☰ جدول المحتويات
القواد الذين أقبلوا إلى عثمان
الأصمعي عن أبي عَوانة قال: كان القواد الذين أقبلوا إلى عثمان: عَلقمة ابن عثمان وكِنانة بن بِشْر وحَكيم بن جَبلة والأشتر النَّخعيّ وعبدُ الله بن بُديل. وقال أبو الحسن: لما قدم القواد قالوا لعليّ: قُم معنا إلى هذا الرجل. قال: لا واللهّ لا أقوم معكم. قالوا: فلم كتبتَ إلينا قال: والله ما كتبتُ إليكم كتاباً قط. قال: فنظر القوم بعضُهم إلى بعض وخرج عليّ من المدينة. الأعمش عن عُيينة عن مَسروق قال: قالت عائشة: مُصْتموه مَوْص الإناء حتى تركتموه كالثَّوب الرَّحيض نقيًّا من الدنس ثم عَدوتم فقتلتموه! فقال مَرْوان: فقلت لها: هذا عَملك كتبتِ إلى الناس تأمرينهم بالخروج عليه. فقالت: والذي آمن به المُؤمنون وكَفر به الكافرون ما كَتبتُ إليهم بسواد في بَياض حتى جلستُ في مجلسي هذا. فكانوا يَرَون أنه كُتب على لسان عليّ وعلى لسانها كما كُتب أيضاً على لسان عثمان مع الأسود إلى عامل مصر. فكان اختلاف هذه الكتب كلها سبباً للفتنة. وقال أبو الحسن: أقبل أهلُ مصر عليهم عبدُ الرحمن بن عُديس البَلويّ وأهلُ البصرة عليهم حَكيم بن جَبلة العَبدي وأهل الكوفة عليهم الأشتر - واسمه مالك بن الحارث النّخعي - في أمر عُثمان حتى قَدِموا المدينة. قال أبو الحسن: لما قدم وفدُ أهل مصر دخلوا على عُثمان فقالوا: كتبتَ فينا كذا وكذا قال: إنما هما اثنتان أن تُقيموا رجلين من المسلمين أو يَميني بالله الذي لا إله إلا هو ما كتبتُ ولا أمْليت ولا عَلِمت وقد يُكتب الكتاب على لسان الرجل ويُنقش الخاتَم على الخاتم. قالوا: قد أحلّ الله دمَك وحَصروه في الدار. فأرسل عثمان إلى الأشتر فقال له: ما يريد الناسُ مني قال: واحدة من ثلاث ليس عنها بُدّ. قال: ما هي قال: يُخيّرونك بين أن تَخلع لهم أمرَهم فتقول: هذا أمركم فقفَدوه من شئتم وإما أن تقتصّ من نفسك فإن أبيتَ فالقوِم قاتلوك. قال: أما أن أخلع لهم أمرَهم فما كنتُ لأخلع سربالاً سربلنيه الله فتكون سُنةً مِن بعدي كلما كَره القوم إمامهم خَلعوه وأما أن أقتص من نفسي فوالله لقد علمتُ أن صاحبيّ بين يدي قد كانا يُعاقبان وما يقوى بدَني على القِصاص وأما أن تقتلوني فلئن قتلتموني لا تتحابّون بعدي أبداً ولا تُصلّون بعدي جميعاً أبداً. قال أبو الحسن: فوالله لن يزالوا على النَّوى جميعاً وإن قلوبهم مختلفة. وقال أبو الحسن: أشرف عليهم عثمان وقال: إنه لا يحِل سفك دم امرىء مُسلم إلا في إحدى ثلاث: كُفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان أو قَتل نَفس بغير نَفس فهل أنا في واحدة منهن فما وَجد القوم له جوابا. ثم قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن رسول الله ﷺ كان على حِراء ومعه تِسعة من أصحابه أنا أحدهم فتزلزل الجبلُ حتى همَّت أحجارُه أن تتساقط فقال: اسكُن حِراء فما عليك إلا نبيّ أو صدّيق أو شهيد قالوا: اللهم نعم. قال: شهدوا لي وربِّ الكعبة. قال أبو الحسن: أشرف عليهم عثمان فقال: السلامُ عليكم فيا ردّ أحدٌ عليه السلام. فقال: أيها الناس إن وجدتم في الحق أن تَضعوا رجلي في القَبر فضعُوها. فما وجد القومُ له جوابا. ثم قال: أستغفر الله إن كنت ظَلمتُ وقد غفرتُ إن كنت ظُلمت. يحيى بن سعيد عن عبد الله بن عامر بنِ ربيعة قال: كنتُ مع عثمان في الدار فقال: أعزم على كل مَن رأى أنّ لي عليه سمعاً وطاعة أن يكُف يدَه ويُلقى سلاحه. فألقى القومُ أسلحتَهم. ابن أبي عَروبة عن قتادة: إن زَيد بن ثابت دخل على عُثمان يومَ الدار فقالت: إن هذه الأنصار بالباب وتقول: إن شئتَ كُنَا أنصارَ الله مرّتين. قال: لا حاجة لي في ذلك كُفّوا. ابن أبي عَروبة عن يَعلى بن حَكيم عن نافع: إن عبد الله بن عمر لَبس دِرْعه وتقلّد سيفه يوم الدار فَعزم عليه عثمانُ أن يخرج ويَضع سلاحَه ويكفّ يده ففعل. محمد بن سيرين قال قال سَلِيط: نهانا عثمان عنهم ولو أذِن لنا عثمان فيم لضَربناهم حتى نُخرجهم من أقطارنا.
