الرئيسيةبحث

العقد الفريد/الجزء الثالث/20

أبو الحسن المدائني: ثم بويع سُليمان بن عبد الملك في ربيع الأول سنة ست وتسعين. ومات سنة تِسع وتسعين بدابِق يوم الجمعة لعشر خلون من صفر وهو ابنُ ثلاثٍ وأربعين. وصلّى عليه عمرُ بن عبد العزيز. وكانت ولايتُه سنتين وعشرةَ أشهر ونصفاً. وُلد سليمان فصيحاً جميلاً وسيماً نشأ بالبادية عند أخواله بني عَبْس. وكانت وِلايتُه يُمناً وبركة افتتحها بخير وختمها بخير. أما افتتاحه فيها بخير فردّ المظالم وأخرج المسجونين وبغَزاة مَسلمة بن عبد الملك الصائفة حتى بلغ القُسطنطينية. وأما ختمها بخير فاستخلافُه عمرَ بن عبد العزيز. ولبس يوماً واعتمّ بعمامة وكانت عنده جارية حجازيّة فقال لها: كيف تَرين الهيئة فقالت: أنت أجملُ العرب لولا! قال: على ذلك لتقولِنِّ. قالت: أنت نِعْم المتاعُ لو كنتَ تَبْقى غيرَ أن لا بقاءَ للإنسانِ أنت خِلو من العُيوب ومما يكره الناسُ غير أنك فاني قال: فتنغّص عليه ما كان فيه فما لبث بعدها إلا أياماً حتى تُوفي رحمه الله. وتفاخر ولدُ لعمر بن عبد العزيز وولدٌ لسليمان بن عبد الملك فذكر ولدُ عُمَر فضلَ أبيه وخالِه. فقال له ولدُ سُليمان: إن شئتَ فأقْللْ وإن شِئتَ فأكثر فما كان أبوك إلا حسنةٌ من حسنات أبي. محمد بن سليمانَ قال: فعل سُليمان في يوم واحد ما لم يَفعله عمرُ بن عبد العزيز في طول عمره: أعتق سبعين ألفاً ما بين مملوك ومملوكة وبتّتَهم أي كساهم. والبَتُّ: الكسوة. ولد سليمان أيوب وأمه أم أبان بنت الحَكم بن العاص وهو أكبر وَلد سليمان ووليّ عهده فمات في حياة سليمان وله يقول جرير: إنّ الإمام الذي ترجى فواضله بعد الإمام ولي العهد أيوبُ وعبد الواحد وعبدُ العزيز أمهما أمُّ عامر بنت عبدا لله بن خالد بن أسيد. وفي عبد الواحد يقول القَضاميّ: أهل المدينة لا يَحزُنْك حالهم إذا تَخطَأ عبدَ الواحد الأجلُ قد يُدرك المتأنِّي بعضَ حاجته وقد يكون مع المُستعجل الزَّلل ولما مات أيوب وليُّ عهد سليمان بن عبد الملك قال ابن عبد الأعلى يَرثيه وكان من خواصه: ولقد أقولُ لذي الشَماتة إذ رَأى جَزَعي ومَن يَذُق الحوادثَ يَجزع أبشرِ فقد قَرع الحوادثُ مروتي وأفْرَح بمَرْوتك التي لم تُقْرَع أيوبُ مَن يَشْمَت بموتك لم يُطق عن نَفسه دَفْعاً وهل مِن مَدْفع أخبار سليمان بن عبد الملك أبو الحسن المدائني قال: لما بلغ قُتَيبَةَ بنَ مسلم أنّ سليمان بن عبد الملك عَزله عن خُراسان واستعمل يزيدَ بن المهلب كتب إليه ثلاث صُحف وقال للرسول: ادفع إليه هذه فإن دَفعها إلى يزيد فادفع إليه هذه فإن شَتمني فادفع إليه هذه. فلما سار الرسولُ إليه دفع الكتابَ إليه وفيه: يا أمير المؤمنين إنّ من بلائي في طاعة أبيك وأخيك كَيْتَ وكَيت. فدفع كتابَه إلى يزيد. فأعطاه الرسولُ الكتابَ الثاني وفيه: يا أمير المؤمنين كيف تأمن ابنَ دَحْمة على أسرارك وأبوه لم يَأْمنه على أمهات أولاده فلما قرأ الكتاب شَتمه وناوله ليزيد. فأعطاه الثالثَ وفيه: من قُتيبة بن مُسلم إلى سليمان بن عبد الملك. سلامٌ على من اتبع الهدى. أما بعد. فواللهّ لأوثقنَّ له أخيّةَ لا ينزِعها المَهر الأرِن. فلما قرأها قال سُليمان: عَجّلنا على قُتيبة يا غلام جدِّد له عهداَ على خُراسان. ودخل يزيدُ بن أبي مُسلم كاتبُ الحجاج على سليمان. فقال له سليمان: أترى الحجاج استقر في قَعْرِ جهنم أم هوِ يَهْوى فيها قال: يا أمير المؤمنين إن الحجاج يأتي يوم القيامة بين أبيك وأخيك فضَعه من النار حيث شئت. قال: فأمر به إلى الحَبس فكان فيه طولَ ولايته. قال محمد بن يزيد الأنصاريّ: فلما وَلي عمرُ بن عبد العزيز بعثني. فأخرجتُ مِن السجن مَن حَبسَ سليمان ما خلا يزيدَ بن أبي مُسلم فقد رُدِّ. فلما مات عمرُ بن عبد العزيز ولّاه يزيدُ بن عبد الملك إفريقية وأنا فيها فأخِذتُ فأتي بي إليه في شهر رمضان عند الليل فقال: محمد بن يزيد قلت: نعم. قال: الحمد لله الذي مَكّنني منك بلا عَهد ولا عَقْد فطالما سألتُ الله أن يُمكنني منك. قلت: وأنا والله طالما استعذت باللهّ منك. قال: فواللهّ ما أعاذك الله منّي ولو أنَّ ملك الموت سابَقني إليك لسبقته. قال: فأقيمت صلاةُ المغرب فصلّى ركعة فثارت عليه الجُند فقتلوه وقالوا لي: خُذ أيّ طريق شئت. وأراد سُليمان