☰ جدول المحتويات
نسب علي بن أبي طالب وصفته
هو عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف. وصفته كان أصلعَ بطيناً حَمْش الساقين. صاحبُ شرُطته مَعْقل بن قيس الرِّياحي وما لك بن حَبيب اليَرْبوعي وكاتبُه سعيد ابن نِمران وحاجبُه قُنْبر مولاه. وقُتل يوم الجمعة بالكوفة وهو خارج إلى المسجد لصلاة الصِبح لسبع بَقين من شهر رمضان فكانت خلافته أربعَ سنين وتسعةَ أشهر صلى عليه ولدُه الحسن ودُفن برَحْبة الكوفة ويقال في لِحف الحِيرة وعُمِّي قبره. واختُلف في سنه فقال الشعبي: قُتل علي رحمه الله وهو ابن ثمان وخمسين سنة ووُلد علي بمكة في شِعب بني هاشم.
فضائل علي بن أبي طالب كرم الله وجهه
أبو الحسن قال: أسلم علي وهو ابن خمسَ عشرةَ سنة وهو أول من شَهد أن لا إله إلا اللهّ وأن محمداً رسولُ الله. وقال النبي عليه الصلاة والسلام مَن كنتُ مولاه فعلي مولاه. اللهم والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه. وقال له النبي ﷺ: أما تَرضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غيرَ أنه لا نبيّ بعدي وبهذا الحديث سَمَّت الشيعةُ علي بن أبي طالب الوصيِّ وأولوا فيه أنه استخلفه على أمته إذ جعله منه بمنزلة هارون من موسى لأنّ هارون كان خليفة موسى على قومه إذا غاب عنهم. وقال السيد الْحِمْيري رحمه الله تعالى: إني أدينُ بما دانَ الوَصَّي به وشاركتْ كفّه كَفَيّ بصفَينا وجمع النبي ﷺ فاطمةَ وعليا والحسَنَ والْحُسين فألقى عليهم كساءَه وضمهم إلى نفسه ثم تلا هذه الآية: إنما يُريد الله ليُذهبَ عنكمِ الرجسَ أهلَ البَيت ويُطهَركم تَطْهيرا. فتأولت الشيعةُ الرجس هاهنا بالخَوض في غمرة الدُّنيا وكُدورتها. وقال النبيّ ﷺ يومَ خَيبر: لأعطين الراية غداً رجلاً يُحب الله ورسولَه ويُحبه الله ورسولُه لا يُمسي حتى يَفتح الله له. فدعا عليًّا وكان أرمدَ فَتفَل في عينيه وقال: اللهم قِه داءَ الحر والبرد. فكان يلبس كُسوة الصيف في الشتاء وكُسوة الشتاء في الصيف ولا يضره. أبو الحسن قال: ذُكر عليّ عند عائشة فقالت: ما رأيت رجلاً أحبَّ إلى رسول الله ﷺ منه ولا رأيتُ امرأة كانت أحبَّ إليه من امرأته. وقال عليُّ بن أبي طالب: أنا أخو رسول الله ﷺ وابن عمه لا يقولها بعدي إلا كذّاب. الشَّعبي قال: كان عليّ بن أبي طالب في هذه الأمة مثل المسيح بن مريم في بني إسرائيل أحبّه قومٌ فكفروا في حُبه وأبغضه قوم فكفروا في بُغضه. وقال النبيّ ﷺ: الحسنُ والْحُسين سيِّدا شباب أهل الجنة وأبوهما خيرٌ منهما. أبو الحسن قال: كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يُقَسم بيت المال في كل جمعة حتى لا يبقي منه شيئاً ثم يُفرش له ويَقيل فيه. ويتمثَل بهذا البيت: هذا جَنايَ وخِيَاره فيه إذ كُلّ جانٍ يدُه إلى فيه كان علي بن أبي طالب إذا دَخل بيتَ المال ونَظر إلى ما فيه من الذَّهب والفضة قال: ابيَضيِّ واصفري وغري غيري إنّي من الله بكُل خَيْر ودخل رجل على الحسن بن أبي الحسن البصري فقال: يا أبا سعيد إَنهم يَزعمون أنك تُبغض عليّا. قال: فبكى الحسنُ حتى اخضلَّت لِحْيته ثم قال: كان علي بن أبي طالب سهماً صائباً من مَرامي الله على عدوّه ورباني هذه الأمة وذا فَضْلها وسابقتها وذا قرابة قريبة من رسول الله ﷺ لم يكن بالنومَة عن رسول الله ﷺ ولا المَلولة في ذات الله ولا السَّروفة لمال الله. أعطى القرآن عزائمه ففاز منه برياض مُونقة وأعلام بَينة ذلك علي بن أبي طالب يا لُكع. أبو اليَقظان قال: قَدِم طلحةُ بن عُبيد الله والزبير بن العوام وعائشة أم المؤمنين البَصرة. فتلقاهم الناس بأعلى المِرْبد حتى لو رَمَوا بحَجر ما وقع إلا على رأس إنسان فتكلَّم طلحة وتكلمت عائشة وكثر اللغط فجعل طلحةُ يقول: أيها الناس أنصتوا. وجعلوا يركبونه ولا يُنصتون. فقال: أف أف! فَراش نار وذُباب طمع. وكان عثمان بن حُنيف الأنصاري عاملَ عليّ بن أبي طالب على البَصرة فخرج إليهم في رِحاله ومن مَعه فتواقفوا حتى زالت الشمس ثم اصطلحوا وكَتبوا بينهم كتاباً أن يكفّوا عن القتال حتى يَقْدَم علي بن أبي طالب ولعثمان بن حُنيف دارُ الإمارة والمَسجد الجامع وبيتُ المال فكفّوا. ووجّه عليُّ بن أبي طالب الحسن ابنه وعمّار بن ياسر إلى أهل الكوفة يَستنفر انهم فنَفر معهما سبعةُ آلاف من أهل الكوفة. فقال لهم عمار: أما والله إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة ولكن الله ابتلاكم بها لتتْبِعوه أو تَتبعوها. وخَرج عليٌ في أربعة آلاف من أهل المدينة فيهم ثمانمائة من الأنصار وأربعمائة ممن شَهد بيعه الرضوان مع النبي ﷺ. ورايةُ علي مع ابنه محمد ابن الحنفيّة وعلى مَيمنته الحسنُ وعل ميسرته الحُسين وعلى الخَيل عمّار بن ياسر وعلى الرجالة محمد بن أبي بكر وعلى المُقدَمة عبدُ الله بن عبّاس. ولواء طَلحة