الصناعة من النشاطات الاقتصادية المهمة في روسيا. وهناك العديد من مصانع الصلب ومنتجاته في إقليم جبال الأورال. |
وتُعدّ منطقة موسكو من أهم مراكز الدولة الصناعية وتشمل منتجاتها أنواعًا مثل: الكيميائيات والمعدات الكهربائية والإلكترونيات والسيارات والمواد الغذائية والصلب والمنسوجات. أما مصانع سانت بطرسبرج فتتركز فيها صناعة السفن والمعدات الصناعية، بينما تُنتج في جبال الأورال الصناعات المعدنية والآلات. وتنتشر معظم مصافي النفط في منطقة الفولجا والأورال. وهناك صناعات جديدة تقام في سيبريا لاستغلال إمكانات الإقليم الهائلة من الطاقة الكهرومائية. أما صناعة الورق فتوجد على طول نهر الفولجا، بينما تتركز الصناعات الخفيفة، مثل المنسوجات، حول موسكو.
المزارع الجماعية أو الكولخوزي تملكها الدولة ويديرها المزارعون جزئيًا. والصورة تظهر حصاد البطاطس في إحدى هذه المزارع. |
يوجد في البلاد نحو 15,000 مزرعة حكومية يتكون نصفها من مزارع دولة سوفخوزي تديرها الدولة ويعمل المزارعون فيها بأجر، بينما يتكون النصف الآخر من مزارع جماعية كولخوزي تسيطر عليها الحكومة ولكن إدارتها في يد المزارعين. وفي عام 1992م وضمن سياسة الدولة لتحرير الاقتصاد، صدرت قوانين تسمح للمزارعين بترك مزارع الدولة. وتكوَّنت حوالي 260,000 مزرعة خاصة مستفيدة من الإعانات التي قدمتها الحكومة لتحقيق ذلك. ولكن هذا الانتقال كان بطييئًا وصعبًا.
تخصَّص نحو 13% من أراضي روسيا الزراعية لزراعة المحصولات ويُعدّ نطاق الأرض السوداء الممتد من حدود أوكرانيا إلى جنوب غربي سيبريا من أهم الأقاليم الزراعية في البلاد، كما توجد أقاليم أخرى في منطقة الفولجا والأجزاء الشمالية من جبال القوقاز وفي سيبريا الغربية. وعلى الرغم من أن روسيا تُعدّ من أهم الدول المنتجة للحبوب في العالم إلا أنها مازالت تستورد كميات منها لسد احتياجاتها. تشمل أهم منتجاتها الزراعية: الشعير والكتان والفواكه والشوفان والبطاطس وبنجر السكر ودوار الشمس والخضراوات والقمح، ومحصولات العلف التي تُغذَّى بها الأبقار والخنازير والغنم.
طاقم صيد يعود بأسماك الحفش من مصب نهر الفولجا، حيث يستخرج منها الكافيار الروسي الشهير. |
تتكون صادرات روسيا من النفط والمعادن والآلات والكيميائيات ومنتجات الخشب والورق. أما وارداتها فتشمل السلع الاستهلاكية والمعدات الصناعية والأطعمة والمشروبات والآلات.
خطوط الأنابيب الطويلة تنقل الغاز الطبيعي من حقول سيبريا إلى مناطق الاستهلاك في روسيا الأوروبية. يستغل الغاز في التدفئة والصناعة. |
تنقل معظم البضائع بالقطارات التي تعاني من الضغط وتحتاج تحديثًا. وتجعل شبكة الطرق المتخلفة ورداءة المناخ وكبر مساحة الدولة، من نقل الشاحنات وسيلة غير فاعلة وباهظة التكاليف، مما أدى إلى انخفاض نصيبها إلى 5% من جملة البضائع المنقولة. أما نصيب النقل النهري، فهو أقل من ذلك نظرًا لتجمد معظم الأنهار معظم شهور السنة. وتلعب القنوات، مثل قناة الفولجا ـ الدون و قناة موسكو، دورًا مهمًا في حركة النقل النهري. وتقوم الخطوط الجوية الروسية، إيروفلوت، بنقل المسافرين بين المدن الروسية وبين روسيا والدول الأخرى. وقد أدى نقص الوقود وارتفاع أسعار التذاكر مؤخرًا إلى تضاؤل الحركة الجوية. ولروسيا موانئ مهمة منها أرخانجلسك وكالينينغراد وميرمانسك وناخودكا وسانت بطرسبرج وفلاديفوستوك. وتتعرض بعض هذه الموانئ للتجمد خلال بعض شهور السنة.
يزداد إنتاج السيارات في روسيا، لكنه يقل عما هو عليه في الدول الغربية. ففي روسيا ما يعادل 56 سيارة لكل 1,000 شخص. أما النقل العام فمتطور ورخيص ولكنه يعاني من الازدحام، ويشمل السيارات والحافلات والترام. ونظام الهاتف غير متطور ويستغرق توصيل الهاتف للمساكن الجديدة عدة سنوات. كان الاتحاد السوفييتي يسيطر على وسائل الإعلام وإنتاج الأفلام والنشر والإذاعة، وقد بدأت الرقابة الحكومية تختفي تدريجيًا مع انهيار الاتحاد السوفييتي، حتى زالت في الوقت الحاضر، مما أدى إلى ازدياد عدد الصحف المستقلة ودور النشر الخاصة. وتملك معظم العائلات أجهزة المذياع والتلفاز.
كان لموقع روسيا الفريد وامتدادها في آسيا وأوروبا، أثر في تاريخها وتشكيل مصيرها، فلم تكن دولة شرقية صرفة ولا غربية صرفة، مما أثار تساؤلات بين مثقفيها حول دور بلادهم وإسهاماتها في تاريخ العالم وتطوره.
