خطبة لمعاوية أيضاً قال بهيثم بن عديّ: لما حضرَت مُعاويةَ الوفاةُ ويزيد غائب دعا بمُسلم ابن عُقبة المر والضحَّاك بن قيس القهريّ وقال لهما: أبلغا عني يزيد وقولا له: انظر أهل الحجاز فهم عصابُتك اعترتك فمن أتاك منهم فأكرمه ومَن قعَدَ عنك فتعاهده وانظُر أهل العراق فإن سألوك عَزْل عامل في كل يوم فأعز له عنهم فإن عزل عامل واحد أهونُ عليك من سَلّ مائة ألف سيف ثم لا تدري عَلام أنت عليه منهم ثم انظُر أهلَ الشام فاجعلهم الشِّعار دون الدَثار فإنْ رابك من عدو رَيب فارْمه بهم فإن أظفرك اللهّ فارْدُد أهل الشام إلى بلادهم لا يُقيموا في غير بلادهم في فيتأدّبوا بغير أدابهم. لست أخاف عليك غير عبد الله بن عمر وعَبدِ الله بن الزبير والحُسين بن علي. فأما عبد الله بن عمر فرجل قد وَقَذَه الوَرع وأما الحُسين فأرجو أن يَكفيكه اللهّ بمنِ قَتلِ أباه وخَذَل أخاه وأما ابن الزُّبير فإنه خَبّ ضَبّ. فإِنْ ظَفِرْت به فقطعه إرْباً إرْباً. ومات معاوية. فقام الضَّحَّاك بن قَيس خَطيبَاَ فقال: إن أمير المؤمنين كان أنْفَ العرب وهذه أكفانه ونحن مُدْرِجوه فيها ومُخْلون بينه وبين ربّه فمن أراد حضوره بعد الظهر فليحضُر. فصلّى عليه الضحَّاك. ثم قَدِم يزيد فلم يَقْدَم أحدٌ عك تعزيته حتى دخل عليه عبدُ الله ابن همَام فأنشأ يقول: اصْبِر يزيد فقد فارقتَ ذا مِقَةٍ واشكُر حِبَاء الذي بالمُلك حاباكا لا رّزْءَ أعظمُ في الأقوام قد عَلِموا مما رُزِئتَ ولا عُقْبى كعًقْبَاكا أصبحتَ راعِيَ أهل الدِّين كلِّهم فانْتَ ترعاهم والله يَرْعاكا وَفي مُعاوية الباقي لنا خَلف إذا بَقيت فلا نسمع بمَنْعاكا قال: فانفتح الخطباء بالكلام. خطبة أيضاًً لمعاوية ولما مرض معاويةُ مرَضَ وفاته قال لمولى له: مَن بالباب قال: نفر من قُريشَ يتباشرون بموتك. قال: وَيحك! لمَ فوالله ما لهم بعدي إلا الذي يَسُوءهم. وأذِن للناس فَدَخلوا فحمد الله وأثنى عليه وأوْجز ثمٍ قال: أيها الناس إنا قد أصبحنا في دَهْر عنود وزمن شديد يُعدّ فيه المُحْسن مُسِيئاً ويزداد الظالم فيه عُتواً لا نَنْتفع بما عَلِمنا ولا نسأل عما جَهِلنا ولا نتخوّف قارعة حتى تَحُلّ بنا فالناس على أربعة أصناف: منهم من لا يمْنعه مِن الفساد في الأرض إلا مهانة نَفْسه وكلال حدِّه ونَضِيض وَفْرِه ومنهم المُصْلِت لسَيْفه المُجْلِب برَجْله المُعْلن بشرِّه وقد أَشْرَط نفسَه وأوْبق دِينَه لحُطام يَنْتهزه أو مِقْنب يَقوده أو مِنْبر يَفْرعه وليس المَتْجران تراهما لنفسك ثمناً وبمالكَ عند الله عِوَضاً ومنهم من يَطْلب الدنيا بعمل الآخرًة ولا يطلب الآخرًة بعمل الدنيا قد طامَن من شَخْصه وقارب من خَطْوه. وشمَر عن ثَوْبه وزَخْرَف نَفْسه بِالأمانة واتّخذ سِتْر الله ذَرِيعة إلى المَعْصية ومنهم مَن أَقعده عن طلب المُلْك ضآلة نفسه وانقطاع سَبَبِه فَقصِّرَت به الحال عن حاله فتحلِّى باسم القَناعة وتزيّا بلباس الزَّهادة وليس من ذلك في مَرَاح ولا مَغْدى. وبِقي رجالٌ أغضّ أبصارَهم ذِكْرُ المرْجع وأراق دُموعَهم خوفُ المَضْجَع فهم بين شريد بادٍ وبين خائف مُنْقمع وساكت مَكْعوم وداعٍ مُحلص ومُوجع ثَكْلان قد أخْمَلتهم التقيّة وشَملتهم الذلة فهم في بحر أجَاج أفواهُهم ضامرة وقلوبهم قَرِحَة قد وُعظوا حتى مَلّوا وقهروا حتى ذَلّوا وقتُلوا حتى قلّوا. فلتكن الدنيا في أعينكم أصغر من حُثالة القَرَظ وقُرَاِدة الحَلَم واتعظوا بمن كان قبلكم قبل أن يتّعِظ بكم من بعدكم وارفضوها ذميمةَ فقد رَفَضَت مَن كان أشفقَ بها منكم. ليزيد بن معاوية بعد موت أبيه الحمد الله الذي ما شاء صَنع ومَن شاء أعطى ومَن شاء مَنَع ومن شاء خَفَض ومن شاء رَفع. إن أميرَ المؤمنين كان حَبْلاً من حِبال الله مدَّه ما شاء أن يَمدَّه ثم قَطعه حين أراد أن يَقْطعه وكان. دون مَنِ قبلَه وخيراً ممن يأتي بعدَه ولا أزَكِّيه عند ربّه وقد صار إليه فإن يَعْفُ عنه فَبِرَحْمته وإنْ يُعاقبه فَبِذَنبه وقد وُلِّيتُ بعدَه الأمرَ ولستُ أعتذر من جَهل ولا آسىَ على طَلَب عِلْم وعلى رِسْلكم إذا كَرِهَ الله شيئاً غيَّرَه وإذا أحبَّ شيئاً يسَّره. وخطبة أيضاًً ليزيد الحمدُ لله أحمده وأستعينه وأومن به وأتوكّل عليه ونَعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّات أعمالنا مَن يَهْد الله فلا مُضِلَّ له ومن يُضْلِل فلا هاديَ له وأشهد أن لا إله إلا الله وحدًه لا شريك له وأن محمداً عبدُه ورسولُه اصطفاه لوَحْيه. واختاره لرسالته بكتاب فَصَّله وفَضِّله وأعزَّه وأكرَمه ونَصره وحَفِظه ضرَب فيه الأمثال وحلّل فيه الحلال وحرَّم فيه الحرام وشَرَع فيه الدِّين إعذاراً وإنذاراً لئلا يكونَ للناس على الله حُجَّة بعد الرُّسل ويكونَ بلاغاً لقوم عابدين. أوصيكم عبادَ الله بتقوى الله العظيم الذي ابتدأ الأمور بِعِلْمه وإليه يَصير مَعادُها وانقطاع مُدًتها وتَصرُّم دارها. ثم