→ قوله: ( وإمام الاتقياء ) | شرح العقيدة الطحاوية المؤلف: ابن أبي العز الحنفي |
قوله: (وحبيب رب العالمين) ← |
قوله: ( وسيد المرسلين ) |
وسيد المرسلين [1]
شرح: قال ﷺ: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع. [2].
وفي أول حديث الشفاعة: أنا سيد الناس يوم القيامة وروى مسلم و الترمذي عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: إن الله اصطفى كنانة من ولد اسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم.
فإن قيل: يشكل على هذا قوله ﷺ: لاتفضلوني على موسى، فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فأجد موسى باطشاً بساق العرش، فلا أدري هل أفاق قبلي، أو كان ممن استثنى الله ؟ [3]، فكيف يجمع بين هذا وبين قوله أنا سيد ولد آدم ولا فخر.
فالجواب: أن هذا كان له سبب، فإنه كان قد قال يهودي: لا والذي اصطفى موسى على البشر، فلطمه مسلم، وقال: أتقول هذا ورسول الله ﷺ بين أظهرنا ؟ فجاء اليهودي فاشتكى من المسلم الذي لطمه، فقال النبي ﷺ هذا، لأن التفضيل إذا كان على وجه الحمية والعصبية وهوى النفس كان مذموماً، بل نفس الجهاد إذا قاتل الرجل حمية وعصبية كان مذموماً، فإن الله حرم الفخر، وقد قال تعالى: { وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ } [4]، وقال تعالى: { تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ } [5].
فعلم أن المذموم إنما هو التفضيل على وجه الفخر، أو على وجه الإنتقاص بالمفضول.
وعلى هذا يحمل أيضاً قوله ﷺ: لا تفضلوا بين الأنبياء، إن كان ثابتاً، فإن هذا قد روي في نفس حديث موسى، وهو في البخاري وغيره. لكن بعض الناس يقول: إن فيه علة، بخلاف حديث موسى، فإنه صحيح لا علة فيه باتفاقهم.
وقد أجاب بعضهم بجواب آخر، وهو: أن قوله ﷺ لا تفضلوني على موسى، وقوله: لا تفضلوا بين الأنبياء نهي عن التفضيل الخاص، أي: لا يفضل بعض الرسل على بعض بعينه، بخلاف قوله: أنا سيد ولد آدم ولا فخر فإنه تفضيل عام فلا يمنع منه.
وهذا كما لو قيل: فلان أفضل أهل البلد، لا ينصب على أفرادهم، بخلاف ما لو قيل لأحدهم: فلان أفضل منك.
ثم إني رأيت الطحاوي رحمه الله قد أجاب بهذا الجواب في شرح معاني الآثار.
وأما ما يروى أن النبي ﷺ قال: لا تفضلوني على يونس بن متي، وأن بعض الشيوخ قال: لا يفسر لهم هذا الحديث حتى يعطى مالاً جزيلاً، فلما أعطوه فسره بأن قرب يونس من الله وهو في بطن الحوت كقربي من الله ليلة المعراج وعدواً هذا تفسيراً عظيماً.
وهذا يدل على جهلهم بكلام الله وبكلام رسوله لفظاً ومعنى، فإن هذا الحديث بهذا اللفظ لم يروه أحد من أهل الكتب التي يعتمد عليها، وإنما اللفظ الذي في الصحيح: لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس ابن متي.
وفي رواية: من قال أني خير من يونس بن متى فقد كذب. وهذا اللفظ يدل على العموم، لا ينبغي لأحد أن يفضل نفسه على يونس بن متى، ليس فيه نهي المسلمين أن يفضلوا محمداً على يونس، وذلك لأن الله تعالى قد أخبر عنه أنه التقمه الحوت وهو مليم، أي: فاعل ما يلام عليه.
وقال تعالى: { وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } [6].. فقد يقع في نفس بعض الناس أنه أكمل من يونس، فلا يحتاج إلى هذا المقام، إذ لا يفعل ما يلام عليه.
ومن ظن هذا فقد كذب، بل كل عبد من عباد الله يقول ما قال يونس: (لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) كما قال أول الأنبياء وآخرهم، فأولهم آدم قد قال: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [7].
