الرئيسيةبحث

العقد الفريد/الجزء الثالث/12

أمر الشورى في خلافة عثمان بن عفان

صالح بن كيسان قال: قال ابن عباس: دخلت على عُمر في أيام طَعْنته وهو مُضطجع على وسادة من أدم وعنده جماعةٌ من أصحاب النبيّ ﷺ. فقال له رجل: ليس عليك بأس. قال: لئن لم يكن علِيّ اليوم ليكونّ بعد اليوم وإنّ للحياة لنصِيباً من القلب وإن للموت لكُربة وقد كنتُ أحب أن أُنجيَ نفسي وأنجوَ منكمِ وما كنتُ من أمركم إلا كالغَريق يرى الحياة فيرجوها ويخشى أن يموت دونها فهو يرْكض بيديه ورجليه وأشدُ من الغريق الذي يرى الجنَة والنار وهو مشغول. ولقد تركتُ زَهرتكم كما هي ما لبستُها فأخلقتُها وثمرتَكم يانعة في أكمامها ما أكلتُها وما جَنيت ما جنيت إلا لكم وما تركتُ ورائي دِرْهما ما عدا ثلاثين أو أربعين درهما ثم بكى وبكى الناسُ معه. فقلت: يا أمير المؤمنين أبشر فوالله لقد مات رسولُ الله ﷺ وهو عنك راض ومات أبو بكر وهو عنك راضٍ وإن المسلمين راضون عنك. قال: المَغْرور والله من غَررتموه أما والله لو أن لي ما بين المشرق والمغرب لافتديتُ به من هَوْل الُمَطّلَع. داود بن أبي هِند عن قَتادة قال: لما ثقُل عمر قال لولده عبد الله: ضَع خَدّي على الأرض. فَكَره أن يفعل ذلك. فوضع عمرُ خذَه على الأرض وقال: ويل لعمر ولأم عمر إن لم يَعْفُ الله عنه. أبو أمية بن يَعلى عن نافع قال: قيل لعبد الله بن عُمر: تُغسل الشهداء قال: كان عمر أفضلَ الشُّهداء فغُسّل وكُفن وصلُيَ عليه. يونس عن الحسن وهشامُ بن عُروة عن أبيه قالا: لما طُعن عمرُ بن الخطّاب قيل له: يا أمير المُؤمنين لو استخلفتَ قال: إن تركتُكم فقد تَرككم مَن هو خيرٌ منّي وإِن استخلفتُ فقد استخلف عليكم من هو خير مني ولو كان أبو عُبيدة بن الجَراح حيًّا لاستخلفتُه فإن سألني ربَي قلت: سمعتُ نبيك يقول: إنه أمينُ هذه الأمة ولو كان سالمٌ مولًى أبي حُذيفة حيا لاستخلفتُه فإن سألني ربِّي قلت: سمعتُ نبيَّك يقول: إنّ سالماً ليُحب الله حُبَا لو لم يَخفه ما عصاه. قيل له: فلو أنك عهدتَ إلى عبد الله فإنه له أهلٌ في دينه وفَضله وقديم إسلامه. قال: بِحَسْب آل الخطَّاب أن يُحاسَب منهم رجلٌ واحد عن أمة محمد ﷺ ولوددتُ أني نجوتُ من هذا الأمر كَفافاً لا لي ولا علي. ثم راحوا فقالوا: يا أمير المؤمنين لو عهدتَ فقال: قد كنتُ أجمعتُ بعد مقالتي لكم أن أولّي رجلاً أمركم أرجو أن يَحملكم على الحق - وأشار إلى عليّ - ثم رأيتُ أن لا أتحملها حيّا وميتاً فعليكم بهؤلاء الرًهط الذين قال فيهم النبيٌ ﷺ.: إنهم من أهل الجنة منهم سَعيد بن زيد ابن عمرو بن نُفيل ولستُ مُدخِلَه فيهم ولكن الستَة: علي وعثمان ابنا عبد