الرئيسيةبحث

العقد الفريد/الجزء الثالث/4

خطبة زياد البتراء قال أبو الحسن المدائني عن مَسْلمة بن مُحارب بن أبي بَكْر الهُذليّ قال: قَدِم زيادٌ البَصْرَة والياً لمُعاوية بن أبي سُفيان وضم إليه خراسان وسجستان والفِسْقُ بالبَصرة ظاهرٌ فاش فخَطب خُطبة بتراء لم يَحمد الله فيها. وقال غيرُه بل قال: الحمدُ للهّ على إفضاله وإحسانه ونَسأله المزيدَ مَن نِعَمه وإكْرامه اللهم كما زِدْتنا نِعماً فأَلْهمنا شُكراً أمّا بعد: فإن الجهالة الجَهْلاء والضًلالة العَمْياء والعَمَى المُوفي بأَهله على النَار ما فيه سُفهاؤكم ويَشتمل عليه حُلماؤكم من الأمُور العِظام يَنبُت فيها الصغير ولا يَتحاشى عنها الكبير. كأنكم لم تَقْرءوا كِتاب الله ولم تَسمعوا ما أَعدَّ الله من الثواب بالكريم لأهل طاعته والعذَاب العَظيم لأهل مَعْصيته في الزَمن السرمديّ الذي لا يزول أتكونون كمَن طَرفَتْ عَيْنَه الدنيا وسدت مسامَعه الشهوات واختار الفانيةَ على الباقية ولا تَذْكُرون أنكم أَحدثتم في الإسلام الحَدَث الذي لم تُسسبقوا إليه مَن تَرككم هذه المَواخير المنصوبة والضعيفة المَسْلوبة في النّهار المُبصر والعدَدُ غيرُ قليل. ألم يكن منكم نُهاة تَمنع الغُواة عن دَلجَ الليل وغارة النهار! قَربتم القرابة وباعدتم الذَين تَعتذرون بغير العُذر وتَغُضّون على المُخّتَلس كُلّ امرئ يَذُب عن سَفِيهه صَنِيعَ مَن لا يخاف عاقبةً ولا يرجو مَعاداً. ما أنتم بالحُلماء ولقد اتبعتم السفهاء فلم يَزل بكم ما تَرَوْن من قيامكم دونهم حتى انتهكوا حُرم الإسلام ثمّ أَطْرقوا وراءكم كُنُوساً في مكانس الرِّيَب. حرامٌ عليّ الطعامُ والشّراب حتى أُسويها بالأرض هَدْماً وإحراقاً. إني رأيتُ آخرَ هذا الأمر لا يَصْلح إلّا بما صَلَح به أولُه لِينٌ يا غير ضَعْف وشِدّة في غير عُنْف وإني أُقسم بالله لآخُذنَ الوليّ بالمولى والمُقيم بالظّاعن والمُقْبل بالمُدبر والصحيحَ بالسَّقيم حتى يَلْقى الرحلُ منكم أخاه فيقول: انْجُ سَعْد فَقد هلك سُعيد أو تَسْتقيم لي قَناتُكم. إن كِذْبَة الأمير بلقاء مشهورة فإذا تعلقتم عليّ بكذْبة فقد حَلَّت لكم مَعْصيتي. من نُقِب منكم عليه فأنا ضامن لما ذَهب منه فإيّاَيَ ودَلَجَ اللَّيل فإنّي لا أُوتيَ بمُدْلِج إلّا سَفكت دَمَه وقد أُجِّلتم في ذلك بقدر ما يأتي الخبر الكُوفةَ ويَرجعِ إليكم وإيّاي ودَعْوي الجاهليّة فإني لا أَجد أحداً دعا بها إلّا قطعتُ لسانه وقد أحْدثتم أحداثاً لم تكن وقد أَحدثنا لكُلّ ذَنب عُقوبةً فمَن غرق قوماً غرقناه ومَن أَحرق قوماً أحرقناه ومَن نَقَبَ بيتاً نَقَبنا عن قَلْبه ومَن نَبَش قَبْراً دفنّاه فيه حيّاً فكُفُّوا عني ألسنَتكم وأيدَيكم أكف عنكم يدي ولساني ولا يَظهرنّ من أحد منكم ريبةٌ بخلاف ما عليه عامَّتكم إلّا ضربتُ عُنقه وقد كانت بيني وبين قومِ إحَنٌ فجعلتُ ذلك دَبْر أُذني وتحت قدمي فمَن كان مُحسِناً فَلْيَزْدد في إحسانه ومن كان مُسِيئاً فَلْيَنزع عن إساءته إنيِ لو علمتُ أنَّ أَحدَكم قد قَتله السُّلّ من بُغضي لم أَكْشف له قناعاً ولم أَهْتك له سِتْراً حتى يُبدِي لي صَفْحته فإنْ فعل ذلك لم أنظره. فاستأنفوا أموركم واستعينوا على أَنفسكم فرب مُبتئس بقُدومنا سيُسر ومَسرور بقَدومنا سيَبْتَئس. أيها الناس إنّا أصبحنا لكم ساسةً وعنكم ذادة نَسُوسكم بسُلطان الله الذي أَعطانا ونَذُود عنكم بفَيء الله الذي خوَلنا فَلَنا عليكم السَّمع والطاعة فما أَحببنا ولكم علينا العدلُ فما وَلينا فاستوجبوا عَدْلَنا وفَيْئنا بمُناصحتكم لنا. واعلموا أني مهما أُقصّر فلن أُقصر عن ثلاث: لستُ مُحْتجباً عن طالب حاجة ولو أَتاني طارقاً بليل ولا حابساً عَطاءً ولا رزْقاً عن إبانه ولا مُجَمِّراً لكم بَعْثاً. فادعوا الله بالصَّلاح لأئمتكم فإنهم ساسُتكم المؤدِّبون وكَهْفُكم الذي إليه تَأْوون ومتى يَصْلحوا تَصْلحوا. ولا تُشربوا قلوبَكم بُغْضهُم فَيَشْتَد لذلك أسَفكُم ويطول له حزنكم ولا تُدْرِكوا له حاجتكم مع أنَّه لو اسْتُجيب