في عام 1917م قام الثوار بعزل الحكومة القيصرية وغيروا اسم روسيا إلى جمهورية الاتحاد السوفييتي الفيدرالية الاشتراكية، التي شَكَّلت في عام 1922م، مع ثلاث جمهوريات أخرى، دولة جديدة باسم اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية التي عُرفت بالاتحاد السوفييتي حتى عام 1991م، حين انهار وتجزأ إلى جمهوريات مستقلة، اجتمعت فيما بعد في اتحاد فيدرالي فضفاض، أُطلق عليه اسم رابطة الدول المستقلة.
تواريخ مهمة عن روسيا | |||||||||||||||||
|
وفي نحو سنة 200م زحفت قبائل القوط الجرمانية من الغرب واستولوا على الإقليم، وظلوا يحكمون البلاد حتى عام 370م عندما هاجمهم الهون وتغلبوا عليهم. وكان الهون جماعة أسيوية حربية النزعة. ثم ما لبثت هذه الجماعة أن انهارت بعد موت ملكها أتيلا الهوني سنة 453م. وأعقبت هذه الجماعة قبيلة هونية، تعرف باسم الآفار حكمت تلك المنطقة في أواسط القرن السادس الميلادي، ووصلت جماعة الخزر ـ وهي جماعة آسيوية سيطرت على جنوبي الفولجا وشمالي القوقاز ـ في أواسط القرن السابع الميلادي، ثم أصبحوا يهودًا وأسسوا تجارة مزدهرة مع بقية الجماعات الأخرى. ★ تَصَفح: القوط ؛ الهون.
إن أقدم تاريخ كتب عن روسيا في القرن التاسع الميلادي هو التاريخ الأوَّلي الذي كتب في كييف حوالي سنة 1111م. وتقول هذه الرواية إن بعض الجماعات السلافية اختلفت فيما بينها وتقاتلت في مدينة نوفجورود، فطلبوا من إحدى قبائل الفايكنج (رجال الشمال) أن تحكمهم وتشيع الأمن في بلادهم. وأطلق على هؤلاء الفايكنج الروس الفارانجيين.
ويرى المؤرخون الذين يعتقدون في صدق التاريخ الأوَّلي أن الروس إنما أخذوا اسمهم من هذه الجماعة. ووفقا لما ورد في التاريخ الأوَّلي، فقد وصلت جماعة العائلات الفارانجية تحت زعامة رُوريك في عام 862م واستقرت في نوفجورود، وأصبحت تلك المنطقة تعرف بأنها أرض الروس.
في عام 988م اعتنق الأمير فلاديمير الأول النَّصرانيَّة. وكان السلاف الشرقيون في ذلك الوقت يعبدون القوى الطبيعية. ولكن فلاديمير جعل النصرانية الدين الرسمي للدولة، ومن ثم اعتنق كثير من أهل دولته النصرانية. وقد أصبح فلاديمير فيما بعد قديسًا للكنيسة الأورثوذكسية الروسية.
كان كثير من الأمراء العظام حكامًا أقوياء، ولكن كانت قوة كييف قد بدأت في التضاؤل بعد منتصف القرن الحادي عشر الميلادي، وازدادت قوة بعض أمراء الإمارات الروسية الكييفية الأخرى، ودخلوا في حروب مدمرة كثيرة. وطرد بعض الأمراء في نوفجورود وغيرها من المدن التي كانت لها حكومات محلية قوية. ونظرًا للضعف الذي اكتنف روس كييف بسبب الحروب الأهلية وضعف السلطة المركزية، وقعوا لقمة سائغة أمام جيوش المغول الجرارة التي عرفت باسم التتار الذين اكتسحوا روسيا من الشرق خلال القرن الثالث عشر الميلادي.
أجبر باتو الأمراء الروس الأحياء على تقديم ولائهم للقبيلة الذهبية، ودفع ضرائب باهظة لها. وكان المغول يخرجون من وقت لآخر من عاصمتهم لسحق الشعوب الأخرى في مختلف المناطق تأديبًا لهم على عصيانهم وعدم ولائهم. كذلك فقد عين المغول الأمير العظيم وأجبروا كثيرًا من الروس على الخدمة ضمن جيوشهم، ولكن تدخلهم في الحياة الروسية كان قليلاً، إذ كان جل اهتمامهم منصبًا على الحفاظ على السلطة وجمع الضرائب من الآخرين.
وخلال فترة الحكم المغولي التي انتهت في أواخر القرن الخامس عشر كانت الآراء الحديثة وروح الإصلاح التي بعثها عصر النهضة قد أخذت في تغيير كثير من أوجه الحياة بشكل مثير في أوروبا الغربية. ولكن نظرًا لوقوع روسيا تحت السيطرة المغولية، فإنها عُزلت عن تلك المؤثرات الأوروبية الغربية المهمة.
أصبحت موسكو أقوى وأغنى مما كانت عليه، إلا أن القبيلة الذهبية أضحت أضعف بسبب الصراع حول السلطة وتولي القيادة. وفي عام 1380م هزم الأمير الكبير دمتري جيشًا مغوليًا في معركة كوليكوفو بالقرب من نهر الرون. وحرر النصر موسكو لفترة قصيرة من سيطرة المغول. ثم استعاد المغول موسكو عام 1382م.
في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي، أصبحت موسكو أقوى مدينة روسية. وتمكن إيفان الثالث المسمى إيفان الكبير، من التغلب على منافسي موسكو الكبار من أمثال نوفجورود وتفير. ودخل كثير من ملاك الأراضي في خدمته. وفي عام 1480م اتخذ إيفان الخطوة الأخيرة في عملية الانفصال عن سيطرة المغول نهائيًا وذلك برفض دفع أية ضرائب لهم. وتقدم جنود المغول نحو موسكو، ولكنهم ما لبثوا أن أداروا ظهورهم للدفاع عن عاصمتهم التي أخذ الروس في مهاجمتها.