مناف وسعد وعبد الرحمن بن عوف خال رسول اللهّ ﷺ والزبير حواريّ رسول الله ﷺ وابن عمته وطَلحة الخير فليختاروا منهم رجلاً فإذا ولَوكم والياً فأحسِنوا مُؤازرته. فقال العباس لعلي: لا تَدخل معهم. قال: أكره الخلاف. قال: إذن ترى ما تكره. فلما أصبح عُمرُ دعا عليا وعثمان وسعداً والزُّبير وعبد الرحمن ثم قال: إني نظرت فوجدتُكم رؤساءَ الناس وقادَتهم ولا يكون هذا الأمر إلا فيكم وإني لا أخاف الناسَ عليكم ولكني أخافكم على الناس وقد قُبض رسول اللهّ ﷺ وهو عنكم راض فاجتمعوا إلى حُجرة عائشة بإذنها فتشاوروا واختاروا منكم رجلاً ولْيُصل بالناس صُهيب ثلاثة أيام ولا يأتي اليومُ الرابع إلا وعليكم أميرٌ منكم ويحضركم عبدُ الله مُشيراً ولا شيءَ له من الأمر وطلحة شريككم في الأمر فإن قَدِم في الأيام الثلاثة فأحضروه أمركم وإن مَضت الأيام الثلاثة قبل قدُومه فأمضُوا أمركم. ومن لي بطَلحة فقال سعد: أنا لك به إن شاء الله. قال لأبي طَلحة الأنصاري: يا أبا طلحة إنَ الله قد أعزّ بكم الإسلام فاختر خَمسين رجلاً من الأنصار وكُونوا مع هؤلاء الرهط حتى يَختاروا رجلاً منهم. وقال للمِقْداد بن الأسود الكِنديّ: إذا وضعتُموني في حُفرتي فاجمع هؤلاء الرَّهط حتى يختاروا رجلاً منهم. وقال لصُهيب: صل بالناس ثلاثة أيام وأدخل عليًّا وعثمان والزُّبير وسعداً وعبد الرحمن وطَلحة إن حَضر بيت عائشة وأحْضِر عبدَ الله بن عمر وليس له في الأمر شيء وقُم على رُؤوسهم فإن اجتمع خمسةٌ على رأي واحد وأبى واحدٌ فاشدَخ رأسه بالسيف وإن اجتمع أربعةٌ فرضُوا وأبى اثنان فاضرب رأسيهما فإن رضي ثلاثة رجلاً وثلاثة رجلاً فحكِّموا عبدَ الله بن عمر فإن لم يرضَوا بعبد الله فكُونوا مع الذين فيهم عبدُ الرحمن بن عوف واقتُلوا الباقين إن رغبوا عما اجتمع عليه الناس وخرجوا. فقال علي لقوم معه من بني هاشم: إن أطيع فيكم قومُكم فلن يومروكم أبداً. وتلقاه العبَّاس فقال له: عَدلتْ عنا. قال له: وما أعلمك قال: قَرن بي عثمان ثم قال: إن رضي ثلاثةٌ رجلاً فكونوا مع الذين فيهم عبدُ الرحمن بن عوف فسَعد لا يخالف ابن عَمه عبد الرحمن وعبدُ الرحمن صهر عثمان لا يختلفون فلو كان الآخران معي ما نَفعاني فقال العبّاس: لم أدفعك في شيء إلا رجعتَ إليّ مستأخرا بما أكره أشرتُ عليك عند وفاة رسول الله ﷺ أن تسأله فيمن هذا الأمر فأبيت وأشرتُ عليك بعد وفاة رسول الله ﷺ أن تعاجل الأمر فأبيت وأشرتُ عليك حين سمَّاك عمر في الشُّورى أن لا تدخل معهم فأبيت فاحفظ عنّي واحدة: كل ما عرَض عليك القوم فأمسك إلى أن يولّوك واحذر هذا الرهطَ فإنهم لا يَبْرَحون يدفعوننا عن هذا الَأمر حتى يقوم لنا به