لكمٍ فيهم لكان شرِّاً لكم: أسأل اللهّ أن يُعين كُلأ على كُلّ. وإذا رأيتُموني أُنَفِّذ فيكم أمرا فأَنْفِدُوه على أذلاله وايم لله إن لي فيكم لصَرْعى كثيرة فَلْيحذر كل امرئ منكم أن يكون مِنْ صَرعاي ثم نزل. فقام إليه عبدُ اللهّ بن الأهتم فقال: أَشهد أيها الأمير لقد أُوتيت الحِكمة وفَصْل الخِطاب. فقال له كذَبْتَ ذاك داودُ ﷺ. فقام الأحنف بن قيس فقال: إنما الثّناء بعد البَلاء والحمدُ بعد العَطاء وإنا لن نُئْنى حتى نَبْتلي. قال له زياد: صَدَلْت. فقام أبو بلال وهو يَهْمس ويقول: أنبأنا الله تعالى بخلاف ما قلتَ قال الله تعالى: " وإبراهيمَ الذي وَفَى. أَلّا تَزِرُ وازرةٌ وِزْرَ أخرى. وأنْ ليس للإنسان إلّا ما سَعى " وأَنت تزعم أنك تأخذ الصحيح بالسَّقيم والمطيع بالعاصي والمقبل بالمدبر فَسَمِعَها زياد فقال: إنّا لا نبلغ ما نرِيد فيك وفي أصحابك حتى نَخُوض إليكم الباطل خَوْضاً. خطبة لزياد استوصوا بثلاث منكم خيراً: الشريف والعالم والشَّيخ فوالله لا يأتيني شيخٌ بحدَث استَخَفَّ به إلّا أَوْجَعته ولا يأتينِي عالمٌ بجاهل استخف به إلاّ نَكَلْتُ به ولا يأتيني شريف بوَضيع استخف به إلاضربته. خطبة لزياد خَطب زياد على المِنبر فقال: أيها الناس لا يَمنعكم سُوء ما تَعْلَمون عنّا أنْ تَنْتفعوا بأَحْسن ما تَستمعون منّا فإن الشاعر يقول: وخطبة لزياد العُتبيّ قال: لما شهدتْ الشُّهود لزياد قام في أَعقابهم فَحَمِد الله وأثنى عليه ثم قال: هذا أمر له أشهد أوّلَه ولا عِلْم لي بآخره وقد قاد أميرُ المؤمنين ما بَلغكم وشهدتْ الشهود بما سَمِعتم. فالحمد لله الذي رَفع منّا ما وَضع الناس وحَفِظ منّا ضَيّعوا. فأمّا عُبيد فإنما هو والد مبرور أو كافل مشكور. خطبة الجامع المحاربي وكان شيخاً صالحاً خَطِيباً لسناً وهو الذي قال للحجاج حين بنى مدينة واسط: بَنَيتَها في غير بلدك وأَوْرَثتها غيرَ وَلدك شَكا الحجّاج سُوء طاعة أهل العِراق وَنقَمَ مَذْهَبهم وَتَسَخطَ طريقتهم فقال جامع: أما إنهمِ لو أحبُّوك لأطاعوك على أنهم ما شَنَؤوك لِنَسبك ولا لبلدك ولا لذات نَفْسك فدَعِ عنك ما يُبْعدهم منك إلى ما يُقرّبهم إليك والتمسى العافية ممن دُونك تُعْطَها ممن فوقك وليكُن إيقاعك بعد وَعيك ووَعيدُك بعد وَعْدك. قال الحجَّاج: إنّي والله ما أَرى أن أَردَ بني اللَّكيعة إلى طاعتي إلّا بالسيف. قال له: أيها الأمير إنّ السَّيف إذ لاقَى السيف ذَهَب الخيار. قال الحجاج: الخَيارُ يومئذ لله. قال: أجل ولكن لا تَدْرِي لمَن يَجْعله الله. وغضب الحجاج فقال: يا هناهُ إنك من مُحارب. فقال جامع: وللحَرْب سمَينا وكُنّا مُحارِباً إذا ما القنا أَمْسى من الطّعن أَحْمَرَا والبيت للخُضْرِي قال الحَجَّاج: واللهّ لقد هَمْمتُ أن أقطع لسانَك فأضرب به وجهك. قال جامعِ: إن صَدقناك أَغْضبناك وإن غَششْناك أغضبنا الله فغضَبُ الأمير أَهْونُ علينا من غضب اللهّ. قال: أجل. وشُغل الحجاج ببعض الأمر فانسلَّ جامع فمرّ بين صُفوف خَيْل الشام حتى جاوزَهم إلى خَيْل أهل العراق - وكان الحجَّاج لا يَخْلطهم - فأبصرَ كَبْكبة فيها جماعةٌ من بكر العِراق وقَيس العراق وتميم العراق وأزد العراق فلمّا رأَوْه اشرَأَبُّوا إليه وبلغهم خُروجُه فقالوا له: ما عندك دافع الله لنا عن نفسك. فقال: ويحكم! عُمّوه بالخلع كما يُعمكم بالعداوة ودَعُوا التَعادي ما عاداكم فإذا ظَفرْتم تَرَاجعتم وتعاديتم. أيها التميمي هو أَعْدَى لك من الأزدي وأيها القيسي هو أعدى لك من التَّغلبي وليس يظفر بمَن نَاوَأَه منكم إلّا بِمَن بَقِيَ معه. وهرب جامع من فَوْره ذلك إلى الشام فاستجار بزُفْر بن الحارث. خطبة للحجاج بن يوسف خَطب الحجًاج فقال: اللهم أَرِني الغَيّ غيّاً فأجتنبَه وأَرِني الهُدَى هُدىً فأتبعَه ولا تَكْلني إلى نَفسي فأضلّ ضلالاً بعيداً. والله ما أُحِبّ أن ما مضى من الدنيا لي بعمامتي هذه ولمَا بَقِيَ منها أَشبهُ بما مَضى من الماء بالماء. خطبة للحجاج قال الهيثم بن عديّ: خرج الحجّاج بن