كانت جسما لكانت منقسمة، ولصح عليها أن تعلم بعضها وتجهل بعضها فيكون الإنسان عالما ببعض نفسه جاهلا بالبعض الآخر.
جوابه: أن هذه الشبهة مركبة من مقدمتين تلازمية واستثنائية والمنع واقع في كلا المتقدمتين أو إحداهما فلا نسلم أنها لو كانت جسما لصح أن تعلم بعضها وتجبل بعضها، فإن النفس بسيطة غير مركبة من هذه العناصر ولا من الأجزاء المختلفة فمتى شعرت بذاتها شعرت بجهلها، فهذا منع المقدمة التلازمية.
و أما الاستثنائية فلا نسلم أنها لا يصح أن تعلم بعضها حال غفلتها عن البعض الآخر ولم تذكروا على بطلان ذلك شبهة فضلا عن دليل، ومن المعلوم أن الإنسان قد يشعر بنفسه من بعض الوجوه دون كلها ويتفاوت الناس في ذلك فمنهم من يكون شعوره بنفسه أتم من غيره بدرجات كثيرة وقد قال تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ﴾[59:19] فهؤلاء نسوا نفوسهم لا من جميع الوجوه بل من الوجه الذي به مصالحها وكمالها وسعاداتها وإن لم ينسوها من الوجه الذي منه شهوتها وحظها وإراداتها فأنساهم مصالح نفوسهم أن يفعلوها ويطلبوها، وعيوبها ونقائصها أن يزيلوها ويجتنبوها وكمالها الذي خلقت له أن يعرفوه ويطلبوه، فهم جاهلون بحقائق أنفسهم من هذه الوجهة وإن كانوا عالمين بها من وجوه.

هامش