غيرُنا. فلما مات عمر وأخرجت جِنازته تصدَّى عليّ وعثمان أيهما يصلّي عليه. فقال عبدُ الرحمن: كلا كما يحب الأمر لستما مِن هذا في شيء هذا صُهيب استخلفه عمرُ يصلّي بالناس ثلاثاً حتى يجتمع الناس على إمام. فصلّى عليه صُهيب. فلما دُفن عمر جمع المِقدادُ بن الَأسود أهل الشُّورى في بيت عائشة بإذنها وهم خمسة معهم ابن عمر وطلحة غائب وأمروا أبا طلحة فَحجبهم. وجاء عمرو بن العاص والمُغيرة بن شُعبة فجلسا بالباب فَحصبهما سعد وأقامهما وقال: تُريدان أن تقولا: حضرنا وكُنَّا في أهل الشُّورى! فتنافس القومُ في الأمر وكثُر بينهم الكلام كلٌّ يرى أنه أحقُّ بالأمر. فقال أبو طلحة: أنا كنتُ لأن تدفعوها أخوفَ مني لأن تنافسوها لا والذي ذَهب بنفس محمد لا أَزيدكم على الأيام الثلاثة التي أمر بها عمر أو أَجلس في بيتي. فقال عبدُ الرحمن: أيكم يُخرج منها نفسه ويتقلّدها على أن يُولّيها أفضَلكم فلم يُجبه أحد. قال: فأنا أنخلع منها. قال عثمان: أنا أولُ مَن رضي فإني سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: عبدُ الرحمن أمين في السماء أمين في الأرض. فقال القوم: رضينا وعليّ ساكت. فقال: ما تقول يا أبا الحسن قال: إن أعطيتَني مَوْثقا لتُؤْثرنّ الحق ولا تَتبع الهوى ولا تَخُص ذا رَحم ولا تألو الأمة نُصحاً. قال: أعطوني مواثيقَكم على أن تكونوا معي على مَن نَكل وأنْ ترضوا بما أخذتُ لكم. فتوثّق بعضُهم من بعض وجعلوها إلى عبد الرحمن. فخَلا بعليّ فقال: إنك أحق بالأمر لقَرابتك وسابقتك وحُسن أثرك ولم تَبْعد فمن أحقُّ بها بعدك مِن هؤلاء قال: عثمان. ثم خلا بعثمان فسأل عن مثل ذلك. فقال: علي. ثم خلا بسعد، فقال: عثمان ثم خلا بالزبير، فقال: عثمان. أبو الحسن قال: لما خاف عليُّ بن أبي طالب عبدَ الرحمن بن عوف والزُّبير وسعدا أن يكونوا مع عثمان لقي سعدا ومعه الحسنُ والحُسين فقال له: " اتقُوا الله الَّذي تَساءلون به والأرحام إنَ الله كان عليكم رَقِيباً ". أسألك برَحم ابنيّ هذيِنِ من رسول الله ﷺ وبرَحم عمِّي حمزة منك أن لا تكون مع عبد الرحمن ظهيراً عليّ لعُثمان فإنّي أدلي إليك بما لا يُدلي به عثمان. ثم دار عبدُ الرحمن لياليَه تلك على مشايخ قُريش يُشاورهم فكلّهم يُشير بعثمان حتى إذا كان في الليلة آلتي استكمل في صَبيحتها الأجل أتى منزلَ المِسْورِ ابن مخْرمة بعد هَجْعة من الليل فأيقظه فقال: ألا أراك إلا نائما ولم أذق في هذه الليالي نوما فانطلِقْ فادعُ لي الزًّبير وسعداً فدعا بهما. فبدأ بالزُّبير في مُؤخَّر المسجد فقال له: خَلِّ بني عبد مناف لهذا الأمر. فقال: نَصيبي لعلي. فقال لسعد: أنا وأنت كالآلة فاجعل