→ قوله:(وهو المبعوث إلى عامة الجن وكافة الورى، بالحق والهدى، وبالنور والضياء) | شرح العقيدة الطحاوية المؤلف: ابن أبي العز الحنفي |
قوله: (ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر، فقد كفر) ← |
قوله: (وإن القرآن كلام الله ) |
وإن القرآن كلام الله، منه بدا بلا كيفية قولاً، وأنزله الله على رسوله وحياً، وصدقه المؤمنون على ذلك حقاً، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة، ليس بمخلوق ككلام البرية، فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر، وقد ذمه الله وعابه وأوعده بسقر، حيث قال تعالى: { سَأُصْلِيهِ سَقَرَ } [1]، فلما أوعد الله بسقر لمن قال: { إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ } [2] علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر، ولا يشبه قول البشر.
شرح: هذه قاعدة شريفة، وأصل كبير من أصول الدين، ضل فيه طوائف كثيرة من الناس. وهذا الذي حكاه الطحاوي رحمه الله هو الحق الذي دلت عليه الأدلة من الكتاب والسنة لمن تدبرهما، وشهدت به الفطرة السليمة التي لم تغير بالشبهات والشكوك والآراء الباطلة.
وقد افترق الناس في مسألة الكلام على تسعة أقوال:
أحدها: أن كلام الله هو ما يفيض على النفوس من معاني، إما من العقل الفعال عند بعضهم، أو من غيره، وهذا قول الصابئة والمتفلسفة.
وثانيها: أنه مخلوق خلقه الله منفصلاً عنه، وهذا قول المعتزلة.
وثالثها: أنه معنى واحد قائم بذات الله، هو الأمر والنهي والخبر والاستخبار، وإن عبر عنه بالعربية كان قرآناً، وإن عبر عنه بالعبرانيه كان توراة، وهذا قول ابن كلاب ومن وافقه، كالاشعري وغيره.
ورابعها: أنه حروف وأصوات أزلية مجتمعة في الأزل، وهذا قول طائفة من أهل الكلام ومن أهل الحديث.
وخامسها: أنه حروف وأصوات، لكن تكلم الله بها بعد أن لم يكن متكلماً، وهذا قول الكرامية وغيرهم.
وسادسها: أن كلامه يرجع إلى ما يحدثه من علمه وإرادته القائم بذاته، وهذا يقوله صاحب المعتبر، ويميل اليه الرازي في المطالب العالية.
وسابعها: أن كلامه يتضمن معنى قائماً بذاته هو ما خلقه في غيره، وهذا قول أبي منصور الماتريدي.
وثامنها: أنه مشترك بين المعنى القديم القائم بالذات وبين ما يخلقه في غيره من الاصوات، وهذا قول أبي المعالي ومن اتبعه.
وتاسعها: أنه تعالى لم يزل متكلما إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء، وهو يتكلم به بصوت يسمع، وأن نوع الكلام قديم وإن لم يكن الصوت المعين قديما، وهذا المأثور عن أئمة الحديث والسنة.
وقول الشيخ رحمه الله وإن القرآن كلام الله إن بكسر الهمزة - عطف على قوله: إن الله واحد لا شريك له ثم قال: وإن محمداً عبده المصفى. وكسر همزة إن في المواضع الثلاثة، لأنها معمول القول، أعني قوله في أول كلامه: نقول في توحيد الله.
وقوله: كلام الله منه بدا بلا كيفية قولاً: -رد على المعتزلة وغيرهم.
فإن المعتزلة تزعم أن القران لم يبد منه، كما تقدم حكاية قولهم، قالوا: وإضافته إليه اضافة تشريف، كبيت الله، وناقة الله، يحرفون الكلام عن مواضعه ! وقولهم باطل، فإن المضاف إلى الله تعالى معان وأعيان، فاضافة الأعيان الى الله للتشريف، وهي مخلوقة له، كبيت الله، وناقة الله، بخلاف إضافة المعاني، كعلم الله، وقدرته، وعزته، وجلاله، وكبريائه، وكلامه، وحياته، وعلوه، وقهره - فإن هذا كله من صفاته، لا يمكن أن يكون شيء من ذلك مخلوقا.
والوصف بالتكلم من أوصاف الكمال، وضده من أوصاف النقص. قال تعالى: { وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً } [3]. فكان عُبَّاد العجل مع كفرهم، أعرف بالله من المعتزلة، فإنهم لم يقولوا لموسى: وربك لا يتكلم، أيضاً. وقال تعالى عن العجل أيضاً: { أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً } [4]. فعلم أن نفي رجوع القول ونفي التكلم نقص يستدل به على عدم ألوهية العجل.
وغاية شبهتهم أنهم يقولون: يلزم منه التشبيه والتجسيم ؟ فيقال لهم: إذا قلنا إنه تعالى يتكلم كما يليق بجلاله انتفت شبهتهم. ألا ترى أنه تعالى قال: { الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ } [5] فنحن نؤمن أنها تكَلَّم، ولا نعلم كيف تتكلم وكذا قوله تعالى: { وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ } [6]. وكذلك تسبيح الحصا والطعام، وسلام الحجر، كل ذلك بلا فم يخرج منه الصوت الصاعد من لديه المعتمد على مقطع الحروف.
وإلى هذا أشار الشيخ رحمه الله بقوله: منه بدا بلا كيفية قولاً، أي: ظهر منه ولا ندري كيفية تكلمه به. وأكد هذا المعنى بقوله قولا، أتى بالمصدر المعرف للحقيقة، كما أكد الله تعالى التكليم بالمصدر المثبت النافي للمجاز في قوله: { وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً } [7].
فماذا بعد الحق إلا الضلال؟! ولقد قال بعضهم لأبي عمرو بن العلاء - أحد القراء السبعة-: أريد أن تقرأ: { وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى } [8] بنصب اسم الله، ليكون موسى هو المتكلم لا الله! فقال أبو عمرو: هب أني قرأت هذه الآية كذا، فكيف تصنع بقوله تعالى: { وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } [9] ؟ ! فبهت المعتزلي !