كان إيفان قاسيًا، كما كان كثير الشكوك، وكان يصاب بالجنون أحيانًا. وشكل قوة خاصة من الشرطة وبدأ عهد إرهاب أمر فيه بإلقاء القبض على مئات من الشخصيات الأرستقراطية وقتلها. وكان إيفان، يعطي أراضي ضحاياه أجورًا لأولئك الذين يخدمونه من ملاك الأراضي في الجيش أو الحكومة. كذلك فإنه وضع قوانين تحدد عدد المقاتلين والجياد التي يجب أن يقدمها ملاك الأراضي لقواته المقاتلة. وقام إيفان بحرق كثير من القرى والمدن، كما قتل بعض زعماء الكنيسة الذين عارضوه، بل إنه ذهب إلى أبعد من ذلك فقد قتل أكبر أبنائه في إحدى ساعات غضبه. ★ تَصَفح: إيفان .
انتخب الزسكي سوبور، وهو برلمان محدود السلطات، بوريس ليكون قيصرًا للبلاد. ولكن كان هناك رجل يُعتقد بأن اسمه الحقيقي هو جريجوري أوتربييف، وهو كاهن سابق، أعلن أنه هو دمتري، وادعى دمتري المزعوم بأن دمتري لم يمت، وإنما هرب إلى ليتوانيا فرارًا من إلقاء القبض عليه. وفي عام 1604م غزا دمتري الدعي روسيا ومعه بعض الجنود البولنديين. وانضم إلى الغزاة عدد كبير من الروس الذين كانوا غير راضين عن حكم بوريس. هذا الغزو كان معلمًا لبداية عصر الاضطرابات في روسيا. وقد مزقت روسيا الحرب الأهلية شر ممزق، كما مزقها الغزو والفوضى السياسية حتى عام 1613م.
اعتلى دمتري الدعي العرش القيصري عام 1605م، ولكن جماعة من ملاك الأراضي قتلوه في السنة التالية. وعندها أصبح الأمير شويسكي قيصر روسيا. وفي عام 1610م احتل الغزاة البولنديون موسكو، وحكموا عن طريق مجلس برلماني من ملاك الأراضي عديم القوة حتى عام 1612م. وفي نفس الوقت ظهر دعي آخر باسم دمتري وعدد آخر من المطالبين بالعرش من الكذابين الأدعياء، يسمون القوزاق، وقد وجدوا كثيرًا من المؤيدين. واكتسحت ثورات الفلاحين روسيا. وتقاتل كل من ملاك الأراضي وأهل القوزاق على الحدود، كما أنهم كانوا يتحدون معًا ويحاربون رجال الطبقة الأرستقراطيَّة الأقوياء. ★ تَصَفح: القوزاق. وأدت سيطرة البولنديين على موسكو إلى أن يتحد الروس ويعملوا على طرد البولنديين الغزاة، وانتهى بهم الأمر إلى استعادة عاصمتهم سنة 1612م.
وفي القرن السابع عشر أخذت روسيا تتوسع باحتلال أوكرانيا وسيبريا الشرقية حتى المحيط الهادئ، كما أجرت الكنيسة الأرثوذكسية بعض التغييرات في محتويات الكتاب المقدس والشعائر الدينية مما أثار معارضة بعض الروس الذين ظلوا على العهد القديم حتى الآن.
كان بطرس قد تأثر كثيرًا بما كانت تحمله أفكار التجارة العالمية والحكومات. وكانت أفكارًا محببة إلى النفوس في أوروبا الغربية. ولكونه حاكمًا قويًا، فقد حسَّن من قوة روسيا الحربية، كما قام بعدة أعمال عسكرية ناجحة استولى بها على بعض الأراضي. وقد وسعت روسيا رقعة أراضيها خلال فترة حكم بطرس الكبير نحو بحر البلطيق في الحرب الكبرى الشمالية ضد السويد. وفي عام 1703م أسس مدينة بطرس سانت بطرسبرج على بحر البلطيق، ونقل العاصمة إلى هناك في عام 1712م. وبعد أن طاف في أوروبا أدخل الأزياء الأوروبية الغربية إلى روسيا، كما أدخل المصانع والمدارس، وأعاد تنظيم حكومة روسيا حتى تسير بطريقة أكثر كفاية.
وأجبر بطرس النبلاء الروس على اتخاذ كثير من العادات الغربية. وزاد من نفوذ القيصر على الطبقة الأرستقراطية وعلى مسؤولي الكنيسة والفلاحين. وكان يعامل أولئك الذين يعارضون سياسته والتغييرات التي أدخلها في البلاد بكل عنف. وفي عهده فإن وضع الفلاحين القانوني زاد سوءًا عما كان عليه من قبل. ★ تَصَفح:بطرس الأول الكبير .
وفي خلال القرن الثامن عشر كانت تقام الحفلات الفخمة، وغيرها من الاحتفالات على أعلى المستويات الغربية. وارتفع شأن الفنون الجميلة، وافتتح كثير من المدارس الجديدة، وكان معظمها للطبقات الراقية. وأسست مدرسة الباليه القيصرية، وأدخلت الأوبرا الإيطالية وموسيقى الحجرة في روسيا. وأصبح التحدث عن آخر الأفكار المتحررة الغربية وأحدثها من الأفكار التي يتناقلها الناس هناك ويكررونها في مجتمعاتهم وأحاديثهم. وكانت هذه الأفكار تتعلق بالحرية والإصلاح الاجتماعي. وكان هذا قد ازداد بوجه خاص في عهد الإمبراطورة كاثرين الثانية التي عرفت باسم ولقب كاثرين الكبرى. وفي عام 1767م دعت كاثرين مجلسًا تشريعيًا ضخمًا لإصلاح القوانين الروسية، غير أن هذا المجلس لم يحقق شيئًا.