إني أحَذِّرَكم الدُنْيا فإنها حُلْوَة خَضِرَة حُفّت بالشَّهوات ورَاقتْ بالقليل وأينعت بالفاني وتحبَّبت بالعاجل لا يَدومُ نَعيمُها ولا يؤْمَن فجيعُها أكَّالة غَوَّالة غرَّارة لا تُبْقي على حال ولا يَبقى لها حال ولن تَعْدُو الدنيا إذا تناهت إلى أمْنية أهل الرغبة فيها والرِّضا بها أن تكون كما قال الله عزَّ وجلَّ: " واضْرب لهم مَثَل الحَيَاة الدُّنيا كماءٍ أنْزَلناه من السمِاء " إلى قوله ومُقْتَدِراً نسأل الله ربنَّا وإلهنا وخالِقنا ومولانا أنْ يجعلنا وإياكم من فزَع يومئذ آمنين. إنَّ أحسَن الحديثِ وأبلغَ الموعظة كتابُ الله يقول الله: ما له " وإذا قُرِئ القُرآن فاسْتَمِعُوا لهُ وأنْصِتُوا لعلكم ترحَمُون ". أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم لَقَدْ جَاءَكم رَسُولٌ من أنْفِسِكم إلى آخرً السورة. خطب بني مروان خطبة عبد الملك بن مروان وكان عبد الملك بن مروان يقول في آخرً خطبته: اللهم إنَ ذُنوبي قد عَظُمَت وجلَّت عن أن تُحْمى وهي صَغِيرَة في جَنْب عَفْوك فاعْفُ عني. وخطب بمكة شَرَّفها الله تعالى فقال في خُطبته: إنّي الله ما أنا بالخليفة المُسْتَضْعف يعني عثمان ولا بالخليفة المُدَاهن يعني معاوية ولا بالخليفة المأفون يعني يزيد. قال أبَو إسحق النظام: أما والله لولا نَسبَك من هذا المُسْتَضعف وسَبَبك من هذا المُذَاهن لكُنتَ منها أبعد من العِيوق. والله ما أخذتها بوراثة ولا سابقة ولا قَرابة ولا بدعوى شورى ولا بوصيّة. خطبة الوليد بن عبد الملك لما مات عبد الملك بن مروان ورجع الوليد من دَفنه لم يدخل منزله حتى دخل المسجدَ ونُودي في الناس: الصلاةُ جامعة. فَصَعِد المِنْبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنه لا مُؤَخِّر لما قَدّمَ الله ولا مُقَدِّم لما آخرً الله وقد كان من قضاء الله وسابق عِلْمه وما كَتب على أنبيائه وحَمَلَة عرْشِه من الموت مَوْتُ وليّ هذه الأمَّة ونحن نرجو أنْ يصيرَ إلى منازل الأبرار للذي كان عليه من الشدّة على المُريب واللِّين على أهل الفَضْل والدِّين مع ما أقام من مَنار الإسلام وأعلاَمِه وحَجَ هذا البيت وغَزْو هذه الثغور وشَنّ الغارات على أعداء الله فلم يكن فيها عاجزاً ولا وانياً ولا مُفَرِّطاً. فعليكم أيها الناس بالطاعة ولزوم الجماعة فإنّ الشيطان مع الفَذّ وهو من الجماعة أبعد. واعلموا أنه من أبْدَى لنا ذاتَ نَفسه ضَرَبْنا الذي فيه عيناه ومَن سكت مات بدائه. ثم نزل. خطب سليمان بن عبد الملك فقال: الحمد لله ألا إن الدُّنيا دار غُرور ومنزل باطل تُضْحِك باكياً وتُبْكي ضاحكاً وتُخِيف أمِناً وتُؤمِّن خائفاً وتُفقِر مثرْياً وتثري مُقْتِراً مَيَّالة غرَّارة لعَّابة بأهلها. عبادَ الله فاتّحذوا كِتاب الله إماَماً وارَتضُوا به حَكماً واجعلوه لكم قائداً فإنه ناسخٌ لما كان قبلَه ولم يَنْسخه كتاب بعده. واعلموا عبادَ الله أن هذا القران يَجْلو كيْدَ الشِّيطان كما يجلو ضوءُ الصُّبح إذا تنفّس ظلام الليل إذا عَسْعَس. خطب عمر بن عبد العزيز رحمه الله ورضي عنه: قالت العُتبي: أول خُطبة خَطبها عمرُ بن عبد العزيز رحمه الله قوله: أيها الناس أصْلحوا سرائركم تَصْلُح لكم عِلانِيَتُكم وأصْلِحُوا أخرتكم تَصْلح دُنْياكم وإنَ امرئ ليس بينه وبين آدمَ أبٌ حيٌّ لَمُعْرِقٌ في المَوْت. وخطبة له رحمه الله إن لكل سَفْر زاداً لا محالة فتزوَّدُوا مِن دُنياكم لأخرتكم التَقْوى وكُونوا كمن عايَن ما أعدَّ الله له من ثَوابه وعقابه فتَرهبوا وتَرْغَبوا ولا يَطولَنَّ عليكم الأمد فَتَقْسُو قلوبُكم وتَنْقادوا لعدوّكُم فإنه والله ما بُسِط أملُ مَن لا يدري لعلّه لا يُصبح بعد إمسائه أو يمسي بعد إصباحه وربما كانت بين ذلك خَطرات المَنايا وإنما يطمئن إلى الدًّنيا مَن أمِن عواقبها فإنّ من يداوي من الدنيا كَلْماً أصابت جِراحةً من ناحية أخرى فكيف يَطْمئنُّ إليها أعوذ بالله إن أمرُكم بما أنْهى عنه نَفسى فَتَخْسَر صَفْقتي وتَظْهَر عَيْلَتي وتبدو مَسْكَنتي في يوم لا يَنفع فيه إلا الحقّ والصِّدق. ثم بَكى وبَكى الناس معه. خطبة لعمر بن عبد العزيز أيضاً شبيب بن شيبة عن أبي عبد الملك قال: كنت من حَرس الخُلفاء قَبْل عمر فكنا نقوم لهم ونَبْدؤهم بالسّلاح. فخرج علينا عمر رضي الله عنه في يوم عِيد وعليه قَميص كَتَّان وعِمامة على قَلَنْسوة لاطِئة فَمَثلنا بين يديه وسَلّمنا عليه فقال: مه أنتم جماعة وأنا واحد السلامُ عليّ والردّ عليكم وسَلّم فَرَدَدْنا وقُرِّبت له دابّته فأعرض عنها ومَشى ومَشينا حتى صَعِد المِنْبر فحمد الله وأثنى عليه وصَلّى عَلَى النبيّ ﷺ ثم قال: وَددْت أن أغنياء النّاس اجتمعوا فردُّوا على فُقرائهم حتى نَسْتَويَ نحن بهم وأكونَ أنا أوّلَهم. ثم قال: ما لي وللدُّنيا أم مالها ومالي وتكلم فأرَقّ حتى بكى الناسُ جميعاً يميناً وشمالاً. ثم قَطع كلامه ونَزق! فدنا