نصيبَك لي فأختار. قال: أما إن اخترت نفسك فنَعم وأما إن اخترت عثمان فعليٌّ أحب إليَّ منه. قال: يا أبا إسحاق إني قد خلعت نفسي منها على أن أختار ولو لم أفعل وجُعل إليَّ الخيارُ ما أردتُها إني رأيت كأني في رَوْضة خضراء كثيرةِ العُشب فدخل فَحْل لم أر مثلَه فحلاً أكرمَ منه فمرّ كأنه سَهم لا يلتفت إلى شيء مما في الرَّوضة حتى قَطعها ودَخل بعير يتلوه فأتبع أثرَه حتى خرج إليه من الرّوضة ثم دخل فحلٌ عَبقريّ يَجر خُطامه يلتفت يميناً وشمالًا وَيمضي قَصْد الأولَيْن ثم خرج من الرَّوضة ثم دخل بعير رابع فرَتع في الروضة ولا والله لا أكون البعيرَ الرابع ولا يقوم بعد أبي بكر وعُمَر أحدٌ فيرضى الناسُ عنه. ثم أرسل المِسْورَ إلى عليّ وهو لا يَشك أنه صاحب الأمر. ثم أرسل المِسْورَ إلى عثمان فناجاه طويلاً حتى فرَّق بينهما آذان الصُّبح. فلما صَلوا الصبحَ جَمع إليه الرهطَ وبعث إلى مَن حَضره من المُهاجرين والأنصار وإلى أمراء الأجناد حتى ارتج المسجد بأهله فقال: أيها الناس إنِّ الناس قد احبُّوا أن تلحق أهلُ الأمصار بأمصارهم وقد عَلموا مَن أميرُهم. فقال عمَّار بن ياسر: إن أردت أن لا يختلف المسلمون فبايع عليا. فقال المِقداد بن الأسود: صدق عمَّار إن بايعتَ عليّا قلنا: سَمِعنا وأطعنا. قال ابن أبي سَرْحٍِ: إنْ أردتَ أن لا تختلف قريش فبايع عُثمان إن بايعتَ عثمان سمعنا وأطَعْنا. فشتم عمار ابن أبي سَرْح وقال: متى كنتَ تَنصح المسلمين! فتكلم بنو هاشم وبنو أمية. فقال عمار: أيها الناس إن الله أكرمنا بنبيّنا وأعزّنا بدينه فأنى تَصْرفون هذا الأمرَ عن بيت نبيّكم! فقال له رجلَ من بني مخزوم: لقد عدوتَ طَوْرك يا بن سُمية وما أنت وتأميرُ قريش لأنفسها. فقال سعدُ بن أبي وقَاص: يا عبد الرحمن افرُغ قبل أن يفتتن الناسُ. فقال عبد الرحمن: إني قد نظرت وشاورت فلا تجعلُن أيها الرهطُ على أنفسكم سبيلا. ودعا عليّاً فقال: عليك عهدُ الله وميثاقُه لتعملنّ بكتاب الله وسُنة نبيه وسيرة الخَليفتين من بعده قال: أعمل بمبلغ علمي وطاقتي. ثم دعا عثمان فقال: عليك عهدُ الله وميثاقُه لتعملنَّ بكتاب الله وسُنة نبيّه وسرة الخليفتين من بعده فقال: نعم فبايعه. فقال عليّ: حبوتَه محاباةً ليس ذا بأول يوم تَظاهرتم فيه علينا أمَا والله ما ولّيتَ عثمانَ إلا ليردّ الأمر إليك والله كل يومٍ هو في شأن. فقال عبدُ الرحمن: يا علي لا تَجعل على نفسك سبيلا فإِنّي قد نظرتُ وشاورتُ الناسَ فإذا هم لا يَعْدلون بعثمانَ أحدا. فخرج عليّ وهو يقول: سيَبلغ الكتابُ أجلَه. فقال المقدادُ: يا عبد الرحمن أمَا والله لقد تركتَه من الذين يَقْضون بالحقّ وبه