وظل معظم الروس في حالة فقر مدقع وجهل خلال هذه الفترة. وفي عامي 1773م و1774م بلغ سخط الفلاحين حدًا كبيرًا، أدى إلى قيامهم بثورة كان يقودها إيميليان بوجا تشيف القوقازي. واكتسحت الثورة جميع أنحاء روسيا من جبال الأورال حتى نهر فولجا، بل إنها كادت تكتسح موسكو قبل أن تتمكن الجيوش الحكومية من إخمادها. وفي عام 1775م عملت كاثرين على تخفيف قبضة ملاك الأراضي على الفلاحين.
في عهد كاثرين الكبرى ارتفع شأن روسيا، وأصبحت من دول العالم الكبرى. ففي نهاية القرن الثامن عشر الميلادي اقتسمت كل من روسيا وإمبراطورية النمسا وبروسيا بولندا. وفازت روسيا بكل أراضي بيلارس ولتوانيا وأوكرانيا من بولندا. وفي حروبها مع الإمبراطورية العثمانية (وهي تركيا الحالية) استولت روسيا على شبه جزيرة القرم وغيرها من الأراضي العثمانية. وماتت كاثرين في عام 1796م وخلفها على العرش ابنها بول الذي أصبح قيصر روسيا. ★ تَصَفح: كاثرين.
في يونيو سنة 1812م قاد نابليون جيشه الفرنسي الضخم نحو الأراضي الروسية، وقد كان يريد أن يمنع روسيا من التجارة مع بريطانيا التي كانت عدو فرنسا الأكبر، كما كان يريد أن يوقف توسع روسيا في منطقة البلقان بأخذ الأراضي من الإمبراطورية العثمانية والوصول إلى البحار الدافئة. ووصل نابليون بجيشه العرمرم إلى موسكو في سبتمبر 1812م. ووجد أن معظم أهالي البلدة قد فروا منها وهجروها، فدخلها وجيشه بكل سهولة.
وسرعان ما التهمت النيران معظم أنحاء موسكو ودمرتها. ويعتقد بعض المؤرخين بأن الروس أنفسهم هم الذين أحرقوا المدينة. وبعد البقاء في المدينة 35 يومًا ترك الفرنسيون البلدة خوفًا من قدوم الشتاء الروسي القاتل الذي كان يقترب رويدًا رويدًَا. وبدأوا في تقهقر كان وبالاً عليهم إذ كان طعامهم قد تضاءل، كما كانوا عرضة لهجمات روسية لم تنقطع طوال تقهقرهم. وكان عدد الجيش الفرنسي الذي خرج لمقاتلة الروس يقدر بنحو 600,000 رجل فرنسي مات منهم في التقهقر أو فقد أو أسر ما يقدر بنحو 500,000 رجل. ومنذ ذلك الوقت أضحت روسيا قوة رئيسية في الحملة التي نظمتها الدول الأوروبية التي هزمت نابليون. ★ تَصَفح: نابليون الأول.
بالرغم من أن ألكسندر قد بدأ بعض الإصلاحات إلا أن الحكم العنيف ظل سائدًا في روسيا. وفي أوائل عام 1816م أصبح كثير من الشبان الأرستقراطيين ثوريين، وأخذوا في تشكيل جماعات سرية، وألفوا دساتير لحكم روسيا، وأعدوا العدة للثورة. وفي عام 1825م مات ألكسندر واعتلى نقولا العرش. وفي ديسمبر سنة 1825م بدأت جماعة من الثوار تدعى بالديسمبريين نشاطها. وبناء على تحريض هذه الجماعة قام نحو 3000 جندي وضابط واجتمعوا في ميدان مجلس الشيوخ في سانت بطرسبرج، ووصل جنود من جنود الحكومة لمواجهتهم. وبعد عدة ساعات أطلق الديسمبريون بعض الطلقات، فما كان من جنود الحكومة إلا أن أطلقوا نيران مدافعهم وأنهوا بذلك الثورة.
وبالرغم من عنف حكم نقولا إلا أن عهده كان من بين أكثر العهود التي حققت الكثير في مجال الأدب الروسي، فقد كتب كل من نقولا جوجول وميخائيل ليرنونتوف وألكسندر بوشكن وغيرهم أعظم مؤلفاتهم. وبدأ فيودور دوستويفسكي وليو تولستوي وإيفان تورجنيف مستقبلهم الأدبي. وأخذ كثير من المتعلمين الروس في مناقشة قيم الحياة الروسية التي أُخذت من الغرب ومقارنتها بالحياة الروسية القديمة. وكان دعاة النظم الغربية يقولون إن على روسيا أن تتعلم من الغرب، وأن تلحق بالغرب اقتصاديًا وسياسيًا. أما الجماعة الأخرى فكانت تنادي بالرجوع إلى طرق الحياة الروسية القديمة بما في ذلك نظام القيصرية والكنيسة القوية وحياة الريف الروسي الهادئة.
اشتهر نقولا بلقب شرطي أوروبا لأنه أرسل بعض جيوشه لقمع الثورات التي نشبت في بولندا وفي المجر، كما أعلن نقولا نفسه حاميًا للكنيسة الأرثوذكسية الشرقية، وأثار حربين ضد الدولة العثمانية لذلك، واستطاع في حرب سنة 1828م و1829م أن يضم لروسيا كثيرًا من الأراضي حول البحر الأسود. وفازت روسيا أيضًا بالحق في أن تبحر سفنها التجارية عبر المضايق التي تربط البحر الأسود بالبحر الأبيض المتوسط. وكانت الإمبراطورية العثمانية تسيطر على هذه المضايق.