منه رجاءً بن حَيْوة فقال له: يا أمير المؤمنين كَلِّمتَ الناسَ بما أرقّ قُلويهم وأبكاهم ثم قَطعته أحوجَ ما كانوا إليه. فقال: يا رجاء إني أكره المُباهاة. خطبة ابن الأهتم بين يدي عمر بن عبد العزيز ودَخل عبدُ الله بن الأهتم على عُمَم بن عبد العزيز مع العامّة فلم يُفجأ إلا وهو قائم بين يديه يتكلّم فحمد الله وأثنى عليه وقال: أما بعد فإن الله خَلق الخَلْق غنيّاً عن طاعتِهم آمِنا من مَعْصيتهم والناس يومئذ في المنازل والرأي مُختلفون والعَرب بشرّ تلك المَنازل أهل الوَبر وأهل المَدر تُحتَاز دونهم طَيّبات الدُّنيا ورَفاهة عَيْشها ميّتهم في النار وحَيُّهم أعْمى مع ما لا يُحصىِ من المَرْغوب عنه المَزْهود فيه. فلما أراد الله أن ينشر فيهم رَحْمته بَعث إليهم رسولاَ منهم عزيزاً عليه ما عَنِتُوا حريصاً عليهم بالمؤمنين رؤوف رَحيم فلم يَمنعهم ذلك أن جَرّحوه في جِسْمه ولَقّبوه في اسمه ومعه كتابٌ من الله ناطق لا يَرحل إلا بأمره ولا يَنْزل إلا بإذنه واضطرّوه إلى بطن غار. فلما أمر بالعزيمة أسْفر لأمر الله لونُه فأبلج الله حُجته وأعلى كَلِمته وأظهر دَعْوته وفارق الدُّنيا تقيّاً ﷺ ثم قام من عده أبو بكر رضي الله عنه فسلك سُنَّته وأخذ سبيله فارتدّت العربُ فلم يَقبل منهم إلا الذي كان رسولُ الله ﷺ يقبله فانتضىَ السُّيوف مِن أغمادها وأوقد النِّيران في شًعَلها ثم رَكب بأهل الحق أهلَ الباطل فلم يبرح يَفْصِل أو صالَهم ويَسقي الأرض دماءهم حتى أدخلهم في الباب الذي خَرجوا منه وقرّرهم بالأمر الذي نَفروا عنه. وقد كان أصاب من مال الله بَكْراً يرتوي عليه وحَبشية تُرضع ولداً له فرأى ذلك غُصّة في حَلْقه عند موته وثقْلا على كاهله فأداه إلى الخليفة مِن بعده وبَرِئ إليهم منه وفارق الدُّنيا نقيّاً نقيّاً على مِنْهاج صاحبه. ثم قام من بعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فمصَّر الأمصار وخَلط الشدّة باللِّين وحَسَر عن ذِراعيه وشَمّر عن ساقَيه وأعدّ للأمور أقرانها وللحرب آلتها. فلما أصابه قِنّ المُغيرة بن شُعبة أمر ابنَ عباس أن يسأل الناس: هل يُثبتون قاتَله. فلما قيل له: قن المغيرة استهل بحمد الله أن لا يكون أصابه مَن له حق في الفَيء فيستحلّ دمَه بما استحل من حقّه. وقد كان أصاب من مال الله بِضْعة وثمانين ألفاً. فكسر بها رباعه وكره فيها كَفالة أهله وولده فأدى ذلك إلى الخليفة من بعده وفارق الدُّنيا تقيّاً على مِنهاج صاحبه. ثم إنّا والله ما اجْتمعنا بعدهما إلا على ضِلَع أعوج. ثم إنك يا عُمر ابنُ الدنيا ولدتْك مُلوكُها وألقمتك ثَدْيها فلما وَليتَها ألغَيتها وأجببتَ لقاء الله وما عنده فالحمدً لله الذي جَلاَ بك حَوْبتنا وكَشف بك كُرْبتنا امْض ولا تلتفت فإنه لا يُغْني عن الحق شيء أقول قولي هذا واسْتغفر الله لي ولكم وللمُؤمنين وللمُؤمنات. ولما قال: ثم إنّا والله ما اجتمعنا بعدَهما إلا على ضِلَع أعْوج. سَكت الناسُ كلّهم غيرَ هِشَام فإنه قال: كَذبت. قال أبو الحسن: خَطب عمرُ بن عبد العزيز بخُناصرة خُطبة لم يَخْطب بعدها حتى مات رحمه الله حَمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنكم لم تُخْلقوا عَبَثاً ولم تُتركوا سُدًى وإن لكم معاداً يحكم الله بينكم فيه فخاب وخَسِر مَن خَرج من رحمة الله التي وَسِعَت كلَّ شيء وحُرم جَنَة عرضمها السمواتُ والأرض. واعلموا أن الأمان غداً لمن يخاف اليوم وباع قليلاً بكثير وفانياً بباق ألا تَرَوْن أنكم في أصلاب الهالكين وسَيخلفها مِن بعدكم الباقون حتى تُردّوا إلى خير الم الورثين ثم إنّكم في كُل يوم تْشِّيعون غادياً ورائحاً إلى الله قد قَضى نَحْبَه وبَلغ أجَلَه ثم تغيِّبونه في صَدْع في الأرض ثم تَدْعونه غير مًوَسَّد ولا مُمَهّد قد خَلَع الأسباب وفارق الأحباب وواجه الحساب غنيّاً عما تَرك: فقيراً إلى ما قَدّم وايم الله إني لأقول لكم هذْه المقالة وما أعلم عند أحد منكم من الذنوب أكثرَ مما عندي فاستغفر الله لي ولكم وما تَبْلُغنا حاجةٌ يتّسبع لها ما عِنْدنا إلا سَدَدْناها ولا أحدٌ مِنكم إلا وَدِدْت أن يَده مع يديَ ولحُمتي الذين يلونني حتى يَسْتوى عيشُنا وعيشُكم وايم الله إني لو أردتُ غير هذا من عيش أو غِضارة لكان اللسانُ به ناطقاً ذَلُولاً عالماً بأسبابه ولكنه مَضى من الله كتابٌ ناطق وسُنّة عادلة دلّ فيهما على طاعته ونَهى عن مَعْصيته ثم بَكى فتلّقى دُموع عَينيه بردائه ونَزل. فلم يعد بعدَها على تلك الأعواد حتى قَبضه الله تعالى. حين قتل الوليد بن يزيد بَقِيُ بن مخْلَد قال: حَدَّثني خَليفة بن خَيَّاط قال: حَدّثنا إسماعيل بن إبراهيم قال: حدّثني إبراهيم بن إسحاق أن يزيد بن الوليد بن عبد الملك لما قتل الوليد بن يزيد قام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد أيها الناس إني ما خرجتُ أشرا ولا بَطراً ولا حِرْصاً على الدنيا