والزُبير مع عبد اللهّ بن حَكيم بن حِزام وعلى الخيل طلحةُ بن عبيد اللهّ وعلى الرجِّالة عبدُ الله بن الزبير. فالتقوا بموضع قصر عُبيد الله بن وقالوا: لما قَدِم علي بن أبي طالب البصرَة قال لابن عباس: ائت الزُّبير ولا تأت طلحة فإن الزُبير ألينُ وأنت تجد طلحةَ كالثور عاقصاً بقَرنه يركب الصُعوبة ويقول: هي أسهل فأقْرِئه السلام وقُل له: يقول لك ابن خالك: عرفتَني بالحجاز وأنكرتني بالعِراق فما عدا ما بدا قال ابن عباس: فأتيته فأبلغتُه. فقال: قل له: بيننا وبينك عهدُ خليفة ودمُ خليفة واجتماع ثلاثة وانفراد واحد وأم مَبرورة ومشاورة العشيرة ونَشْر المصاحف نُحِل ما أحلت ونُحرَم ما حَرمت. وقال عليّ بن أبي طالب: ما زال الزُبير رجلاً منا أهلَ البيت حتى أدركه ابنه عبد الله فلفَته عنا. وقال طلحةُ لأهل البصرة وسألوه عن بَيعة علي فقال: أدخَلوني في حُش ثم وَضعوا الفُج على قَفي فقالوا: بايع وإلا قَتلناك. قوله: اللج يريد السيف وقوله: قفي لغة طىء وكانت أمه طائية. وخطبت عائشةُ أهلَ البصرة يوم الجمل فقالت: أيها الناس صَه صه كأنما قُطعت الألسن في الأفواه. ثم قالت: إن لي عليكم حُرمَة الأمومة وحق الموعظة لا يتّهمني إلا من عَصى ربَّه. مات رسول اللهّ ﷺ بين سَحْري ونَحْري وأنا إحدى نسائه في الجَنة له ادخرني ربِّي وسلّمني من كل بضُع وبي مَيّز بين مُنافقكم ومؤمنكم وبي أرخص لكم في صَعِيد الأبواء. ثم أبي ثالثُ ثلاثةٍ من المُؤمنين وثاني اثنين في الغار وأول من سُمَي صديقاً. مَضى رسولُ الله ﷺا راضياً عنه وطَوَّقه طَوق الإمامة. ثم اضطرب حبلُ الدين فمسَك أبي بطَرَفيه ورتق لكم أثناءه فوَقم النفاق وأغاض نبعَ الردة وأطفأ مَا حَشت يهود وأنتم يومئذ جُحظ العيون تنظرون العَدوة وتسمعون الصيحة فَرأب الثأي وأوذم العَطِلة وانتاش من الهًوة واجتحى دفين الداء حتى أعطن الوارد وأورد الصادر وعَلّ الناهل فقَبضه الله واطئاً على هامات النفاق مذكِياً نارَ الحرب للمشركين. وانتظمت طاعتُكم بحَبله. ثم ولي أمرَكم رجلاً مَرْعياً إذا رُكن إليه بَعيداً ما بين اللابتين إذا ضُل عَرُوكة للأذاة بجَنْبه يَقْظان الليل في نُصرة الإسلام فسلك مسلك السابقين ففرق شمل الفِتنة وجَمَّع أعضاد ما جمع القرآن وأنا نصْب المسألة عنِ مسيري هذا. لم ألتمس إثماً ولم أورِّث فتنة أوطئكموها. أقول قولي هذا صِدْقاً وعدلاً وإعذاراً وإنذاراً وأسأل الله أن يصلي على محمد وأن يَخلفه فيكم بأفضل خلافة المُرسلين. وكتبت أم سَلمة زوج النبي ﷺ إلى عائشة أم المؤمنين إذ عزمت على الخروج يوم الجمل: من أم سَلَمة زوج النبيّ ﷺ إلى عائشة أم المؤمنين فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو. أما بعد إنك سُدّة بين رسول اللهّ ﷺ وبين أمته حجاب مضروب على حُرمته. قد جَمّع القرآنُ ذيلك فلا تَنْدحيه وسَكَّر خَفارتك فلا تَبْتذليها. فاللهّ مِن وراء هذه الأمة. لو علم رسولُ الله ﷺ أنّ النساء يَحتملن الجهاد عهِد إليك. أما علمتِ أنه قد نَهاك عن الفَراطة في البلاد فإن عمود الدين لا يَثبت بالنساء إن مال ولا يُرأب بهن إن انصدع جهاد النساء غَضُّ الأطراف وضَمًّ الذُّيول وقَصر المُوادة. ما كنتِ قائلةً لرسول اللهّ ﷺ لو عارضك ببعض هذه الفلوات ناصَّةً قَعودا من مَنهل إلى مَنهل وغداً تردين على رسول الله ﷺ. وأقسم لو قيل لي: يا أم سلمة ادخُلي الجنة لاستحييتُ أن ألقى رسول اللهّ ﷺ هاتكةً حجابا ضرَبه عليّ. فاجعليه سِتْرك وقاعةَ البيت حِصْنك فإنك أنصح ما تكونين لهذه الأمة ما قعدتِ عن نُصرتهم. ولو أني حدثتُك بحديث سمعتُه من رسول الله ﷺ لنَهشتِني نهش الحيةِ الرقشاء المُطرقة. والسلام. فأجابتها عائشة: من عائشة أم المؤمنين إلى أم سَلمة سلام عليك فإني أحمدُ الله إليك الذي لا إله إلا هو. أما بعد. فما أقبلني لوَعْظك وأعرفني لحق نَصيحتك وما أنا بمُعتمرة بعد تَعْريج ولنِعم المَطلع مَطلع فَرَقتُ فيه بين فئتين مُتشاجرتين من المُسلمين فإن أقعد فعن غير حَرج وإن أمض فإلى ما لا غِنى بي عن الازدياد منه. والسلام. وكتبت عائشة إلى زيد بن صُوحان إذ قدمت البصرة: من عائشة أم المؤمنين إلى ابنها الخالص زيد بن صُوحان سلام عليك. أما بعد فإنّ أباك كان رأساً في الجاهلية وسيداً في الإسلام وإنك من أبيك بمنزلة المُصلّى من السابق يقال كاد أو لَحق وقد بلغك الذي كان في الإسلام من مُصاب عثمان بن عفان ونحن قادمون عليك والعِيان أشفى لك من الخَبر. فإذا أتاك كتابي هذا فثبّط الناسَ عن في بن أبي طالب وكُن مكانَك حتى يأتيك أمري والسلام. فكتب إليها: مِن زيد بن صُوحان إلى عائشة أم المؤمنين. سلامٌ عليك أما بعد فإِنك أمرتِ بأمر وأمرنا بغيره أمرتِ أن تَقرّي في بَيتك وأمرنا أن نُقاتل الناس حتى لا تكون فتنة. فتركتِ ما أمرت به وكتبتِ تَنْهينا عما