في عام 1853م اندلعت حرب القرم بين روسيا والدولة العثمانية، وساعد البريطانيون والفرنسيون العثمانيين إذ كانت الدولتان تعارضان التوسع الروسي في البلقان. وهُزمت روسيا ووقعت على معاهدة باريس عام 1856م، التي أجبرت روسيا على أن تتنازل عن بعض الأراضي التي اقتطعتها من الدولة العثمانية سابقًا، كما أن الاتفاقية منعت وجود البوارج الحربية والاستحكامات العسكرية في شواطئ البحر الأسود. ★ تَصَفح: حرب القرم ؛ الحروب الروسية التركية.
بيد أن كثيرًا من شباب روسيا كان يعتقد بأن إصلاحات ألكسندر لم تذهب بعيدًا بالقدر الكافي. وكان بعض الثوريين يريدون أن يدخلوا النظام الاشتراكي في روسيا، وكان غيرهم يريد أن يكون هناك دستور وجمهورية. وشكلت هذه الجماعات عددًا من التنظيمات العلنية والسرية. وبعد أن حاول أحد الثوار قتل ألكسندر سنة 1866م بدأ القيصر يوقف كثيرًا من إصلاحاته التي كان قد بدأها، وعندها أخذ الثوار يؤكدون في نقاشهم بأن ألكسندر لم يكن مصلحًا مخلصًا على الإطلاق. وفي خلال السبعينيات من القرن التاسع عشر حاول بعض الثوار تحريض الفلاحين على الثورة. وكانوا يريدون أن يحققوا إما الإشتراكية أو الفوضى. ★ تَصَفح: الفوضوية. وبعد أن أخفقت هذه المحاولة حاولت جماعة إرهابية تدعى رغبة الأمة عدة مرات اغتيال القيصر، وعند ذلك قرر ألكسندر أن ينشئ برنامجًا إصلاحيًا جديدًا، ولكنه قتل في عام 1881م على يد أحد الإرهابيين بقنبلة في سانت بطرسبرج.
ازداد السخط في أوساط الشعب الروسي بين سنوات 1899 و1904م وحدثت سلسلة من الإضرابات العمالية وغيرها من أنواع الاحتجاجات. وفي سنة 1903م انقسم حزب العمال الديمقراطي الاشتراكي الروسي إلى قسمين: البلاشفة (أعضاء الأغلبية) والمناشفة (وهم أعضاء الأقلية). وكان في. آي لينين هو زعيم البلاشفة الذين عرفوا فيما بعد باسم الشيوعيين. ★ تَصَفح: البلاشفة ؛ المناشفة ؛ لينين في آي .
في أكتوبر عام 1905م شل إضراب عام البلاد وشكل الثوار في سانت بطرسبرج مجلسًا عرف باسم سوفييت (مجلس) نواب العمال في سانت بطرسبرج، ثم منح نقولا الدوما الصلاحيات لسن كل القوانين أو رفضها. وكان كثير من الروس قانعين بهذا القدر، ولكن كان هناك أيضًا الكثيرون الذين لم يكونوا راضين عن ذلك. واستمرت الثورة في موسكو خاصة حيث سحق الجيش ثورة خطيرة في ديسمبر.
حُلّ كل من مجلسي الدوما (البرلمان) اللذين عقدا في عام 1906 و1907م بعد مضي أشهر قلائل من دعوتيهما للاجتماع. ولم يستطع هذان المجلسان العمل مع نقولا وكبار موظفيه المسؤولين الذين رفضوا التنازل عن الكثير من سلطاتهم. وقام نقولا بطريقة غير شرعية بتغيير قانون الانتخاب. وجعل اختيار أعضاء الدوما بطريقة أقل ديمقراطية. ومنح الفلاحين والعمال عددًا من النواب أقل بكثير مما أعطى للطبقات العليا. وعقد مجلس الدوما الثالث طوال الفترة من 1907 إلى 1912م، كما عقد الدوما الرابع من 1912 إلى 1917م. وخلال هذه الفترة حققت روسيا كثيرًا من التقدم في ميادين الفنون الجميلة والتعليم والزراعة والصناعة.
في اليوم الأول من أغسطس سنة 1914م أعلنت ألمانيا الحرب على روسيا، وسرعان ما غيرت روسيا بعد ذلك من اسم عاصمتها الذي كان على النحو الألماني في نطقه واستبدل من سانت بطرسبرج إلى بتروجراد، وسحق الجيش الألماني الفيالق الروسية في معركة تاننبيرج شرقي بروسيا، غير أن الروس هم أيضًا هزموا القوات النمساوية في معارك لمبيرج في منطقة جاليسيا في النمسا والمجر.
وفي عام 1915م دمرت القوات الألمانية والنمساوية القوات الرُّوسيَّة. وفي السنة التالية هاجم الروس منطقة جاليسيا في جبهة طولها 113كم، وتقدمت جحافلهم نحو 80كم، وتقدم الروس داخل جبال كارباتيا في سنة 1917م غير أن الألمان ردوهم على أعقابهم. ★ تَصَفح: الحرب العالمية الأولى .