ما قالوا في قتلة عثمان
العُتبيّ قال: قال رجل من ليث: لقيتُ الزبيرَ قادماً فقلت: أبا عبد الله ما بالُك قال: مَطلوب مَغلوب يَغلبني ابني ويطلبني ذَنبي. قال: فقدمتُ المدينة فلقيتُ سعدَ بن أبي وقّاص فقلت: أبا إسحاق من قتل عثمان قال: قتله سيفٌ سلته عائشة وشَحذه طلحة وسمّه عليّ. قلت: فما حال الزُبير قال: أشار بيده وصَمت بلسانه. وقالت عائشة: قَتل الله مذمماً بسعيه على عثمان تريد محمداً أخاها وأهرق دمَ ابن بُديل على ضَلالته وساق إلى أعينَ بني تميم هواناً في بيته ورمى الأشتر بسهم من سهامه لا يُشوِي. قال: فما منهم أحد إلا أدركته دعوةُ عائشة. سفيان الثوري قال: لقي الأشترُ مَسروقاً فقال له: أبا عائشة ما لي أراك غَضبان على ربّك من يوم قُتل عثمان بن عفان لو رأيتَنا يوم الدار ونحن كأصحاب عِجل بني إسرائيل! وقال سعدُ بن أبي وقاص لعمار بن ياسر: لقد كنتَ عندنا من أفاضل أصحاب محمد حتى إذا لم يَبق من عمرك إلا ظِمء الحمار فعلتَ وفعلتَ يُعرّض له بقتل عثمان. قال عمار: أي شيء أحبُّ إليك مودةٌ عَلَى دَخَل أو هَجْر جميل قال: هَجْر جميل. قال: فللّه عليٌ ألاّ أكلمك أبدا. دخل المُغيرة بن شُعبة على عائشة فقالت: يا أبا عبد الله لو رأيتني يومَ الجمل وقد نفذتْ النِّصالُ هَوْدجي حتى وصل بعضُها إلى جِلْدي. قال لها المغيرة: وددتُ والله أن بَعضها كان قتلك. قالت: يرحمك الله ولم تقول هذا قال: لعلَها تكون كَفّارة في سَعْيك على عُثمان. قالت: أما والله لئن قلتَ ذلك لما عَلم الله أني أردتُ قتله ولكن علم الله أني أردتُ أن يُقاتَل فقوتلتُ وأردتً أن يُرمى فرُميت وأردت أن يعصى فعُصيت ولو علم مني أني أردتُ قتلَه لقُتلت. وقال حسان بن ثابت لعليّ: إنك تقول: ما قتلتُ عثمان ولكن خذلتُه ولم آمُر به ولكن لم أنه عنه فالخاذل شريك القاتل والساكتُ شريك القاتل. أخذ هذه المعنى كعبُ بن جُعيل التَّغلبي وكان مع معاوية يوم صِفّين فقال في عليّ بن أبي طالب: وما في علّي لمستحدِث مقالٌ سوى عَصْمه المُحْدِثينَا وإيثارِه لأهالي الذُنوب ورَفْع القَصاص عن القاتلينا إذا سِيل عنه زوى وجهه وعمى الجواب على السائلينا فليس براضٍ ولا ساخطٍ ولا في النُهاة ولا الآمرينا ولا هو ساهُ ولا سرَّه ولا آمن بعضَ ذا أن يكونا وقال رجل من أهل الشام في قَتل عثمان رضي الله تعالى عنه: خذلْته الأنصارُ إذ حَضر الموتُ وكانت ثِقاتِه الأنصارُ حُرْم بالبلاد من حُرم الله ووالٍ من الوُلاة وجار أين أهلُ الحَياء إذ مُنع الما ءَ فَدته الأسماعُ والأبصار مَن عَذيرى مِن الزُّبير ومِن طَ لحة هاجا أمراً له إعصار تَركوا النّاس دونهم عبرةُ العِجْ ل فشبّت وسطَ المدينة نار هكذا زاغت اليَهود عن الح ق بما زَخْرفت لها الأحبار ثم وافى محمدُ بن أبي بك رجهاراً وخَلْفه عَمّار وعليّ في بيته يسأل النا سَ ابتداء وعنده الأخبار باسطاً للتي يُريد يديه وعليه لسَكينة ووَقار يَرقُب الأمر أن يُزفّ إليه بالذي سببت له الأقدار قد أرى كثرةَ الكلام قبيحاً كُل قول يشينه إكثار وقال حسان يرثيِ عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه: مَن سرِّه الموتُ صِرْفاً لا مِزَاج له فَلْيأتِ مَأْسَدة في دارِ عُثمانا يا لي شِعْري ولي الطَّير تُخبرني ما كان شأنُ عليّ وابن عَفّانا لتسمعينّ وشيكا في ديارهمُ الله أكبر يا ثارات عثمانا ضحوا بأشمطَ عُنوانُ السُّجود به يًقطَع الليلَ تَسبيحاً وقرآنا
مقتل عثمان بن عفان