أمرنا به والسلام وخطب علي رضي الله عنه بأهل الكوفة يوم الجمل إذ أقبلوا إليه مع الحسن بن علي فقام فيهم خطيباً فقال: الحمد للهّ رب العالمين وصلّى الله علي سيدنا محمد خاتم النبيين وآخر المُرسلين أما بعد. فإن الله بعث مُحمداً ﷺ إلى الثَقَلين كافة والناسُ في اختلاف والعربُ بِشر المنازل مُستضعَفون لما بهم فرأب اللهّ به الثّأي ولأم به الصّدع ورَتق به الفَتق وأمَّن به السبيل وحَقَن به الدماء وقَطَع به العداوة المُوغِرة للقلوب والضَّفائنِ المُشحنة للصدور ثم قَبضه الله تعالى مشكوراً سعيُه مَرْضيا عمله مَغْفوراً ذنبه كريماً عند الله نزله. فيالها من مُصيبة عمِّت المسلمين وخَصَت الأقربين. وَوَليَ أبو بكر فسار فينا بسيرة رِضا رَضي بها المسلمون. ثم وَلي عمر فسار بسيرة أبي بكر رضي الله عنهما. ثم ولي عُثمان فنال منكم ونلتم منه. ثم كان من أمره ما كان أتيتموه فقتلتموه ثم أتيتموني فقُلتم: لو بايعتنا فقلتُ: لا أفعل وقبضتُ يدي فبسَطتموها ونازعتُكم كفًي فجذبتُموها وقلتم: لا نَرضى إلا بك ولا نَجتمع إلا عليك وتراكمتم علي تراكم الإبل الهِيم على حِياضها يومَ وُرودها حتى ظننتُ أنكم قاتلي وأن بعضَكم قاتلٌ بعضاً فبايَعتُموني وبايعني طلحةُ والزبير ثم ما لَبثا أنْ استأذناني إلى العُمرة. فسارا إلى البَصرة فقاتَلا بها المسلمين وفَعلا بها الأفاعيل وهما يَعلمان واللهّ أني لستُ بدون من مَضى ولو أشاء أن أقول لقلت: اللهم إنهما قَطعا قَرابتي ونَكثا بَيْعتي وألّبا عليّ عدوّي. اللهمّ فلا تُحكم لهما ما أبرما وأرهما المَساءة يما عَملا. وأملى عليّ بن محمد عن مسلمة بن مُحارب عن داود عن أبي هِند عن أبي حَرْب عن أبي الأسود عن أبيه قال: خرجتُ مع عِمران بن حُصين وعثمانَ بن حُنيف إلى عائشة فقلنا: يا أمَّ المؤمنين أَخبرينا عن مَسيرك هذا. عهدٌ عَهدَه إليك رسولُ اللهّ ﷺ أم رأي رأيتيه قالت: بل رأي رأيتُه حين قُتل عثمان بن عفَّان إنا نَقمنا عليه ضربه بالسَّوط ومَوقع المِسحاة المُحماة وإمرة سَعيد والوليد فعدوتُم عليه فاستحللتم منه الثلاثَ الحُرم: حُرمة البلد وحُرمة الخلافة وحُرمة الشهر الحرام بعد أن مُصْتموه كما يُماص الإناء. فغَضِبنا لكم من سَوط عثمان ولا نَغضب لعثمان من سَيْفكم قلنا: ما أنتِ وسيفُنا وسوطُ عثمان وأنتِ حَبيس رسول اللهّ ﷺ! أمرك أنْ تَقَرِّي في بيتك فجئتِ تَضربين الناس بعضَهم ببعض! قالت: وهل أحذ يقاتلني أو يقوله غير هذا قُلنا: نعم. قالت: ومَن يفعل ذلك هل أنت مُبلغ عني يا عِمران قال: لستُ مُبلغاً عنك حَرفاً واحداً. قلت: لكنّني مُبلغ عنك فهاتِ ما شئت. قالت: اللهم اقتُل مًذمَّما قِصاصاً بعثمان وارم الأشتر بسهم من سهامك لا يُشْوِى وأدرك عمّاراً بخَفَره بعُثمان أبو بكر بن أبي شَيبة قال: حدَّثنا عبد الله بن إدريس عن حُصين عن الأحنف بن قيس قال: قَدمنا المدينة ونحن نُريد الحج فانطلقت فأتيتُ طلحة والزبير فقلت: إِني لا أرى هذا إلا مَقتولا فمن تأمراني به كما تَرضيانه لي قالا: نأمرك بعليّ. قلت: فتأمراني به وتَرضيانه لي قالا: نعم. قال: ثم انطلقتُ حتى أتيتُ مكة فبينما نحن بها إذ أتانا قَتْل عثمان وبها عائشة أم المؤمنين فانطلقتُ إليها فقلت: مَن تأمريني أنْ أبايع قالت: عليّ بن أبي طالب. قلتُ: أتأمريني به وتَرْضينه لي قالت: نعم. قال: فممرتُ على عليّ بالمدينة فبايعتُه ثم رجعتُ إلى البصرة وأنا أرى أن الأمر قد استقام فما راعنا إلا قدومُ عائشة أمّ المؤمنين وطلحة والزبير قد نزلوا جَناب الخُرَيبة. قاد: فقلت: ما جاء بهم قالوا: قد أرسلوا إليك يستنصرونك على دم عُثمان إنه قُتل مظلوما. قال: فأتاني أفظع أمر لم يأتني قطُّ. قلت: إنَّ خِذلان هؤلاء ومعهم أم المؤمنين وحواري رسول الله ﷺ لشديد وإنّ قتال ابن عم رسول اللهّ ﷺ أمروني ببَيعته لشديد. قال: فلما أتيتُهم قالوا: جِئناك نَسْتصرخك على دم عُثمان قُتل مظلوماً. قال: فقلت: يا أم المؤمنين أنشدك الله أقلتُ لك: مَن تأمريني به وتَرضينه لي فقلت: عليّ قالت: بلى ولكنه بَدّل. قلتُ: يا زُبير يا حواريّ رسول الله ويا طَلحة نَشْدتكما بالله قلتُ لكما: مَن تأمراني به وتَرْضيانه لي فقلتما عليّ قالا: بلى ولكنه بدّل. قال: والله لا أقاتلكم ومعكم أمّ المؤمنين ولا أقاتل عليّا ابن عم رسول الله ﷺ ولكنْ اختاروا مني إحدى ثلاث خصال: إما أن تفتحوا لي باب الجسرِ فألحق بأرض الأعاجم حتى يَقضي الله من أمره ما يقضي وإمَا أن ألحق بمكة فأكَون بها أو أتحوّل فأكون قريبا قالوا: نَأتمر ثم نُرسل إليك. قال: فأتمروا وقالوا: نَفتح له باب الجسر فيلحق به المُفارق والخاذل أو يلحق بمكة فيَفْحشكم في قُريش ويُخبرهم بأخباركم اجعلوه هاهنا قريباً حيث تَنظُرون إليه. فاعتزل بالجَلحاء من البَصرة على فرسخين واعتزل معه زهاء ستة آلاف من بني تميم.