يوسف يوماً من القصر بالكوفة فسمع تكبيراً في السُوق فراعه ذلك فَصَعِد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يأهل العراق يأهل الشَقاق والنفاق ومساوي الأخلاق وبني اللًكيعة وعَبيد العصا وأولاد الإماء والفَقْع بالقرقرة إني سمعتُ تكبيراً لا يُراد به اللهّ وإنما يُراد به الشيطان وإنما مَثلي ومَثلكم ما قال ابن براق الهَمْداني: وكنتُ إذا قوم غَزَوْني غزوْتهمٍ فهل أنا في ذا يا لهَمْدان ظالمُ متَى تَجْمَع القَلْبَ الذَكيّ وصارماً وأَنفاً حَمياً تَجْتَنِبْك المظالم أما والله لا تُقرع عصاً بعصاي إلا جعلتُها كأمس الدابر. خطبة للحجاج بعد دير الجماجم خطب أهلَ العراق فقال: يأهل العراق إنّ الشّيطان قد اسْتَبطنكم فخالَط اللحمَ الدَّم والعَصب والمِسامع والأطراف والأعضاد والشَغاف ثم أفضىَ إلى المِخاخ والصَّمائخ ثم ارتفعِ فَعَشّش ثم باض وفَرّخ فحشاكم شِقاقا ونفاقاً وأشعركم خلافاً اتخذتموه دَليلا تَتّبعونه وقائداً تُطيعونه ومُؤامراً تَسْتَشيرونه. وكيف تنفعكم تجربة أو تَعِظكم وَقعة أو يحْجًزكم إسلام أو يَردّكم إيمان! ألستم أصحابي بالأهواز حيث رُمتم المكر وسَعَيتم بالغَدْر واستجمعتمِ للكُفر وظَننتم أنَ الله يَخْذل دينه وخلافته وأنا أرميكم بطَرْفي وأنتم تَتَسلّلون لِو إذا وتنهزمون سراعاً ثم يومَ الزاوية وما يوم الزاوية! بها كان فَشَلكم وتنازُعكم وتخاذلكم وبراءة الله منكم ونُكوص وليّه عنكم إذ وَلّيتم كالإبل الشَوارد إلى أَوْطانها النوازع إلى أعطانها لا يسأل المَرء منكم عن أخيه ولا يُلوي الشيخ على بنيه حتى عَضّكم السلاح وقَصَمتكم الرّماح ثم يوم دَيْر الجماجم وما دَيْر الجماجم! بها كانت المعارك والملاحم بضرب يُزيل الهام عن مَقِيله ويذهل الخَلِيل عن خليله. يأهل العراق والكَفَرات بعد الفَجَرات والغَدَرات بعد الخَتَرَات والنزوات بعد النزوات إن بعثتكم إلى ثُغوركم غَلَلتم وخُنتم وإن أمِنتم أَرْجفتم وإن خِفتم نافَقتم لا تَذْكرُون حسنة ولا تَشكرون نِعْمة. يأهل العراق هل استخفكم ناكث أو استغواكم غاو أو استفزّكم عاص أو استنصركم ظالم أو استعضدكم خالع إلّا وَثقْتموه واويتُموه وعزّرتموه ونصرتموه ورَضيتموه يأهل العراق هل شَغَب شاغِب أو نعب ناعب أو ذَمَق ناعق أو زفر زافر إلاكنتم أتباعَه وأنصاره يأهل العراق ألم تَنهكم المواعظ ألم تزجركم الوقائع ثم التفت إلى أهل الشام فقال: يأهل الشام إنما أنا لكم كالظَليم الذابّ عن فِرَاخه يَنْفي عنها المَدَر ويُباعد عنها الحَجر ويُكِنّها عن المطر ويَحميها من الضباب ويَحرُسها من الذئاب. يأهل الشام أنتم الجُنة والرداء وأنتم الغدة والحِذاء. خطبة للحجاج قال مالك بن دينار: غدوت لجُمعة فجلست قريباً من المِنبر فصعد الحجاج ثم قال: امرؤ حَاسب نَفْسه امرؤ راقب ربه امرؤ زَوَّر عمله امرؤ فكَر فيما يقرؤه غداً في صحيفته ويراه في ميزانه امرؤ كان عند همّه ذاكراً وعند هواه زاجراً امرؤ أخذ بِعِنان قلبه كما يأخذ الرجل بخِطام جَمَله فإن قاده إلى حق تبعه وإن قاده إلى معصية الله كفه. إننا والله ما خُلقنا للفناء وإنما خلقنا للبقاء وإنما ننتقل من دار إلى دار. خطبة للحجاج بالبصرة اتّقوا الله ما استطعتم فهذه لله وفيها مَثُوبة. ثم قال: واسْمعوا واطيعوا فهذه لعبد الله وخَليفة الله وحَبيب الله عبد الملك بن مَرْوان. والله لو أمرتُ الناس ان يأخذُوا في باب واحد وأخذُوا في باب غَيْرِه لكانتْ دماؤُهم لي حلالاً من آلفه ولو قُتل ربيعُة ومُضر لكان لي حلالَاً. عَذيري من هذِه الحَمْراء يَرْمي أحدُهم بالحَجَر إلى السماء ويقول: يكونُ إلى أن يَقَع هذا خَيْر. والله لأجعلنهم كأمْس الدّابر. عَذِيري من عَبْد هُذَيل إنه زَعم أنه آمِن عند الله يقرأ القرآن كأنه رَجَز الأعراب والله لو أدركتُه لقتلُته. خطبة للحجاح بالبصرة حِمَد الله وأثنى عليه ثم قال: إنَّ الله كفانا مَئُونة الدنيا وأمرنا بطَلب الآخرة فليت الله كفانا مؤونة الآخرة وأمرنا بطلب الدنيا. ما لي أرى عُلماءكم