أبو الحسن عن مَسْلمة عن ابن عون: كان ممن نصر عُثمانَ سبعُمائة فيهم الحسنُ بن عليِّ وعبدُ اللهّ بن الزُبير. ولو تَركهم عثمانُ لضربوهم حتى أخرجوهم من أقطارها. أبو الحسن عن جُبير بن سِيرين قال: دخل ابن بُدَيل على عثمان وبيده سيف وكانت بينهما شَحناء فضربه بالسيف فاتقاه بيده فقَطعها فقال: أما إِنها أول كف خَطّت المُفَضَل. أبو الحسن قالت: يوم قُتل عثمان يقال له: يوم الدار. وأغلق على ثلاثة من القَتلى: غلام أسود كان لعثمان وكنانة بن بِشر وعُثمان. أبو الحسن قال: قال سلامة بن رَوْح الخُزاعي لعمرو بن العاص: كان بينكم وبين الفتنة فكسرتموه فما حَملكم على ذلك قال: أردنا أن نُخرج الحق من حَفيرة الباطل وأن يكون الناس في الحق سواء. عن الشّعبي قال: كتب عثمان إلى مُعاوية: أن أمدّني. فأمدّه بأربعة آلاف مع يزيد بن أسَد بن كرز البَجَليّ. فتلقاه الناس بقتل عثمان فانصرف فقال: لو دخلتُ المدينة وعثمان حيّ ما تركت بها مُختلفا إلا قتلتُه لأن الخاذل والقاتل سواء. قيس بن رافع قال قال زيدُ بن ثابت: رأيتُ عليّا مُضطجعاً في المسجد فقلت: أبا الحسن إن الناس يَرَوْن أنك لو شئت رددتَ الناس عن عثمان. فجلس ثم قال: والله ما أمرتُهم بشيء ولا دخلتُ في شيء من شأنهم. قال: فأتيتُ عثمان فأخبرتُه فقال: وحَرّق قيس عليّ البلا دَ حتى إذا اضطرمت أجذما الفضلُ عن كَثير عن سَعيد المَقبريٌ قال: لما حَضروا عثمان ومَنعوه الماء قال الزُّبير: وحِيلَ بينهم وبين ما يشتهون كما فُعل بأشياعهم من قَبل. ومن حديث الزُّهري قال: لما قَتل مُسلمُ بن عُقبة أهلَ المدينة يوم الحَرّة قال عبد الله بن عمر: بفعلهم في عُثمان ورب الكعبة. ابن سيرين عن ابن عباس قال: لو أمطرت السماء دماً لقَتْل عثمان لكان قليلاً له أبو سعيد مولى أبي حُذيفة قال: بَعث عثمانُ إلى أهل الكوفة: مَن كان يُطالبني بدينار أو دِرْهم أو لطمة فليأت يأخذ حقَه أو يتصدًق فإن الله يجزي المتصدقين. قال: فبكى بعضُ القوم وقالوا: تصدَقنا. ابن عون عن ابن سيرين قال: لم يكن أحدٌ من أصحاب النبي ﷺ أشدَ على عثمان من طَلحة. أبو الحسن قال: كان عبدُ الله بن عباس يقوِل: ليغلبنّ معاويةُ وأصحابُه عليَّا وأصحابَه لأن الله تعالى يقول: " ومَن قُتِلَ مَظْلُوماَ فقد جَعلنا لوليّه سُلطاناً ". أبو الحسن قال: كان ثُمامة الأنصاري عاملًا لعثمان فلما أتاه قَتْلُه بكى وقال: اليومَ انتُزعت خلافةُ النبوة من أمة محمد وصار المُلك بالسيف فَمن غَلب على شيء أكله. أبو الحسن عن أبي مخْنف عن نُمير بن وَعْلة عن الشعبي: أنَّ نائلةَ بنت الفُرافصة امرأة عثمان بن عفّان كَتبت إلى معاوية كتاباً مع النعمان بن بَشير وبَعثت إليه بقميص عثمان محضوباً بالدماء. وكان في كتابها: مِن نائلة بنت الفُرافصة إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد: فإني أدعوكم إلى الله الذي أنعم عليكم وعلّمكم الإسلام وهداكم من الضلالة وأنقذكم في الكُفر ونَصركم على العدو وأسبغ عليكم نعمَه ظاهرةً وباطنة وأنشُدكم الله وأذكِّركم حقه وحق خليفته أن تنصروه بعَزم اللهّ عليكم فإنه قال: " وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ الله فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ". فإن أمير المؤمنين بُغي عليه ولو لم يكن لعُثمان عليكم إلا حقَّ الولاية لحقَّ على كل مُسلم يرجو إمامته أن ينصره فكيف وقد علمتم قِدَمه في الإسلام وحُسن بلائه