مقتل طلحة
أبو الحسن قال: كانت وقعة الجَمل يوم الجُمعة في النَصف من جُمادى الآخرة التَقوا فكان أوَلَ مَصْروع فينا طلحةُ بن عُبيد الله أتاه سَهمُ غَرْب فأصاب رُكبتَه فكان إذا أمسكوه فَتر الدم وإذا تَركوه انفجر فقال لهم: اتركوه فإنما هو سهم أرسله الله. حمّاد بن زيد عن يَحيى بن لسَعيد قال: قال طلحةُ يوم الجمل: نَدمتُ ندامةَ الكُسعي لما طلبتُ رضَا بني حَزم بزَعمِي اللهم خُذ مني لعثمان حتى يَرضى. ومن حديث أبي بكر بن أبي شَيبة قال: لما رأى مروانُ بن الحكم يوم الجمل طلحة بن عُبيد الله قال: لا أنتظر بعد اليوم بثأري في عُثمان فانتزع له سهماً فقَتله. ومن حديث سُفيان الثّوري قال: لما انقضى يومُ الجمل خرج علي بن أبي طالب في ليلة ذلك اليوم ومعه مولاه وبيده شَمعة يتصفّح وجوه القتلى حتى وَقف على طلحة بن عُبيد الله في بَطن وادٍ مُتعفّراً فجعل يمسح الغبار عن وجهه وبقول: أعزِزْ علي يا أبا محمد أن أراك متعفراً تحت نجوم السماء وفي بطون الأودية إنا لله وإنا إليه راجعون. شَقيت نفسي وقَتلتُ معشري إلى اللهّ أشكو عُجَري وبُجري. ثم قال: واللهّ إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله فيهم: " ونَزَعنا ما في صُدورهم من غِلٍ إخوانَاً عَلَى سُرُرٍ مُتقابِلين " وإذا لم نكن نحن فمَن هم أبو إدريس عن ليث بن طَلحة عن مُطَرف: أن عليّ بن أبي طالب أجلس طلحةَ يوم الجمل ومَسح الغُبار عن وجهه وبَكى عليه. ومن حديث سًفيان: أنَ عائشة بنت طلحة كانت ترى في نَومها طلحةَ وذلك بعد موته بعشرين يوماً فكان يقول لها: يا بُنية أخرجيني من هذا الماء الذي يُؤذيني. فلما انتبهت من نَومها جَمعت أعوانَها ثم نَهضت فنَبشته فوجدته صَحيحاً كما دُفنِ لم تَنْحَسر له شعرة وقد اخضر جَنبه كالسَّلق من الماء الذي كان يسيل عليه فلفته في الملاحف واشترت له عَرصة بالبَصرة فدفنته فيها وبَنت حوله مسجدا. قال: فلقد رأيتُ المرأة من أهل البَصرة تُقبل بالقارورة من البان فتصبّها على قبره حتى تُفرغها فلم يَزلن يَفعلن ذلك حتى صار تراب قَبره مِسْكا أذفر. ومن حديث الخُشني قال: لما قُتل طلحة بن عُبيد اللهّ يوم الجمل وجدوا في تَركته ثلثمائة بُهار من ذَهب وفضّة. والبُهار: مِزْود من جلد عِجل. وقع قومٌ في طلحة عند عليّ بن أبي طالب فقال: أما والله لئن قُلتم فيه إنه لكما قالِ الشاعر: فتَى كان يُدْنيه الغِنَى من صَديقه إذا ما هو استغنى وُيبعده الفَقْرُ كأنَ الثّريّا عُلِّقت في يَمينه وفي خَدِّه الشِّعري وفي الآخرَ البَدْر شَريك عن الأسود بن قيس قال: حدّثني مَن رأى الزُبير يوم الجمل يَقْعص الخيل بالرُّمح قَعصا فنوِّه به علي: أيا عبد الله أتذكر يوماً أتانا النبيُ ﷺ وأنا أناجيك فقال: أتناجيه! والله ليُقاتلنَك وهو ظالم لك. قال: فصرَف الزُبير وَجْه دابّته وانصرف. قال أبو الحُسن: لما انحاز الزُّبير يومَ الجمل مر بماء لبني تَميم فقيل للأحنف بن قيس: هذا الزُّبير قد أقبل. قال: وما أصنع به أن جَمع بين هذين الغَزِيَّيْن وتَرك الناس وأقبل - يريد بالغَزييْن المُعسكرين - وفي مجلسه عمرو بن جُرموز المجاشعيّ فلما سمع كلامَه قام من مجلسه واتبعه حتى وجده بوادي الطباع نائماً فقَتله وأقبل برأسه على عليّ بن أبي طالب. فقال عليّ: أبْشر بالنار سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: بشروا قاتل الزّبير بالنار. فخرج عمرو بن جُرموز وهو يقول: أتيتُ عليَّا برأس الزُبير وقد كنتُ أحسبها زُلْفَه فبشِّر بالنار قَبل العِيان فبئس بشارة ذي التّحفه ومن حديث ابن أبي شيبة قال: أقبل رجلٌ بسيف الزّبير إلى الحسن بن علي فقال: لا حاجة لي به أدخله إلى أمير المؤمنين. فدخل به إلى عليّ فناوله إياه وقال: هذا سيفُ الزّبير. فأخذه عليّ فنظر إليه مليّا ثم قال: رَحم الله الزبير لطالما فَرَّج به الكُرب عن وجه رسول الله ﷺ غَدر ابن جُرْموز بفارس بُهْمةٍ يومَ الهِياج وكان غيرَ مُعَدََّدِ يا عمرو لو نبَّهته لوجدته لا طائشاً رَعِش الْجَنان ولا اليَدْ ثَكِلْتك أمك أن قَتلت لمُسلما حلت عليك عُقوبة المتعمد وقال جرير يَنعي على ابن مُجاشع قتلَ الزبير رضي الله تعالى عنه: إني تُذكِّرني الزبيرَ حمامةٌ تَدعو ببَطن الواديين هَدِيلا قالت قُريش ما أذلَّ مُجاشعاً جاراً وأكرمَ ذا القتيلَ قَتيلا لو كُنتَ حرًّا يا بن قَين مُجاشعٍ شيعت ضَيفك فَرْسخاً أو مِيلاً أفبعد قَتْلكم خليلَ محمدٍ تَرْجو القُيون مع الرسول سَبِيلا هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير قال: دعاني أبي يومَ الجمل فقمتُ عن يمينه فقال: إنه لا يُقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم وما أراني إلا سأقتل مظلوما وإن أكبر همّي دَيني فبع مالي ثم اقض ديني فإِن فَضل شيء فثُلثه لولدك وإن عجزتَ عن شيء ما بُني فاستعِن مولاي. قلت: ومن مولاك يا أبت قال: الله. قال عبدُ الله بن الزبير: فوالله ما بقيتُ بعد ذلك في كُربة من دَينه أو عُسرة إلا قلت: يا مولى الزبير اقض عنه دينه فيقضيَه. قال: فقُتل الزبير ونظرتُ في دَينه فإذا هو ألفُ ألف ومائة ألف. قال: فبِعت ضَيعهً له بالغابة بألف ألف وستمائة ألف ثم ناديتُ: مَن كان له قِبل الزّبير شيء فليأتنا نقضِه. فلما قضيتُ دينَه أتاني إخوتي فقالوا: أقسم بيننا ميراثَنا. قلت: والله لا أقسم حتى أنادي أربعَ سنين بالمَوْسم: من كان له على الزبير شيء فليأتنا نَقْضِه. قال: فلما مَضت الأربع السنين أخذت الثّلث لولدي ثم قسمتُ الباقي. فصار لكل امرأة من نسائه - وكان له أربع نسوة - في ربع الثمن ألف ألف ومائة ألف. فجميع ما تَرك مائة ألف ألف وسبعمائة ألف ألف. ومن حديث ابن أبي شَيبة قال: كان علي يُخرج مُناديه يوم الجمل يقول: لا يُسلبن قتيل ولا يُتْبع مُدْبر ولا يجهز على جَريح. قال: وخرج كعب بن ثَور من البصرة قد تقلّد المُصحف في عُنقه فجعل يَنْشره بين الصّفين ويُناشد الناس في دِمائهم إذ أتاه سَهم فقَتله وهو في تلك الحال لا يدري مَن قتله. وقال في بن أبي طالب يوم الجمل للأشتر وهو مالك بن الحارث وكان الميمنة: أحمل. فحمل فكَشف من بإزائه. وقال لهاشم بن عُقْبة أحد بني زُهرة بن كِلاب وكان على المَيسرة: احمل. فحمل فكَشف من بإزائه. فقال علي لأصحابه: كيف رأيتم مَيسرتي ومَيمنتي!