ولا رَغبة في المُلك وما بي إطراءُ نَفْسي ولاَ تَزْكية عَمَلي وإنّي لظَلُوم لنفسي إن لم يَرْحمني ربِّي ولكني خرجتُ غضَباً لله ودينه وداعياً إلى كِتابه وسُنِّة نبيّه حين دَرَسَتْ معالم الهُدى وأطفيء نُور أهل التّقوى وظَهر الجبار العَنيد المُستحل الْحُرمة والرَّاكب البِدْعة والمغيِّر السُّنة. فلما رأيتُ ذلك أشفقتُ إذ غَشِيَتْكم ظُلمة لا تُقْلع على كثير من ذُنوبكم وقَسْوة من قُلوبكم وأشفقت أن يَدْعم كثيراً من الناس إلى ما هو عليه فيُجيبه من أجابه منكم فاستخرتُ الله في أمري وسألتُه أن لا يَكلني إلى نفسي وهو ابن عمي في نَسبي وكَفِيء في حَسَبي فأراح الله منه العِباد وطَهّر منه البِلاد ولايةً من الله وعَزْماً بلا حَول منّا ولا قُوة ولكنْ بحول الله وقوته وولايته وعِزّته. أيها الناس إنّ لكم عليّ إن وَليتُ أموركم ألا أضع لَبِنَة على لَبِنة ولا حَجَراً على حَجَر ولا أنْقُل مالاً من بلد إلى بلد حتى أسُدِّ ثُغَرَه وأُقيم مَصالحه مما تَحْتاجون إليه وتَقْوَون به فإن فضَلَ شيء رَدَدْته إلى البلد الذي يليه وهم من أحوج البُلْدان إليه حتى تَسْتقيم المعيشةُ بين المُسلمين وتكونوا فيه سواءً ولا أجَمِّركم في بعوثكم فُتفتتنوا وتُفْتن أهاليكم. فإن أردتم بَيْعتيِ على الذي بذلتُ لكم فأنا لكم به وإن مِلْتُ فلا بَيْعة لي عليكم وإن رأيتم أحداً أقوى عليها منّي فأردتم بيعتَه فانا أول من يُبايعه ويَدْخل في طاعته أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. خطب بني العباس العُتبي قال: قيل لمسلمة بن هِلال العَبْديّ خَطبنا جعفر بن سُليمان الهاشميّ خُطبة لم يُسْمع أحسنُ منها وما دَرينا أَوَجْهُه كان أَحْسنَ أَمْ كلامه. قال: أولئك قوم بنُور الخلافة يُشرقون وبلسان النبوّة يَنْطقون. خطبة أبي العباس السفاح بالشام خطب أبو العباس عبدُ الله بن محمد عليّ لمّا قُتل مَروان بن محمد فقال: ألم تَر إلى الذين بَدّلوا نعمة الله كفْراً وأَحَلًوا قومهم دار البوار جَهَنِّم يَصْلَوْنَها وبِئْسَ القَرار نَكَصَ بكم يا أهل الشام آل حَرْب وآل مَرْوان يَتَسكّعون بكم الظُّلم ويتهوَّرون بكم مَداحض الزَّلق يطؤون بكم حُرم الله وحرم رسوله ماذا يقول زُعماؤكم غداً يقولون: ربّنا هؤلاء أَضلونا فاتهم عذاباً ضِعْفاً من النار. إذاً يقول الله عزَّ وجلّ لكُلّ ضِعْف ولكن لا تَعْلمون. أمّا أميرُ المؤمنين فقد ائتنف بكم التّوبة واغتفر لكم الزِّلة وبسط لكم الإقالة وعاد بفَضْلِه على نَقْصكم وبِحِلْمه على جَهْلكم فلْيُفرح رُوعكم ولتطمئنّ به دارُكم ولْتعظكم مصارعُ أَوائلكم فتلك بيوتهم خاوية بما ظَلَموا. خطب المنصور خطب أبو جعفر المنصور واسمه عبد الله بن محمد بن عليّ لمَا قُتل الأمويين فقال: أَحرز لسانٌ رأْسَه انتبه امرؤ لحظّه نَظَر امرؤ في يومه لغده فمشى القَصْد وقال الفَصْل وجانب الهُجْر. ثم أخذ بقائم سيفه فقال: أيها الناس إنَ بكم داء هذا داؤه وأنا زعيم لكم بشفائه فلَيعتبر عبد قبل أن يُعْتبر به فإنما بعد الوعيد الإيقاع وإنما يفتري الكَذِب الذين لا يؤمنون بآيات الله. خطبة المنصور حين خروجه إلى الشام شنشنة أعرفها من أخزم مَن يَلقَ أبطال الرجال يُكْلم مهلاً مهلًا روايا الإرجاف وكُهوفَ النفاق عن الخَوْض فيما كُفيتم والتَّخَطِّي إلى ما حُذِّرْتُم. قبل أن تَتْلف نفوس ويقلّ عدد ويدول عزّ وما أنتم وذاك ألم تَجدُوا ما وَعَد ربكم من إيراث المُسْتَضعفين من مَشارق الأرض ومَغاربها حقَاً والجَحْد الجحد. ولكن حِبِّ كامن وحَسدٌ مُكْمِد فبُعداً للقوم الظالمين. وخطب أيضاً قال يعقوب بن السِّكِّيت: خطب أبو جعفر المنصور يوم جُمعة فحمد الله وأثنى عليه وقال: أيها الناس اتقوا الله. فقام إليه رجلٌ فقال: أُذكّرك مَن ذَكّرتنا به يا أمير المؤمنين. قال أبو جعفر سمْعاً سَمعاً لمَن فهم عنِ الله وذَكّر به وأعوذ بالله أن أُذَكِّرَ به وأنساه فتأخذَني العِزّة بالإثم لقد ضَلَلْت إذاً وما أنا من المُهْتدين. وأمّا أنت والتفت إلى الرّجل فقال: والله ما الله أَرَدْتَ بها ولكنْ ليُقال قام فقال فعوقِبَ فَصَبَر وأَهْون بها لو كانت العُقوبة وأنا أُنذركم أيها الناس أُخْتها فإن الموعظةَ علينا نَزلت وفيناأُنبِتت ثم رجع إلى موضعه من الخطبة. خطبة للمنصور بمكة وخطب بمكة فقال: أيها الناس إنما أنا سلطان اللهّ في أرضه أَسُوسكم بتوْفيقه وتَسْدِيده وتأييده وحارسُه على ماله أعمل فيه بمشيئته وإرادته وأُعطيه بإذنه فقد جَعلني اللهّ عليه قُفلاً إذ شاء أن يَفتحني فَتَحَني لإعطائكم وقَسْم أَرزاقكم وإذا شاء أَنْ يُقْفِلني عليها أَقْفَلني فارغبوا إلى الله وسَلوه في هذا اليومَ الشَّريف الذي وَهب لكم من فَضْله ما أَعْلَمكم به في كتابه إذ يقول: " اليومَ أكْمَلتُ لكم دِينَكم وأتمَمْتُ عليْكمْ نِعْمَتي ورَضِيتُ لكم الإسلام ديناً " أن يُوَفِّقني للرَّشاد والصواب وأن