بن عبد الملك أن يَحْجر على يزيد بن عبد الملك وذلك أنه تزوَج سُعدى بنت عبد الله بن عمرو بن عثمان فأصدقها عشرين ألف دينار واشترى جارية بأربعة آلاف دينار. فقال سليمان: لقد هَممتُ أن أضربَ على يد هذا السفيه ولكن كيف أصنع بوصيَّة أمير المؤمنين بابني عاتكة: يزيد ومروان! وحبس سليمانُ بنُ عبد الملك موسى بنَ نُصير وأوحى إليه: اغرم ديتك خمسين مرة. فقال موسى: ما عندي ما أغرمه. فقال. والله لتغرمنّها مائةَ مرة. فحملها عنه يزيدُ بنِ المهلّب وشكر ما كان من موسى إلى أبيه المهلّب أيامَ بشْر بن مروان وذلك أن بشراَ هَمّ بالمهلّب فكتب إليه مولى يُحذّره فتمارض المهلَب ولم يأته حين أرسل إليه. وكان خالد بن عبد الله القَسريّ والياً على المدينة للوليد ثم أقرّه سليمان وكان قاضي مكة طَلحةُ بن هَرم فاختصم إليه رجلٌ من بني شَيبة الذين إليهم مفتاح الكعبة يقال له الأعجم مع ابن أخ له في أرض لهما فقضى للشيخ على ابن أخيه وكان متَّصلاً بخالد بن عبد الله فأقبل إلى خالد فأخبره فحال خالد بين الشيخ وبين ما قضى له القاضي. فكتب القاضي كتاباً إلى سُليمان يشكو له خالداً ووجه الكتاب إليه معِ محمد بن طلحة. فكتب سُليمان إلى خالد: لا سبيلَ لك على الأعجم ولا ولده. فقدِم محمد بن طلحة بالكتاب على خالد وقال: لا سبيلَ لك علينا هذا كتابُ أمير المؤمنين. فأمر به خالد فضرب مائة سوط قبل أن يُقرأ كتابُ سليمان. فبعث القاضي ابنَه المضروب إلى سليمان وبعث ثيابه التي ضُرب فيها بدمائها. فأمر سليمان بقَطْع يد خالد. فكلَّمه يزيدُ ابن المهلب وقال: إن كان ضربَه يا أمير المؤمنين بعد ما قرأ الكتاب تُقطع يده وإن كان ضَربه قبل ذلك فَعفْو أمير المؤمنين أولى بذلك. فكتب سُليمان إلى داود بن طلحة بن هرم: إن كان ضَرب الشيخَ بعدما قرأ الكتاب الذي أرسلته فاقطع يده وإن كان ضَرِبه قبل أن يَقرأ كتابي فاضربه مائة سوط. فأخذ داودُ بن طلحة لمّا قرأ الكتاب خالداً فضربه مائة سوط. فَجزع خالد من الضَّرب فجَعل يَرفع يديه. فقال له الفرزدق: ضُم إليك يديك يا بن النّصرانية. فقال: ليهنأ الفرزدق وضَمّ يديه. وقال الفرزدق: لعمري لقد صُبّت على مَتن خالد شآبيبُ لم يُصْببن من صَبَب القطْرِ فلولا يزيدُ بن المهلَب حلَقت بكفك فَتْخاء الجَناح إلى الوَكْر لعمري لقد باع الفرزدقُ عِرضَه بخَسْف وصَلّى وجهَه حامِي الجَمرِ فكيف يُساوي خالداً أو يَشينُه خَميصٌ من التقوى بَطين من الخَمر وقال الفرِزدق أيضاً في خالد القَسريّ: سلوا خالداً لا قدّس اللهّ خالداً متى مَلكت قَسْرٌ قريشاً تدينُها أقبلَ رسول الله أو بعدَ عَهده فتلك قريش قد أغثَّ سَمينها رَجَوْنا هُداه لا هَدى الله قلبَه وما أمه بالأمِّ يُهْدَى جَنينها فلم يزل خالد محبوساً بمكة حتى حَج سليمان وكلمه فيه المُفضّلُ بن المهلَّب. فقال سليمان: لاطت بك الرحم أبا عثمان إنَ خالداً جَرعني غيظاً. قال: يا أمير المؤمنين هبني ما كان من ذنبه. قال: قد فعلتُ ولا بد أن يَمشي إلى الشام راجلًا. فمشى خالدٌ إلى الشام راجلًا. وقال الفرزدق يمدحُ سليمان ابن عبد الملك. سُليمان غَيّث المُمْحِلين ومَن به عن البائس المِسْكين حلَتْ سَلاسِلُه وما قام من بَعد النبيّ محمدٍ وعُثْمانَ فوق الأرض راعٍ يماثلُه جعلت مكان الجَوْر في الأرض مثلَه من العَدْل إذ صارت إليك محامله وقد عَلموا أنْ لن يَميل بك الهَوى وما قلتَ منِ شيءٍ فإنك فاعله زياد عن مالك: إن سليمان بن عبد الملك قال يوماً لعمرَ بن العزيز: كذبتَ! قال: والله ما كذبتُ منذ شَدَدْتُ عليّ إزاري وإنّ في غير هذا المجلس لسَعة وقام مُغضباً فتجهّز يريد مصر. فأرسل إليه سليمان فدخل عليه فقال له: يا بن عمّي. إن المعاتبة تَشق عليّ ولكن واللهّ ما أهمّني أمرٌ قط من دِيني ودنياي إلا كنتَ أولَ من أذْكره لك. وفاة سليمان بن عبد الملك قال رجاء بن حَيْوة: قال لي سُليمان: إلى من تَرى أن أعهد فقلتُ: إلى عمر بن عبد العزيز. قالت: كيف نصنع بوصية أمير المؤِمنين بابني عاتكة مَن كان منهما حيا قلتُ: تجعل الأمرَ بعده ليزيد. قالت: صدقت. قال: فكتب عهدَه لعمر ثم ليزيد بعده. ولما ثَقُل سليمانُ قال: ائتوني بقُمُص بَني أنظر إليها. فأتي بها فنَشرها فرآها قصاراً فقال: إن بَني صِبْيَةٌ صِغَار أفلح