من حديث الجمل
الخُشني عن أبي حاتم الجّستاني قال: أنشدني الأصمعي عن رجل شَهد الجملَ يقول: شهدتُ الحُروب وشيبنيِ فلم تر عيني كيوم الجَملْ اضرّ على مُؤمنٍ فِتنةً وأفتك منه لِخرْق بَطل فليت الظّعينةَ في بيتها وليتك عَسكرُ لم تَرْتحل ابن مُنْيَة وَهبه لعائشة وجعل له هَوَدجاً من حديد وجَهز من ماله خَمسمائة فارس بأسلحتهم وأزودتهم. وكان أكثرَ أهل البصرة مالاً. وكان عليّ بن أبر طالب يقول: بُليت بأنَضّ الناس وأنطق الناس وأطوع الناس في الناس. يُريد بأنَض الناس: يَعلَى بن مُنْية وكان أكثرَ الناس ناضا ويريد بأنطق الناس: طَلحة بن عُبيد الله وأطوع الناس في الناس عائشةَ أم المؤمنين. أبو بكر بن أبي شيبة عن مَخْلد بن عُبيد الله عن التَّميمي قال: كانت رايةُ علي يومَ الجمل سوداء وراية أهل البصرة كالجَمل. الأعمش عن رجل سمّاه قال: كنتُ أرى عليًّا يومَ الجمل يَحمل فيضرب بسَيفه حتى يَنثني ثم يَرجع فيقول: لا تلوموني ولُوموا هذا ثم يعود ويُقوَمه. ومن حَديث أبي بكر بن أبي شَيبة قال: قال عبد الله بن الزبير: التقيتُ مع الأشتر يوم الجمل فما ضرَبتُه ضربةً حتى ضَربني خمسة أو ستة ثم جَرّ برجلي فألقاني في الخَندق وقال: والله لولا قُربُك من رسول الله ﷺ ما اجتمع فيك عُضو إلى آخر. أبو بكر بن أبي شَيبة قال: أعطت عائشة الذي بَشَّرها بحياة ابن الزُّبير إذ التقى مع الأشتر يوم الجمل أربعة آلاف. سعيدُ عن قَتادة قال: قُتل يوم الجمل مع عائشة عشرون ألفاً منهم ثمانمائة من بني ضبة. وقالت عائشةُ: ما أنكرتُ رأس جَملي حتى فقدتُ أصواتَ بني عديّ. وقُتل من أصحاب عليّ خمسمائة رجل لم يُعرف منهم إلا عِلْباء بن الهيثم وهِند الجملّي قَتلهما ابن اليَثربيّ وأنشأ يقول: إِني لِمَن يَجهلني ابن اليَثرُبي قتلتُ عِلْباءَ وهِنْد الجَملي عبدُ الله بن عَوْن عن أبي رجَاء قال: لقد رأيت الجَمل حينئذ وهو كظهر القُنفذ من النَبل ورجلٌ من بني ضَبًّة أخذ بخُطامه وهو يقول: نحنُ بنو ضَبَّة أصحابُ الجملْ الموتُ أحلى عندنا من العَسلْ نَنْعَي ابن عَفان بأطراف الأسَلْ غندَر قال: حَدثنا شعبة بن عمرو بن مُرة قال: سمعت عبد الله بن سَلمة وكان مع في بن أبي طالب يوم الجمل والحارثَ بن سُويد وكان مع طَلحة والزُّبير وتذاكرا وقعة الجمل فقال الحارث بن سُويد: والله ما رأيتُ مثلَ يوم الجمل لقد أشرعوا رِماحَهم في صُدورنا وأشرعنا رماحَنا في صُدورهم ولو شاءت الرجال أن تَمشي عليها لمشت يقول هؤلاء: لا إله إلا الله والله أكبر ويقول هؤلاء: لا إله إلا الله والله أكبر فوالله لَوددتُ أني لم أشهد ذلك اليوم وأني أعمى مَقطوعُ اليدين والرِّجلين. وقال عبدُ الله بن سَلمة: والله ما يُسرّني أني غِبْتُ عن ذلك اليوم ولا عن مَشهد شَهِدَه عليّ بن أبي طالب بحُمر النَّعم. علي بن عاصم عن حُصين قال: حدّثني أبو جُميلة البكّاء قال: إني لفي الصَف مع علي بن طالب إذ عُقر بأم المُؤمنين جملُها فرأيتُ محمدَ بن أبي بكر وعمار بن ياسر يشتدّان بين الصَفين أيهما يَسبق إليها فقَطعا عارضة الرّحل واحتملاها في هَودجها. ومن حديث الشَعبي قال: مَن زَعم أنه شهد الجمل من أهل بَدر إلا أربعةٌ فكذبه كان عليّ وعمار في ناحية وطَلحة والزُبير في ناحية. أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدَثني خالدُ بن مَخلد عن يعقوب عن جَعفر بن أبي المُغيرة عن ابن أبْزَى قال: انتهى عبد الله بن بُديل إلى عائشة وهي في الهَوْدج فقال: يا أم المؤمنين أنشدُك باللهّ أتعلمين أني أتيتُكِ يَومَ قُتل عثمان فقلتُ لك: إن عثمان قد قُتل فما تأمرينني به. فقلتِ لي: الزم عليّا فوالله ما غير ولا بدَّل. فسكتت. ثم أعاد عليها. فسكتت. ثلاثَ مرات. فقال: اعقِروا الجَمل فعَقروه. فنزلتُ أنا وأخوها محمد بن أبي بكر فاحتملنا الهودَج حتى وَضعناه بين يدي علي فسُرّ به فأدخل في منزل عبد الله بن بُديل. وقالوا: لما كان يومَ الجَمل ما كان