يُلْهمني الرأفة بكمَ والإحسان إليكم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. " ولقَدْ كَتَبْنَا في الزَّبورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْر أَنَّ الأرْضَ يَرثُهَا عِبَادي الصَّالِحُون إنَ في هذا لبَلاغاً لِقومٍ عابدين. " قَضَاء مُبْرم وقولٌ فَصْل ما هو بالهَزْل. الحمد لله الذي صَدَقَ عَبْدَه وأَنجَز وعْده وبُعداً للقوم الظالمين الذين اتخذوا الكعبةَ عرضاً والفيء إرْثاً والدَّين هُزؤا وجعلوا القرآن عِضِين لقد حاق بهم ما كانوا به يَسْتَهْزئون فكأَيِّن ترى من بئْر مُعًطّلة وقَصْر مَشِيد ذلك ما قَدّمَتْ أَيْدِيكم وأن الله ليس بظلاّم للعبيد. أُمْهلوا حتى نبذوا الكِتَابَ واضطهدوا العِتْرَة ونَبَذوا السنَة واعتدَوْا واستِكبروا وخَاب كلُّ جبَّار عَنِيد ثم أَخَذَهم فهل تُحِس منهم من أحد أو تَسْمع لهم ركزاً. خطبة عبد الملك بن صالح بن عليّ أعوذ بالته السّميع العليم من الشًيطان الرَّجيم أفلا يَتدبَّرون القرآن أم على قَلوب أقفالها يأهل الشام إنَّ الله وصف إخوانَكم في الدِّين وأشباهكم في الأجسّامِ فحذَّرَهم نبيّهِ محمداً ﷺ فقال: " وإذا رأيْتهُمْ تُعْجبُكَ أجسَامُهم وإن يَقُولوا تسْمَع لِقولهم كأَنّهُمْ خُشُبٌ مُسندَة. يَحْسَبُون كُل صَيْحَة عليهم هُمُ العَدُوّ فاحْذَرْهمِ قاتَلُهم الله أنيَ يُؤْفكون " فقاتَلكم الله أنيَّ تُصرْفون جُثَث مائلة وقلوبٌ طائرة تشُبُّون الفِتَن وتُولُونَ الدُّبُر إلا عن حُرَم الله فإنها دَرِيئتكم وحُرَم رسوله فإنها مَغْزاكم أمَا وحُرمة النبوّة والخلافة لتَنفِرُنَّ خِفَافاً وتقالاً أو لاوسعنَّكم إرغاماً ونَكالاً. خطب صالح بن عليّ يا أعضاد النِّفاق وعَمَد الضلالة أغرّكم لين إبساسي وطولُ إيناسي حتى ظن جاهِلُكم أن ذلك لفُلول حَدّ وفُتورِ جِدّ وخَوَر قناة كَذَبَت الظنون. إنها العِتْرَة بعضُهَا من بعض فإذ قد استمر أتم العافية فعندي فِصَال وفِطام وسَيفٌ يَقُدُ الهام! وإنّي أقول: أغرِّكم أنِّي بأَكْرَم شيمةٍ رَفِيقٌ وإنِّي بالفَوَاحش آخرًقُ ومِثْلي إذا لم يُجْزَأَحْسَنَ سَعْيه تَكلَمُ نُعماه بِفِيها فتَنْطِق لَعَمْرَي لقد فاحَشْتَنِي فغلَبتني هنيئاً مريئاً أنت بالفُحْش أَرْفَق خطب داود بن علي بالمدينة فقال: أيها الناس حَتّام يَهْتف بكم صَريخُكم أمَا آنَ لراقدكم أن يَهُبّ من نومه كلا بل رانَ على قُلوبهم ما كانوا يَكْسِبون أغرّكم الإمْهال حتى حَسبتموه الإهمال هيهات منكم وكيف بكم والسوطُ في كَفّي والسيفُ مُشَهَّر: ويُقِمْن رَبَّاتِ الخُدور حَوَاسراً يَمْسَحن عُرض ذَوائب الأيتام خطبة داود بن علي بمكة وخطب داود بن علي بمكة: شُكْراً شُكراً والله ما خَرجنا لنَحْفِر فيكمم نهراً ولا لنَبْني فيكم قَصْراً أظنَ عدوُّ الله أنْ لن نَظفر إذ مُدّ له في عِنانه حتّى عثر في فَضْل زِمامه فالآنَ عاد الأمر في نِصابه وأُطلعت الشمسُ من مَشرقها والآن حيث تولّى القوسَ باريها وعادت النَبْلُ إلى النِّزعة ورَجع الأمر إلى مُستقرّه في أهل بيت نبيّكم أهل الرِّأفة والرّحمة فاتقوا الله واسمعوا وأطيعوا ولا تَجعلوا النِّعم التي أنعم الله عليكم سَبباً إلى أن تُبيح هَلَكتكم وتُزيل النَعم عنكم. خطبة للمهديّ الحمد لله الذي ارتضى الحمدَ لنفسه ورَضي به من خَلقه أحمده على الآئه وأُمجده لبلائه وأَستعينه وأومن به وأتوكل عليه توكّل راضِ بقَضائه وصابر لبلائه وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحدَه لا شريك له وأنّ محمدّاً عبدُه المُصطفى ونبيُّه المُجتبى ورسولُه إلى خلقه وأَمينه على وَحْيه أَرْسله بعد انقطاع الرجاء وطُموس العِلم واقتراب من الساعة إلى أُمة جاهليّة مُختلفة أُمية أهل عَداوة وتَضاغن وفُرقة وتَباين قد استهوتهم شياطينُهم وغَلب عليهم قُرناؤهم فاستشعروا الرَّدى وسَلكوا العَمى يُبشَر مَن أطاعه بالجنّة وكريم ثَوابها وينذّر مَن عصاه بالنار وأَليم عِقابها ليَهلك مَن هَلك عن بيّنة ويحيا من حَيّ عن بيِّنة وإن الله لسميع عليم أوصيكم عباد الله بتَقوى الله فإنّ الاقتصار عليها سَلامة والتركَ لها ندامة وأَحثّكم على إجلال عَظمته وتوقير كِبربائه وقدُرته والانتهاء إلى ما يُقَرب من رَحمته وُينخي من سُخطه وُينال به ما لديه من كريم الثواب وجزيل المآب. فاجتنبوا ما خوّقكم الله من شديد لعِقاب وأليم العذاب ووَعيد الحساب يوم تُوقفون بي يدي الجَبَّار وتعرضون فيه على النار يومَ لا تَكَلّم نفس إلا بإذنه فمنهم شَقِيّ وسَعيد يومَ يَفِرّ المرء من أخيه وأُمه وأبيه وصاحبته وبَنيه لكُل امرئ منهم يومئذ شأنٌ يغنيه يوم لا تَجزِي نفسٌ عن نفس شيئاً ولا يُقبل منها عدْل ولا تنفعها شفاعة ولا هم يُنصرون يوم لا يَجزِي والد عن ولده ولا مَولود هو جازٍ عن والده شيئاً إنّ وَعْدَ الله حق فلا تغرّنكم الحياة الدنيا ولا يغُرنكم بالله الغَرور فإن الدُّنيا