مَن كان له كِبار فقال لَه عمر: أفلحَ مَنْ تَزَكَى. وذَكَر اسم ربّه فصَلّى. وكان سببُ موت سليمان بن عبد الملك أنَّ نصرانياً أتاه وهو بدابق بزِنْبيل مملوء بَيضاً وآخر مَملوء تِيناً. قال: قشَروا فقَشرّوا. فجعل يأكل بَيضة وتينة حتى أتى على الزِّنبيلين. ثم أتوه بقَصْعة مملوءة مُخا بسُكر فأكله فأتخم فَمرض فمات. ولما حَجَّ سليمانُ تأذَى بحرّ مكة فقال له عمرُ بن عبد العزيز: لو أتيتَ الطائف. فأتاها فلما كان بسَحقْ لَقِيه ابنُ أبي الزُّهير فقال: يا أميرَ المؤمنين اجعل بعض منزلك عليّ. قال: كُل مَنزلي فرمى بنفسه على الرمل. فقِيل له: يُساق إليك الوِطاء فقال: الرمل أحدث إلي وأعجبه برده فألزق بالرَّمل بطنَه. قال: فأتي إليه بخَمْس رُمَّانات فأكلها ثم قال: أعندكم غيرُ هذه فجعلوا يأتونه بخَمْس بعد خَمس حتى أكل سَبْعين رُمَّانة. ثم أتوْه بجَدْي وستْ دجاجات فأكلهن. وأتوه بزَبيب من زَبيب الطائف فنُثر بين يديه فأكل عامَّته ونَعس. فلما انتبه أتَوْه بالغداء فأكل كما أكل الناس. فأقام يومَه ومن غد قال لعمر: أرانا قد أضرْرنا بالقوم. وقال لابن أبي الزُّهير: اتْبعني إلى مكة فلم يَفعل. فقالوا له: لو أتيتَه فقال: أقول ماذا: أعْطِني ثمن قِراي الذي قريتُكه! العُتبي عن أبيه عن الشَّمردل وكيل آل عمرو بن العاص قال: لما قَدِمٍ سليمان بن عبد الملك الطائفَ دَخل هو وعمر بن عبد العزيز وأيوب ابنه بستانا لعمرو. قال: فجال في البستان ساعةً ثم قال: ناهيك بمالِكم هذا مالاً! ثم ألْقى صدرَه على غُصن وقال: ويلك يا شَمَرْدل! ما عندك شيء تُطعمني قلت: بلى والله عندي جَدْي كانت تَغدو عليه بقرة وتروح أخرى. قال: عجٌل به ويحك! فأتيتُه بن كأنه عُكٌة سَمْن فأكله وما دعا عُمَرَ ولا ابنه حتى إذا بَقي الفَخِذ قال: هلم أبا حَفْص. قال: أنا صائم فأتى عليه. ثم قال: ويلك يا شَمَرْدل! ما عندك شيء تُطعمني قلت: بلى والله دَجاجتان هِنْديتان كأنهما رَألا النعام فأتيتُه بهما فكان يأخذ برجل الدجاجة فيُلقى عظامَها نقية حتى أتى عليهما. ثم رفع رأسَه فقال: وبلك يا شَمَرْدل! ما عندك شيء تُطعمني قلت: بلى عندي حَريرة كأنها قُراضة ذهب. قال: عَجِّل بها ويلك! فأتيتُه بعُس يَغيب فيه الرأس فجعل يَتَلَقَّمها بيده ويَشرب. فلما فرغ تجشَّأ فكأنما صاح في جُب. ثم قال: يا غلام أفرغِتَ من غَدائي قال نعم. قال: وما هو قال: ثمانون قِدْراً. قال: ائتني بها قِدْراً قدراً. قال: فأكثرُ ما أكل مِن كل قدر ثلاث لُقم وأقل ما أكل لقمة. ثم مسح يده واستلقى على فِراشه ثم أذن للناس ووُضعت الخِوانات وقَعد يأكل فما أنكرتُ شيئاً من أكْله. خلافة عمر بن عبد العزيز المدائني قال: هو عمرُ بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم وكُنيته أبو حَفْص. وأمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب. وولي الخلافةَ يوم الجُمعة لعشر خَلْون من صَفر سنة تسع وتسعين. ومات يومَ الجمعة لستٍّ بقين من رَجب بدَيْرِ سِمْعان من أرض دِمَشق سنة إحدى ومائة وصَلّى عليه يزيدُ بن عبد الملك. علي بن زيد قال: سمعتُ عمرَ بن عبد العزيز يقوله: تمَت حُجّة الله على ابن الأربعين. ومات لها. وكان على شرطته يزيدُ بن بَشير الكِنانيّ. وعلى حرسه عمرو بن المُهاجر ويقال! أبو العباس الهِلالي. وكان كاتبَه على الرسائل ابنُ أبي رُقَيَّة وكاتبه أيضاً إسماعيل بن أبي حَكيم. وعلى خاتَم الخلافة نُعيم ابن أبي سَلامة. وعلى الخراج والجُند صالحُ بن أبي جُبير. وعلى إذْنه أبو عُبيدة الأسود مولاه. يعقوب بن داود الثَّقفي عن أشياخ من ثَقيف قال: قُرىء عهدُ عُمر بالخلافة وعُمر من ناحية فقام رجلٌ من ثقيف يقال له: سالم من أخوال عمر فأخذ بضَبْعيه فأقامه. فمال عمر: أما والله ما الله أردتَ بهذا ولن تُصيب بها مني ديناً. أبو بِشر الخُراساني قال: خَطب عمرُ بن عبد العزيز الناسَ حين استُخلف فقال: أيها الناس والله ما سألتُ الله هذا الأمرَ قَط في سر ولا علانية فمن كان كارهاً لشيء مما وليتُه فالآن. فقال سعيدُ بن عبد الملك: ذلك أسرعُ فيما تَكره أتريد أن نَخْتَلف ويضرب بعضُنا بعضاً قال رجل: سبحان الله! وليها أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ولم يقولوا هذا ويقوله عُمر!