وظَفِر عليُّ بن أبي طالب دنا من هَودج عائشة فكلّمها بكلام. فأجابته: ملكتَ فأسْجع. فجهَّزَها عليّ بأحسن الجِهَاز وبَعث معها أربعين امرأة - وقال بعضُهم: سبعين امرأة - حتى قَدِمَت المدينة. عكرمةُ عن ابن عباس قال: لما انقضى أمرُ الجمل دعا علي بن أبي طالب بآجرتين فعلاهما فَحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أنصارَ المرأة وأصحابَ البَهيمة رَغا فجئتُم وعُقر فهُزمتم نَزلتم شرَّ بلاد أبعدها من السماء بها مَغيض كل ماء ولها شرُّ أسماء هي البَصرة والبُصيرة والمُؤتفكة وتَدْمر أين ابن عباس قال: فدُعيت له من كل ناحية فأقبلت إليه فقال: ائت هذه المرأة فَلْترجع إلى بيتها الذي أمرها الله أن تَقَر فيه. قال: فجئتُ فاستأذنتُ عليها فلم تَأذن لي فدخلتُ بلا إذن ومَددت يدي إلى وِسادة في البيت فجلستُ عليها. فقالت: تالله يا بن عباس ما رأيتُ مثلك! تَدخل بيتَنا بلا إذننا وتجلس على وسادتنا بغير أمرنا. فقلت: والله ما هو بيتُكِ ولا بيتُكِ إلا الذي أمرك الله أن تَقرِّي فيه فلم تَفعلي إن أمير المؤمنين يأمرك أن تَرجعي إلى بلدك الذي خرجتِ منه. قالت: رحم الله أميرَ المؤمنين ذاك عمرُ بن الخطّاب. قلتُ: نعم وهذا أميرُ المؤمنين عليُّ بن أبي طالب. قالت: أبيتُ أبيت. قلت: ما كان إباوك إلا فُوَاقَ ناقة بكيئة ثم صرتِ ما تُحْلِينَ ولا تُمرِّين ولا تَأمرين ولا تَنْهين. قال: فبكت حتى علا نشيجًها. ثم قالت: نعم أرجعُ فإن أبغض البلدان إلي بلدٌ أنتم فيه. قلت: أما والله ما كان ذلك جزاؤُنا منك إذ جَعلناك للمُؤمنين أمًّا وجعلنا أباك لهم صِدِّيقاً. قال: أتمُنُّ فيَ برسول الله يا بن عباس قلتُ: نعم نمنّ عليك بمن لو كان منكِ بمنزلته منَا لمننتِ به علينا. قال ابن عبّاس: فأتيتُ عليًّا فأخبرتُه فقبّل بين عينيَّ وقال: بأبي ذريَّة بعضا من بعض والله سميع عليم. ومن حديث ابن أبي شَيبة عن ابن فًضيل عن عَطاء بن السائب: أن قاضيا من قُضاة أهل الشام أتى عمرَ بن الخطاب فقال: يا أميرَ المؤمنين رأيتُ رؤيا أفْظعتني. قال: وما رأيتَ قال: رأيتُ الشمس والقمر يَقتتلان والنجومَ معهما نصفين. قال: فمع أيهما كنتَ قال: مِع القمر على الشمس. قال عمرُ بن الخطاب: " وجعلنا اللَيل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آيةَ النهار مبصرة " فانطلِقْ فوالله لا تَعمل لي عملاً أبداً. قال: فبلغني أنه قُتل مع مُعاوية بصفين. أبو بكر بن أبي شَيبة قال: أقبل سُليمان بن صرُد وكانت له صُحبة مع النبي ﷺ إلى علي بن أبي طالب بعد وقعة الجمل فقال له: تنأنأت وتَزحزحت وتربّصت فكيف رأيت الله صنَع قال: يا أمير المؤمنين إنّ الشوط بَطِين وقد بقي من الأمور ما تَعرف به عدوك من صَديقك. وكتب عليُّ بن أبي طالب إلى الأشعث بن قيس بعد الجَمل وكان والياً لعثمان على أذْرَبيجان: سلامٌ عليك أما بعد. فلولا هَنات كنّ منك لكنت أنت المُقدم في هذا الأمر قبل الناس ولعل أمركَ يحمل بعضُه بعضاً إن اتقيتَ الله وقد كان من بَيعة الناس إِيَّاي ما قد بَلغك وقد كان طلحةُ والزبير أولَ من بايعني ثم نَكثا بيعتي من غير حَدَث ولا سَبب وأخرجا أمَّ المؤمنين فساروا إلى البَصرة وسرتُ إليهِم فيمن بايعني من المُهاجرين والأنصار فالتقينا فدعوتهم إلى أن يَرجعوا إلى ما خَرجوا منه فأبوْا فأبلغتُ في الدُعاء وأحسنتُ في البُقيا وأمرتُ ألا يُذفّ على جريح ولا يُتبع مُنهزم ولا يُسلب قَتيل ومَن ألقى سلاحَه وأغلق بابه فهو آمن. واعلم أن عملك ليس لك بطُعْمة إنما هو أمانة في عُنقك وهو مال من مال الله وأنت من خُزَاني عليه حتى تُؤديه إليّ إن شاء الله ولا قُوةَ إلا بالله. فلما بلغ الأشعث كتابُ عليّ قام فقال: أيها الناس إن عثمان بن عفان ولّاني أذربيجان فهلك وقد بقيتْ في يدي وقد بايع الناسُ عليًّا وطاعتُنا له واجبة وقد كان من أمره وأمر عدوّه ما كان وهو المأمون على مَن غاب من ذلك المَجْلس ثم جلس.