دارُ غُرور وبلاءٌ وشُرور واضمحلال وزَوال وتقلّب وانتقال قد أَفنت مَن كان قبلكم وهي عائدة عليكم وعلى مَن بعدكم. مَن رَكنَ إليها صَرَعَتْه ومَن وثق بها خانته ومن أَمَّلها كَذَبته ومن رجاها خَذلته عِزُّها ذُلٌّ وغِنَاها فَقْر والسّعيد مَن تركها والشَّقِيّ فيها من آثرها والمَغبون فيها مَن باع حَظّه من دار أخرته بها فالله اللهّ عبادَ الله والتوبة مَقْبولة والرحمة مَبْسوطة وبادِرُوا بالأعمال الزاكية في هذه الأيام الخالية قبل أن يُؤخذ بالكَظم وتدموا فلا تقالون بالنَّدم في يوم حَسْرة وتأسّف وكابة وتلهّف يوم ليس كالأيام وموقف ضَنْك المَقام. إن أحسنَ الحديث وأبلغَ الموعظة كتابُ الله يقول الله تبارك وتعالى: " وإذا قًرِئ القُرآن فاسْتَمِعوا له وأَنْصِتوا لَعلّكم تُرَحمون ". أعوذ بالله العظيم من الشَيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم: أَلْهَاكم التَّكاثُر حتى زُرْتًم المَقابر إلى آخر السورة أُوصيكم عبادَ الله بما أوصاكم اللهّ به وأَنهاكم عما نهاكم الله عنه وأرضى لكم طاعة اللهّ وأستغفر الله لي ولكم. خطبة هارون الرشيد الحمدُ لله نَحْمده على نِعمه ونَسْتعينه على طاعته ونَسْتنصره على أعدائه نؤمن به حقّاً ونتوكّلِ عليه مُفوِّضين إليه وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له وأشهد أن محمداَ عبدُه ورسولُه بعثَه على فَتْرة من الرُّسل ودرُوس من العِلْم وإدْبار من الدنيا وإقبال من الآخرة بَشيراً بالنَعيم المُقيم ونَذيراً بين يدي عذاب أليم فَبلّغ الرِّسالة ونَصح الأمة وجاهد في الله فأدّى عن الله وعدَه ووعيده حتى أتاه اليَقين فعلى النبيّ من الله صلاة ورحمة وسلام. أُوصيكم عبادَ اللهّ بتقوى الله فإن في التَقوى تَكْفيرَ السيّآت وتَضْعيف الْحَسنات وفوزاً بالجنّة ونَجاةً من النار. وأُحذّركم يوماً تَشْخص فيه الأبصار وتُبلى فيه الأسرار يومَ البعث ويومَ التغابن ويومَ التلاق ويوم التناد يومَ لا يُستعتب من سيئة ولا يُزداد في حسنة يوم الآزفة إذا القُلوب لَدَى الحَناجر كاظِمين ما للظّالمين من حَمِيم ولا شَفيع يُطاع يُعلم فيه خائنة الأعين وما تُخفي الصدور واتّقوا يوما تُرجعون فيه إلى الله ثُم توفّى كل نفس ما كَسبت وهم لا يظلمون. عبادَ الله إنكم لم تُخلقوا عَبثا ولن تتركوا سُدَى حَصّنوا إيمانكم بالأمانة ودِينَكم بالوَرع وصَلاتكم بالزِّكاة فَقد جاء في الخبر أن النبيّ ﷺ قال: لا إيمانَ لمن لا أمانة له ولا دِين لمَن لا عهد له ولا صَلاة لمن لا زكاة له. إنكم سَفر مُجتازون وأنتم عنِ قَرِيب تَنتقلون من دار فَناء إلى دار بقاء فَسارِعوا إلى المغفرة بالتَّوبة وإلى الرَّحمة بالتّقوى إلى الهُدى بالإنابة فإن الله تعالى ذِكْره أوْجب رَحْمته للمُتَّقين ومَغْفرته للتائبين وهُداه للمُنيبين. قالت الله عزَّ وجلّ وقولُه الحق: " ورَحْمتي وَسِعتْ كُلّ شيء فسأْكتبها للذين يتقون وَيؤدون الزَّكاة " وقال: " وإني لغفّار لمن تاب وآمَن وعَمل صالِحاً ثم اهْتدَى" وإياكم والأمانيَ فقد غَرّت وأرْدت وأوبقت كثيراً حتى أكذبتهم مُناياهم فتناوشُوا التوبةَ من مكان بعيد وحِيل بينهم وبين ما يَشْتهون فأخبركم ربكم عن المَثُلات فيهم وصَرّف الآياتِ وضَرَب الأمثال فرغّب بالوَعْد وقَدّم إليكم الوعيد وقد رأيتُم وقَائعه بالقرُون الخوالي جيلاً فجيلاً وعَهدتم الآباء والأبناء والأحبة والعشائر باختطاف الموت إياهم من بُيوتكم ومن بين ظهركم لا تَدْفعون عنهم ولا تَحُولون دونهم فزالت عنهم الدنيا وانقطعت بهم الأسباب فاسلمتْهم إلى أعمالهم عند المَواقف والحساب والعقاب ليُجْزى الذين أساءوا بما عملوا ويُجزي الذين احسنوا بالحُسنى. إن أحسن الحديث وأبلغَ الموعظة كتابُ الله يقول الله عزّ وجلّ: " وإذا قُرِئ القُرءان فاستمِعوا له وأنْصتوا لعلَّكم ترحَمون" أعوذ بالله العظيم من الشَيطان الرجيم إنه هو السّميع العليم. بسم الله الرحمن الرحيم " قُل هُو الله أحد. الله الصَمَد. لَم يلد. ولم يُولَد. ولم يَكن له كفُواً أحد " أمرُكم بما أمَركم الله به وأنهاكم عما نَهاكم الله عنه. وأستغفر الله لي ولكم. خطبة المأمون في يوم الجمعة الحمد لله مُستخلِص الحمدِ لنفسه ومُستوجِبه على خَلْقه أحمده وأستعينه وأُومنِ به وأتوكّل عليه وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له وأشهد أنّ محمداً عبدُه ورسولُه أرسله بالهُدى ودِين الحق ليُظهره على الدِّين كلِّه ولو كَره المشركون أُوصيكم عبادَ اللهّ ونَفْسي بتَقْوى الله وحدَه والعمل لما عنده والتنجّز لِوَعْده والخوفِ لوَعِيده فإنه لا يَسلم إلا مَن اتقاه ورَجاه وعَمل لَه وأرضاه. فاتقُوا الله عباد اللهّ وبادِرُوا آجالَكم بأعمالكم وابتاعًوا ما يَبقى بما يَزُول عنكم ويَفْنى وترَحَّلوا عن الدُّنيا فقد جَدَّبكم واستعدُّوا للموت فقد اظلَّكم وكُونوا كقوم صِيح فيهم