يَعْدلون. فقال: يا مقداد والله لقد اجتهدتُ للمُسلمين. قال: لئن كنتَ أردتَ بذلك الله فأثابك الله ثوابَ المحسنين. ثم قال: ما رأيتُ مثلَ ما أوتي أهلُ هذا البيت بعد نبيِّهم إني لأعجب من قريش أنهم تركوا رجلاً ما أقول إن أحداً أعلم منه ولا أقضيَ بالعَدْل ولا أعرفَ بالحق أما والله لو أجد أعوانا! قال له عبدُ الرحمن: يا مقداد اتق الله فإني أخشى عليك الفِتْنة. قال: وقدم طلحة في اليوم الذي بُويع فيه عثمان فقيلِ له: إنَ الناسَ قد بايعوا عثمان. فقال: أكُلّ قُريش رضُوا به قالوا: نعم. وأتى عثمان فقال له عثمانُ: أنت على رأس أمرك. قال طلحة: فإنْ أبيتُ أتردُها قال: نعم. قال: أكل الناس بايعوك قال: نعم. قال: قد رضيتُ لا أرغب عما اجتمعت الناسُ عليه وبايعه. وقال المغيرة بن شُعبة لعبد الرحمن: يا أبا محمد قد أصبتَ إذ بايعتَ عثمان ولو بايعت غيرَه ما رضيناه. قال: كذبتَ يا أعور لو بايعتُ غيره لبايعتَه وقلت هذه المقالة. وقال عبدُ الله بن عباس: ماشيتُ عمرَ بن الخطاب يوماً فقال لي: يا ابن عبّاس ما يمنع قومَكم منكم وأنتم أهلَ البيت خاص قلت: لا أدري. قال: لكني أدري إنكم فَضلتموهم بالنّبوة فقالوا: إن فَضلوا بالخلافة مع النبوّة لم يُبقوا لنا شيئاً وإن أفضل النَّصيبين بأيديكم بل ما إخالها إلا مُجتمعة لكم وإن نزلت على رغم أنف قريش. فلما أحدث عثمان ما أحدث من تأمير الأحداث من أهل بيته على الجلّة من أصحاب محمد قيل لعبد الرَّحمن: هذا عملُك قال: ما ظننتُ هذا ثمَ مَضى ودَخل عليه وعاتَبه وقال: إنما قَدَّمتك على أن تسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر فخالفتَهما وحابيتَ أهل بيتك وأوطأتَهم رِقاب المُسلمين. فقال: إنَ عمر كان يَقطع قرابته في الله وأنا اصِل قَرابتي في الله. قال عبدُ الرحمنِ: لله عليّ أن لا أكلمك أبدا فلم يُكلَمه أبداً حتى مات ودخل عليه عثمان عائداً له في مرَضه فتحوّل عنه إلى الحائط ولم يُكلِّمه. ذكروا أنَ زياداً أوفد ابن حُصين على معاوية فأقام عنده ما أقام ثم إنَ معاويةَ بعث إليه ليلا فخلا به فقال له: يا بن حُصين قد بلغني أنَّ عندك ذِهناً وعَقلا فأَخبرني عن شيء أسألُك عنه. قال: سَلْني عما بدا لك. قال: أخبرني ما الذي شتَت أمرَ المسلمين وفَرق أهواءهم وخالف بينهم قال: نعم قَتْل الناسِ عثمانَ. قال: ما صنعتَ شيئاً. قال: فمسيرُ عليّ إليك وقِتالًه إياك. قال: ما صنعت شيئاً. قال: ما عندي غيرُ هذا يا أمير المؤمنين. قال: فأنا أخبرك إنه لم يُشتت بين المسلمين ولا فرق أهواءهم ولا خالف بينهم إلا الشُّورى التي جعلها عمرُ إلى ستّة نفر وذلك أنَّ الله بعث محمداً بالهدى ودين الحق