وكم في الكتاب والسنة من دليل على تكليم الله تعالى لأهل الجنة وغيرهم. قال تعالى: { سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ } [10]، فعن جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: بينا أهل الجنة في نعيم إذ سطع لهم نور، فرفعوا أبصارهم، فإذا الرب جل جلاله قد أشرف عليهم من فوقهم، فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة، وهو قول الله تعالى: سلام قولاً من رب رحيم، فلا يلتفتون إلى شيء مما هم فيه من النعيم، ما داموا ينظرون إليه، حتى يحتجب عنهم، وتبقى بركته ونوره. [11].
ففي هذا الحديث إثبات صفة الكلام، وإثبات الرؤية، واثبات العلو، وكيف يصح مع هذا أن يكون كلام الرب كله معنى واحداً، وقد قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ } [12] فأهانهم بترك تكليمهم، والمراد أنه لا يكلمهم تكليم تكريم وهو الصحيح، إذ قد أخبر في الآية الأخرى أنه يقول لهم في النار { اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ } [13]، فلو كان لا يكلم عباده المؤمنين، لكانوا في ذلك هم وأعداؤه سواء، ولم يكن في تخصيص أعدائه بأنه لا يكلمهم فائدة أصلاً. وقال البخاري في صحيحه: باب كلام الرب تبارك وتعالى مع أهل الجنة، وساق فيه عدة أحاديث.
فأفضل نعيم أهل الجنة رؤية وجهه تبارك وتعالى، وتكليمه لهم. فإنكار ذلك إنكار لروح الجنة. وأعلى نعيمها وأفضله الذي ما طابت لأهلها إلا به.
وأما استدلالهم بقوله تعالى: { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْء } [14]، والقرآن شيء، فيكون داخلاً في عموم كل فيكون مخلوقاً ! ! فمن أعجب العجب. وذلك: أن أفعال العباد كلها عندهم غير مخلوقة لله تعالى، وإنما يخلقها العباد جميعها، لا يخلقها الله فأخرجوها من عموم كل، وأدخلوا كلام الله في عمومها، مع أنه صفة من صفاته، به تكون الأشياء المخلوقة، إذ بأمره تكون المخلوقات، قال تعالى: { وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْر } [15]. ففرق بين الخلق والأمر، فلو كان الأمر مخلوقاً لزم أن يكون مخلوقاً بأمر آخر، والآخر بآخر، إلى ما لا نهاية له، فيلزم التسلسل، وهو باطل. وطرد باطلهم: أن تكون جميع صفاته تعالى مخلوقة، كالعلم والقدرة وغيرهما، وذلك صريح الكفر، فإن علمه شيء، وقدرته شيء، وحياته شيء، فيدخل ذلك في عموم كل، فيكون مخلوقاً بعد أن لم يكن، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
وكيف يصح أن يكون متكلماً بكلام يقوم بغيره ؟ ولو صح ذلك للزم أن يكون ما أحدثه من الكلام في الجمادات كلامه ! وكذلك أيضاً ما خلقه في الحيوانات، لا يفرق حينئذ بين نطق وأنطق. وإنما قالت الجلود: { أَنطَقَنَا اللَّهُ } [16]، ولم تقل: نطق الله، بل يلزم أن يكون متكلماً بكل كلام خلقه في غيره، زوراً كان أو كذباً أو كفراً أو هذياناً ! ! تعالى الله عن ذلك. وقد طرد ذلك الاتحادية، فقال ابن عربي:
وكل كلام في الوجود كلامه | سواء علينا نثره ونظامه ! ! |
ولو صح أن يوصف أحد بصفة قامت بغيره، لصح أن يقال للبصير: أعمى، وللأعمى: بصير! لأن البصير قد قام وصف الأعمى بغيره، والأعمى قد قام وصف البصير بغيره ! ولصح أن يوصف الله تعالى بالصفات التي خلقها في غيره، من الألوان والروائح والطعوم والطول والقصر ونحو ذلك.
وبمثل ذلك ألزم الإمام عبد العزيز المكي بشراً المريسيى بين يدي المأمون، بعد أن تكلم معه ملتزماً أن لا يخرج عن نص التنزيل، وألزمه الحجة، فقال بشر: يا أمير المؤمنين، ليدع مطالبتي بنص التنزيل، ويناظرني بغيره، فإن لم يدع قوله ويرجع عنه، ويقر بخلق القرآن الساعة وإلا فدمي حلال. قال عبد العزيز: تسألني أم أسألك ؟ فقال بشر: اسأل أنت، وطمع في فقلت له: يلزمك واحده من ثلاث لا بد منها: إما أن تقول: أن الله خلق القرآن، وهو عندي أنا كلامه - في نفسه، أو خلقه قائماً بذاته ونفسه، أو خلقه في غيره ؟ قال: أقول: خلقه كما خلق الأشياء كلها. وحاد عن الجواب. فقال المأمون: اشرح أنت هذه المسألة، ودع بشراً فقد انقطع. فقال عبد العزيز: أن قال خلق كلامه في نفسه، فهذا محال، لأن الله لا يكون محلاً للحوادث المخلوقة، ولا يكون فيه شيء مخلوق وأن قال خلقه في غيره فيلزم في النظر والقياس أن كل كلام خلقه الله في غيره فهو كلامه، فهو محال أيضاً، لأنه يلزم قائله أن يجعل كل كلام خلقه الله في غيره - هو كلام الله ! وأن قال خلقه قائماً بنفسه وذاته، فهذا محال: لا يكون الكلام إلا من متكلم، كما لا تكون الإرادة إلا من مريد، ولا العلم إلا من عالم، ولا يعقل كلام قائم بنفسه يتكلم بذاته. فلما استحال من هذه الجهات أن يكون مخلوقاً، علم أنه صفة لله. هذا مختصر من كلام الإمام عبد العزيز في الحيدة.