بحلول نهاية عام 1916م كان الروس المتعلمون كافة يعارضون القيصر. وكان نقولا قد فصل عددًا كبيرًا من المسؤولين الأكفاء من وظائف الحكومة العليا، واستبدل بهم أشخاصًا ضعافًا يكرههم الشعب. وكان نقولا يُتهم بأنه كان يعمل ضد المجهود الحربي ويريد أن يُقوِّضه بمثل هذه الأعمال. وكان كثير من الروس ينتقدون أعماله التي كانت تحت تأثير جريجوري راسبوتين مستشار القيصر والقيصرة. وكان كل من القيصر وزوجته يؤمنون بأن راسبوتين رجل صالح قديس يريد أن ينقذ حياة ابنهما السقيم. وفي ديسمبر سنة 1916م قتل جماعة من النبلاء راسبوتين، ولكن الموظف المسؤول الذي كان يفترض أنه قد عين عن طريق نفوذه لم يطرد من الخدمة ؛ بل ظل فيها. ★ تَصَفح: راسبوتين، جريجوري يافيموفيتش.
في مارس عام 1917م ثار سكان روسيا (كان الشهر شهر فبراير في التقويم الروسي القديم الذي استبدل في عام 1918م). وصاحبت ذلك أعمال شغب عنيفة، واضطرابات بسبب النقص في الخبز والفحم الحجري في بتروجراد عاصمة روسيا. وكانت بتروجراد معروفة باسم سانت بطرسبرج حتى سنة 1914م، ثم عدل الاسم إلى لينينغراد سنة 1924م، ثم أصبحت مرة ثانية سانت بطرسبرج عام 1991م. وأمر نقولا الدوما بحل نفسه، ولكن الدوما تجاهل الأمر، وعين حكومة مؤقتة. وفقد نقولا سيطرت الحكومة على معظم الأوجه الاقتصادية بما في ذلك أعمال البنوك والتجارة الخارجية والصناعات كل تأييد، فتنازل عن العرش في 15 مارس. ثم سجن بعد ذلك هو وجميع أفراد عائلته، ويكاد يكون من المؤكد أن الثوار البلشفيك قد أطلقوا عليهم الرصاص وقتلوهم في يوليو سنة 1918م. ★ تَصَفح: نقولا الثاني.
أنشئت عدة مجالس سوفييتية في روسيا في الوقت نفسه أثناء تكوين الحكومة المؤقتة. ونافست مجالس السوفييت الحكومة المؤقتة. وحاول العمال والجنود الاستيلاء على السلطة في بتروجراد في يوليو غير أن المحاولة فشلت.
وفي سنة 1918م جعل البلاشفة موسكو عاصمة روسيا، كما غيروا اسم حزب العمال الاجتماعي الديمقراطي الروسي إلى الحزب الشيوعي الروسي، إلا أن هذا الاسم غُيِّر فيما بعد إلى حزب الاتحاد السوفييتي الشيوعي.
توسع روسيا |
وفي عام 1921م نشب المزيد من ثورات الفلاحين وإضرابات العمال. وفي تلك السنة وضع لينين خطة اقتصادية جديدة لتقوية روسيا. وبمقتضى هذه الخطة الثقيلة والنقل. غير أن الأعمال التجارية الصغرى تركت تحت سيطرة أصحابها، كما سمح للفلاحين بالاحتفاظ بمنتجاتهم الزراعية.
في ديسمبر عام 1922م أقامت الحكومة الشيوعية حكومة جديدة تدعى اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية، وكانت هذه الحكومة تتكون من أربع جمهوريات هي: الجمهورية الفيدرالية السوفييتية الاشتراكية الروسية، وروسيا البيضاء وترانسقوقازيا، وأوكرانيا. ولكن في أواخر سنة 1940م قسمت ترانسقوقازيا إلى أذربيجان وأرمينيا وجورجيا. كما أنشئت عشر جمهوريات أخرى، فأصبح مجموع الجمهوريات 16 جمهورية. وكانت هذه الجمهوريات الحديثة تتكون من إستونيا وكازاخستان وكيرجيستان ولاتفيا ولتوانيا ومولدافيا وطاجكستان وتركمنستان وأوزبكستان. وحدث تغيير في جمهورية الكاريلو فنلندية الاشتراكية السوفييتية التي أنشئت عام 1940م فأصبحت جمهورية مستقلة سنة 1956م.
وفي نهاية العشرينيات من القرن العشرين بدأ ستالين برنامجًا اقتصاديًا اشتراكيًا، وكان هذا البرنامج يركِّز على تطوير الصناعات الثقيلة وجمع المزارع الصغيرة التي يملكها الأفراد في إطار مزارع كبيرة تديرها الدولة. وعارض كثير من مواطني الاتحاد السوفييتي سياسات ستالين. وفي أواخر الثلاثينيات بدأ ستالين عهد إرهاب سمي بالتطهير الكبير. وألقت شرطته السرية القبض على ملايين من المواطنين، وأعدم معظم السجناء رميًا بالرصاص أو أرسلوا إلى معسكرات العمل في السجون. وكان كثير من هؤلاء الذين سجنوا قد ساعدوا ستالين على الاستيلاء على السلطة. وهكذا استطاع ستالين أن يزيل التهديدات المحتملة لسلطاته، كما أنه قوى من قبضته على زمام الأمور في الاتحاد السوفييتي. ★ تَصَفح: ستالين، جوزيف.
وفي يونيو سنة 1941م غزت ألمانيا الاتحاد السوفييتي وبدأت في التقدم في أراضيه. وكانت نقطة التحول في الحرب داخل الاتحاد السوفييتي هي هزيمة السوفييت لألمانيا في معركة ستالينجراد (الآن فولجوجراد) سنة 1943م، ثم أخذت الجيوش السوفييتية في دحر القوات الألمانية وطردها من أراضيها حتى أجبرتها على التقهقر من شرقي أوروبا. وفي أبريل 1945م كانت الجيوش السوفييتية تهاجم برلين التي سقطت في أيدي السوفييت في 2 مايو، واستسلمت القوات الألمانية للحلفاء بعد خمسة أيام من ذلك التاريخ. وفي أغسطس سنة 1945م أعلن الاتحاد السوفييتي (السابق) الحرب على اليابان، واستسلمت اليابان للحلفاء في 2 سبتمبر سنة 1945م وبذلك انتهت الحرب العالمية الثانية. ★ تَصَفح:الحرب العالمية الثانية.