ليُظهره على الدين كله ولو كَره المُشركون فَعَمل بما أمره الله به ثم قَبضه الله إليه وقدَم أبِا بكر للصلاة فرضُوه لأمر دُنياهم إذ رَضِيه رسولُ الله ﷺ لأمر دينهم فَعمل بسُنة رسول الله ﷺ وسار بسَيْره حتى قبضه الله واستخلف عمرَ فعمل بمثل سِيرته ثم جعلها شورى بي ستة نفر فلم يكن رجلٌ منهم إلا رجاها لنفسه ورجاها له قومُه وتطلعت إلى ذلك نفسُه. ولو أنَّ عمرَ استخلف عليهم كما استخلف أبو بكر ما كان في ذلك اختلاف. وقال المُغيرة بن شُعبة: إني لعند عمرَ بن الخطاب وليس عنده أحد غيري إذا أتَاه آتٍ فقال: هل لك يا أميرَ المؤمنين في نَفر من أصحاب رسول الله ﷺ يزعمون أنَ الذي فعل أبو بكر في نفسه وفيك لم يكن له وأنه كان بغير مَشورة ولا مُؤامرة وقالوا: تعالوا نتعاهد أن لا نعود إلى مثلها. قال عمر: وأين هم قال: في دار طَلْحة. فخرج نحوهم وخرجتُ معه وما أعلمه يُبصرني من شدّة الغضب فلما رأواه كَرهوه وظنوا الذي جاء له. فوقف عليهم وقال: أنتم القائلون ما قلتم والله لن تتحابوا حتى يتحابّ الأربعة: الإنسان والشيطان يُغويه وهو يَلعنه والنار والماء يطفئها وهي تُحرقه ولم يأنِ لكم بعدُ وقد آن ميعادُكم ميعاد المسيخ متى هو خارج. قال: فتفرّقوا فسلك كلُّ واحد منهم طريقا. قال المُغيرة: ثم قال لي: أدرك ابن أبي طالب فاحْبِسه عليّ. فقلت: لا يفعل أميرُ المؤمنين وهو مُغِدّ. فقال: أدرِكه وإلا قلتُ لك يا بن الدباغة. قال: فأدركتُه فقلت له: قِف مكانَك لإمامك واحلُم فإنه سُلطان وسيَندم وتَندم. قال: فأقبل عمر فقال: والله ما خَرج هذا الأمر إلا من تحت يدك. قال عليّ: اتق أن لا تكون الذي نُطيعك فَنَفْتِنك. قال: وتُحب أن تكون هو قال: لا ولكنَّنا نُذكّرك الذي نَسيتَ. فالتفت إليّ عمر فقال: انصرف فقد سمعتَ منَا عند الغضب ما كفاك فتنجّيتُ قريباً وما وقفتُ إلا خشيةَ أن يكون بينهما شيء فأكونَ قريباً فتكلَما كلاماً غير غَضْبانين ولا راضيَين ثم رأيتُهما يَضحكان وتفرقا. وجاءني عمر فمشيتُ معه وقلت: يَغفر الله لك أغضبتَ قال: فأشار إلى علي وقال: أما واللهّ لولا دُعابهٌ فيه ما شككتُ في ولايته وإن نزلتْ على رَغم أنف قريش. العُتبي عن أبيه: إن عُتبة بن أبي سُفيان قال: كنتُ مع معاوية في دار كِنْدة إذ أقبل الحسنُ والحُسين ومحمد وبنو علي بن أبي طالب فقلت: يا أميرَ المؤمنين إنَّ لهؤلاء القوم أشعاراً وأبشاراً وليس مثلهم كَذب وهم يزعمون أنّ أباهم كان يعلم. فقال: إليك من صَوْتك فقد قَرُب القوم فإذا قاموا فذكِّرني بالحديث فلما قاموا قلت يا أميرَ المؤمنين ما سألتُك عنه من الحديث قال: كل القوم كان يَعلم وكان أبوهم مِن أعلمهم. ثم