أخبار عمر بن عبد العزيز

بِشر بن عبد الله بن عمر قال: كان عمر يخلو بنفسه ويَبْكي فنَسمع نَحيبَه بالبكاء وهو يقول: أبعدَ الثلاثة الذين واريتهم بيدي: عبدِ الملك والوليد وسليمان! وقدم رجلٌ من خراسان على عمرَ بن العزيز حين استُخلف فقال: يا أمير المؤمنين إني رأيتُ في منامي قائلًا يقول: إذا ولي الأشجّ من بني أمية يملأ الأرضَ عدلًا كما مُلئت جَوراً. فولي الوليدُ فسألتُ عنه فقيل لي: ليس بأشجّ ثم ولي سليمان فسألتُ عنه فقيل: ليس بأشجّ. ووليتَ أنت فكنت الأشجّ. فقال عمر: تقرأ كتابَ الله قال: نعم. قال: فبالذي أنعم به عليك أحق ما أخبرتني قال: نعم. فأمره أن يُقيم في دار الضِّيافة. فمكث نحواً من شهرين ثم أرسل إليه عمر فقال: هل تَدري لم احتبسناك قال: لا. قال: أرسلتُ إلى بلدك لنسألَ عنك فإذا ثناءُ صديقك وعدوّك عليك سواء فانصرفْ راشداً. وكان عمرُ بن عبد العزيز لا يأخذ من بيت المال شيئاً ولا يُجري على نفسه من الفيء درهماً. وكان عمرُ بن الخطاب يُجري على نفسه من ذلك دِرْهمين في كلّ يوم. فقيل لعمر بن عبد العزيز: لو أخذتَ ما كان يأخذ عمرُ بن الخطاب فقال: إنّ عمر بن الخطاب لم يكن له مال وأنا مالي يُغنيني. ولما ولي عمرُ بن عبد العزيز قام إليه رجل فقال: يِا أمير المؤمنين أعدِني على هذا وأشار إلى رجل. قال فيم قال: أخذ مالي وضرب ظهري. فدعا به عمر فقال: ما يقول هذا قال صَدق إنه كتب إليّ الوليدُ بن عبد الملك وطاعتُكم فريضة. قال: كذبتَ لا طاعة لنا عليكم إلا في طاعة الله وأمر بالأرض فرُدتْ إلى صاحبها. عبدُ الله بن المُبارك عن رجل أخبره قال: كنتُ مع خالد بن يزيد بن معاوية في صَحن بيت المَقدس فلقينا عمرُ بن عبد العزيز ولا أعرفه فاخذ بيد خالد وقال: يا خالد أعلينا عَين قلتُ: عليكما من الله عينٌ بَصيرة وأذن سميعة. قال: فاستلّ يدَه من يد خالد وأرعد ودَمعت عيناه ومَضى. فقلت لخالد: مَن هذا قال: هذا عمرُ بن عبد العزيز إن عاش فيُوشك أن يكون إماماً عدلًا. وقال رياح بن عُبيدة: اشتريتُ لعمر قبل الخلافة مُطرَفا بخمسمائة فاستخشنه وقال: لقد اشتريتَه خَشناً جداً واشتريت له بعد الخلافة كِساء بثمانية دراهم فاستلانه وقال: اشتريتَه ليِّناً جداً. ودخل مسلمةُ بن عبد الملك على عمر وعليه رَيْطة من رياط مصر فقال: بكم أخذت هذه يا أبا سعيد قال: بكذا وكذا. قال: فلو نقصتَ من ثمنها ما كان ناقصاً من شرَفك. فقال مسلمة: إنّ الاقتصاد ما كان بعد الجدَة وأفضلَ العَفو ما كان بعد القُدْرة وأفضلَ اللِّين ما كان بعد الولاية. وكان لعمرَ غلامٌ يقال له دِرْهم يحتطب له فقال له يوماً: ما يقول الناس يا دِرْهم قال: وما يقولون الناسُ كلهم بخير وأنا وأنت بشرّ. قال: وكيف ذلك قال: إني عهدتُك قبل الخلافة عَطِراً لبّاساً فاره المَرْكب طَيّب الطعام فلما وليتَ رجوتُ أن أستريح وأتخلّص فزاد عملي شدّة وصِرْتَ أنت في بلاء. قال: فأنت حُر فاذهب عني ودعني وما أنا فيه حتى يجعلَ الله لي منه مخرجاً. ميمون بن مهران قال: كنتُ عند عمرِ فكثُر بكاؤه ومسألتُه ربَّه الموت فقلت: لمَ تسأل الموت! وقد صَنع الله على يديك خيراً كثيراً أحْيا بك سُننا وأمات بك بِدَعا. قال: أفلا أكون مثل العَبد الصالح حين أقرّ الله عينَه وجَمع له أمره قال: " رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ". ولما وَلي عمرُ بن عبد العزيز قال: إن فَدك كانت مما أفاء الله على رسوله فسألتها فاطمةُ رسولَ اللهّ. فقال لها: ما لَكِ أن تَسأليني ولا لي أن أعطيك. فكان رسولُ الله ﷺ يصطنع فيها حيث أمره اللهّ. ثم وَلي أبو بكر وعمر وعثمان فكانوا يضعونها المواضعَ التي وَضعها رسولُ اللهّ صلى الله عليه وسلم. ثم وَلي معاوية فأقطعها مروانَ ووَهبها مروانُ لعبد الملك وعبدِ العزيز فقسمناها بيننا أثلاثاً أنا والوليد وسليمان. فلما ولي الوليدُ سألتُه نصيبَه فوهبه لي وما كان لي مالٌ أحب إلي منها وأنا أشهدكم أني قد رددتُها إلى ما كانت عليه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال عمر: الأمور ثلاثة أمر استبان رُشدُه فاتبِعْه وأمر استبان ضره فاجتنبْه وأمر أشكل أمرهُ عليك فرُدّه إلى الله. وكتب عمر إلى بعض عُماله: الموالي ثلاثة: مَولى رَحِم ومولى عَتاقة ومولى عَقد فمولى الرحم يَرث ويُورَث ومولى العَتاقة يُورَث ولا يَرِث ومولى العقد لا يَرث ولا يُورث وميراثه لعصبته. وكتب عمر إلى عُمَّالة: مُرُوا مَن كان على غير الإسلام أن يَضعوا العمائم ويَلبسوا الأكسية ولا يَتشبهوا بشيء من الإسلام ولا تتركوا أحداً من الكُفار يستخدم أحداً من المسلمين. وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عَدِيّ بن أرطاة عامِله علِي العراق: إذا أمكنتك القدرة على المخلوق فاذكر قدرةَ الخالق القادر عليك واعلم أن مالَكَ عند الله أكثرُ مما لك عند الناس. وكتب عمرُ بن عبد العزِيز إلى عُمَّاِله: مُروا من كان قِبَلكم فلا يبقى أحد من أحرارهم ولا مماليكهم صغيراً