وأنه أجاب الله وصَدّق كتابه وأتبع رسولَه والله أعلم به إذ انتخبه فأعطاه شرفَ الدنيا وشرفَ الآخرة. وإني أقُص عليكم خَبره إني شاهدةٌ أمرَه كُلَّه: إنّ أهل المدينة حَصروه في داره وحَرسوه ليلَهم ونهارَهم قياماً على أبوابه بالسِّلاحِ يَمنعونه من كل شيء قَدروا عليه حتى مَنعوه الماء فمكث هو ومَن معه خمسين ليلةً وأهلُ مصر قد أسندوا أمرَهم إلى عليّ ومحمد بن أبي بكر وعمّار بن ياسر وطلحة والزُبير فأمروهم بقتله وكان معهم من القبائل خُزاعة وسَعد بن بكر وهُذيل وطوائف من جُهينة ومُزينة وأنباط يثرب فهؤلاء كانوا أشدَّ الناس عليه. ثم إنه حُصر فَرُشق بالنَّبل والحجارة فجُرح ممن كان في الدار ثلاثةُ نفر معه فأتاه الناس يصرْخون إليه ليأذن لهم في القتال فنهاهم وأمرهم أن يردّوا إليهم نبلَهم فردُّوها عليهم فما زادهم ذلك في القتل إلا جُرٍأة وفي الأمر إلا إغراقاً فَحرقوا باب الدار. ثم جاء نفر من أصحابه فقالوا: إن ناساً يريدون أن يأخذوا بين الناس بالعَدل فاخُرج إلى المسجد يأتوك. فانطلقَ فجلس فيه ساعةً وأسلحة القوم مُطلّة عليه من كل ناحية فقال: ما أرى اليوم أحداً يَعْدِل فدخل الدارَ. وكان معه نفرٌ ليس على عامّتهم لسِلاح فلبس دِرْعه وقال لأصحابه: لولا أنتم ما لَبست اليوم دِرْعي. فوثب عليه القوم فكلَمهم ابن الزبير وأخذ عليهم ميثاقاً في صحيفة بعث بها إلى عثمان: عليكم عهدُ الله وميثاقه أن لا تَقربوه بسوء حتى تكلّموه وتَخْرجوا فوضع السلاح ولم يكن إلا وضعه. ودخل عليه القومُ يَقْدُمهم محمدُ بن أبي بكر فأخذ بلحيته ودَعَوْه باللقب. فقال: أنا عبدُ الله وخليفتُه عثمان. فضربوه على رأسه ثلاثَ ضرَبات وطَعنوه في صَدْره ثلاث طعنات وضَربوه على مَقْدم العين فوق الأنف ضربة أسرعت في العَظْم فسقطتُ عليه وقد أثخنوه وبه حياة وهم يُريدون أن يقطعوا رأسه فيذهبوا به فأتتني ابنةُ شيبة بن ربيعة فألقت بنفسها معي فوُطِئنا وَطْئا شديداً وعُرِّينا من حَلْينا. وحُرمةُ أمير المؤمنين أعظم فقتلوا أمير المؤمنين في بيته مقهوراً على فِراشه. وقد أرسلتُ إليكم بثوبه عليه دمُه فإنه والله إِن كان أثم مَن قَتله فما سَلِم مَن خذله فانظُروا أينِ أنتم مِن اللهّ. وأنا أشتكي كل مَا مَسنا إلى الله عز وجل وأستصرخ بصالِحي عبادِه. فرحم الله عثمانَ ولَعن قتلَته وصَرعهم في الدُنيا مَصارع الخزْي والمَذلًة وشَفى منهم الصدور. فحلف رجال من أهل الشام أن لا يمسوا غُسلاً حتى يقتلوا عليا أو تَفْنَى أرواحُهم. وقال الفرزذق في قتل عثمان: إن الخلافةَ لما أظعَنت ظَعنت عن أهل يثرب إذ غير الهدى سلكوا صارتْ إلى أهلِها منهم ووارثِها لما رأى الله في عثمان ما انتهكوا السافِكي دمِه ظُلْماً ومَعْصِيَة أي دمٍ لا هدوا من غَّيهم سفكوا وقال حسان: إِن تُمس دارُ بني عثمانَ خاويةً بابٌ صريعٌ وبيتٌ مُحرَق خَرِبُ فقد يُصادف باغِي الخَير حاجتَه فيها ويَأوي إليها المجدُ والحسَب يا معشَر الناس أبْدُوا ذات أنفسكم لا يَستوي الحق عند الله والكَذِب
تبرؤ علي من دم عثمان