وعموم كل في كل موضع بحسبه، ويعرف ذلك بالقرائن. ألا ترى إلى قوله تعالى: { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ } [17]، ومساكنهم شيء، ولم تدخل في عموم كل شيء دمرته الريح ؟ وذلك لأن المراد تدمر كل شيء يقبل التدمير بالريح عادة وما يستحق التدمير. وكذا قوله تعالى حكاية عن بلقيس: { وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ } [18]، المراد من كل شيء يحتاج إليه الملوك، وهذا القيد يفهم من قرائن الكلام. إذ مراد الهدهد أنها ملكة كاملة في أمر الملك، غير محتاجة الى ما يكمل به أمر ملكها، ولهذا نظائر كثيرة.
والمراد من قوله تعالى: { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } [19]، أي كل شيء مخلوق، وكل موجود سوى الله فهو مخلوق، فدخل في هذا العموم أفعال العباد حتماً، ولم يدخل في العموم الخالق تعالى، وصفاته ليست غيره، لأنه سبحانه وتعالى هو الموصوف بصفات الكمال، وصفاته ملازمة لذاته المقدسة، لا يتصور انفصال صفاته عنه، كما تقدم الاشارة إلى هذا المعنى عند قوله: ما زال قديماً بصفاته قبل خلقه. بل نفس ما استدلوا به يدل عليهم. فاذا كان قوله تعالى: الله خالق كل شيء مخلوقاً، لا يصح أن يكون دليلاً.
وأما استدلالهم بقوله تعالى: { إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } [20]، فما أفسده من استدلال ! فإن جعل إذا كان بمعنى خلق يتعدى إلى مفعول واحد، كقوله تعالى: { وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ } [21] وقوله تعالى: { وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ* وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } [22] وإذا تعدى إلى مفعولين لم يكن بمعنى خلق قال تعالى: { وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً } [23] وقال تعالى: { وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً } [24] وقال تعالى: { الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ } [25] وقال تعالى: { وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ } [26] وقال تعالى: { وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ } [27] وقال تعالى: { وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً } [28] ونظائره كثيرة فكذا قوله تعالى: { إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً } [29].
وما أفسد استدلالهم بقوله تعالى: { نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ } [30] على أن الكلام خلقه الله تعالى في الشجرة فسمعه موسى منها، وعموا عما قبل هذه الكلمة وما بعدها، فإن الله تعالى قال: { فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَن } [31] والنداء: هو الكلام من بعد: فسمع موسى عليه السلام النداء من حافة الوادي ثم قال: فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ [32]. أي أن النداء كان في البقعة المباركة من عند الشجرة، كما يقول سمعت كلام زيد من البيت، يكون من البيت لابتداء الغاية، لا أن البيت هو المتكلم ! ولو كان الكلام مخلوقاً في الشجرة، لكانت الشجرة هي القائلة: { يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } [33] وهل قال: { إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } غير رب العالمين؟ ولو كان هذا الكلام بدا من غير الله لكان قول فرعون { أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى } [34] صدقاً، إذ كل من الكلامين عندهم مخلوق قد قاله غير الله ! وقد فرقوا بين الكلامين على أصولهم الفاسدة: أن ذاك كلام خلقه الله في الشجرة، وهذا كلام خلقه فرعون ! ! فحرفوا وبدلوا واعتقدوا خالقاً غير الله. وسيأتي الكلام على مسألة أفعال العباد، إن شاء الله تعالى.
فإن قيل: فقد قال تعالى: { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } [35] و[36]. وهذا يدل على أن الرسول أحدثه، إما جبرائيل أو محمد.
قيل: ذكر الرسول معرف أنه مبلغ عن مرسله، لأنه لم يقل إنه قول ملك أو نبي، فعلم أنه بلغه عمن أرسله به، لا أنه أنشأ من جهة نفسه. وأيضاً: فالرسول في إحدى الآيتين جبرائيل، وفي الأخرى محمد، فإضافته إلى كل منهما تبين أن الإضافة للتبليغ، إذ لو أحدثه أحدهما امتنع أن يحدثه الآخر. وأيضاً: فقوله رسول أمين، دليل على أنه لا يزيد في الكلام الذي أرسل بتبليغه ولا ينقص منه، بل هو أمين على ما أرسل به، يبلغه عن مرسله. وأيضاً: فإن الله قد كفر من جعله قول البشر، ومحمد ﷺ بشر، فمن جعله قول محمد، بمعنى أنه أنشأه - فقد كفر. ولا فرق بين أن يقول: إنه قول بشر، أو جني، أو ملك، والكلام كلام من قاله مبتدئاً، لا من قاله مبلغاً. ومن سمع قائلاً يقول:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
قال: هذا شعر امرىء القيس، ومن سمعه يقول: إنما الاعمال بالنيات وانما لكل امرىء ما نوى -: قال: هذا كلام الرسول، وإن سمعه يقول: { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ* إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [37] -: قال: هذا كلام الله، إن كان عنده خبر ذلك، وإلا قال: لا أدري كلام من هذا ؟ ولو أنكر عليه أحد ذلك لكذب. ولهذا من سمع من غيره نظماً أو نثراً، يقول له: هذا كلام من ؟ هذا كلامك أو كلام غيرك ؟
وبالجملة، فأهل السنة كلهم، من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم من السلف والخلف، متفقون على أن كلام الله غير مخلوق. ولكن بعد ذلك تنازع المتأخرون في أن كلام الله هل هو معنى واحد قائم بالذات، أو أنه حروف وأصوات تكلم الله بها بعد أن لم يكن متكلماً، أو أنه لم يزل متكلماً إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء وأن نوع الكلام قديم، وقد يطلق بعض المعتزلة على القرآن أنه غير مخلوق، ومرادهم أنه غير مختلق مفترى مكذوب، بل هو حق وصدق، ولا ريب أن هذا المعنى منتف باتفاق المسلمين.