قال. قدمتُ على عمرَ بن الخطاب فإني عنده إذ جاءه عليِّ وعثمان وطلحةُ والزبير وسعدٌ وعبد الرحمن بن عوف فاستأذنوا فأذِن لهم فدخلوا وهم يتدافعون ويَضْحكون فلما رآهم عمرُ نَكس فعلموا أنه عِلى حاجة فقاموا كما دخلوا. فلما قاموا أتبعهم بصرَه فقال: فِتْنة أعُوذ بالله من شرهم وقد كَفاني الله شرَهم. قال: ولم يكن عمر بالرجل يُسأل عما لا يُفسَّر. فلماِ خرجت جعلت طريقي على عثمان فحدَثته الحديثَ وسألته الستر. قال: نعم على شريطة. قلت: هي لك. قال: تَسمع ما أخبرك به وتَسكت إذا سكتُ. قلت: نعم. قال: ستة يُقدح بهم زِناد الفِتنة يجري الدمُ منهم على أربعة. قال: ثم سكت. وخرجتُ إلى الشام فلما قدمتُ علىِ عمر فَحدث من أمره ما حَدث فلما مضت الشُورى ذكرتُ الحديث فأتيت بيت عثمان وهو جالس وبيده قَضيب فقلت: يا أبا عبد الله تذكر الحديثَ الذي حدَثتَني قال: فأزَمَ على القضيب عَضًا ثم أقلع عنه وقد أثر فيه فقال: ويحك يا معاوية أيَ شيء ذَكَرتني! لولا أن يقول الناسُ خاف أن يُؤخذ عليه لخرجتُ إلى. الناس منها. قال: فأبى قضاءُ الله إلا ما ترى. ومما نَقم الناسُ على عثمان أنه آوى طريدَ رسول الله ﷺ الحكَم بن أبي العاص ولم يُؤْوه أبو بكر ولا عُمر وأعطاه مائةَ ألف وسَير أبا ذَرّ إلى الربذة وسير عامرَ بن عبد قيس من البَصرة إلى الشام وطَلب منه عُبيد الله بنُ خالد بن أسِيد صلةً فأعطاه أربعمائة ألف وتصدّق رسولُ الله ﷺ بمهزور - موضِع سوق المدينة - على المُسلمين فأقطعها الحارثَ بن الحَكم أخا مَرْوان وأقطع فدك مروانَ وهي صدقة لرسول الله ﷺ وافتتح إفريقية وأخذ خُمسه فوهبه لمَروان. فقال عبد الرحمن بن حَنْبل الْجُمحي: فأحْلِفُ بالله رَبّ الأنا م ما كتب الله شيئا سُدَى ولكنْ خلِقت لنا فِتْنةً لكَي نُبتَلى بك أو تبتلى فإن الأمينَينْ قد بَينا مَناراً لحق عليه الهُدى فما أخذا دِرْهما غِيلةً وما تَركا دِرْهما في هَوى وأعطيتَ مَرْوان خمس العبا د هيهات شأوك ممن شَأى

نسب عثمان وصفته

هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف. أمه أروى بنت كُريز بن رَبيعة بن حَبيب بن عبد شمس. وأمها البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم عم النبيّ ﷺ. وكان عثمان أبيضَ مُشرباً صُفرة كأنها فضة وذهب حَسنَ القامة حَسن الساعدين سَبط الشعر أصلع الرأس أجمل الناس إذا اعتمَّ مُشرف الأنف عَظيم الأرْنبة كثير شَعر السّاقين والذّراعين ضَخْم الكَراديس بعيدَ ما بين المَنْكبين. ولما أسنَ شدّ أسنانه بالذَهب وسَلِس بَوْلُه فكان يتوضَّأ لكل - صلاة وَلِي الخلافةَ مُنْسلخَ ذي الحِجّة سنة ثلاث وعشرين وقُتل يوم الجمعة صَبيح