قال عليّ بن أبي طالب على المنبر: واللهّ لئن لم يَدْخل الجنة إلا مَن قتل عثمان لا دخلتُها أبدَاً ولئن لم يَدخل النارَ إلا مَن قتل عثمان لا دخلتُها أبداً. وأشرف علي من قَصرْ له بالكُوفة فنظر إلى سَفينة في دِجْلة فقال: والذي أرسلها في بَحره مُسخَّرة بأمره ما بدأتُ في أمر عثمان بشيء ولئن شاءت بنو أمية لأباهلنهم عند الكعبة خمسين يميناً ما بدأتُ في حق عثمان بشيء. فبلغ هذا الحديثُ عبدَ الملك بن مروان فقال: إني لا أحسبه صادقاً. قال معبدٌ الخُزاعي: لقيتُ عليّا بعد الجمل فقلت له: إني سائلُك عن مسألة كانت منك ومن عثمان فإن نجوتَ اليوم نجوتَ غداً إن شاء الله. قال: سَل عما بدا لك. قلتُ: أخبرني أي منزلة وسعتْك إذ قُتل عثمان ولم تنصره قال: إن عثمان كان إماماً وإنه نهى عن القِتال وقال: مَن سَل سيفَه فليس مني فلو قاتلنا دونه عَصَينا. قال: فأي منزلة وسعت عثمان إذ استسلم حتى قُتل قال: المنزلةُ التي وسعت ابن آدم إذ قال لأخيه: " لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ الله رَبَّ الْعَالَمِينَ ". قلت: فهلاّ وَسِعَتْك هذه المنزلةُ يومَ الجمل قال: إنا قاتلنا يومَ الجمل مَن ظَلَمنا قال الله: " ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم مِن سبيل. إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الْحق أولئك لهم عذاب أليم. ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ". فقاتلنا نحن من ظلمنا وصبر عثمان وذلك من عزم الأمور. ومن حديث بكر بن حماد: إن عبد الله ابن الكَّواء سأل عليِّ بن أبي طالب يوم صِفين فقال له: أخْبِرْني عن مَخْرجك هذا تَضرب الناسَ بعضهم ببعض أعهدٌ إليك عهدَه رسولُ الله ﷺ أم رَأْي ارتأيته قال عليّ: اللهم إني كنتُ أولَ من آمن به فلا أكون أولَ مَن كذب عليه لم يكن عندي فيه عَهْد مِن رسول الله ﷺ ولو كان عندي فيه عَهد مِن رسول الله ﷺ لما تركتُ أخا تَيم وعدي على منابرها ولكنّ نبّينا ﷺ كان نبيّ رحمة مَرِض أياماً وليالي فقدَم أبا بكر على الصلاة وهو يراني ويَرى مكاني. فلما تُوفي رسولُ الله ﷺ رَضيناه لأمر دُنيانا إذ رَضِيه رسولُ اللهّ لأمرِ ديننا. فسلّمتُ له وبايعتُ وسمعتُ وأطعتُ فكنتُ آخذ إذا أعطاني وأغزو إذا أغزاني وأقيم الحُدود بين يديه. ثم أتته مَنيّتُه فرأى أنَّ عمرَ أطوقُ لهذا الأمر مِن غيره ووالله ما أراد به المُحاباة ولو أرادها لجعلها في أحد ولدَيْه. فسلّمتُ له وبايعتُ وأطعتُ وسمعت فكنتُ أخذ إذا أعطاني وأغزو إذا أغزاني وأقيم الحدودَ بين يديه. ثم أتته منيّتُه فرأى أنه من استخلف رجلاً فعمل بغير طاعة الله عَذّبه الله به في قَبره فجعلها شُورى بين ستَة نفر من أصحاب رسول اللهّ ﷺ. وكنتُ أحدَهم فأخذ عبدُ الرحمن مَواثيقنا وعُهودنا على أن يَخْلع نفسه ويَنظر لعامة المُسلمين فبَسط يدَه إلى عثمان فبايعه. اللهم إن قلتُ إني لم أجد في نفسيِ فقد كذبت ولكنني نظرتُ في أمري فوجدتُ طاعتي قد تقدمت مَعْصيتي ووجدت الأمر الذي كان بيدي قد صار بيد غير لم. فسلّمت وبايعتُ وأطعت وسمعتُ فكنت أخذ إذا أعطاني وأغزو إذا أغزاني وأقيم الحدود بين يديه. ثم نَقم الناس عليه أموراً فقَتلوه ثم بقيتُ اليومَ أنا ومُعاوية فأرى نفسي أحق بها من معاوية لأني مُهاجريّ وهو أعرابيّ وأنا ابن عم رسول الله وصِهره وهو طليق ابن طليق. قال له عبدُ الله بن الكَوّاء: صدقتَ ولكن طلحةَ والزُبير أما كان لهما في هذا الأمر مثلُ الذي لك قال: إن طلحة والزُبير بايعاني في المدينة ونَكثا بَيعَتي بالعراق فقاتلتُهما على نَكْثهما ولو نَكثا بيعة أبي بكر وعمر لقاتلاهما على نَكثهما كما قاتلتُهما على نَكْثهما قال: صدقت ورجع إليه. واستعمل عبدُ الملك بن مَرْوان نافعَ بن عَلْقمة بن صَفْوان على مكة فخطب ذات يوم وأبان بن عثمان قاعدٌ عند أصلى المِنْبر