والنزاع بين أهل القبلة إنما هو في كونه مخلوقاً خلقه الله، أو هو كلامه الذي تكلم به وقام بذاته ؟ وأهل السنة إنما سئلوا عن هذا، وإلا فكونه مكذوباً مفترى مما لا ينازع مسلم في بطلانه. ولا شك أن مشايخ المعتزلة وغيرهم من أهل البدع - معترفون بأن اعتقادهم في التوحيد والصفات والقدر لم يتلقوه لا عن كتاب ولا سنة، ولا عن أئمة الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وإنما يزعمون أن عقلهم دلهم عليه، وإنما يزعمون أنهم تلقوا من الأئمة الشرائع.
ولو ترك الناس على فطرهم السليمة وعقولهم المستقيمة، لم يكن بينهم نزاع، ولكن ألقى الشيطان إلى بعض الناس أغلوطة من أغاليطه، فرق بها بينهم. { وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } [38]. والذي يدل عليه كلام الطحاوي رحمه الله: أنه تعالى لم يزل متكلماً إذا شاء كيف شاء، وأن نوع كلامه قديم. وكذلك ظاهر كلام الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه في الفقه الأكبر، فإنه قال: والقرآن في المصاحف مكتوب، وفي القلوب محفوظ، وعلى الألسن مقروء، وعلى النبي ﷺ منزل، ولفظنا بالقرآن مخلوق، والقرآن غير مخلوق، وما ذكر الله في القرآن عن موسى عليه السلام وغيره، وعن فرعون وابليس - فإن ذلك كلام الله إخباراً عنهم، وكلام موسى وغيره من المخلوقين مخلوق، والقرآن كلام الله لا كلامهم، وسمع موسى عليه السلام كلام الله تعالى، فلما كلم موسى كلمه بكلامه الذي هو من صفاته لم يزل، وصفاته كلها خلاف صفات المخلوقين، يعلم لا كعلمنا، ويقدر لا كقدرتنا، ويرى لا كرؤيتنا، ويتكلم لا ككلامنا. انتهى.
فقوله: ولما كلم موسى كلمه بكلامه الذي هو من صفاته - يعلم منه أنه حين جاء كلمه، لا أنه لم يزل ولا يزال أزلاً وأبداً يقول يا موسى، كما يفهم ذلك من قوله تعالى: { وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } [39]، ففهم منه الرد على من يقول من أصحابه أنه معنى واحد قائم بالنفس لا يتصور أن يسمع، وإنما يخلق الله الصوت في الهواء، كما قال أبو منصور الماتريدي وغيره. وقوله: الذي هو من صفاته لم يزل رد على من يقول إنه حدث له وصف الكلام بعد أن لم يكن متكلماً.
وبالجملة: فكل ما تحتج به المعتزلة مما يدل على أنه كلام متعلق بمشيئته وقدرته، وأنه يتكلم إذا شاء، وأنه يتكلم شيئاً بعد شيء، فهو حق يجب قبوله. وما يقوله من يقول: إن كلام الله قائم بذاته، وأنه صفة له. والصفة لا تقوم الا بالموصوف -: فهو حق يجب قبوله والقول به. فيجب الأخذ بما في قول كل من الطائفتين من الصواب، والعدول عما يرده الشرع والعقل من قول كل منهما.
فإذا قالوا لنا: فهذا يلزم أن تكون الحوادث قامت به. قلنا: هذا القول مجمل، ومن أنكر قبلكم قيام الحوادث بهذا المعنى به تعالى من الأئمة ؟ ونصوص القرآن والسنة تتضمن ذلك، ونصوص الأئمة أيضاً، مع صريح العقل.
ولا شك أن الرسل الذين خاطبوا الناس وأخبروهم أن الله قال ونادى وناجى ويقول، لم يفهموهم أن هذه مخلوقات منفصلة عنه، بل الذي أفهموهم إياه: أن الله نفسه هو الذي تكلم، والكلام قائم به لا بغيره، وأنه هو الذي تكلم به وقاله، كما قالت عائشة رضي الله عنها في حديث الإفك: ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بوحي يتلى. ولو كان المراد من ذلك كله خلاف مفهومه لوجب بيانه، إذ تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. ولا يعرف في لغة ولا عقل قائل متكلم لا يقوم به القول والكلام وإن زعموا أنهم فروا من ذلك حذراً من التشبيه، فلا يثبتوا صفة غيره، فإنهم إذا قالوا: يعلم لا كعلمنا، قلنا: ويتكلم لا كتكلمنا، وكذلك سائر الصفات.
وهل يعقل قادر لا تقوم به القدرة، أو حي لا تقوم به الحياة ؟ وقد قال ﷺ: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، فهل يقول عاقل إنه ﷺ عاذ بمخلوق ؟ بل هذا كقوله: أعوذ برضاك من سخطك. وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وكقوله: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر. وكقوله: وأعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا. كل هذه من صفات الله تعالى.
وهذه المعاني مبسوطة في مواضعها، وإنما أشير إليها هنا إشارة.
وكثير من متأخري الحنفية على أنه معنى واحد، والتعدد والتكثر والتجزؤ والتبعض حاصل في الدلالات، لا في المدلول. وهذه العبارات مخلوقة، وسميت كلام الله لدلالتها عليه وتأديه بها، فإن عبر بالعربية فهو قرآن، وإن عبر بالعبرانية فهو توراة، فاختلفت العبارات لا الكلام. قالوا: وتسمى هذه العبارات كلام الله مجازاً !
وهذا الكلام فاسد، فإن لازمه أن معنى قوله: { وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى } [40] هو معنى قوله: { وأقيموا الصلاة } [41].
ومعنى آية الكرسي هو معنى آية الدين ! ومعنى سورة الاخلاص هو معنى { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } [42].
وكلما تأمل الإنسان هذا القول تبين له فساده، وعلم أنه مخالف لكلام السلف. والحق: أن التوراة والإنجيل والزبور والقرآن من كلام اللة حقيقة، وكلام الله تعالى لا يتناهى، فإنه لم يزل يتكلم بما شاء إذا شاء كيف شاء، ولا يزال كذلك. قال تعالى: { قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً } [43] وقال تعالى: { وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [44].