فانتبهوِا وعلموا أنّ الدُّنيا ليست لهم بدار فاستبدلوا فإنّ اللهّ عزّ وجلّ لم يَخْلُقكم عَبَثاً ولم يترككم سُدًى وما بَينْ أحدكم وبيني الجَنَة والنار إلا الموتُ أنْ ينْزلى به وإنَّ غايةً تَنْقُصها اللحظةُ وتَهْدِمها الساعةُ الواحدةُ لجديرة بقِصَر المُدة وإنّ غائباً يَحْدوه الجديدان الليلُ والنهار لجديرٌ بسُرعة الأوبة وإنّ قادماً يَحُل بالفَوْز أو بالشِّقوة لمُستحق لأفضل العُدّة. فاتقى عبدٌ ربّه ونصح نفسه وقدّم توبته وغلب شَهْوته فإنَّ أجلَه مستور عنه وأملَه خادع له والشيطان مُوَكَلٌ به يُزَيِّن له المعصية ليركَبَها وُيمَنِّيه التَّوْبة ليًسَوِّفها حتى تَهْجُم عليه منيتَه أغفَلَ ما يكون عنها. فيالها حَسْرَةً على كلّ ذي غَفلة أن يكون عُمْره عليه حُجَّة أو تؤدّيه منيّته إلى شَقْوَة. نَسْأل اللهّ أن يَجعلنا وإيّاكم ممن لا تُبطره نِعْمة ولا تُقَصِّر به عن طاعة ربه غَفْلة ولا تَحُل به بعد الموت فَزْعة إنَّه سَمِيع الدعاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير فعّال لما يريد. خطبة المأمون يوم الأضحى قالت بعد التكبير والتَحميد: إنَّ يومَكم هذا يومُ أبان الله فَضْلَه وأوْجَبَ تَشْريفَه وعَظَّم حًرْمَته ووفِّى له من خلقه صَفْوَته وابتلى فيه خليله. وفَدَى فيه بالذِّبح العظيم نبيَّه وجعله خاتَم الأيام المعلومات من العَشْر ومُقَدّم الأيام المعدودات من النَّفْر يومٌ حَرام من أيام عِظَام في شهر حرام يومُ الحجّ الأكبر يومٌ دعا الله فيه إلى مَشْهده ونزل القرآن العظيم بتَعْظيمه قال الله عزّ وجلّ: " وأذِّنْ في النَّاس بالحَجّ يأتُوكَ رِجَالاً وعَلَى كُل ضامِرٍ يأتِينَ مِنْ كُل فَجٍٍّ عَمِيق " فتقرّبوا إلى الله في هذا اليوم بذَبائحكم وعَظّموا شعائر اللهّ واجعلوها من طيِّب أموالكم وبصحِّة التَّقوى من قُلوبكم فإنه يقول: " لَنْ يَنَال الله لُحُومُها ولا دِماؤُها ولَكِنْ يَنالُه التَّقوى مِنْكم " ثم التَّكبير والتّحميد. والصلاةُ على النبي ﷺ والوصية بالتَقوى. ثم ذكر الموت ثم قال: وما من بعده إلا الجنَّة أو النار عظمَ قدْرُ الدارين وارتفع جزاء العَمَلين وطالت مُدَة الفَريقَيْن. الله فوالله إنه الجدّ لا الّلعِب والحقّ لا الكَذِب وما هو إلا الموتُ والبعثُ والمِيزان والحِساب والصِّرَاط والقِصاص والثواب والعِقاب. فَمَن نجا يومئذٍ فقد فاز ومَن هَوَى يومئذ فقد خاب الخيْر كلّهُ في الجنة. والشرّ كله في النار. خطبة للمأمون في الفطر قال بعد التَّكبير والتَحميد: ألاَ وإنَ يومَكم هذا يوم عيد وسُنة وابتهال ورَغبة يومٌ خَتَم الله به صِيَام شهر رمضان وافتتح به حَجّ بيته الحرام فجلعه أول أيام شُهور الحجّ وجعله مُعَقِّبا لِمَفروض صيامكم ومُتَنَقِّل قيامكم أحلَّ الله لكم فيه الطَّعام وحرّم عليكم فيه الصّيامَ فاطلبُوا إلى الله حوائجكم واستغفروه لتَفريطكم فإنه يُقال: لا كثيرَ مع نَدَم واستغفار ولا قَليل مع تَمَادٍ وإصرار. ثم كبَرَ وحَمّد وذكرَ النبيَّ ﷺ وأوصى بالبرّ وّالتَّقوى ثم قال: اتقوا الله عباد الله وبادرُوا الأمر الذي اعتدل فيه يقينكم ولم يَحْضر الشد فيه أحداً منكم وهو الموتُ المكتوب عليكم فإنه لا تُسْتقال بعده عَثْرة ولا تُحْظر قبله توبة واعلموا أنه لا شيء قبله إلا دونه ولا شيء بعدَه إلاّ فوقَه ولا يُعين على جَزَعه وعَلَزه وكُرَبه وعلى القبر وظُلْمته وضِيقه ووَحْشَته وهَول مطلعه ومسألة ملكَيْه إلا العمل الصالح الذي أمر الله به فمن زَلْت عند الموت قدَمُه فقد ظهرت ندامتُه وفاتته استقالتُه ودَعا من الرّجعة إلى مالا يُجاب إليه وبَذَل من الفِدْية مالا يُقْبَل منه. فالله الله عباد الله كُونوا قوماً سألوا الرَّجعة فأُعطوها إذ مُنعها الذين طلبوها فإنه ليس يتمنى المُتقدّمون قبلَكم إلا هذا الأجل المَبْسوط لكم فاحذَروا ما حَذّركم الله واتقوا اليوم الذي يَجْمعكم اللهّ فيه لوَضْع موازِينكم ونشر صًحفكم الحافظة لأعمالكم. فلينظر عبدٌ ما يَضع في ميزانه مما يَثْقل به وما يُمْلى في صحيفته الحافظة لما عليه وله ألا فَقد حكى اللهّ لكم ما قالَ المُفرطون عندها إذ طال إعراضّهم عنها قال جلّ ذكره: " ووُضِع الكِتابُ فَتَرَى المُجْرمين مُشْفِقِين مما فيه ويقولون يا وَيْلَتَنا ما لهِذا الكِتاب لا يُغَادِرُ صَغيرَةً ولا كَبيرَةً إلاّ أحْصَاها ووَجَدُوا ما عَمِلوا حاضِراً ولا يَظْلمُ رَبًّكَ أحَداً " قال: " ونَضَع المَوَازِين القِسْطَ لِيَوْم القِيَامة فَلاَ تُظْلم نَفْسٌ شيئَاَ. وإنْ كان مثقالَ حًبّة من خرْدَلٍ أتينا بها وكَفى بنا حَاسِبين " ولستُ أنها كم عن الدُنيا بأكثر مما نهتكم به الدُّنيا عن نَفْسها فإنّ كل ما بها يُحَذِّر منها وينهى عنها وكلّ ما فيها يدعو إلى غيرها وأعظم مما رأته أعينكم من فجائعها وزوالها ذَمُّ كتاب اللهّ لها والنهيُ عنها فإنّه يقول تبارك وتعالى: " فلا