→ قوله: (ولا يشبهه الأنام) | شرح العقيدة الطحاوية المؤلف: ابن أبي العز الحنفي |
قوله: (خالق بلا حاجة، رازق بلا مؤنة) ← |
قوله: (حي لا يموت قيوم لا ينام) |
شرح: قال تعالى: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) [1]، فنفي السنة والنوم دليل على كمال حياته وقيوميته.
وقال تعالى: (ألم اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ) [2] وقال تعالى: (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) [3] وقال تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ) [4] وقال تعالى: (هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُو) [5] وقال ﷺ: إن الله لاينام ولا ينبغي له أن ينام، الحديث.
لما نفى الشيخ رحمه الله التشبيه، أشار إلى ما تقع به التفرقة بينه وبين خلقه، بما يتصف به تعالى دون خلقه: فمن ذلك: أنه حي لا يموت، لأن صفة الحياة الباقية مختصة به تعالى، دون خلقه، فإنهم يموتون.
ومنه: أنه قيوم لا ينام، إذ هو مختص بعدم النوم والسنة، دون خلقه، فإنهم ينامون.
وفي ذلك إشارة إلى أن نفي التشبيه ليس المراد منه نفي الصفات، بل هو سبحانه موصوف، بصفات الكمال، لكمال ذاته. فالحي بحياة باقية لا يشبه الحي بحياة زائلة، ولهذا كانت الحياة الدنيا متاعا ولهوا ولعبا (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَان) [6]، فالحياة الدنيا كالمنام، والحياة الآخرة كاليقظة، ولا يقال: فهذه الحياة الآخرة كاملة، وهي للمخلوق -: لأنا نقول: الحي الذي الحياة من صفات ذاته اللازمه لها، هو الذي وهب المخلوق تلك الحياة الدائمة، فهي دائمة بإدامة الله لها، لا أن الدوام وصف لزم لها لذاتها، بخلاف حياة الرب تعالى.
وكذلك سائر صفاته، فصفات الخالق كما يليق به، وصفات المخلوق كما يليق به.
واعلم أن هذين الاسمين، أعني: الحي القيوم مذكوران في القرآن معا في ثلاث سور كما تقدم، وهما من أعظم أسماء الله الحسنى، حتى قيل: أنهما الأسم الأعظم، فإنهما يتضمنان إثبات صفات الكمال أكمل تضمن وأصدقه، ويدل القيوم على معنى الأزلية والأبدية ما لا يدل عليه لفظ القديم.
ويدل أيضا على كونه موجودا بنفسه، وهو معنى كونه واجب الوجود.
والقيوم أبلغ من القيام لأن الواو أقوى من الألف، ويفيد قيامه بنفسه، باتفاق المفسرين وأهل اللغة، وهو معلوم بالضرورة.
وهل تفيد إقامته لغيره وقيامه عليه؟ فيه قولان، أصحهما: أنه يفيد ذلك.
وهو يفيد دوام قيامه وكل قيامه، لما فيه من المبالغة، فهو سبحانه لا يزول ولا يأفل، فإن الافل قد زال قطعا، أي: لا يغيب ولا ينقص ولا يفنى ولا يعدم، بل هو الدائم الباقي الذي لم يزل ولا يزال، موصوفا بصفات الكمال.
واقترانه بالحي يستلزم سائر صفات الكمال، ويدل على دوامها وبقائها، وانتفاء النقص والعدم عنها أزلا وأبدا. ولهذا كان قوله: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) [7] أعظم آية في القرآن، كما ثبت ذلك في الصحيح عن النبي ﷺ.
فعلى هذين الإسمين مدار الأسماء الحسنى كلها، وإليهما ترجع معانيها.
فإن الحياة مستلزمة لجميع صفات الكمال، فلا يتخلف عنها صفة منها إلا لضعف الحياة، فإذا كانت حياته تعالى أكمل حياة وأتمها، استلزم إثباتها إثبات كل كمال يضاد نفيه كمال الحياة.
وأما القيوم فهو متضمن كمال غناه وكمال قدرته، فإنه القائم بنفسه، فلا يحتاج إلى غيره بوجه من الوجوه.
المقيم لغيره، فلا قيام لغيره إلا بإقامته. فانتظم هذان الاسمان صفات الكمال أتم انتظام.
هامش