فنال مِن طلحة والزُبير فلما نزل قال لأبان: أرضيتُك من المًدهنين في أمر أمير المؤمنين قال: لا ولكنّك سُؤتني حَسبي أن يكونا بريئين من أمره. وعلى هذا المعنى قال إسحاق بن عيسى: أعيذ عليًّا بالله أن يكون قَتل عثمان وأعيذ عثمان أن يكون قَتله عليّ. وهذا الكلامُ على مذهب قول النبيّ ﷺ: إنّ أشد الناس عذاباً يومَ القيامة رجل قتل نبيا أو قَتله نبيّ. سعيد بن جُبير عن أبي الصّهباء: إن رجالاً ذكروا عُثمان فقال رجلٌ من القوم: إني أعرفُ لكم رأيَ عليّ فيه. فدخل الرجلُ على علي فنال من عثمان فقال عليّ: دَع عنك عُثمان فوالله ما كان بأشرِّنا ولكنه وَلي فاستأثر فحرمَنا فأساء الحرمان. وقال عثمان بن حُنَيف: إني شهدتُ مَشهداً اجتمع فيه علي وعمّار ومالك الأشتر وصَعْصعة فذكروا عثمان فوقَع فيه عمّار ثم أخذ مالكٌ فحذا حَذْوه ووجهُ عليّ يَتَمَعَّر ثم تكلّم صعصعة فقال: ما على رجل يقول: كان والله أولَ مَن وَلي فاستأثر وأوّل مَن تفرقت عنه هذه الأمة! فقال علي: إلي أبا اليَقظان لقد سَبقت لعثمان سوابقُ لا يُعذِّبه الله بها أبداً. محمدُ بن حاطب قال: قال لي علي يومَ الجمل: انطلقْ إلى قومك فأبلغهم كُتبي وقَوْلي. فقلت: إن قَومي إذا أتيتُهم يقولون: ما قوْلُ صاحبك في عُثمان فقال: أخبرهم أن قولي في عثمان أحسنُ القول إن عثمان كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحاتِ ثم اتقَوْا وآمنوا واحسنوا والله يحب المُحسنين. جرير بن حازم عن محمد بن سِيرين قال: ما علمتُ أن عليا اتُّهم في دم عُثمان حتى بُويع فلما بويع اتهمه الناس. محمد بن الحنفيّة: إنّي عن يمين في يومَ الجمل وابن عبّاس عن يساره إذ سمع صوتاً فقالت: ما هذا قالوا: عائشةُ تلعن قَتلة عثمان. فقال عليّ: لعن اللهّ قتلةَ عثمان
في ما نقم الناس على عثمان
ابن دأب قال: لما أنكر الناس على عُثمان ما أنكروا مِن تأمير الأحداث من أهل بَيْته على الجلّة الأكابر من أصحاب محمد ﷺ قالوا لعبد الرحمن بن عوف: هذا عملُك واختَيارك لأمة محمد. قال: لم أظنَّ هذا به. ودخل على عثمان فقال له: إني إنما قدمتك على أن تَسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر وقد خالفتَهما. فقال: عمر كان يقطع قرابته في الله وأنا أصل قرابتي في اللهّ. فقال له: لله عليّ أن لا أكلمك أبداً. فمات عبدُ الرحمن وهو لا يُكلّم عثمان. ولما ردّ عثمان الحكم بن أبي العاصي طريدَ النبيّ ﷺ طريد أبي بكر وعمر إلى المدينة تكلِّم الناسُ في ذلك فقال عثمان: ما ينقَم الناسُ مني! إني وصلتُ رحما وقربت قرابة. حُصين بن زَيد بن وَهْب قال: مَررنا بأبي ذَرّ بالربذة فسألناه عن منزله. فقال: كنتُ بالشام فقرأت هذه الآية: " والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ". فقال معاويةُ: إنما هي في أهل الكتاب. فقلت: إنها لَفينا وفيهم. فكتَب إليّ عثمانُ: أقبل. فلما قدمتُ رَكبتني الناسُ كأنهم لم يَرَوْني قط فشكوتُ ذلك إلى عثمان. فقال: لو اعتزلتَ فكنت قريباً. فنزلتُ هذا المنزل فلا أدع قَوْلي ولو أمروا عليّ عبداً حبشيا لأطعتُ. الحسنُ بن أبي الحسن عن الزُبير بن العوام في هذه الآية: " واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ". قال: لقد نزلتْ وما ندري من يختلف لها. فقال بعضهم: يا أبا عبد الله فلم جئتَ إلى البصرة قال: ويحك إننا نَنظر ولا نُبصر. أبو نضرة عن أبي سَعيد الخُدريّ قال: إنّ ناساً كانوا عند