يُدهنون وجُهالكم لا يَتعلمون وشِرارَكم لا يَتُوبون! ما لي أراكم تَحْرِصون على ما كُفِيتم تُضيَعون ما به أمِرْتم! إنَّ العِلْم يُوشك أن يُرفع ورَفْعه ذهابُ العلماء. ألَا وإنَي أعلم بِشراركم من البَيْطار بالفَرس: الذين لا يَقْرءون القرآن إلا هُجْراً ولا يأتونِ الصلاة إلا دًبْراً. ألا وإنّ الدُّنيا عَرَض حاضر يأكل منها البَرّ والفاجِر. ألَا وإنَ الآخرةَ أجَلٌ مُستأخر يَحكم فيه مَلِك قادر. ألاَ فاعملوا وأنتم من الله على حَذَر واعلموا أنّكم مُلاقوه ليَجْزي الذين أساءووا بما عَمِلوا ويجزِي الذين أحسنوا بالحُسنى. ألَا وإِنَّ الخيرَ كلَّه بحذافيره في الجَنَّة ألاَ وإنَ الشر كفَه بحذافيرهِ في النار ألاَ وإن مَن يَعمل مِثْقال ذَرّة خيراً يَرَه ومَن يَعملْ مِثْقال ذَرّة شراً يَرَه وأستغفر الله لي ولكم. خطبة للحجاج خَطب الحجّاج أهلَ العراق فقال: يأهل العِراق إنّي لم أجد لكم دواءً أدوى لدائكم من هذه المَغازى والبُعوث لولا طِيبُ لَيْلة الإياب وفَرْحة القَفل فإنها تُعقب راحة وإني لا أريد أن أرى الفَرَح عندكم ولا الرًّاحة بكم. وما أراكم إلا كارهين لمَقالتي وإني والله لرُؤيتكم أكره. ولولا ما أريد من تَنْفيذ طاعةِ أمير المُؤمنين فيكم ما حَمّلت نفسي مُقاساتَكم والصبرَ عليى النَّظر إليكم والله أسألُ حُسن العوْن عليكم ثم نَزَل. خطبة للحجاج حين أراد الحج يأهل العِراق إنِّي أردت الحج وقد استخلفتُ عليكم ابني محمداً وما كنتم له بأهل وأوْصيتُه فِيكم بخلاف ما أوصى به رسولُ الله ﷺ في الانْصار فإنه أوْصى أنْ يَقْبل من مُحسنهم ويتجاوز عن مُسيئهم وأنا أوْصيتُه أن لا يَقْبل من مُحسنكم ولا يَتجاوز عن مُسيئكم. ألَا وإنكم قائلون بعدي مَقالةً لا يَمْنعكم من إظهارها إلا خَوْفي تَقولون: لا أحْسن الله خطبة للحجاج قال: خَرج الحجّاج يريد العراق والياً عليها في اثني عشر راكباً على النَّجائب حتى دَخل الكوفة حين انتشر النهار وقد كان بِشْر بن مَرْوان بَعث المُهلَّب إلى الحَرُوريِّة فبدأ الحجّاج بالمسجد فدخله ثم صَعِد المِنْبر وهو مُلَثَّم بعمامة حمراء فقال: عليّ بالناس فحَسبوه وأصحابَه خوارج فَهموا به حتى إذا اجتمع الناس في المَسجد قام ثم كَشف عن وجهه ثم قال: أنا ابن جَل أو طَلاَعُ الثَّنَايَا متى أضَع العِمامةَ تَعْرِفُوني صَليب العُود مِن سَلَفي رباحٍ كنَصْل السَّيف وضحاح الجَبِينَ وماذا يَبتغي الشُّعراءُ منّي وقد جَاوزتُ حَدِّ الأرْبعين أخو خَمْسين مُجْتمع أشُدِّي ونَجَّذني مُداورةُ الشُّئون وإني لا يَعود إليّ قِرْني غداةَ العَبْءِ إلّا في قَرِين أمَا والله إني لا حمل الشرّ بَحْملَه وأحذوه بنَعْله وأجْزيه بمثله وإنّي لأرى رءوساً قد أيْنعَت وحان قِطافها وإني لصاحبها وإنِّي أنْظر إلى الدِّماء بين العمائم واللَحى تَتَرقرق: ثم قال: هذا أوانُ الشَّد فاشتدِّي زِيَم قد لَفها الليلُ بسَوَّاق حُطَمْ ليس براعِي إبلٍ ولا غَنم ولابجزّار على ظَهَر وَضَم ثم قال: قد لَفّها الليلُ بعَصْلبي أروَع خَرّاج مِن الدَوي مُهاجِر ليس بأعْرابيّ قد شَمَّرتْ عن ساقها فَشُدوا ما عِلَّتي وأنا شَيْخ إدّ والقَوْس فيها وَتر عُردُ مثلُ ذِراع البَكْر أو أشَدُّ إنّي والله يأهل العِراق ومَعْدِنَ الشِّقاقْ والنِّفاق ومَسَاوِي الأخلاق لا يُغْمَز جانبي كَتغْماز التّين ولا يُقَعْقع لي بالشِّنان ولقد فُرِزْتُ عِن ذكاء وفُتشت عن تَجْربة وأجْرِيت إلى الغاية القُصْوِى وإنّ أميرَ المُؤمنين نثر كِنَانته بين يديه ثم عَجَم عِيدانَها فَوَجدني أمرَّها عُوداً وأشدَّها مَكْسِراً فَوَجهني إليكم ورَماكم بي فإنّه قد طالما أوضعتم في الفتن وسنَنْتم سُنَن الغَي وايم الله لألْحونكم لَحْو العصا ولأقرعنّكم قَرْع المَرْوَة ولأعْصِبنّكم عَصْب السَّلَمة ولأضْربنَكم ضَرْب غَرائب الإبل. أمَا والله لا أعد إلّا وَفَّيت ولا أخلُق إلّا فَريْت. وإياي وهذه الشفعاء والزًرافات والجماعات وقالًا وقيلاً وما يقولون وفيم أنتم وذاك الله لتَسْتقيمُن على