ولو كان ما في المصحف عبارة عن كلام الله، وليس هو كلام الله، لما حرم على الجنب المحدث مسه، ولو كان ما يقرأه القارىء ليس كلام الله لما حرم على الجنب والمحدث قراءته. بل كلام الله محفوظ في الصدور، مقروء بالألسن، مكتوب في المصاحف، كما قال أبو حنيفة في الفقه الأكبر. وهو في هذه المواضع كلها حقيقة، وإذا قيل: فيه خط فلان وكتابته -: فهم منه معنى صحيح حقيقي، وإذا قيل: فيه مداد قد كتب به -: فهم منه معنى صحيح حقيقي، وإذا قيل: المداد في المصحف -: كانت الظرفية فيه غير الظرفية المفهومة من قول القائل: فيه السماوات والأرض، وفيه محمد وعيسى، ونحو ذلك. وهذان المعنيان مغايران لمعنى قول القائل: فيه كلام الله. ومن لم يتنبه للفروق بين هذه المعاني ضل ولم يهتد للصواب.
وكذلك الفرق بين القراءة التي هي فعل القارىء، والمقروء الذي هو قول الباري، من لم يهتد له فهو ضال أيضاً، ولو أن إنساناً وجد في ورقة مكتوباً ألا كل شيىء ما خلا الله باطل من خط كاتب معروف. لقال: هذا من كلام لبيد حقيقة، وهذا خط فلان حقيقة، وهذا كل شيء حقيقة، وهذا خبر حقيقة، ولا تشتبه هذه الحقيقة بالأخرى.
تابع قوله: ( وإن القرآن كلام الله، منه بدا بلا كيفية قولاً، وأنزله على رسوله وحياً، وصدقه المؤمنون على ذلك حقاً، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة، ليس بمخلوق ككلام البرية. فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر، وقد ذمه الله وعابه وأوعده بسقر حيث قال تعالى: إن هذا إلا قول البشر - علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر، ولا يشبه قول البشر).
والقرآن في الأصل: مصدر، فتارة يذكر ويراد به القراءة، قال تعالى: { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً } [45] وقال ﷺ: ( زينوا القرآن بأصواتكم ) وتارة يذكر ويراد به المقروء قال تعالى: { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } [46] وقال تعالى: { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [47].
وقال ﷺ: إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف. إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الدالة على كل من المعنيين المذكورين. فالحقائق لها وجود عيني وذهني ولفظي ورسمي، ولكن الأعيان تعلم، ثم تذكر، ثم تكتب. فكتابتها في المصحف هي المرتبة الرابعة. وأما الكلام فإنه ليس بينه وبين المصحف واسطة، بل هو الذي يكتب بلا واسطة ولا لسان.
والفرق بين كونه في زبر الأولين، وبين كونه في رق منشور، أو لوح محفوظ، أو في كتاب مكنون -: واضح. فقوله عن القرآن: { وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ } [48]، أي ذكره ووصفه والأخبار عنه، كما أن محمداً مكتوب عندهم. إذ القرآن أنزله الله على محمد، لم ينزله على غيره أصلاً، ولهذا قال في الزبر، ولم يقل في الصحف، ولا في الرق، لأن الزبر جمع زبور و الزبر هو: الكتابة والجمع، فقوله: وإنه لفي زبر الأولين أي: مزبور الأولين، ففي نفس اللفظ واشتقاقه ما يبين المعنى المراد، ويبين كمال بيان القرآن وخلوصه من اللبس. وهذا مثل قوله: { الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ } [49] أي: ذكره بخلاف قوله: فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ [50] أو { فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ } [51] أو { فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ } [52]، لأن العامل في الظرف إما أن يكون من الأفعال العامة، مثل الكون والإستقرار والحصول ونحو ذلك، أو يقدر: مكتوب في كتاب، أو في رق. والكتاب: تارة يذكر ويراد به محل الكتابة، وتارة يذكر ويراد به الكلام المكتوب. ويجب التفريق بين كتابة الكلام في الكتاب، وكتابة الأعيان الموجودة في الخارج فيه - فإن تلك إنما يكتب ذكرها. وكلما تدبر الإنسان هذا المعنى وضح له الفرق.
وحقيقة كلام الله تعالى الخارجية: هي ما يسمع منه أو من المبلغ عنه، فإذا سمعه السامع علمه وحفظه. فكلام الله مسموع له معلوم محفوظ، فإذا قاله السامع فهو مقروء له متلو، فإن كتبه فهو مكتوب له مرسوم. وهو حقيقة في هذه الوجوه كلها لا يصح نفيه. والمجاز يصح نفيه، فلا يجوز أن يقال: ليس في المصحف كلام الله، ولا: ما قرأ القارىء كلام الله، وقد قال تعالى: { وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ } [53]. وهو لا يسمع كلام الله من الله، وإنما يسمعه من مبلغه عن الله. والآية تدل على فساد قول من قال: إن المسموع عبارة عن كلام الله وليس هو كلام الله، فإنه تعالى قال: حتى يسمع كلام الله، ولم يقل حتى يسمع ما هو عبارة عن كلام الله. والأصل الحقيقة. ومن قال: إن المكتوب في المصاحف عبارة عن كلام الله، أو حكاية كلام الله، وليس فيها كلام الله -: فقد خالف الكتاب والسنة وسلف الأمة، وكفى بذلك ضلالا.
وكلام الطحاوي رحمه الله يرد قول من قال: إنه معنى واحد لا يتصور سماعه منه، وأن المسموع المنزل المقروء والمكتوب ليس كلام الله، وإنما هو عبارة عنه. فإن الطحاوي رحمه الله يقول: كلام الله منه بدا. وكذلك قال غيره من السلف، ويقولون: منه بدا، وإليه يعود. وإنما قالوا: منه بدا، لأن الجهمية من المعتزلة وغيرهم كانوا يقولون إنه خلق الكلام في محل، فبدأ الكلام من ذلك المحل. فقال السلف: منه بدا أي هو المتكلم به، فمنه بدا، لا من بعض المخلوقات، كما قال تعالى: { تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ } [54] { وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي } [55] وقال: { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقّ } [56]. ومعنى قولهم: وإليه يعود-: يرفع من الصدور والمصاحف، فلا يبقى في الصدور منه آية ولا في المصاحف. كما جاء ذلك في عدة آثار.
وقوله بلا كيفية: أي: لا تعرف كيفية تكلمه به قولاً ليس بالمجاز، وأنزله على رسوله وحياً، أي: أنزله إليه على لسان الملك، فسمعه الملك جبرائيل من الله، وسمعه الرسول ﷺ من الملك، وقرأ على الناس. قال تعالى: { وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً } [57] وقال تعالى: { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ*بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ } [58]. وفي ذلك إثبات صفة العلو لله تعالى.
وقد أورد على ذلك أن إنزال القرآن نظير إنزال المطر، أو إنزاله الحديد، وإنزال ثمانية أزواج من الأنعام.
والجواب: أن إنزال القرآن فيه مذكور أنه إنزال من الله. قال تعالى: { حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } [59] وقال تعالى: { تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ } [60] وقال تعالى: { تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } [61] وقال تعالى: { تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [62] وقال تعالى: { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينََ } [63]، وقال تعالى: { قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [64]، وقال تعالى: { وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ } [65] وقال تعالى: { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقّ } [66]. وإنزال المطر مقيد بأنه منزل من السماء قال تعالى: { أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً } [67]. والسماء: العلو. وقد جاء في مكان آخر أنه منزل من المزن، والمزن: السحاب. وفي مكان آخر أنه منزل من المعصرات. وإنزال الحديد والأنعام مطلق، فكيف يشبه هذا الإنزال بهذا الإنزال ؟ ! فالحديد إنما يكون من المعادن التي في الجبال، وهي عالية على الأرض، وقد قيل أنه كلما كان معدنه أعلى كان حديده أجود. والأنعام تخلق بالتوالد المستلزم إنزال الذكور الماء من أصلابها إلى أرحام الإناث، ولهذا يقال: أنزل ولم يقل نزل ثم الأجنة تنزل من بطون الأمهات إلى وجه الارض. ومن المعلوم أن الأنعام تعلو فحولها إناثها عند الوطء، وينزل ماء الفحل من علو الى رحم الأنثى، وتلقي ولدها عند الولادة من علو إلى سفل. وعلى هذا فيحتمل قوله: { وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ } [68] وجهين: أحدهما: أن تكون (من) لبيان الجنس، الثاني: أن تكون "من" لابتداء الغاية وهذان الوجهان يحتملان في قوله: { جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجاً } [69].
وقوله: وصدقه المؤمنون على ذلك حقاً الإشارة إلى ما ذكره من التكلم على الوجه المذكور وإنزاله، أي هذا قول الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وهم السلف الصالح، وأن هذا حق وصدق.
وقوله: وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة ليس بمخلوق ككلام البرية. رد على المعتزلة وغيرهم بهذا القول ظاهر. وفي قوله: بالحقيقة رد على من قال: إنه معنى واحد قام بذات الله لم يسمع منه وإنما هو الكلام النفساني، لأنه لا يقال لمن قام به الكلام النفساني ولم يتكلم به -: أن هذا كلام حقيقة، وإلا للزم أن يكون الأخرس متكلماً، ولزم أن لا يكون الذي في المصحف عند الإطلاق هو القرآن ولا كلام الله، ولكن عبارة عنه ليست هي كلام الله، كما لو أشار أخرس إلى شخص بإشارة فهم بها مقصوده، فكتب ذلك الشخص عبارته عن المعنى الذي أوحاه إليه ذلك الأخرس، فالمكتوب هو عبارة ذلك الشخص عن ذلك المعنى. وهذا المثل مطابق غاية المطابقة لما يقولونه، وإن كان الله تعالى لا يسميه أحد أخرس، لكن عندهم أن الملك فهم منه معنى قائماً بنفسه، لم يسمع منه حرفاً ولا صوتاً، بل فهم معنى مجرداً، ثم عبر عنه، فهو الذي أحدث نظم القرآن وتأليفه العربي، وأنا الله خلق في بعض الأجسام كالهوى الذي هو دون الملك هذه العبارة.
ويقال لمن قال إنه معنى واحد -: هل سمع موسى عليه السلام جميع المعنى أو بعضه ؟ فإن قال: سمعه كله، فقد زعم أنه سمع جميع كلام الله وفساد هذا ظاهر. وإن قال: بعضه، فقد قال يتبعض. وكذلك كل من كلمه الله أو أنزل إليه شيئاً من كلامه.
ولما قال تعالى للملائكة: { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَة } [70] ولما قال لهم: { اسْجُدُوا لِآدَمَ } [71].
وأمثال ذلك -: هل هذا جميع كلامه أو بعضه ؟ فإن قال: إنه جميعه، فهذا مكابرة، وإن قال: بعضه، فقد اعترف بتعدده.
وللناس في مسمى الكلام والقول عند الإطلاق -: أربعة أقوال:
أحدها: أنه يتناول اللفظ والمعنى جميعا، كما يتناول لفظ الإنسان الروح والبدن معاً، وهذا قول السلف.
الثاني: اسم اللفظ فقط، والمعنى ليس جزء مسماه، بل هو مدلول مسماه، وهذا قول جماعة من المعتزلة وغيرهم.
الثالث: أنه إسم للمعنى فقط، وإطلاقه على اللفظ مجاز، لأنه دال عليه، وهذا قول ابن كلاب ومن اتبعه.