وبالإضافة إلى ذلك فإن اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية كان له نفوذ على النظم الشيوعية في ألبانيا ويوغوسلافيا. واستطاع الاتحاد السوفييتي قطع كل الاتصالات بين الدول التي تدور في فلكه وبين الغرب، ونشأ شيء من عدم الثقة المتبادل والشكوك بين الشرق والغرب حتى أضحى ذلك منافسة عرفت فيما بعد باسم الحرب الباردة. وكانت الحرب الباردة هي التي كيفت اتجاه سياسة الاتحاد السوفييتي السابق الخارجية وكذلك سياسة كثير من دول أوروبا الغربية حتى أواخر الثمانينيات من القرن العشرين. ★ تَصَفح: الحرب الباردة.
مات ستالين في 5 مارس سنة 1953م، وفي سبتمبر من ذلك العام أصبح نيكيتا خروتشوف رئيسًا للحزب الشيوعي، ثم أصبح في سنة 1958م رئيس وزراء الاتحاد السوفييتي. وقد خفف خروتشوف من الإرهاب الذي تميز به عهد دكتاتورية ستالين، كما أنه خفف من غلواء بعض القيود على الاتصالات والتجارة والسفر بين الشرق والغرب. بيد أن الاتحاد السوفييتي ظل يمارس عمله في توسيع نفوذه في الأقطار غير الشيوعية، وكان خروتشوف قد حسَّن من علاقات السوفييت بالغرب إلا أن كثيرًا من سياساته الأخرى أخفقت. ★ تَصَفح: خروتشوف، نيكيتا سرجيفتش.
في سنة 1964م أسقط كبار الشيوعيين خروتشوف وأصبح ليونيد بريجينيف زعيم الحزب الشيوعي، كما أصبح أليكسي كوسيجين رئيس الوزراء. وزاد كل من بريجينيف وكوسيجين من إنتاج البضائع الاستهلاكية، وبناء المساكن، كما أنهما وسعا من دائرة نفوذ السوفييت في إفريقيا.
وفي أواسط السبعينيات من القرن العشرين كان بريجينيف أقوى زعيم في الاتحاد السوفييتي، وكان يريد أن يخفف التوتر بين الشرق والغرب، وهي السياسة التي عرفت فيما بعد بسياسة الانفراج. غير أن سياسة الانفراج هذه ما لبثت أن انهارت في أواخر السبعينيات من القرن العشرين، وساءت العلاقات بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة في قضايا مثل حقوق الإنسان وانتهاكات السوفييت لها، وغزو السوفييت لأفغانستان والزيادة في عدد الأسلحة النووية من كلا الجانبين. ★ تَصَفح: بريجينيف، ليونيد إليتش.
ميخائيل جورباتشوف كان رئيسًا للاتحاد السوفييتي منذ عام 1985م، حتى انتهى وجوده بوصفه كيانًا عام 1991م. يظهر جورباتشوف (على اليمين) وهو يحيي الجمهور في موسكو. |
بوريس يلتسن رئيس الجمهورية الروسية وقد استمر رئيسًا لروسيا عقب انهيار الاتحاد السوفييتي بنهاية عام 1991م. |
وفي يوليو 1991م اتفق جورباتشوف وزعماء عشر جمهوريات على توقيع معاهدة تمنح الجمهوريات صلاحيات كبرى من الحكم الذاتي. وكان هناك اتفاق على أن تقوم خمس جمهوريات بتوقيع المعاهدة في 20 أغسطس، ولكن في يوم 19 أغسطس قام بعض زعماء الحزب الشيوعي المحافظين بانقلاب ضد حكومة جورباتشوف، وسجنوا جورباتشوف وعائلته في منزلهم المعد لقضاء العطلات. وعندها قام بوريس يلتسن رئيس جمهورية روسيا بانتفاضة شعبية ضد الانقلاب الذي انهار في 21 أغسطس. وبعد الانقلاب استرد جورباتشوف منصب رئيس الاتحاد ولكنه استقال من رئاسة الحزب الشيوعي.
جدّد انهيار الانقلاب العسكري مطالبة الجمهوريات بسلطات أوسع على شؤونهم الخاصة. وفي سبتمبر سنة 1991م أقام مجلس نواب الشعب حكومة انتقالية لتحكم حتى يوضع دستور جديد ومعاهدة اتحاد، وتجري الموافقة عليهما. وضمَّت هذه الحكومة مجلس دولة يتكون من جورباتشوف وزعماء الجمهوريات.
وفي 8 ديسمبر 1991م أعلن يلتسن ورؤساء روسيا البيضاء وأوكرانيا تشكيل كومنولث الدول المستقلة. وأعلن هؤلاء بأن الاتحاد السوفييتي لم يعد قائمًا، ودعوا بقية الجمهوريات للانضمام إلى الكومنولث، وتشكيل دول مستقلة مرتبطة بروابط اقتصادية ودفاعية. وانضمت إحدى عشرة جمهورية أي كلها، فيما عدا جورجيا ودول البلطيق وهي: إستونيا ولاتفيا ولتوانيا. واستولى يلتسن على ما تبقى من حكومة الاتحاد السوفييتي المركزية بما في ذلك الكرملين. وفي 25 ديسمبر 1991م استقال جورباتشوف من منصب الرئيس، واختفى الاتحاد السوفييتي عن الوجود.