ولا كبيراً وذكراً ولا أنثى إلا أخرج عنه صدقَة فِطر رمضان: مُدين من قمح أو صاعاً من تمر أو قيمة ذلك نصفَ درهم. فأما أهل العطاء فيُؤخذ ذلك من أعطياتهم عن أنفسهم وعيالاتهم. واستعملوا على ذلك رجلين من أهل الأمانة يَقْبضان ما اجتمع من ذلك ثم يُقسّمانه في مَساكين أهل الحاضرة. ولا يُقسّم على أهل البادية. وكتب عبدُ الحميد بن عبد الرحمن إلى عمر: إنّ رجلاً شَتمك فأردتُ أن أقتله. فكتب إليه: لو قَتلته لأقدتك به فإنه لا يُقتل أحد بشتم أحد إلا رجل شَتم نبيًّا. وكتب رجل من عُمَّال عمر إلى عمر: إنا أتينا بساحرة فألقيناها في الماء فطفت على الماء فما تَرى فيها فكتب إليه: لسنا من الماء في شيء إن قامت عليها بيّنة وإلا خَلَ سبيلها. كان عمرُ بن عبد العزيز يكتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن عامِله علىِ المدينة في المظالم فيُرادّه فيها. فكتب إليه: إنه يُخيل لي أني لو كتبتُ لك أن تُعطِيَ رجلاً شاة لكتبت إلى: أذكر أم أنثى ولو كتبتُ إليك بأحدهما لكتبت إلي: أصغيرة أم كبيرة ولو كتبتُ بأحدهما لكتبتَ: ضائنة أم معز فإذا كتبت إليك فنفّذ ولا تَردّ عليّ. والسلام. وخطب عمرُ فقال: أيها الناس لا تستصغروا الذنوب والتمسوا تمحيص ما سَلف منها بالتوبة منها. إنَّ الحسنات يُذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين. وقال عز وجل: " وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ الله فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ الله وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ". وقال عمر لبني مَروان: أدُوا ما في أيديكم من حُقوق الناس ولا تُلْجِئوني إلى ما أكره فأحْمِلَكم على ما تكرهون. فلم يُجبه أحد منهم. فقال: أجيبوني. فقال رجل منهم: والله لا نُخرج من أموالنا التي صارت إلينا من آبائنا فنُفقِرَ أبناءنا ونُكَفِّرَ آباءنا حتى تُزايلَ رؤوسنا أجسادَنا. فقال عمر: أما واللهّ لولا أن تَستعينوا عليِّ بمن أطلب هذا الحق له لأضرعتُ خُدودكم عاجلاً ولكنني أخاف الفتنة ولئن أبقاني الله لأردّن إلى كل ذي حق حقه إن شاء الله. وكان عمر إذا نظر إلى بعض بني أمية قال: إني أرى رقاباً ستُرد إلى أربابها. ولما مات عمر بن عبد العزيز قَعد مسلمة على قبره فقال: أما والله ما أمِنْتُ الرِّق حتى رأيتُ هذا القبر. العُتبي قال: لما انصرف عمر بن عبد العزيز من دَفن سُليمان بن عبد الملك تَبعه الأمويون فما دَخلوا إلى منزله قال له الحاجب: الأمويون بالباب. قال وما يريدون قال: ما عَوَّدتْهم الخلفاءُ قبلك. قال ابنُه عبدُ الملك وهو إذ ذاك ابنُ أربعَ عشرة سنة: ائذن لي في إبلاغهم عنك. قال: وما تُبلغهم قال: أقول: أبي يُقرئكم السلام ويقول لكم: إني أخافُ إن عصيت ربي عذابَ يوم عَظيم. زياد عن مالك قال: قال عبدُ الملك بن عمرَ بن عبد العزيز لأبيه: يا أبتِ مالك لا تْنفذ الأمور فوالله ما أبالي لو أن القُدور غَلت بي وبك في الحق. قال له عمر: لا تَعجل يا بنيّ فإن الله ذَم الخمر في القرآن مرتين وحَرَّمها في الثالثة وأنا أخاف أن أحمل الحقّ على الناس جملةً فيدفعونه جُمْلة ويكونَ من ذلك فتنة. ولما نزل بعبد الملك بن عمر بن عبد العزيز الموت قال له عمر: كيف تجدك يا بُني قال: أجدني في الموت فاحتسبني فثوابُ الله خيرٌ لك مني. فقال: يا بني ولله لأن تكون في ميزاني أحب إلي من أن أكونَ في ميزانك. قال: أما والله لأن يكونَ ما تحب أحب إلي من أن يكون ما أحب ثم مات. فلما فَرغٍ من دفنه وقف على قبره وقال: يَرحمك الله يا بني فلقد كنت سارَّا مولوداً وبارَّا ناشئاً وما أحب أني دعوتُك فأجبتَني فرحم الله كل عبد من حُر أو عبد ذكر أو أنثى دعا له برحمة وكان الناس يترحّمون على عبد الملك ليدخلوا في دَعوة عمرِ - ثم انصرف. فدخل الناسُ يُعزّونه فقال: إن الذي نزل بعبد الملك أمر لم نزل نعْرفه فلما وَقع لم نُنكره. وتُوفِّيت أختٌ لعمر بن عبد العزيز فلما فَرغ من دَفنها دنا إليه رجل فعزّاه فلم يردّ عليه ثم آخر فلم يردّ عليه. فلما رأى الناس ذلك أمسكوا ومشوا معه. فلما دخل الباب أقبل على الناس بوجهه فقال: أدركتُ الناسَ وهم لا يُعزَّون في المرأة إلا أن تكون أمًّا. وفاة عمر بن عبد العزيز مَرض عمرُ بن عبد العزيز بأرض حِمْص ومات بدير سِمعان فيرى الناس أنّ يزيدَ بن عبد الملك سمّه دسّ إلى خادم كان يخدُمه فوضع السمّ على ظِفْر إبهامه فلما استسقى عمر غَمس إبهامَه في الماء ثم سَقاه فمرض مرضَه الذي مات فيه. فدخل عليه مَسلمةُ بن عبد الملك فوقف عند رأسه فقال: جزاك الله يا أمير المُؤمنين عنّا خيراً فلقد عطفتَ علينا قلوباً كانت عنّا نافرة: وجعلتَ لنا في الصالحين ذكراً. زياد عن مالك قال: دَخل مسلمةُ بن عبد الملك على عمر بن عبد العزيز في المَرْضة التي مات فيها فقال له: يا أمير المؤمنين إنك فطمتَ أفواه ولدك عن هذا المال وتركتَهم عالة ولا بدّ لهم من شيء يُصلحهم فلو أوصيتَ بهم إليّ أو إلى نظرائك