الرابع: أنه مشترك بين اللفظ والمعنى، وهذا قول بعض المتأخرين من الكلابية، ولهم قول خامس، يروى عن أبي الحسن، أنه مجاز في كلام الله، حقيقة في كلام الآدميين لأن حروف الآدميين تقوم بهم، فلا يكون الكلام قائماً بغير المتكلم، بخلاف كلام الله، فإنه لا يقوم عنده بالله، فيمتنع أن يكون كلامه. وهذا مبسوط في موضعه. وأما من قال إنه معنى واحد، واستدل عليه بقول الأخطل:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما | جعل اللسان على الفؤاد دليلا |
فاستدلال فاسد. ولو استدل مستدل بحديث في الصحيحين لقالوا هذا خبر واحد! ويكون مما اتفق العلماء على تصديقه وتلقيه بالقبول والعمل به ! فكيف وهذا البيت قد قيل إنه موضوع منسوب إلى الأخطل، وليس هو في ديوانه ؟ ! وقيل إنما قال: إن البيان لفي الفؤاد وهذا أقرب إلى الصحة، وعلى تقدير صحته عنه فلا يجوز الإستدلال به، فإن النصارى قد ضلوا في معنى الكلام، وزعموا أن عيسى عليه السلام نفس كلمة الله واتحد اللاهوت بالناسوت ! أي: شيء من الإله بشيء من الناس ! أفيستدل بقول نصراني قد ضل في معنى الكلام على معنى الكلام، ويترك ما يعلم من معنى الكلام في لغة العرب ؟! وأيضاً: فمعناه غير صحيح، إذ لازمه أن الأخرس يسمى متكلماً لقيام الكلام بقلبه وإن لم ينطق به ولم يسمع منه، والكلام على ذلك مبسوط في موضعه، وإنما أشير اليه إشارة.
وهنا معنى عجيب، وهو: أن هذا القول له شبه قوي بقول النصارى القائلين باللاهوت والناسوت ! فإنهم يقولون: كلام الله هو المعنى القائم بذات الله الذي لا يمكن سماعه، وأما النظم المسموع فمخلوق، فإفهام المعنى القديم بالنظم المخلوق يشبه امتزاج اللاهوت بالناسوت الذي قالته النصارى في عيسى عليه السلام، فانظر إلى هذا الشبه ما أعجبه !
ويرد قول من قال: بأن الكلام هو المعنى القائم بالنفس -: قوله ﷺ: إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس. وقال: إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإنما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة. واتفق العلماء على أن المصلي إذا تكلم في الصلاة عامداً لغير مصلحتها بطلت صلاته. واتفقوا كلهم على أن ما يقوم بالقلب، من تصديق بأمور دنيوية وطلب - لا يبطل الصلاة، وإنما يبطلها التكلم بذلك. فعلم اتفاق المسلمين على أن هذا ليس بكلام.
وأيضاً: ففي الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها، ما لم تتكلم به أوتعمل به. فقد أخبر أن الله عفا عن حديث النفس إلا أن تتكلم، ففرق بين حديث النفس وبين الكلام، وأخبر أنه لا يؤاخذ به حتى يتكلم به، والمراد: حتى ينطق به اللسان، باتفاق العلماء. فعلم أن هذا هو الكلام في اللغة، لأن الشارع إنما خاطبنا بلغة العرب.
وأيضاً ففي السنن: أن معاذاً رضي الله عنه قال: يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال: وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم. فبين أن الكلام إنما هو باللسان. فلفظ القول و الكلام وما تصرف منهما، من فعل ماض ومضارع وأمر واسم فاعل -: إنما يعرف في القرآن والسنة وسائر كلام العرب إذا كان لفظاً ومعنى. ولم يكن في مسمى الكلام نزاع بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وإنما حصل النزاع بين المتأخرين من علماء أهل البدع، ثم انتشر.
ولا ريب أن مسمى الكلام والقول ونحوهما - ليس هو مما يحتاج فيه إلى قول شاعر، فإن هذا مما تكلم به الأولون والآخرون من أهل اللغة، وعرفوا معناه، كما عرفوا مسمى الرأس واليد والرجل ونحو ذلك.
ولا شك أن من قال: إن كلام الله معنى واحد قائم بنفسه تعالى وأن المتلو المحفوظ المكتوب المسموع من القارىء حكاية كلام الله وهو مخلوق -: فقد قال بخلق القرآن وهو لا يشعر، فإن الله يقول: { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ } [72]. أفتراه سبحانه وتعالى يشير الى ما في نفسه أو إلى المتلو المسموع ؟ ولا شك أن الإشارة إنما هي إلى هذا المتلو المسموع، إذ ما في ذات الله غير مشار إليه، ولا منزل ولا متلو ولا مسموع.
وقوله: لا يأتون بمثله - أفتراه سبحانه يقول: لا يأتون بمثل ما في نفسي مما لم يسمعوه ولم يعرفوه، وما في نفس الله عز وجل لا حيلة إلى الوصول إليه، ولا إلى الوقوف عليه.
فإن قالوا: إنما أشار إلى حكاية ما في نفسه وعبارته وهو المتلو المكتوب المسموع، فأما أن يشير إلى ذاته فلا - فهذا صريح القول بأن القرآن مخلوق، بل هم في ذلك أكفر من المعتزلة، فإن حكاية الشيء بمثله وشبهه. وهذا تصريح بأن صفات الله محكية، ولو كانت هذه التلاوة حكاية لكان الناس قد أتوا بمثل كلام الله، فأين عجزهم ؟! ويكون التالي - في زعمهم - قد حكى بصوت وحرف ما ليس بصوت وحرف. وليس القرآن إلا سوراً مسورة، وآيات مسطرة، في صحف مطهرة. قال تعالى: { فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَات } [73]: { بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ } [74] { فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ } [75]. ويكتب لمن قرأ بكل حرف عشر حسنات. قال ﷺ: أما إني لا أقول (آلم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف. وهو المحفوظ في صدور الحافظين المسموع من ألسن التالين. قال الشيخ حافظ الدين النسفي رحمه الله في المنار: إن القرآن إسم للنظم والمعنى. وكذا قال غيره من أهل الأصول. وما ينسب إلى أبي حنيفة رحمه الله: أن من قرأ في الصلاة بالفارسية أجزأه - فقد رجع عنه - وقال: لا يجوز القراءة مع القدرة بغير العربية. وقالوا: لو قرأ بغير العربية إما أن يكون مجنوناً فيداوى، أو زنديقاً فيقتل، لأن الله تكلم به بهذه اللغة، والإعجاز حصل بنظمه ومعناه.