وعلاوة على ذلك فقد أصبح لزامًا على روسيا أن تقيم علاقات جديدة مع أعضاء دول الكومنولث. وأراد بعض الزعماء الروس أن تتولى بلادهم دورًا قياديًا، بيد أن الدول الصغرى خشيت من سيطرة روسيا عليها بسبب حجمها الكبير وقوتها.
وفي مارس سنة 1992م وقعت كل الأقاليم الروسية ما عدا منطقتين معاهدة وضعت أساس الأمة الروسية الجديدة. وكانت هاتان المنطقتان هما التتار والشِّيشان ـ الأنجوش، وقد أعلنتا أنهما ترغبان في استقلال أكبر.
وفي يناير 1995م جدد الشيشان مطالبتهم بالاستقلال والحكم الذاتي وعلى أثر ذلك دخل الجيش الروسي مدينة غروزني، العاصمة الشيشانية، ودمرها وشرد أهلها.
وفي مايو 1992م أعلن السوفييت الأعلى أن منح الحكومة السوفييتية منطقة شبه جزيرة القرم لأوكرانيا سنة 1954م ملغي وباطل. ودعت إلى إجراء مفاوضات بين روسيا وأوكرانيا لفض هذا النزاع.
ساعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتفككه على إزالة كثير من الاحتكاك بين الشرق والغرب. وقد قامت الحكومة الروسية بتخفيض الإنفاق الحربي سنة 1992م، كما حققت إنجازات عظيمة في تخفيض عدد العاملين في القوات المسلحة. وأجبر هذا العمل كثيرًا من رجال القوات المسلحة على البحث عن مساكن لهم ووظائف مدنيَّة. وفي سنة 1992م وافقت الدول الأربع التي كانت جمهوريات سوفييتية من قبل والتي توجد أسلحة نووية على أراضيها وهي: روسيا البيضاء وكازاخستان وروسيا وأوكرانيا على أن تدمر كل الأسلحة النووية أو تعاد إلى سيطرة روسيا خلال سبع سنوات.
وفي أكتوبر عام 1993م حدثت مواجهة بين الشيوعيين في مجلس نواب الشعب بقيادة ألكسندر رتسكوي ويلتسن أدى هذا إلى إصدار الأخير قرارًا بحل مجلس النواب وعلق عمل المحكمة الدستورية لمؤازرتها معارضي الإصلاح. ورفض الشيوعيون هذا القرار، واعتصموا في البرلمان مما أجبر يلتسن على ضرب البيت الأبيض بالنار واعتقل المعارضين وزجهم في السجون. ولكي يتمكن يلتسن من المضي في إجراء الإصلاحات الاقتصادية والسياسية، أصدر دستورًا يمنحه كامل الصلاحية للتصدي لأي اعتراض كحل البرلمان وإقالة الحكومة وطالب بعرض الدستور للاستفتاء الشعبي مع إجراء انتخابات نيابية جديدة. وبعد فترة أجريت الانتخابات وحصل دستور يلتسن على موافقة 58,4% من الأصوات. ولكن نتائج الانتخابات لم تكن مرضية ليلتسن وأنصاره ولا للدول الغربية.
وفي فبراير 1994م، أصدر البرلمان عفوًا عن رتسكوي وبعض معارضي يلتسن. وفي يوليو عام 1996م، أعيد انتخاب يلتسن رئيسًا للبلاد، كما أعيد انتخاب فكتور تشيرنوميردين رئيسًا للوزراء.
في 1991م، طالب جوهر دودايف رئيس حكومة الشيشان، وهي منطقة في الجزء الجنوبي الغربي من البلاد، باستقلال الجمهورية. فأرسلت روسيا قواتها إلى المنطقة بغية إسكات النبرة الاستقلالية. أظهر المقاتلون الشيشان شجاعة نادرة في حربهم ضد القوات الروسية. وبدأت مباحثات للسلام بين الطرفين في منتصف 1995م. قاد الوفد الروسي ألكسندر ليبيد مستشار شؤون الأمن الذي أقصاه يلتسن من منصبه في نهاية 1996م، بينما قاد وفد الشيشان سليم خان باندرباييف الذي خلف دودايف بعد استشهاده. انسحبت القوات الروسية من الشيشان وأجل حسم المسألة الشيشانية إلى ما بعد 31 ديسمبر 2001م.
التطورات الأخيرة. واجهت روسيا عام 1998م صعوبات اقتصادية كبيرة، فحل يلتسن مجلس الوزراء، وألزم البرلمان قبول سيرجي كيرينكوف رئيساً للوزراء. وفي أغسطس أقصى يلتسن كيرينكوف وحاول إعادة تشيرنوميردين ثانية، إلا أن البرلمان أجبره على تعيين وزير الخارجية يفجيني بريماكوف رئيساً للوزراء. تدهورت حالة يلتسن الصحية فأناط بيريماكوف معظم أعماله، ولكن عاد يلتسن مرة أخرى لممارسة هوايته، فعزل بريماكوف في مايو 1999م وعين مكانه وزير الشؤون الداخلية سيرجي ستباشن الذي بقي في منصبه إلى شهر أغسطس، حين استبدل به يلتسن رئيس الاستخبارات الداخلية فلاديمير بوتين.
وفي 31 ديسمبر 1999م، وقبل نهاية فترة ولايته الثانية بستة شهور فاجأ يلتسن مواطنيه والعالم باستقالته من منصبه وعين بوتين رئيساً مؤقتاً. وفي مارس 2000م، تم انتخاب بوتين رئيساً جديداً لروسيا. بدأ بوتين عمله بالقضاء على المجاهدين الشيشان واتبع في ذلك سياسة الأرض المحروقة التي كان ضحيتها العزل من المدنيين الأبرياء. وقد ظل المجاهدون ينفذون عمليات جريئة أقلقت الجيش الروسي في الشيشان.