من أهل بيتك لكفيتُك مؤونتهم إن شاء الله. فقال عمر: أجلسوني فأَجلسوه فقال: الحمدُ لله أبالفَقْر تُخوفني يا مَسلمة أما ما ذكرت أني فطمتً أفواه ولدي عن هذا المال وتركتُهم عالة فإني لم أمنعهم حقًا هو لهم ولم أعطُهم حقّا هو لغيرهم وأما ما سألتَ من الوَصاة إليك أو إلى نُظرائك من أهل بيتي فإن وصيّتي بهم إلى الله الذي نزّل الكتابَ وهو يتولى الصالحين وإنما بنو عمر أحد رجلين: رجل اتقى الله فجعل اللهّ له من أمره يُسراً ورَزقه من حيثُ لا يحتسب ورجل غيّر وفَجر فلا يكون عُمَرُ أوّلَ من أعانه على ارتكابه ادعوا إلى بَنيّ. فدَعوهم وهم يومئذ اثنا عشرَ غلاماً فجعل يُصَعّد بصره فيهم ويصوِّبه حتى اغرورقت عيناه بالدمع ثم قال: بنَفسي فِتْيةً تركتهم ولا مالَ لهم. يا بَنيّ إني قد تركتكم من اللهّ بخير إنكم لا تمرون على مُسلم ولا مُعاهد إلا ولكم عليه حقّ واجب إن شاء اللهّ يا بَني: مَثَّلت رأي بين أن تَفتقروا في الدنيا وبين أن يَدخل أبوكم النار فكان أن تَفتقروا إلى آخر الأبد خيراً من دُخول أبيكم يوماً واحداً في النار قُوموا يا بني عصمكم اللهّ ورَزقكم. قال: فما احتاج أحد من أولاد عمر ولا افتقر. واشترى عمرُ بن عبد العزيز من صاحب دَيْر سمعان موضعَ قبْره بأربعين درهماً. ومرض تسعةَ أيام. ومات رضى الله عنه يومَ الجمعة لخمس بقين من رجب سنة إحدى ومائة. وصلى عليه يزيدُ بن عبد الملك. وقال جريرُ بن الحَطفى يرثى عمرَ بن عبد العزيز: يَنْعَى النُّعاةُ أميرَ المؤمنين لنا يا خير مَن حَج بيت اللهّ واعتمرَا حُمَلت أمراً عظيماً فاصطبرتَ له وسرْت فينا بحكم الله يا عمرا فالشمسُ طالعة ليست بكاسفةٍ تَبكي عليك نجومَ الليل والقمرا وأنشد أبو عُبيد الأعرابيّ في عُمَر بن عبد العزيز. مُقابَل الأعواق في الطِّيب الطابْ بين أبي العاص وآل الخَطَاب خلافة يزيد بن عبد الملك ثم ولي يزيدُ بن عبد الملك بِن مَروان بنِ الحَكم. وأمه عاتكةُ بنت يزيدَ ابن معاوية يومَ الجمعة لخمسٍ بقين من رجب سنة إحدى ومائة. ومات ببلاد البَلْقاء يومَ الجمعة لخمس بقين من شعبان سنة خمس ومائة وهو ابنُ أربع وثلاثين سنة. صلّى عليه أخوه هشامُ بن عبد الملك. وكانت ولايتُه أربعَ سنين وشهراً. وفيه يقول جرير: سُرْبلتَ سِرْبالَ مُلكٍ غير مُغْتَصب قبلَ الثلاثين إنّ المُلك مُؤْتَشَبُ وكان على شرُطته كعب بن مالكَ العَبْسي. وعلى الحَرَس غيلانُ أبو سعيد مولاه. وعلى خاتم الخلافة مطرٌ مولاه وكان فاسقاً. وعلى الخاتم الصغير بُكيّر أبو الحجَّاج. وعلى الرسائل والجند والخراج صالحُ بن جُبير الهَمداني ثم عَزله واستعمل أسامة بن زَيد مولى كَلب. وعلى الخَزائن وبُيوت الأموال هشام ابن مَصاد. وحاجبه خالدٌ مولاه. وكان يزيدُ بن عبد الملك صاحبَ لَهو ولذّات وهو صاحبُ حَبَابة وسلاّمة. وفي ولايته خَرج يزيدُ بن المُهّلب. أسماء ولد يزيد الوليدُ ويحيى وعبد الله والغَمْر وعبدُ الجبّار وسُليمان وأبو سفيان وهاشم وداود ولا عقب ألا أبلغ معاوية بن حرب فقد ضاقت بما يأتي اليدان أتغضب أن يقال أبوك عفٌ وترضى أن يقال أبوك زان وأشهد أن قربك من زياد كقرب الفيل من ولد الأتان وقال زياد: ما هجيت ببيت قط أشد علي من قول يزيد بن مفرغ الحميري: فكرا ففي ذاك إن فكرت معتبر هل نلت مكرمة إلا بتأمير عاشت سمية ما عاشت وما علمت أن ابنها من قريش في الجماهير سبحان من ملك عباد بقدرته لا يدفع الناس محتوم المقادير وكان ولد سمية ثلاثا: زياداً وأبا بكرة ونافعا. فكان زياد ينسب في قريش وأبو بكرة في العرب ونافع في الموالي. فقال فيهم يزيد بن مفرغ: إن زياداً ونافعاً وأبا بكرة عندي من أعجب العجب إن رجالاً ثلاثةً خلقوا من رحم أنثى محالفي النسب ذا قرشي فيما يقول وذا مولىً وهذا ابن عمه عربي فدع عنك الكتابة لست منها ولو غرقت ثوبك بالمداد وقال آخر في دعي: لعينٌ يورث الأبناء لعناً ويلطخ كل ذي نسب صحيح ولما طالت خصومة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ونصر بن حجاج عند معاوية في عبد الله بن حجاج مولى خالد بن الوليد أمر معاوية حاجبه أن يؤخر أمرهما حتى يحتفل مجلسه. فجلس معاوية وقد تلفع بمطرف خزٍ أخضر وأمر بحجر فأدني منه وألقى عليه طرف المطرف ثم أذن لهما وقد احتفل المجلس. فقال نصر بن حجاج: أخي وابن أبي عهد إلي أنه منه. وقال عبد الرحمن: مولاي وابن عبد أبي وأمته ولد على فراشه. قال معاوية: يا حرسي خذ هذا الحجر - وكشف عنه - فادفعه إلى نصر بن حجاج. وقال: يا نصر هذا مالك في حكم رسول الله ﷺ. فإنه قال: الولد للفراش وللعاهر الحجر. فقال نصر: أفلا أجريت هذا الحكم في زياد أمير المؤمنين قال: ذاك حكم معاوية وهذا حكم رسول الله ﷺ وليس في الأرض أحمى من الأدعياء لتستحق بذلك العروبية. قال الشاعر: دعي واحدٌ أجدى عليهم من آلفي عالم مثل ابن داب وقال الأصمعي: استمشى رجل من الأدعياء فدخل عليه رجل من أصحابه فوجد عنده شيحاً وقيصوماً فقال له: ما هذا فقال ورفع صوته: الطبيعة تتوق