قولهم في أصحاب الجمل
أبو بكر بن أبي شَيبة قال: سُئل علي عن أصحاب الجمل: أمشركون هم قال: من الشّرَك فَروا. قال: فَمنافقون هم قال: إن المنافقين لا يَذكرون الله إلا قليلاً. قال: فما هم! قال: إخوانُنا بَغَوْا علينا. ومَر علي بقتلى الجمل فقال: اللهم اغفر لنا ولهم ومعه محمدُ بن أبي بكر وعمار بن ياسر فقال أحدُهما لصاحبه: أما تسمع ما يقول! قال: اسكت لا يَزيدك. وكيع عن مِسْعَر عن عبد الله بن رَباح عن عمار قال: لا تقولوا: كَفر أهل الشام ولكن قُولوا: فَسقوا وظَلموا. وسُئل عمار بن ياسر عن عائشة يوم الجمل فقال: أما والله إنا لنعلم أنها زوجتُه في الدُنيا والآخرة ولكنّ الله ابتلاكم بها ليعلم أتتبعونه أم تَتبعونها. وقال عليُّ بن أبي طالب يومَ الجمل: إن قوماً زَعموا أن البَغي كان منّا عليهم وزَعمنا انه منهم علينا وإنما اقتتلنا على البَغي ولم نقتتل على التَّكفير. أبو بكر بن أبي شَيبة قال: أول ما تكلمت به الخوارجُ يومَ الجمل قالوا: ما أحلَّ لنا دماءَهم وحرّم علينا أموالهم! فقال عليّ: هي السنة في أهل القِبلة. قالوا: ما نَدري ما هذا قال: فهذه عائشةُ رأس القوم أتتساهمون عليها! قالوا: سُبحان الله! أمنا. قال: فهي حَرام قالوا: نعم. قال: فإنه يَحرم من أبنائها ما يَحرم منها. قال: ودخلتْ أم أوفى العَبْدية على عائشة بعد وَقعة الجمل فقالت لها: يا أمّ المؤمنين ما تقولين في امرأةٍ قَتلت ابناً لها صغيراً قالت: وَجبت لها النار. قالت: فما تقولين في امرأة قتلت من أولادها الأكابر عشرين ألفاً في صَعيد واحد قالت: خُذوا بيد عدوّة الله. وماتت عائشةً في أيام مُعاوية وقد قاربت السبعين. وقيل لها: تُدفنين مع رسول الله ﷺ قالت: لا إني أحدثت بعده حَدثاً فادفِنُوني مع إخوتي بالبقيع. وقد كان النبي ﷺ قال لها: يا حُميراء كأني بك تَنْبحك كِلابُ الحُوّب تقاتلين علياً وأنت له ظالمة. والحُوب بضم الحاء وتثقيل الواو وقد زَعموا أن الحُوَّب ماء في في طريق البصرة. قال في ذلك بعضُ الشيعة: إني أدينُ بحُب آل محمدٍ وبَني الوَصيّ شهودِهم والغُيبِ وأنا البريء من الزُّبير وطَلحة ومِن التي نَبحت كلابُ الحُوّب
أخبار علي ومعاوية
كتب عليّ بن أبي طالب إلى جرير بن عبد الله وكان وجهّه إلى مُعاوية في أخذ بيعته فأقام عنده ثلاثة أشهر يُماطله بالبيعة فكتب إليه عليّ: سلام عليك فإذا أتاك كتابي هذا فَاحمل مُعاوية على الفَصل وخَيَره بين حرب مَجْلية أو سَلم مَحظية. فإن اختار الحربَ فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يُحب الخائنين وإن اختار السلم فخُذ بَيعته وأقبل إلي. وكتب عليّ إلى معاوية بعد وقعة الجمل: سلام عليك. أما بعد. فإن بَيعتي بالمدينة لزمتْك وأنت بالشام لأنه بايعني الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بويعوا عليه. فلم يكن للشاهد أنْ يختار ولا للغائب أن يردّ وإنما الشُورى للمهاجرين والأنصار فإذا اجتمعوا على رجل وسمّوه إماماً كان ذلك لله رضاً وإن خَرج عن أمرهم خارجٌ ردّوه إلى ما خَرج عنه فإن أبى قاتلوه على أتباعه غيرَ سبيل المؤمنين وولّاه الله ما تولّى وأصلاه جهنم وساءت مَصيراً. وإن طلحةَ والزُبير بايعاني ثم نَقضا بيعتهما وكانَ نَقضُهما كردَتهما فجاهدتُهما بعد ما أعذرت إليهما حتى جاء الحقُّ وظَهر أمرُ الله وهم كارهون. فادخُل فيما دَخل فيه المسلمون فإنَ أحب الأمور إليّ قَبولُك العافية. وقد أكثرتَ في قتلة عثمان فإن أنت رجعتَ عن رأيك وخلافك ودخلتَ فيما دخل فيه المسلمون ثم حاكَمت القوْمَ إلي حملتُك وإياهم على كتاب الله. وأما تلك التي تُرِيدها فهي خُدعة الصّبي عن اللبن. ولَعمي لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدنَي أبرأ قُريش من دم عثمان. واعلم أنك من الطُّلقاء الذين لا تَحل لهم الخلافة ولا يدخلون في الشُّورى وقد بعثتُ إليك وإلى مَن قبلك جَريرَ بن عبد الله وهو من أهل الإيمان والهِجرة فبايعْه ولا قُوة إلا باللهّ. فكَتب إليه معاوية: سلام عليك. أما بعد فلَعمري لو بايعك الذين ذكرتَ وأنت بريء من دم عثمان لكنتَ كأبي بكر وعمر وعثمان ولكنَك أغريتَ بدم عثمان وخَذلت الأنصار فأطاعك الجاهلُ وقوي بك الضعيف. وقد أبي أهلُ الشام إلا قتالَك حتى تَدفع إليهم قتلَة عثمان فإن فعلتَ كانت شورى بين المسلمين. وإنما كان الحجازيون هم الحكام على الناس والحق فيهم فلما فارقوه كان الحُكَام على الناس أهلُ الشام. ولَعمري مَا حُجَّتك على أهل الشام كحجتك على أهل البَصرة ولا حُجَّتك عليّ كحُجتك على طلحة والزُّبير إن كانا بايعاك فلم أبايعك أنا. فأما فضلك في الإسلام وقرابتُك من رسول الله ﷺ فلسْتُ أدفعه. فكتب إليه عليٌّ: أما بعد. فقد أتانا كتابُك كتابُ امرىء ليس له بصرٌ يهديه ولا قائد يُرشده دعاه الهوى فأجابه وقاده فاتبعه. زعمتَ أنك إنما أفسد عليك بَيعتي خُفُوري لعثمان. ولَعمري ما كنتُ إلا رجلاً من المهاجرين أوردت كما أوردوا وأصدرتُ كما أصدروا. وما كان الله ليجمعهم على ضَلالة ولا ليضربهم بالعَمى. وما أمرتُ فلزمَتْني خَطيئةُ الأمر ولا قتلتُ فأخاف على نَفسي قِصاص القاتل. وأما قولُك إن أهل الشام هم حُكام أهل الحجاز. فهات رجلاً من أهل الشام يُقبَل في الشورى أو تحلّ له الخلافة فإن سَمَّيتَ كَذَّبك المهاجرون والأنصار. ونحن نأتيك به من أهل الحجاز. وأما قولُك: ادفعِ إليّ قتلة عثمان. فما أنت وذاك وهاهنا بنو عثمان وهم أولى بذلك منك. فإن زعمت أنك أقوى على طلب دم عثمان منه فارجع إلى البيعة التي لزمتْك وحاكم القومَ إليّ. وأما تمييزك بين أهل الشام والبَصرة وبينك وبين طلحة والزبير. فلعمري ما الأمر هناك إلا واحد لأنها بيعة عامة لا يتأتىّ فيها النظر ولا يُستأنف فيها الخيار. وأما قرابتي من رسول الله ﷺ وقِدمِي في الإسلام فلو استَطعت دفعَه لدفَعتَه. وكتب معاويةُ إلى علي: أما بعد. فإِنك قتلتَ ناصرَك واستنصرت واترَك. فوايم الله لأرْمينّك بشهاب تُزكيه الريح ولا يُطفئه الماء. فإذا وقع وَقب وإذا مسّ ثَقب فلا تحسبَنّي كسُحيم أو عبد القيس أو حُلوان الكاهن. فأجابه عليّ: أما بعد. فوالله ما قَتل ابن عمّك غيرُك! أني أرجو أن ألحقك به على مثل ذَنبه وأعظِم من خطيئته. وإن السيف الذي ضربتُ به أهلَك لمعي دائم. واللهّ ما استحدثْت ذنباً ولا استبدلت نبيّا وإني على المِنْهاج الذي تركتُموه طائعين وأدخلتم فيه كارهين. وكتب معاوية إلى علي بن أبي طالب: أما بعد. فإن الله اصطفى محمداً وجعله الأمين علَى وحيه والرسول إلى خَلقه واختار له من المسلمين أعواناً أيّده بهم وكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائِلهم في الإسلام فكان أفضلَهم في الإسلام وأنصحَهم لله ولرسوله الخليفةُ وخليفةُ الخليفة والخليَفة الثالث فكلّهم حسدْتَ وعلى كُلهم بَغيتَ. عَرفنا ذلك في نظرك الشَزْر وتنفُسك الصُعداء وإبطائك على الخُلفاء وأنت في كل ذلك تُقاد كما يُقاد البعير المَخْشوش حتى تُبايع وأنت كاره. ولم تكن لأحد منهم أشدَّ حسداً منك لابن عمك عثمان وكان أحقَّهم أن لا تفعل ذلك في قَرابته وصِهْره. فقطعتَ رحمه وقبَّحت محاسنه وألَّبت عليه الناس حتى ضُربت إليه آباطُ الإبل وشُهر عليه السلاح في حَرم الرسول فقُتل معك في المحلّة وأنت تسمعِ في داره الهائعة لا تُؤَدّي عن نفسك في أمره بقَوْلِ ولا فعل برّ. أقسم قسماً صادقاً لو قصتَ في أمره مقاماً واحداً تنهينّ الناس عنه ما عَدل بك ممن قَبِلنا من الناس أحد ولمَحا ذلك عنك ما كانوا يَعرفونك به من المجانبة لعثمان فهم بطانتك وعَضدك وأنصارك. فقد بَلغني أنك تَنتفي من دمه فإن كنت صادقاً فادفع إلينا قتلَته نَقتلهم به ثم نحن أسرعُ الناس إليك وإلا فليس لك ولا لأصحابك عندنا إلا الصيف. والذي نفسُ معاوية بيده لأطلبنَّ قتلةَ عثمان في الجبال والرّمال والبَرّ والبَحر حتى نقتلهم أو تَلحقَ أرواحُنا بالله. فأجابه عليّ: أما بعد. فإِنّ أخا خَوْلان قَدِم علي بكتاب منك تَذكر فيه محمداً ﷺ وما أنعم الله به عليه من الهُدى والوَحْي. فالحمدُ للهّ الذي صَدقه الوعد وتَمَّم له النصر ومكّنه في البلاد وأظهره على الأعادي من قومه الذين أظهروا له التَّكذيب ونابذوه بالعداوة وظاهروا على إخراجه وإخراج أصحابه وألَبوا عليه العرب وحَزّبوا الأحزاب حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون. وذكرتَ أن اللهّ اختار من المسلمين أعوانَاً أيّده بهم فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام فكان أفضلَهم في الإسلام وأنصحَه لله ولرسوله الخليفةُ من بعده. ولعمري إن كان مكانُهما في الإسلام لعظيما وإن كان المُصاب بهما لجُرْحا في الإسلام شديداً فرحمهما الله وغَفر لهما. وذكرتَ أن عثمان كان في الفَضل ثالثاً فإنْ كان مُحسناً فسيلقىِ رباً شكوراً يُضاعف له الحسنات ويَجزيه الثوابَ العظيم وإن يك مُسيئاً فسيلقى رباً غفوراً لا يَتعاظمه ذنبٌ يغفره. ولعمري إني لأرجو إذا الله أعطى الأسْهم أن يكون سَهْمُنا أهلَ البيت أوفَر نصيب. وايم الله ما رأيتُ ولا سمعتُ بأحد كان أنصحَ لله ورسوله ولا أنصحَ لرسول اللهّ في طاعة الله ولا أصبر على البلاء والأذى في مواطن الخوف مِن هؤلاء النفر من أهل بيته الذي قُتلوا في طاعة الله: عُبيدة بن الحارث يوم بدر وحمزة بن عبد المطلب يوم أُحد وجعفر وزيد يوم مُؤتة. وفي المهاجرين خير كثير جزاهم الله بأحسن أعمالهم. وذكرتَ إبطائي عن الخلفاء وحسدي إياهم والبَغي عليهم. فأما البغي فمعاذَ الله أن يكون. وأما الكَراهة لهم فوالله ما اعتذر للناس من ذلك. وذكرتَ بَغْيي على عثمان وقَطْعي رحمه فقد عمل عثمان بما قد علمتَ وعَمل به الناسُ ما قد بلغك. فقد علمتَ أني كنتُ من أمره في عُزلة إلا أن تجنَّى فتجنَ ما شئتَ وأما ذِكْرك قَتلةَ عثمان وما سألتَ من دفعهم إليك فإني نظرتُ في هذا الأمر وضربت أنفَه وعَينَه فلم يَسعني دَفْعهُم إليك ولا إلى غيرك وإن لم تَنْزع عن غَيك لنعرفنك عما قليل يطلبونك ولا يكلفونك أن تَطلبهم في سَهل ولا جَبل ولا بَرّ ولا بحر. وقد كان أبوك أبو سفيان أتاني حين قُبض رسولُ الله ﷺ فقال: ابسط يدَك أبايعك فأنت أحقُّ الناس بهذا الأمر. فكنتُ أنا الذي أبيت عليه مخافةَ الفُرقة بين المسلمين لقُرب عهد الناس بالكفر. فأبوك كان أعلَمَ بحقَي منك وإن تعرف من حقَي ما كان أبوك يعرفه تُصِب رشْدك وإلا فنَستعين الله عليك. وكتب عبدُ الرحمن بن الحكم إلى معاوية: ألا أبْلغ مُعاويةَ بنَ حَرْب كتاباً من أخِي ثِقَةٍ يَلومُ فإنَك والكتابَ إلى علَيٍّ كدابغةٍ وقد حَلِم الأدِيم