→ قوله: (ذلك بأنه على كل شيء قدير) | شرح العقيدة الطحاوية المؤلف: ابن أبي العز الحنفي |
قوله: ( وقدر لهم أقدارا ) ← |
قوله: (خلق الخلق بعلمه) |
شرح: خلق: أي: أوجد وأنشأ وأبدع. ويأتي خلق ايضا بمعنى: قدر.
والخلق: مصدر، وهو هنا بمعنى المخلوق.
وقوله: بعلمه في محل نصب على الحال، أي: خلقهم عالما بهم، قال تعالى: (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير ) [1] وقال تعالى: ( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ* وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَار) [2]
وفي ذلك رد على المعتزلة.
قال الإمام عبد العزيز المكي صاحب الإمام الشافعي رحمه الله وجليسه، في كتاب الحيدة، الذي حكى فيه مناظرته بشرا المريسي عند المأمون حين سأله عن علمه تعالى: فقال بشر: أقول: لا يجهل، فجعل يكرر السؤال عن صفة العلم، تقريرا له، و بشر يقول: لا يجهل، ولا يعترف له أنه عالم بعلم، فقال الإمام عبد العزيز: نفي الجهل لا يكون صفة مدح، فإن هذه الأسطوانة لا تجهل، وقد مدح الله تعالى الأنبياء والملائكة والمؤمنين بالعلم، لا بنفي الجهل.
فمن أثبت العلم فقد نفى الجهل، ومن نفى الجهل لم يثبت العلم، وعلى الخلق أن يثبتوا ما أثبته الله تعالى لنفسه، وينفوا ما نفاه، ويمسكوا عما أمسك عنه.
والدليل العقلي على علمه تعالى: أنه يستحيل ايجاده الأشياء بالجهل، ولأن ايجاده الأشياء بإرادته، والإرادة تستلزم تصور المراد، وتصور المراد: هو العلم بالمراد، فكان الايجاد مستلزما للإرادة، والإرادة مستلزمة للعلم، فالايجاد مستلزم للعلم. ولأن المخلوقات فيها من الأحكام والإتقان ما يستلزم علم الفاعل لها، لأن الفعل المحكم المتقن يمتنع صدوره عن غير علم، ولأن من المخلوقات ما هو عالم، والعلم صفة كمال، ويمتنع أن لا يكون الخالق عالما.
وهذا له طريقان: أحدهما: أن يقال: نحن نعلم بالضرورة أن الخالق أكمل من المخلوق، وأن الواجب أكمل من الممكن، ونعلم ضرورة أنا لو فرضنا شيئين:
أحدهما عالم والآخر غير عالم - كان العالم أكمل، فلو لم يكن الخالق عالما لزم أن يكون الممكن أكمل منه، وهو ممتنع.
الثاني: أن يقال: كل علم في الممكنات، التي هي المخلوقات - فهو منه، ومن الممتنع أن يكون فاعل الكمال ومبدعه عاريا منه بل هو أحق به.
والله تعالى له المثل الأعلى، ولا يستوي هو والمخلوقات، لا في قياس تمثيلي، ولا في قياس شمولي، بل كل ما ثبت للمخلوق من كمال فالخالق به أحق، وكل نقص تنزه عنه مخلوق ما فتنزيه الخالق عنه أولى.
هامش