إليه. يريد أن طبيعته من طباع العرب. فقال فيه الشاعر: يشم الشيح والقيصو م كي يستوجب النسبا وليس ضميره في الصد ر إلا التين والعنبا وعن إسماعيل بن أحمد قال: رأيت على أبي سعيد الشاعر المخزومي كردوانياً مصبوغاً بتوريد فقلت: أبا سعيد هذا خز قال: لا. ولكنه دعي على دعي. وكان أبو سعيد دعياً في بني مخزوم. وفيه قال الشاعر: لم يته قط على النا س شريف يا أبا سعيد فته ما شئت إذ كن ت بلا أب ولا جد وإذ حظك في النس بة بين الحر والعبد وإذ قاذفك المفح ش في أمن من الحد وعن أحمد بن عبد العزيز قال: نزلت في دار رجل من بني عبد القيس بالبحرين فقال لي: بلغني أنك خاطب قلت: نعم. قال: فأنا أزوجك. قلت له: إني مولى. قال: اسكت وأنا أفعل. أمن قلةً صرتم إلى أن قبلتم دعاوة زراع وآخر تاجر وأصهب رومي وأسود فاحم وأبيض جعد من سراة الأحامر شكولهم شتى وكل نسيبكم لقد جئتم في الناس إحدى المناكر متى قال إني منكم فمصدق وإن كان زنجياً غليظ المشافر أكلهم وافى النساء جدوده وكلهم أوفى بصدق المعاذر وكلكم قد كان في أولية له نسبة معروفة في العشائر على علمكم أن سوف ينكح فيكم فجدعاً ورغماً للأنوف الصواغر فهلا أبيتم عفةً وتكرما وهلا وجلتم من مقالة شاعر تعيبون أمراً ظاهراً في بناتكم وفخركم قد جاز كل المفاخر متى شاء منكم مفرج كان جده عمارة عبس خير تلك العمائر وحصن بن بدر أو زرارة دارم وزبان زبان الرئيس ابن جابر فقد صرت لا أدري وإن كنت ناسياً لعل نجاراً من هلال بن عامر وديلم من نسل ابن ضبة ناسل وبرجان من أولاد عمرو بن عامر بنو الأصفر الأملاك أكرم منكمٍ وأولى بقربانا ملوك الأكاسر أأطمع في صهري دعيا مجاهراً ولم نر شراً من دعي مجاهر ويشتم لؤماً عرضه وعشيره ويمدح جهلاً طاهراً وابن طاهر وقال زرارة بن ثروان أحد بني عامر بن ربيعة بن عامر: قد اختلط الأسافل بالأعالي وماج الناس واختلط النجار وصار العبد مثل أبي قبيس وسيق مع المعلهجة العشار وإنك لن يضيرك بعد حول أطرف كان أمك أم حمار وقال عقيل بن علفة: وكنا بني غليظ رجالاً فأصبحت بنو مالك غيظاً وصرنا لمالك لحا الله دهراً زعزع المال كله وسود أستاه الإماء الفوارك وذكر جعفر بن سليمان بن علي يوماً ولده وأنهم ليسوا كما يحب. فقال له ولده أحمد بن جعفر. عمدت إلى فاسقات المدينة ومكة وإماء الحجاز فأوعيت فيهم نطفك ثم تريد أن ودخل الأشعث بن قيس على علي بن أبي طالب فوجد بين يديه صبية تدرج فقال: من هذه يا أمير المؤمنين قال: هذه زينب بنت أمير المؤمنين. قال: زوجنيها يا أمير المؤمنين. قال: اغرب بفيك الكثكث ولك الأثلب أغرك ابن أبي قحافة حين زوجك أم فروة إنها لم تكن من الفواطم ولا العواتك من سليم. فقال: قد زوجتم أخمل مني حسبا وأوضع مني نسباً: المقداد بن عمرو وإن شئت فالمقداد بن الأسود. قال علي: ذلك رسول الله ﷺ فعله وهو أعلم بما فعل ولئن عدت إلى مثلها لأسوأنك. وفي هذا المعنى قال الكميت بن زيد: وما وجدت بنات بني نزار حلائل أسودين وأحمرينا وما حملوا الحمير على عتاق مطهمة فيلفوا مبغلينا بني الأعمام أنكحنا الأيامى وبالآباء سمينا البنينا أراد تزويج أبرهة الحبشي في كندة. عن العتبي قال: أنشدني أبو إسحاق إبراهيم بن خداش لخالد النجار. اليوم من هاشم بخ وأنت غداً مولى وبعد غد حلف من العرب إن صح هذا فأنت الناس كلهم يا هاشمي ويا مولى ويا عربي قال: وكان الهيثم بن عدي فيما زعموا دعياً. فقال فيه الشاعر: إذا اجتدى معشراً من فضل نسبتهم فلم ينيلوه عداهم إلى نسب فما يزال له حلٌ ومرتحل إلى النصارى وأحياناً إلى العرب إذا نسب عدياً في بني ثعل فقدم الدال فبل العين في النسب وقال بشار العقيلي: إن عمراً فاعرفوه عربي من زجاج مظلم النسبة لا يع رف إلا بالسراج وقال فيه: ارفق بنسبة عمرو حين تنسبه فإنه عربي من قوارير ما زال في كير حداد يردده حتى بدا عربياً مظلم النور وقال أيضا في أدعياء: هم قعدوا فانتقوا لهم حسباً يدخل بعد العشاء في العرب حتى إذا ما الصباح لاح لهم بين ستوقهم من الذهب والناس قد أصبحوا صيارفةً أعلم شيءٍ بزائف الحسب إنما أنت من سليم كواوٍ ألحقت في الهجاء ظلماً بعمرو وقال فيه: أيا متحيراً فيه لمن يتعجب العجب لأسماء تعلمهن أشجع حين ينتسب ولأحمد بن أبي الحارث الخراز في حبيب الطائي: لو أنك إذ جعلت أباك أوساً جعلت الجد حارثة بن لام وسميت التي ولدتك سعدى فكنت مقابلاً بين الكرام وله فيه: أنت عندي عربي ليس في ذاك كلام شعر فخذيك وساقي ك خزامى وثمام وضلوع الصدر من جسمك نبع وبشام وقذى عينيك صمغ ونواصيك ثغام لو تحركت كذا لان جفلت منك نعام أنا ما ذنبي إن ك ذبني فيك الكرام القفا يشهد إذ ما عرفت فيك الأنام كذبوا ما أنت إلا عربي والسلام وقال في المعلى الطائي: معلى لست من طي فإن قبلتك فارهنها وابنك فارمٍ في أجأٍ فلا ترغب به عنها كأن دماملاً جمعت فصور وجهه منها ولآخر: تعلمها وإخوته فكلهم بها درب لقد ربوا عجوزهم ولو زينتها غضبوا فيا لك عصبة إن ح دثوا عن أصلهم كذبوا لهم في