طريق الحق أو لأدعنّ لكُل رجل منكم شُغلاً في جَسده مَن وجدتُه بعد ثالثة من بَعْث المُهلّب سفكتُ دمَه وانتهبت مالَه وهدمتُ منزله فشمًر الناس بالخُروج إلى المهلَّب. فلما رأي المُهلّب ذلك قال: لقد وَلِي العراق خيرُ ذكر خطبة الحجاج فلما مات عبد الملك قام خطيباً فَحَمِد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنَّ الله تبارك وتعالى نَعى نبيّكم ﷺ إلى نفسه فقال: " إنك مَيَتٌ وإنَهم مَيِّتون " وقال: " وما مُحمّد إلا رَسُولٌ قد خَلَتْ مِنْ قَبله الرُّسُل أفإنْ ماتَ أوْ قُتل أنقلبتم على أعْقابكم " فمات رسولُ الله ﷺ ومات الخلفاء الراشدون المُهتدون المَهديُون منهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان الشهيد المَظلوم ثم تَبعهم مُعاوية ثم وَليكم البازل الذِّكر الذي جَربَته الأمور وأحكمته التًجارب مع الفِقْه وقراءة القرآن والمُروءة الظاهرة واللِّين لأهل الحقّ والْوطء لأهل الزًيغ فكان رابعاً من الوُلاء المُهذيين الراشدين فاختار الله له مما عنده وألحقه بهم وعَهد إلى شِهه في العقل والمروءة والحَزم والجَلَدٍ والقيام بأمر الله وخلافته فاسمعوا له وأطيعوه أيها الناس. وإيّاكم والزَّيغ فإن الزّيغ لا يحَيق إلا بأهله. ورأيتُمِ سِيرتي فيكم وعرفتُ خِلافَكم وقَبِلتُكم على معرفتي بكم ولو علمِتُ أنَ أحداَ أقوى عليكم منّي أو أعرفَ بكم ما وَليتكم فإياي وإياكم من تكلّم قَتلناه ومن سَكت مات بدائه غمّاً ثم نزل. خطبة الحجاج لما أصيب بولده محمد أيها الناس محمّدان في يوم واحد أما الله لقد كنتً أحِبًّ أنهما معي فِي الدنيا مع ما أرجو لهما من ثواب الله يا الآخرة وايم الله ليُوشكنَّ الباقي منَا ومنكم أن يَفْني والجديدُ منَّا ومنكم أن يَبلى والحيّ منَّا ومنكم أن يموت وأن تُدال الأرض منّا كما أدِلنا منها فتأكل من لحومنا وتَشْرب من دمائنا كما مَشَينا على ظَهرها وأكلْنا من ثمارها وشربنا من مائها ثم يكون كما قال الله: " ونُفِخ في الصُور فإذا هم مِن الأجداث إلى ربهم يَنْسِلون " ثم تَمثل بهذين البيتين: عَزَائي نبي الله مِنْ كْل مَيتٍ وحَسْبي ثوابُ الله مِن كُلّ هالِكِ إذا ما لقيتُ الله عنِّيَ راضِياً فإن سرُورَ النًفس فيما هُنالِك خَطب الحجاج في يوم جمعة فأطال الجمعة فقام إليه رجل فقال: إنَ الوقتَ لا ينتظرك والربّ لا يَعذرك. فأمر به إلى الحَبس. فأتاه آلُ الرجل وقالوا: إنه مَجنون فقال: إن أقَرَ على نفسه بما ذكرتم خليت سبيلَه. فقال الرجل: لا والله لا أزْعُم أنه ابْتَلاني وقد عافاني. خطبة للحجاج ذكروا أن الحجّاج مَرض ففرح أهلُ العراق وقالوا: مات الحجاج. فلما بلغه تحاملَ حتى صَعِد المنبر فقال: يأهل الشِّقاق والنَفاق نَفخ إبليسُ في مَناخِركم فقُلتم: مات الحجَّاج مات الحجاج. فَمَهْ والله ما أحب ألاّ أموت وما أرْجو الخَيْر كُلّه إلاّ بعد الموت وما رأيتُ الله عزّ وجل كتب الخلود لأحدٍ من خَلقه إلا لأهونهم عليه إبليس. ولقد رأيتُ العَبْد الصالح سأل ربه وقال: ربِّ أغْفِر لي وَهَبْ لي مُلكاً لا يَنْبَغِي لأَحَدِ مِن بَعْدِي إنّك أنتَ الوَهاب. فَفَعل ثم اضمحل كأنْ لم يكن. وخطبة للحجاج خطب فقال في خُطبته: سَوْطى سَيْفيِ ونجاده في عُنقي وقائمُه في يَدي وذُبابه قِلادة لمن اغترِّ بي. فقال الحسن: بُؤساَ لهذا ما أغَرِّه بالله! وحلف رجل بالطلاق: إن الحجّاج في النار ثم أتي زوجتَه فمنعتهُ نفسها فأتى ابن شُبرمة يَستفتيه فقال: يا بن أخي امض فكُن مع أهلك فإنّ الحجاج إن لم يكن من أهل النار فلا يَضرُك أن تَزْني. هذا ما ذكرنا في كِتابنا من الخًطب للحجّاج وما بقي منها فهي مستقصاة في كتاب اليتيمة الثانية حيث ذكرت أخبارَ زياد والحجَّاج وإنما مَذْهبنا في كِتابنا هذا أنْ نأخذ من كل شىِء أحْسَنه ونَحْذف الكثيرَ الذي يُجتزأ منه بالقليل. خطبة لطاهر بن الحسين لمّا افتتح مدينة السًلام صَعِد المْنبر وأُحضر جماعةُ من بني هاشم والقُواد وغيرهم فقال: الحمدُ لله مالكِ الملك يُؤْتي المُلْك مَن