وقوله: ومن سمعه وقال إنه كلام البشر فقد كفر. لا شك في تكفير من أنكر أن القرآن كلام الله، بل قال إنه كلام محمد أو غيره من الخلق، ملكاً كان أو بشراً. وأما إذا أقر أنه كلام الله، ثم أول وحرف - فقد وافق قول من قال: إن هذا إلا قول البشر. في بعض ما به كفر، وأولئك الذين استزلهم الشيطان - وسيأتي الكلام عليه عند قول الشيخ ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله إن شاء الله تعالى.
وقوله: ولا يشبه قول البشر، يعني أنه أشرف وأفصح وأصدق. قال تعالى: { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً } [76]. وقال تعالى: { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْل هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ } [77].
وقال تعالى: { قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِه } [78] وقال تعالى: { قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ } [79]. فلما عجزوا - وهم فصحاء العرب، مع شدة العداوة - عن الإتيان بسورة مثله، تبين صدق الرسول ﷺ أنه من عند الله. وإعجازه من جهة نظمه ومعناه، لا من جهة أحدهما فقط. هذا مع أنه قرآن عربي غير ذي عوج بلسان عربي مبين، أي بلغة العربية.
فنفي المشابهة من حيث التكلم، ومن حيث التكلم به، ومن حيث النظم والمعنى، لا من حيث الكلمات والحروف. وإلى هذا وقعت الإشارة بالحروف المقطعة في أوائل السور، أي أنه في أسلوب كلامهم وبلغتهم التي يخاطبون بها. ألا ترى أنه يأتي بعد الحروف المقطعة بذكر القرآن ؟ { ألم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ } [80]، { آلم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ* نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ } [81]. الآية { ألمص * كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْك } [82] الآية { الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ } [83].
وكذلك الباقي ينبههم أن هذا الرسول الكريم لم يأتكم بما لا تعرفونه بل خاطبكم بلسانكم، ولكن أهل المقالات الفاسدة يتذرعون بمثل هذا إلى نفي تكلم الله به وسماع جبريل منه.
كما يتذرعون بقوله تعالى: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [84] إلى نفي الصفات وفي الآية مايرد عليهم قولهم، وهو قوله تعالى { وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [85].
كما في قوله تعالى: { فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِه } [86]. ما يرد على من ينفي الحرف، فإنه قال: فاتوا بسورة، ولم يقل فأتوا بحرف، أو بكلمة. وأقصر سورة في القرآن ثلاث آيات. ولهذا قال أبو يوسف و محمد: إن أدنى ما يجزىء في الصلاة ثلاث آيات قصار أو آية طويلة، لأنه لا يقع الإعجاز بدون ذلك. والله أعلم.
هامش
- ↑ [المدثر: 26]
- ↑ [المدثر: 25]
- ↑ [الأعراف: 148]
- ↑ [طه: 89]
- ↑ [يّـس: 65]
- ↑ [فصلت: 21]
- ↑ [النساء: 164]
- ↑ [النساء: 164]
- ↑ [الأعراف: 143]
- ↑ [يـس: 58]
- ↑ [رواه ابن ماجه وغيره]
- ↑ [آل عمران: 77]
- ↑ [المؤمنون: 108]
- ↑ [الرعد: 16]
- ↑ [الأعراف: 54]
- ↑ [فصلت: 21]
- ↑ [الأحقاف: 25]
- ↑ [النمل: 23]
- ↑ [الرعد: 16]
- ↑ [الزخرف: 3]
- ↑ [الأنعام: 1]
- ↑ [الانبياء: 31، 30]
- ↑ [النحل: 91]
- ↑ [البقرة: 224]
- ↑ [الحجر: 91]
- ↑ [الإسراء: 29]
- ↑ [الإسراء: 39]
- ↑ [ الزخرف: 19]
- ↑ [الزخرف: 30 ]
- ↑ [القصص: 30]
- ↑ [ القصص: 30]
- ↑ [القصص: 30]
- ↑ [القصص: 30]
- ↑ [النازعات: 24]
- ↑ [الحاقة: 40]
- ↑ [التكوير: 19]
- ↑ [الفاتحة: 2-4]
- ↑ [البقرة: 76]
- ↑ [الأعراف: 143]
- ↑ [الإسراء: 32]
- ↑ [البقرة: 43]
- ↑ [المسد: 1]
- ↑ [الكهف: 109]
- ↑ [لقمان: 27]
- ↑ [الإسراء: 78]
- ↑ [النحل: 98]
- ↑ [الأعراف: 204]
- ↑ [الشعراء: 196]
- ↑ [الأعراف: 156]
- ↑ [الطور: 3]
- ↑ [البروج: 22]
- ↑ [الواقعة: 78]
- ↑ [التوبة: 6]
- ↑ [الزمر: 1]
- ↑ [السجدة: 13]
- ↑ [النحل: 102]
- ↑ [الإسراء: 106]
- ↑ [الشعراء: 193-195]
- ↑ [غافر: 1-2]
- ↑ [الزمر: 1]
- ↑ [فصلت: 2]
- ↑ [فصلت: 42]
- ↑ [الدخان: 3-5]
- ↑ [القصص: 49]
- ↑ [الأنعام: 114]
- ↑ [لنحل: 102]
- ↑ [لرعد: 17]
- ↑ [الزمر: 6]
- ↑ [الشورى: 11]
- ↑ [البقرة: 30]
- ↑ [البقرة: 34]
- ↑ [الإسراء: 88]
- ↑ [هود: 13]
- ↑ [العنكبوت: 49]
- ↑ [عبس: 14، 13]
- ↑ [النساء: 87]
- ↑ [الإسراء: 88]
- ↑ [هود: 13]
- ↑ [يونس: 38]
- ↑ [البقرة: 1-2]
- ↑ [آل عمران: 1-3]
- ↑ [الأعراف: 1-2]
- ↑ [يونس: 1]
- ↑ [الشورى: 11]
- ↑ [الشورى: 11]
- ↑ [يونس: 38 ]