بيتهم نسب وفي وسط الملا نسب كما لم تخف سافرة وتخفى حين تنتقب أآخر مرتين سبيتمونا وفي الإسلام ما كره السباء إذا استحللتم هذا وهذا فليس لنا على ذاكم بقاء فلا تأمن على حال دعياً فليس له على حالٍ وفاء وكيف يفي لأبعد من أبيه ونسبته إذا اتصل الدعاء الباه وما قيل فيه ذكر عند مالك بن أنس الباه فقال: هو نور وجهك ومخ ساقك فأقل منه أو أكثر. وقال معاوية: ما رأيت نهما في النساء إلا عرفت ذلك في وجهه. وقال الحجاج لابن شماخ العكلي: ما عندك للنساء قال: أطيل الظماء وأرد فلا أشرب. وقيل للمدائني: ما عندك يا أبا الجحاف قال: يمتد ولا يشتد ويرد ولا يشرب. وقيل لآخر: ما عندك لهن قال: ما يقطع حجتها ويشفي غلمتها. وقال كسرى كنت أراني إذا كبرت أنهن لا يحببنني فإذا أنا لا أحبهن. وأنشد الرياشي لأعرابي من بني أسد: تمنيت لو عاد شرخ الشباب ومن ذا على الدهر يعطى المنى وكنت مكيناً لدى الغانيات فلا شيء عندي لها ممكنا فأما الحسان فيأبينني وأما القباح فآبى أنا ودخل عيسى بن موسى على جارية فلم يقدر على شيء فقال: النفس تطمع والأسباب عاجزةٌ والنفس تهلك بين اليأس والطمع أنت الفداء لمن قد كان يملؤه ويشتكي الضيق منه حين يلقاه وقال آخر لجاريته: ويعجبني منك عند الجماع حياة الكلام وموت النظر وقال آخر: شفاء الحب تقبيل ولمسٌ وسبح بالبطون على البطون ورهز تذرف العينان منه وأخذ بالذوائب والقرون وقالت امرأة كوفية: دخلت على عائشة بنت طلحة فسألت عنها فقيل هي مع زوجها في القيطون فسمعت زفيراً ونخيراً لم يسمع قط مثله ثم خرجت وجبينها يتفصد عرقاً فقلت لها: ما ظننت أن حرة تفعل مثل هذا فقالت: إن الخيل العتاق تشرب بالصفير. وقيل لأعرابي: ما عندك للنساء فأشار إلى متاعه وقال: وتراه بعد ثلاث عشرة قائماً نظر المؤذن شكَّ يوم سحاب وقال الفرزدق: أنا شيخٌ ولي امرأةٌ عجوز تراودني على ما لا يجوز وقالت رق أيرك مذ كبرنا فقلت لها بل اتسع القفيز لا يعقب التقبيل إلا زبي ولا يداوي من صميم الحب إلا احتضان الركب الأزب ينزع منه الأير نزع الضب روى زياد عن مالك عن محمد بن يحيى بن حبان أن جدته عاتبت جده في قلة إتيانه إياها فقال لها: أنا وأنت على قضاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه. قالت: وما قضاء عمر قال: قضى أن الرجل إذا أتى امرأته عند كل طهر فقد أدى حقها. قالت: أفترك الناس كلهم قضاء عمر وأقمت أنا وأنت عليه. فقال: أنا شيخ ولي امرأة عجوز تراودني على ما لا يجوز تريدني أنيكها في كل يوم وذلك عند أمثالي عزيز وقالت رق أيرك مذ كبرنا فقلت لها: بل اتسع القفيز وقال أعرابي حين كبر وعجز: عجبت من أيري وكيف يصنع أدفعه بإصبعي ويرجع يقوم بعد النشر ثم يصرع ودخلت عزة صاحبة كثير على أم البنين زوج عبد الملك بن مروان فقالت لها: أخبريني عن قول كثير: ما هذا الدين الذي طلبك به قالت: وعدته بقبلة فخرجت منها. قالت: وعدته بقبلة فخرجت منها. قالت أنجزيها وعلي إثمها. علي بن عبد العزيز قال: كان أبو البيداء رجلاً عنينا وكان يتجلد ويقول لقومه: زوجوني امرأتين. فقالوا له: إن في واحدة كفاية. قال: أما لي فلا. فقالوا: نزوجك واحدة فإن كفتك وإلا نزوجك أخرى فزوجوه أعرابية فلما دخل بها أقام معها أسبوعاً فلما كان في اليوم السابع أتوه فقالوا له: ما كان من أمرك في اليوم الأول قال: عظيم جداً. فقالوا: ففي اليوم الثالث قال: لا تسلوني. فاستجابت امرأته من وراء الستر فقالت: كان أبو البيداء ينزو في الوهق حتى إذا أدخل في بيتٍ أنق فيه غزالٌ حسن الدل خرق مارسه حتى إذا ارفض العرق انكسر المفتاح وانسد الغلق أهديت جاريةٌ إلى حماد عجرد وهو جالس مع أصحابه على لذة فتركهم وقام بها إلى مجلس له فافتضها وكتب إليهم: قد فتحت الحصن بعد امتناع بسنانٍ فاتحٍ للقلاع ظفرت كفي بتفريق جمع جاءنا تفريقه باجتماع آخر: لم يوافق طباع هذا طباعي فأنا وهي دهرنا في صراع وتحريت أن أنال رضاها فأبت غير جفوة وامتناع فتفكرت لم بليت بهذا فإذا أن ذا لضعف المتاع وقع بين رجل وامرأته شر فجعل يحيل عليها بالجماع فقالت: فعل الله بك كلما وقع بيننا شيء جئتني بشفيع لا أقدر على رده. وأقبل رجلٌ إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: إن لي امرأةً كلما غشيتها تقول: قتلتني قتلتني. قال: اقتلها وعلي اثمها. وقال هشام بن عبد الملك للأبرش الكلبي: زوجني امرأةً من كلب. ففعل وصارت عنده. فقال له هشام ودخل عليه: لقد وجدنا في نساء كلب سعة. فقال له الأبرش: إن نساء كلب خلقن لرجال كلب. وقالوا: من ناك لنفسه لم يضعف أبداً ولم ينقطع ومن فعل ذلك لغيره فذاك الذي يصفي وينقطع. يعنون من فعل ذلك ليبلغ أقصى شهوة المرأة ويطلب الذكر عندها. وقال الشاعر: من ناك للذكر أصفى قبل مدته لا يقطع النيك إلا كل منهوم وقالوا: من قل جماعه فهو أصح بدناً وأطول عمراً ويعتبرون ذلك بذكور الحيوان. وذلك أنه ليس في الحيوان أطول عمراً من البغل ولا أقصر عمراً من العصافير وهي أكثر سفاداً. والله أعلم