تَغرَّنكم الحياةُ الدُّنيا ولا يَغُرَّنكم بالله الغَرُور " وقال: " اعلَموا أنما الحَيَاة الدُّنيا لَعب ولَهْو وزِينَة وتفَاخُز بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد " فانتفعوا بمَعرفتكم بها. وبإخبار اللهّ عنها. واعلموا أنَّ قوماً مِن عباد الله أدركتهم عِصْمَةُ اللهّ فَحَذِروا مَصَارعها وجانبوا خَذائعها واثروا طاعةَ اللهّ فيها وأدركوا الجنة بما يَتْركون منها. خطبة عبد الله بن الزبير حين قام بفتح افريقية: قَدِم عبدُ اللهّ بن الزُّبير علي عثمان بن عفّان بفتح إفريقية فأخبره مُشافهة وقَص عليه كيف كانت الوقعة. فأعجب عثمانَ ما سمع منه فقال له: يا بني أتقوم بمثل هذا الكلام في الناس فقال: يا أميرَ المؤمنين أنا أهْيب لك مني لهم. فقام عثمانُ في الناس خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إن الله قد فَتح عليكم إفريقية وهذا عبدُ اللهّ بن الزبير يُخبركم خبرَها إن شاء الله. وكان عبدُ الله بن الزُبير إلى جانب المِنبر فقام خطيباً وكان أولَ من خطب إلى جانب المنبر فقال: الحمدُ للهّ الذي ألَف بين قُلوبنا وجعلنا متحابين بعد البِغْضة الذي لا تُجحد نَعماؤه ولا يزول مُلْكه له الحَمْد كما حَمدَ نفسه وكما هو أهلُه انتخب محمداً ﷺ فاختاره بعِلْمه وائتمنه على وَحْيه واختار له من الناس أعواناً قَذف في قُلويهم تصديقَه ومحبته فآمنوا به وعَز روه ووَقروه وجاهدوا في الله حَق جِهاده فاستُشهد لله منهم مَن استشهد على المِنْهاج الواضح والبَيْع الرابح وبقي منهم مَن بَقي ولا تأخذُهم في الله لومةُ لائم. أيها الناس: رَحمكم الله إنا خرجنا للوجه الذي عَلمتم فكُنا مع والٍ حافظ حَفِظ وصيةَ أمير المؤمنين كان يسير بنا الابْردين ويَخْفض بنافي الظهائر ويتخذ الليل جملًا يعُجل الرِّحلة من المَنزل الجَدْب ويُطيل اللبث في المنزل الخِصْب فلم نزل على أحسن حالة نعرفها من ربّنا حتى انتهينا إلى إفريقية فنزلنا منها بحيثُ يسمعون صَهيل الخيل ورُغاء الإبل وقَعقعة السلاح. فأقمنا أياماً نُجِمّ كُراعنا ونُصْلح سِلاحنا ثم دعوناهم إلى الإسلام والدخولِ فيه فأبعدوا منه فَسألناهم الجزية عن صَغار أو الصلحَ فكانت هذه أبعدَ فأقمنا عليهم ثلاثَ عشرَة ليلة نَتأنّاهم وتَختلف رُسُلنا إليهم. فلما يَئِس منهم قام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه وذَكر فضلَ الجهاد وما لصاحبه إذا صَبر واحتسب ثم نَهضنا إلى عدوّنا وقاتلناهم أشدَّ القتال يومَنا ذلك وصَبر فيه الفريقان فكانت بيننا وبينهم قَتْلى كثيرة واستشهد للهّ فيهم رجال من المُسلمين فبِتْنا وباتوا وللمُسلمين دويّ بالقرآن كدويّ النحل وبات المشركون في خُمورهم وملاعبهم فلما أصبحنا أخذنا مصاّفَنا الذي كُنا عليه بالأمس فزحف بعضُنا على بعض فأفرغ الله علينا صَبْره وأنزل علينا نَصْره ففتحناها منِ آخر النهار فأصبنا غنائم كثيرة وفيئاً واسعاً بلغ فيه الخُمس خَسمائة ألف فصفق عليها مروان بن الحكم فتركتُ المسلمين قد قرَّت أعينُهم وأغناهم النّفل وأنا رسولُهم إلى أمير المؤمنين أُبشره وإياكم بما فَتح الله من البلاد وأذلِّ من الشرك. فاحمدوا الله عبادَ الله على آلائه وما أحل بأعدائه من بأسه الذي لا يردّه عن القوم اْلمُجْرمين ثم سكت. فنهض إليه أبوه الزُّبير فَقَبِّل بين عينيه وقالت: ذُرِّية بعضُها من بعض والله سميع عليم يا بني: ما زِالْتَ تنطق بلسان أبي بكر حتى صَمَت. خطبة عبد الله بن الزبير لمّا بلغه قتل مصعب صَعِد المنبر فحمد الله وأَثنى عليه ثم سكت فجعل لونُه يحمر مرة ويصفر مرة فقال رجلٌ من قُريش لرجل إلى جانبه: ما له لا يتكلًم فوالله إنه للبيب الخُطباء قال: لعله يريد أن يذكر مَقتل سيد العرب فيشتدّ ذلك عليه وغير ملوم. ثم تكلًم فقال: الحمد لله له الخَلْق والأمر والدُّنيا والآخرة يُؤتي الملك مَن يشاء ويَنزع الملك ممّن يَشاء ويُعز مَن يشاء ويُذل مَن يشاء. أمّا بعد: فإنه لم يُعزّ اللهّ مَن كان الباطلُ معه وإن كان معه الأنامُ طُرّاً ولم يُذل مَن كان الحقُّ معه وإن كان فَرْداً. ألاَ وإن خبراً من العراق أتانا فأَحْزننا وأَفْرحنا فأمّا الذي أَحزننا فإن لفراق الحَميم لوعةً يجدها حميمه ثم يرعوي ذوو الألباب إلى الصَّبر وكريم العَزاء وأمّا الذي أفرحنا فإنّ قَتْل مُصعب له شهادة ولنا ذخيرة أَسلمه النّعام المًصلَّم الآذان. ألاَ وإن أهل العِراق باعوه بأقلّ من الثَمن الذي كانوا يأخذون منه فإن يُقتل فقد قُتل أخوه وأبوه وابنُ عمه وكانوا الخيارَ الصالحين. إنا والله لا يموت حَتْفَاً ولكن قَعصاً بالرِّماح ومَوْتا تحت ظلال السُّيوف ليس كما تموت بنو مَرْوان ألا إنما الدُنيا عاريّة من المليك الأعلى الذي لا يَبيد ذِكْره ولا يَذِل سُلطانه فإنْ تُقبِل الدنيا عليّ لم آخُذها أَخْذ الأشِر البَطر وإنْ تُدْبر عني لم أَبْك عليها بُكاء الخَرِق المهين ثم نزل.