فُسطاط عائشة وأنا معهم بمكة فمرّ بنا عثمان فما بقي أحدٌ من القوم إلا لعنه غيري فكان فيهم رجلٌ من أهل الكوفة فكان عثمان على الكُوفيّ أجرأ منه على غيره فقال: يا كُوفي أتشتُمني فلما قدم المدينةَ كان يتهدّده. قال: فقيل له: عليك بطَلحة. قال: فانطلق معه حتى دَخل على عثمان. فقال عُثمان: والله لأجلدنَه مائة سَوط. قال طلحة: والله لا تَجلدنه مائةَ إلاّ أن يكون زانياً. قال: والله لأحرمنه عَطاءه. قال: الله يرزقه. ومن حديث ابن أبي قُتيبة عن الأعمش عن عبد الله بن سِنان قال: خرج علينا ابن مَسعود ونحن في المَسجد وكان على بيت مال الكُوفة وأميرُ الكوفة الوليد بن عُقبة بن أبي مُعَيط فقال: يا أهل الكوفة فُقِدت من بيت مالكم الليلةَ مائةُ آلف لم يأتني بها كتابٌ من أمير المؤمنين ولم يكتب لي بها براءة. قال: فكتب الوليدُ بن عُقبة إلى عثمان في ذلك فنَزعه عن بيت المال. ومن حديث الأعمش يَرويه أبو بكر بن أبي شيبة قال: كَتب أصحابُ عُثمان عَيْبه وما يَنْقم الناسُ عليه في صحيفة ثم قالوا: مَن يذهب بها إليه قال عمٌار: أنا. فذهب بها إليه. فلما قرأها قال: أرغمِ الله أنفك. قال: وأنف أبي بكر وعمر. قال: فقام إليه فوَطئه حتى غُشي عليه. ثم ندم عثمان وبعث إليه طلحة والزُّبير يقولان له: اختر إحدى ثلاث: إما أن تَعْفو هاما أن تأخذ الأرْش وإما أن تَقْتَص. فقال: والله لا قبلتُ واحدة منها حتى ألقى الله. قال أبو بكر: فذكرتُ هذا الحديث للحَسن بن صالح فقال: ما كان على عُثمان أكثرُ مما صنع. ومن حديث اللّيث بن سعد قال: مَر عبدُ اللهّ بن عُمر بحُذيفة فقال: لقد اختلف الناسُ بعد نبيّهم فما منهم أحدٌ إلا أعطى من دينه ما عدا هذا الرجلَ. وسُئل سعدُ بن أبي وقاص عن عثمان فقال: أما والله لقد كان أحسنَنا وُضوءاً وأطولَنا صلاة وأتلانا لكتاب الله وأعظمَنا نَفقةً في سبيل الله. ثم وَلي فأنكروا عليه شيئاً فأتَوْا إله أعظَمَ مما أنكروا. وكتب عثمان إلى أهل الكوِفة حين ولاّهمِ سعيدَ بن العاص: أما بعد. فإني كنت ولَّيتكم الوليدَ بن عُقبة غلاماً حين ذَهَب شرْخه وثاب حِلْمه وأوصيتُه بكم ولم أوصكم به فلما أعْيتكم علانيته طَعَنتم في سرَيرته. وقد ولَيتكم سعيدَ بن العاص وهو خيرُ عَشيرته وأوصيكم به خيراً فاستوصوا به خيراً. وكان الوليد بن عقبة أخا عثمان لأمه وكان عاملَه على الكوفة فصلَّى بهم الصبحَ ثلاث ركعات وهو سَكران ثم التَفت إليهم فقال: وإن شئتُم زِدْتُكم. فقامت عليه البيّنة بذلك عند عثمان فقال لطلحة: قُم فاجلده. قال: لم أكن من الجالدين. فقام إليه عليّ فَجلده. شَهد الحطيئةُ يَوم يَلْقى رَبَّه أنَّ الوليدَ أحقُّ بالعُذْرِ لِيزِيدَهم خيراً ولو قَبلوا لجمعتَ بين الشَّفع والوِتْر مَسكوا عنانَك إذ جَريت ولو تَركوا عِنانَك لم تَزل تَجْرِي ابن دأب قال: لما أنكر الناسُ على عثمان ما أنكروا واجتمعوا إلى علي وسَألوه أن يَلقى لهم عُثمانَ. فأقبلَ حتى دَخل عليه فقال: إنَ الناسَ ورائي قد كلَّموني أنْ أكلمك واللهّ ما أدرى ما أقولُ لك ما أعرف شيئاً تًنكره ولا أعلمك شيئاً تَجهله وما ابن الخطّاب أولى بشيء من الخير منك وما نُبصرك من عَمى وما نَعْلمك مَن جهل وإن الطريق لبيِن واضح. تَعلم يا عثمان أن أفضل الناس عند اللهّ إمامٌ عَدْل هُدِي وهَدى فأحيا سُنة مَعلومة وأمات بدعة مَجهولة وأن شر الناس عند الله إمامُ ضَلالة ضَل وأضل فأحيا بدْعة مجهولة وأمات سنة معلومة. وإني سمعت