وآخرهم وأفضلهم وسيدهم: محمد ﷺ، قال في الحديث الصحيح، حديت الاستفتاح، من رواية علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره، بعد قوله وجهت وجهي آخره: اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، لا يغفر الذنوب إلا أنت، إلى آخر الحديث، وكذا قال موسى عليه السلام: { رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [8] وأيضاً فيونس ﷺ لما قيل فيه: { فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ } [9] فنُهي نبينا ﷺ عن التشبه به، وأمره بالتشبه بأولي العزم، حيث قيل له: { فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ } [10]، فقد يقول من يقول: أنا خير من يونس -: للأفضل أن يفخر على من دونه، فكيف إذا لم يكن أفضل، فان الله لا يحب كل مختال فخور، وفي صحيح مسلم عن النبي ﷺ أنه قال: أوحي إلي أن تواضعوا، حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد.
فالله تعالى نهى أن يفخر على عموم المؤمنين، فكيف على نبي كريم ؟ فلهذا قال: لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متي. فهذا نهي عام لكل أحد أن يتفضل ويفتخر على يونس. وقوله: من قال إني خير من يونس بن متي فقد كذب، فانه لو قدر أنه كان أفضل، فهذا الكلام يصير نقصاً، فيكون كاذباً، وهذا لا يقوله نبي كريم، بل هو تقدير مطلق، أي: من قال هذا فهو كاذب، وإن كان لا يقوله نبي، كما قال تعالى: { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } [11]، وإن كان ﷺ معصوماً من الشرك، لكن الوعد والوعيد لبيان مقادير الأعمال.
وإنما أخبر ﷺ أنه سيد ولد آدم، لأنا لا يمكننا أن نعلم ذلك إلا بخبره، إذ لا نبي بعده يخبرنا بعظيم قدره عند الله، كما أخبرنا هو بفضائل الأنبياء قبله، صلى الله عليهم وسلم أجمعين. ولهذا أتبعه بقوله ولا فخر، كما جاء في رواية.
وهل يقول من يؤمن بالله واليوم الآخر: إن مقام الذي أسري به الى ربه وهو مقرب معظم مكرم - كمقام الذي ألقي في بطن الحوت وهو مليم ؟ ! وأين المعظم المقرب من الممتحن المؤدب ؟! فهذا في غاية التقريب، وهذا في غاية التأديب.
فانظر إلى هذا الإستدلال، لأنه بهذا المعنى المحرف اللفظ لم يقله الرسول، وهل يقاوم هذا الدليل على نفي علو الله تعالى عن خلقه الأدلة الصحيحة الصريحة القطعية على علو الله تعالى على خلقه، التي تزيد على ألف دليل، كما يأتي الإشارة إليها عند قول الشيخ رحمه الله محيط بكل شيء وفوقه، إن شاء الله تعالى.
هامش
- ↑ [قال الألباني: هذه العقيدة ثبتت في أحاديث كثيرة مستفيضة تلقتها الأمة بالقبول. وقد ذكر الشارح ( في الصفحة 169 - الطبعة الرابعة) (الطبعة التاسعة الصفحة 159 طبع المكتب الإسلامي ) طائفة منها فلتراجع منه فهي تفيد العلم واليقين فهو ﷺ سيد المرسلين يقينا ومن المؤسف أن أقول: إن هذه العقيدة لا يؤمن بها أولئك الذين يشترطون في الحديث الذي يجب الإيمان به أن يكون متواترا فكيف يؤمن بها من صرح بأن العقيدة لا تؤخذ إلا من القرآن كالشيخ شلتوت وغيره وقد رددت على هؤلاء جميعا من عشرين وجها في رسالتي " وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة والرد على شبه المخالفين " وذكرت في آخرها عشرين مثالا من العقائد الثابتة في الأحاديث الصحيحة يلزمهم جحدها وعدم الإيمان بها وهذه العقيدة واحدة منها فراجعها فإنها مطبوعة وهامة]
- ↑ [رواه مسلم]
- ↑ [خرجاه في الصحيحين]
- ↑ [الإسراء: 55]
- ↑ [البقرة: 253]
- ↑ [الأنبياء: 87]
- ↑ [الأعراف: 23]
- ↑ [القصص: 16]
- ↑ [القلم: 48]
- ↑ [الأحقاف: 35]
- ↑ [الزمر: 65]