يشاء وَينزع المُلك ممن يشاء ويُعز من يشاء ويُذل مَن يشاء ولا يُصلحِ عَمل المُفسدين ولا يَهْدي كَيْدَ الخائنين. إنً ظُهور غَلَبتنا لم يكن عن أيْدنا ولا كيدنا بل اختار الله لخِلافته إذ جعلها عَموداً لدينه وقَواما لِعباده من يستقل بأعبائها ويَضطلع بحمْلها. خطبة لعبد الله بن طاهر خطب الناسَ وقد تَيسر لقتال الخوارج فقال: إنكم فئةُ الله المُجاهدون عن حقّه الذابّون عن ديِنه الذائدون عن مَحارمه الدّاعون إلى ما أمر به من الاعتصام بَحبْله والطاعةِ لوُلاة أمْره الذيغي جَعلهم رعاة الذين ونظامَ المُسلمين فاستنجِزُوا مَوْعود الله ونَصره بِمُجاهدة عدوَه وأهْل مَعْصيته الذين أشِروا وتَمَرِّدوا وشَقُّوا العصا وفارقوا الجماعة ومَرَقوا من الدين وسَعَوْا في الأرض فساداً فإنه يقول تبارك وتعالى: " إنْ تَنْصرُوا الله يَنْصُرْكم ويُثَبت أقدامَكم " عفلْيكن الصَبرُ معقِلَكم الذي إليه تَلْجئون وعُدَتكم التي بها تَسْتظهرون فإنه الوزر المَنيع الذي دَلَّكم الله عليه والجُنة الحَصِينة التي أمرِكم الله بلباسها. غُضُّوا أبصاركم واخفتوا أصواتَكم في مَصافكم وامضُوا قُدُماً على بصائركمٍ فارِغين إلى ذِكْر الله والاستعانة به كما أمركم الله فإنه يقوك: " إذا لَقِيتُم فئةً فاثبتُوا وأذكروا الله كَثِيراً لعلّكم تُفْلحون. أيْدكم الله بعزّ الصَّبر وَوَليكم بالحِياطة والنّصر. خطبة لقتيبة بن مسلم قام بِخُراسان حين خلع سليمان بن عبد الملك فَصَعِد المنبر فَحَمد اللهّ وأثنى عليه ثم قال: أتَدْرون مَن تُبايعون إنما تُبايعون يزيدَ بن مَرْوان - يعني هَبنقّة القَيْسي - كأني بكم وحَكَم جائر قد أتاكم يَحْكُم في أموالكم ودِمَائكم وفُروجكم وأبْشاركم. ثم قال: الأعْراب! وما الأعراب! لعن الله الأعْراب! جَمعتُهم كما يُجمع فَرْخ الخَرْبَق من مَنابت الشِّيح والقَيْصوم والفلفل يَرْكبون البَقَر ويَأكلون الهَبِيد. فحملتُهم على الخيل وألبستهمٍ السّلاخ حتى مَنع الله بهم البلاد وجُبي بهيم الفيء. قالُوا: مُرنا بأمرك. قال: غُرّوا غيري. خطبة لقتيبة بن مسلم يأهل العِراق ألستُ أعْلمَ الناس بكم. أمّا هذا الحيّ من أهل العالية فَنَعمُ الصًدقة وأمّا هذا الحيُّ من بكر بنِ وائِل فعِلَجة بَظراء لا تَمنع رِجْلَيها وأما هذا الحيّ من عبد القَبس فما ضرَب العَيْر بذَنبه وأما هذا الحيّ من الأزْد فعُلُوج خَلْق اللهّ وأنْباطه. وايم الله لو ملكتُ أمر الناس لنَقَشْتُ أيدِيهَم وأمّا هذا الحيّ من تميم فإنهم كانوا يُسمّون الغَدْرَ في الجاهليِّة كَيْسان. وقال الشاعر: إذا كنتَ من سَعْد وخالُك منهمُ بعيداً فلا يَغْرُرْك خالُك من سَعْدِ إذا ما دَعَوْا كَيْسان كانت كُهولُهمْ إلى الغَدر أدنى من شَبابهم المُرْد وخطبة لقتيبة بن مسلم يأهل خُراسان قد جَربكم الوُلاة قبلي أتاكم أُميّة فكان كاَسمه أُميّةَ الرأي وأُميّة الدين فكتب إلى خَليفته: إنّ خراج خُراسان لو كان في مَطْبخه لم يَكْفه. ثم أتاكم بعده أبو سعيد ثلاثاً لا تدرون أفي طاعة اللهّ أنتم أم في مَعْصيته! ثم لم يجْب فيئا ولم يَبْل عَدوًّا ثم أتاكم بنوه بعده مثلَ أطْباء الكَلْبة منهم ابن دَحْمة حِصان يَضرب في عانة لقد كان أبوه يخافه على أُمّهات أولاده. ثم أصْبحتم وقد فَتح الله عليكم البلاد حتى إنَ الظَّعينة لتخرج من مَرْو إلى سَمَرْقند في غير جوار. قوله: أبو سعيد يريد المُهلّب بن أبي صُفْرة وقوله: ابن دَحْمة يريد يزيد بن المُهلب. خطبة ليزيد بن المهلب حمد الله وأثْنى عليه وصلى على النبي ﷺ ثم قال: أيها الناس إني أسْمع قول الرًعاع: قد جاء العَبّاس قد جاء مَسْلمة قد جاء أهلُ الشام. وما أهل الشام إلاّ تِسْعة أسْيَاف منها سَبْعة مَعِي واثنان عَليّ وما مَسْلمة إلا جرادة صَفْراء وأما العبَّاس فبسطوس بن بسطوس أتاكم في بَرابرة وصَقالبة وجَرَامقة وأقْباط وأنباط وأخلاط أقبل إليكم الفَلاّحون والأوباش كأشلاء اللحم واللهّ ما لَقُوا قطُّ حدًّا كحدّكم ولا حديداً كحَديدكم. أعيرُوني سواعَدكم ساعةَ من نهار تصفقون بها خراطيمَهم فإنما هي غَدْوة أو رَوْحة حتى يحكم اللهّ بيننا وهو خيرُ الحاكمين. خطبة لقس بن ساعدة الأيادي ابن عبّاس قال: قَدِيم وَفْد إياد على رسول الله ﷺ فقال: أيكم يعرف قُسي بن ساعدة الإياديّ قالوا: كُلنا يعرفه. قال: فما فَعل قالوا: هَلَك. قال: ما أنْساه بسُوق عُكاظ في الشهر الحَرام على جَمَل له أحْمر وهو يَخْطُب الناس ويقول اسمعوا وعُوا مَن عاش مات ومَن مات فات وكلّ ما هو آت آت إنّ في السماء لخبراً وإنّ في الأرْض لَعِبَرا سَحَائِبُ تَمُور ونُجُوم تَغُور لا فلك يَدور ويُقْسم قُسقٌ قَسَماً إن لله لدينا هو أرضى من دِينكم هذا. ثم قال: مالي أرى الناس يَذْهبون ولا يَرْجِعون أَرَضُوا بالإقامة فأقاموا أم تُركوا فناموا أيُّكم يَرْوي من شِعره فأنشد بعضهم: في الذَّاهبين الأوَّلي ن مِنَ القُرون لنا بَصَائرْ لما رأيتُ موارداً للمَوْتِ ليس لها مَصادر ورأيتُ قَوْمي نَحْوَها يَمْضي الأكابر والأصَاغر لا يَرْجِع الماضي ولا يَبقى من الباقِين غابِر أيقنتُ أنِّي لا مَحا لةَ حيثُ صار القومُ صائر خطبة لعائشة أم المؤمنين رحمها الله يوم الجمل: قالت: أيها الناس صَهْ صَه إنّ لي عليكم حُرْمَة الأمومة وحق المَوْعظة لا يتّهمني إلا مَنْ عَمى ربّه مات رسول الله ﷺ بين سَحْري ونَحْري فأنا إحدَى نسائه في الجَنّة له ادّخَرَني ربِّي وخلصني من كل بُضْع وبي مَيّز مُؤمنكم من مُنافقكم وبي أرْخَصِ الله لكم في صَعِيد الأبْوَاء ثم أبِي ثاني اثنين اللهّ ثالثهما وأوَّل من سُمِّي صِدِّيقاً. مَضى رسولُ الله ﷺ راضياً عنه وطَوَقه أعباء الإمامة ثم اضطرب حَبْل الدِّين بعده فَمَسَك أبي بطَرَفَيه وَرتَقَ لكم فَتْق النِّفاق وأغاض نَبْع الرِّدّة وأطفأ ما حَشِّت يهود وأنتم يومئذ جُحْظ العيون تَنْظرون العَدْوة وتَسْمعون الصَّيْحة فرأب الثّأْي وأوَدَ من الغِلْظَة واِمتاح من الهُوّة حتى اجْتَحى دفينَ الداء وحتى أَعْطن الوارد وأوْرد الصادر وعَلّ الناهل فقبضه اللهّ إليه واطئاً على هامات النّفاق مُذْكِيَاً نار الحَرْب علىِ المشركين فانتظمت طاعتُكم بحَبْلهِ فَوَلّى أمركم رجلاً مُرْعِيَاً إذ رًكِنَ إليه بعيداً ما بين الَّلابتين إذا ضُلّ عُرَكَة للأذاة بجَنبه صَفُوحاً عن أذى الجاهلين يقظان الليل في نُصْرَة الإسلام فسلك مَسْلك السابقيه ففرّق شَمْل الفِتْنَة وجَمَع أعضاد ما جَمَّع القرآن وأنا نُصْب المسألة عنِ مَسِيري هذا لم ألتمس إثماً ولم أُؤَرِّث فتنة أُوطئكموها. أقول قولي هذا صِدْقاَ وعَدْلاً وإعذاراً وإنذاراً وأسأل اللهّ أن يصلّي على محمد وأن يُخَلِّفه فيكم بأفضل خِلافة المُرسلين. خطبة لعبد الله بن مسعود أصدق الحديث كتاب الله وأوثق العُرى كلمة التقوى أكرم الملل مِلَّة إبراهيم ﷺ. خَيْر السُّنن سنةُ محمد ﷺ شَرُّ الُأمور مُحْدَثاتُها وخيرُ الأمور أوْساطًها. ما قلَّ وكَفى خَيْرٌ مما كَثُرَ وألهى. لَنفس تُحييها خير من إمارة لا تُحْصيها. خيْرُ الغِنى غنى النَّفس. خيْرُ ما أُلْقِيَ في القلْب اليَقين. الخمرُ جماع الآثام. النساء حبائلُ الشيطان. الشِّباب شُعبة من الجنون. حُبًّ الكِفاية مِفْتاح الَمَعْجزة. شرّ الناس مَن لا يأتي الجماعة إلا دُبْراً ولا يذكر اللهّ إلا هُجْراً سِباب المؤمن فُسُوق وقِتاله كُفر وأكل لَحْمه معصية. من يَتأالِّ على الله يُكْذِبه ومَن يغفر يغفرْ له. مَكتوب في ديوان المُحْسنين: مَن عفا عُفِيَ عنه. الشقيَ شَقِىّ في بَطْن أُمِّه. السَّعيد مَن وُعظ بغيره. الُأمور بعواقبها. مِلَاك الأمْر خواتُمه. أحسنُ الهُدى هُدى الأنبياء. أقبح الضَّلالة الضلالة بعد الهُدَى. أشرَفُ الموْت الشَّهادة. مَن يَعرف البلاء ويَصْبر خطبة لعتبة بن غزوان بعد فتح الأبلة حِمدَ الله وأثنى عليه ثم صلّى على النبيّ ﷺ وقال: إنّ الدنيا قد تولَّت وقد أذنَت أهلَها منها بصرم وإنما بَقي منها صُبَابة كصُبابة الإناء يَصْطَبُها صاحبُها. ألَا وإنكم مُفارقوها لا محالةَ فارقوها بأحسن ما يَحْضُركم. أَلا وإن من العجب أَني سمعت رسولَ اللهّ ﷺ يقول: إنّ الحَجَر الضَّخْم يُرمى به في شَفِير جهنَّم فَيَهْوي قي النار سبعين خريفاً ولجهنم سبعة أبواب بين كل بابين منها مَسِيرةُ خَمْسُمائة عام وليأتينّ عليها ساعة ولها كَظيظ بالزحام. ولقد كنتُ مع رسول اللهّ ﷺ سابعَ سبعة ما لنا طَعام إلّا وَرق البَشام حتى قرِحت أَشداقُنا فوجدتُ أنا وسعد بن مالك تمرة فشققتًها بيني وبينه نِصْفين وما منّا أحد اليوم إلّا وهو أمير على مِصْر. انه لم تكن نَبْوة قط إلّا تناسخت وأنا أَعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيماً وفي أعين الناس صغيراً. خطبة لعمرو بن سعيد الأشرق لمّا عقد مُعاويةُ ليزيد البَيعة قام الناس يَخْطُبون فقال لعمرو بن سَعيد: قُم يا أبا أُمية. فقام فَحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإنّ يزيدَ بنَ مُعاوية أَملٌ تأملونه وأجل تأمنونه إن استَضَفْتم إلى حِلمه وسَعكم وإن احتجتم إلى رأيه أَرْشدكم وإن افتقرتم إلى ذات يده أَغناكم جَذَع قارِح سُوبق فَسَبق ومُوجد فَمَجُد وقورع فَقَرع فهو خَلف أمير المؤمنين ولا خَلَف منه. فقال له له معاوية: أَوْسعتَ أبا أُمية فاجلس. خطبة لعمرو بن سعيد بالمدينة قال أبو الفَضل العبّاس بن الفَرج الرِّياشي: حَدّثنا ابن عائشة قال: قدِم عمرو بن سعيد بن العاص الَأشدق المدينة أميراً فخرجِ إلى مِنبر رسول الله ﷺ فَقَعد عليه وغَمَّضَ عينيه وعليه جُبَّة خَزّ قِرْمِز ومُطْرَف خزّ قِرْمِز وعِمامة خَزّ قِرْمِز. فجعل أهلُ المدينة يَنْظرون إلى ثيابه إعجاباً بها. ففتح عَينيه فإذا الناسُ يَنْظرون إليه فقال: ما بالُكُها بأهل المدينة تَرفَعون إليّ أبصارَكم كأنكم تُريدون أن تَضْربونا بسيُوفكم! أغركم أنكمِ فَعلتم ما فَعلتم فَعَفَونا عنكم! أما إنّه لو أُثبتمِ بالأولى ما كانت الثانية. أَغرّكم أنكم قتلتم عثمان فوافقتم ثائرَنا منّا رفيقاً قد فني غضَبهُ وبَقي حِلْمُه! اغتنموأ أنفسَكم فقد والله مَلكناكم بالشَباب المُقْتَبل البعيد الَأمل الطويل الأجل حين فَرغ من الصِّغر ودَخل في الكبر حليم حديد ليّن شديد رقيق كثيف رفيقِ عنيف حين اشتدّ عَطمه واعتدل جِسْمه ورمى الدّهرَ ببمره واستقبله بأَشره فهو إن عَضّ نَهس وإن سَطا فَرس لا يُقَلْقل له الحَصى ولا تقرع له العَصا رلا يَمْشي السُمَّهى. قال: فما بَقِي بعد ذلك إلّا ثلاثَ سنين وثمانيةَ أشهر حتى قَصَمه اللهّ. خطبة لعمرو بمكة العُتبيّ قال استَعمل سعيدُ بن العاص وهو والٍ على المدينة ابنه عمرِو بن سَعيد والياً على مكة فلمّا قَدِم لم يَلْقه قُرشيّ ولا أُمويّ إلاّ أن يكون الحارث بن نَوْفل فلمّا لَقيه قال له: يا حار ما الذي مَنع قومَك أن يَلقَوْني كما لقَيتَني قال: ما مَنعهم من ذلك إلّا ما استقبلتنى به واللهّ ما كَنَّيتني ولا أئمَمْتَ اسمي وإنما أَنْهاك عن التّكبر على أَكْفائك فإنَ ذلك لا يَرْفعك عليهم ولا يَضَعهم لك. قال والله ما أَسأتَ المَوْعظة ولا أَتهمكُ على النَّصيحة وإنّ الذي رأيتَ منِّي لَخُلُق. فلمّا دَخل مكةَ قام على المِنْبر فَحَمِد الله وأثنى عليه ثم قال: أمّا بعد مَعْشَر أهل مكة فإنّا سكنَاها حِقْبة وخَرجنا عنها رَغبة وكذاسك كُنَّا إذا رُفعت لنا لُهْوة بعد لُهوة أَخَذْنا أَسْناها ونَزَلِنا أعلاها ثمٍ شَدَخِ أَمْر أمرين فَقَتلنا وقُتلدنا فوالله ما نَزعْنا ولا نُزع عَنَّا حتى شرب الدَّم دماً وأكل اللحم لحماً وقَرع العَظْم عَظْماً فَوَلي رسولُ اللهّ ﷺ برسالة الله إيّاه واختياره له ثم وَلِي أبو بكر لسابقتِه وفَضْله ثم ولَي عُمر ثم أُجيلت قِداح نُزعن من شُعب حول نبعة ففاز بحَظها أَصْلَبُها وأَعْتقها فكُنّا بعضَ قداحها ثم شَدَخ أَمر بين أمرين فقتَلنا وقُتلنا فوالله ما نَزعنا ولا نُزع عنا حتى شرَب الدم دماً وأكل اللحم لحماً وقَرعٍ العظم عظماً وعاد الْحَرامُ حلالاً وُأسْكت كلُّ ذِي حِسّ عنِ ضرْب مُهنَّد عَرْكا عَرْكاً وعَسْفاً عَسْفاً ووَخْزاً ونَهْساً حتى طابوا عن حَقّنا نَفْساً.