رسولَ الله ﷺ يقول: يُؤتى بالإمام الجائر يومَ القيامة ليس معه ناصرٌ ولا له عاذر فيُلْقى في جَهنم فيَدُور دَوْرَ الرحى يَرْتطم بجَمْرة النار إلى آخر الأبد. وأنا أحذَرك أن تكون إمامَ هذه الأمة المقتول يُفتح به بابُ القَتل والقتال إلى يوم القيامة يَمْرَج به أمرُهم وَيمرَجون. فخرج عثمان ثم خطب خُطبته التي أظهر فيها التوبة. وكان عليّ كلما اشتكى الناسُ إليه أمرَ عثمان أرسل ابنه الحسن إليه فلما أكثر عليه قال له: إن أباك يرى أن أحداً لا يَعلم ما يَعلم ونحن أعلم بما نَفعل فكُفّ عنَا. فلم يَبعث علي ابنه في شيء بعد ذلك. وذكروا أنّ عثمان صَلى العصر ثم خَرج إلى علي يعوده في مرضه ومَروان معه فرآه ثقيلا. فقالت: أما والله لولا ما أرى منك ما كنتُ أتكلَم بما أريد أن أتكلَم به والله ما أدري أيّ يومَيك أحبُّ إليَّ أو أبغض أيومُ حياتك أو يومُ موتك أما واللهّ لئن بقيتَ لا أعدم شامتاً يَعُدّك كَنفاً ويَتخذْك عَضدا ولئن مَتّ لأفجعنِ بك. فحظِّى منك حظّ الوالد المُشفق من الولد العاق إنْ عاش عقه وإن مات فجعه. فليتك جعلت لنا من أمرك عَلَماً نَقف عليه ونعرفه إما صديقٌ مسالم وإما عَدو مُعاند ولم تَجعلني كالمُختنق بين السماء والأرض لا يَرْقى بيد ولا يَهبط برجل. أما والله لئن قتلتك لا أصيب منك خَلَفا ولئن قتلتني لا تصيب مني خلفا وما أحب أن أبقى بعدَك. قال مروان: أيْ والله وأخرى إنه لا يُنال ما وراء ظُهورنا حتى تُكسر رماحُنا وتُقطع سيوفنا فما خيرُ العيش بعد هذا. فضَرب عثمان في صَدره وقال: ما يُدْخلك في كلامنا فقال على: إني والله في شُغل عن جوابكما ولكني أقول كما قال أبو يوسف: فَصَبر جميل واللهّ المُستعان على ما تَصِفون. وقال عبدُ الله بن العباس: أرسل إليً عُثمان فقال لي: اكْفِني ابن عمك. فقلت: إنَ ابن عمي ليس بالرجل يُرى له ولكنَه يَرى لنفسه فأرسِلني إليه بما أحببتَ. قال: قُل له فَليَخرج إلى مالِه باليَنبُع فلا أغتمّ به ولا يَغتم بي. فأتيتُ عليًّا فأخبرتُه. فقال: ما فكيف به أنّي أداوِي جراحَه فيَدْوَى فلا مُلّ الدواءً ولا الداءُ أما والله إنه ليختبر القوم. فأتيتُ عثمانَ فحدّثته الحديثَ كله إلا البيت الذي أنشده. وقوله: إنه ليختبر القوم. فأنشد عثمان: فكيف به أنّي أداوِي جراحَه فيَدْوَى فلا مُلَّ الدواء ولا الداءُ وجعل يقول: يا رحيم انصرُني يا رحيم انصرني يا رحيم انصرني. قال: فخرج عليّ إلى يَنْبع فكتب إليه عثمان حين اشتدّ الأمر: أما بعد. فقد بلغ السيل الزُّبى وجاوز الحِزام الطُّبْيين وطَمِع فيّ مَن كان يَضْعُف عن نفسه: فإنك لم يفخر عليك كفاخرٍ ضعيف ولم يَغْلِبْك مثلُ مُغلَّبِ فأقبِل إليَّ على أيّ أمريك أحبَبتَ وكُن لي أم علي صديقاً كنتَ أم عدوًّا: فإنْ كنتُ مأكولاً فكُن خيرَ آكلٍ وإلّا فأدركني ولما أمزَّق
خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه
قال: لما قُتل عثمان بن عفان أقبل الناس يُهْرعون إلى علي بن أبي طالب فتراكمت عليه الجماعةُ في البَيعة فقال: ليس ذلك إليكم إنما ذلك لأهل بَدْر ليُبايعوا. فقال: أين طلحة والزبير وسعد فأقبلوِا فبايعوا ثم بايعه المهاجرون والأنصار ثم بايعه الناسُ. وذلك يومَ الجمعة لثلاث عشرةَ خلتْ من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين وكان أولَ مَن بايع طلحةُ فكانت إصبعه شلاّء فتطيِّر منها عليّ وقال: ما أخلقه أن يَنْكث. فكان كما قال عليّ رضي الله عنه.