عيد الأضحى سنة خمس وثلاثين. وفي ذلك يقول حسان: ضَحوا بأشمطَ عُنوان السُّجود به يُقطِّع الليلَ تسبيحاً وقُرآنا لنسمعنّ وشيكاً في دِيارهمُ الله أكبرُ يا ثاراتِ عُثمانا فكانت ولايتُه اثنتي عشرةَ سنة وستةَ عشر يوما. وهو ابن أربع وثمانين سنة. وكان على شرُطته - وهو أوّل من - اتخذ صاحبَ شرطة - عبيدُ الله ابن قُنفذ. وعلى بيت المال عبدُ الله بن أرقم ثم استعفاه. وكاتبه: مروان. وحاجبه: حُمران مولاه. سالمُ بن عبد الله بن عُمر قال: أصاب الناسَ مجاعة في غَزوة تبوك فاشترى عثمان طعاماً على ما يُصلح العسكر وجَهز به عِيراً. فنظر النبي ﷺ إلى سواد مُقبل فقال: هذا جمل أشقر قد - جاءكم بميرة. فأنيخت الركائب فرَفع رسولُ الله ﷺ يديه إلى السماء وقال: اللهم إني قد رضيتُ عن عثمان فارضَ عنه. وكان عثمان حليما سخيًا مُحببا إلى قريش حتى كان يقال: " أحبك والرحمن حب قُريش عثمان ". وزوجه النبي ﷺ رُقية ابنته فاتت عنده فزوّجه أم كلثوم ابنته أيضاً. الزهري عن سعيد بنُ المُسيب قال: لما ماتت رُقية جَزع عثمانُ عليها وقال: يا رسول الله انقطع صِهْري منك. قال: إن صهرك مني لا ينقطع وقْد أمرني جبريلُ أن أزوجك أختَها بأمر الله. عبد الله بن عباس قال: سمعتُ عثمان بن عفان يقول: دخل عليّ رسولُ الله ﷺ في هذا البيت فراني ضجيعا لأم كلثوم فاستعبر فقلت: والذي بَعَثك بالحق ما اضطجعتْ عليه أنثى بعدها. فقال: ليس لهذا استعبرتُ فإن الثياب للحيّ وللميت الحَجر ولو كُن يا عثمان عشراً لزوجتُكهن واحدةً بعد واحدة. وعرض عمرُ بن الخطاب ابنته حَفصة على عُثمان فأبى منها فشكاه عمرُ إلى النبي ﷺ فقال: سيزوج الله ابنتك خيراً من عثمان ويزوج عثمان خيراً من ابنتك. فتزوج رسولُ الله ﷺ حَفصة وزوج ابنته من عثمان بن عفان. " ومن حديث الشَّعبي أن النبي عليه إسلام دخل عليه عثمان فسوّى ثوبه عليه وقال: كيف لا أستحي ممن تَستحي منه الملائكة!

مقتل عثمان بن عفان

الرياشي عن الأصمعي قال: كان القواد الذين ساروا إلى المدينة في أمر عثمان أرِبعة: عبدُ الرحمن بن عُديس التَنوخيّ وحَكيم بن جَبلة العَبْديّ والأشتر النَخَعي وعبدُ الله بن فُديك الخُزاعي. فقدمُوا المدينةَ فحاصروه وحاصره معهم قومٌ من المهاجرين والأنصار حتى دخلوا عليه فقتلوه والمصحف بين يديه. ثم تقدّموا إليه وهو يقرأ يومَ الجمعة صَبيحة النَّحر وأرادوا أن يقطعوا رأسه ويَذهبواِ به فرمَت نفسها عليه امرأتُه نائلةُ بنت الفُرافصة وابنة شَيبة بن ربيعة فتركوه وخرجوا. فلما كان ليلةَ السبت انْتَدب لدفنه رجال منهم: خبير ابن مُطعم وحَكيم بن حِزام وأبو الجَهم بن حُذيفة وعبدُ الله بن الزُبير فوضعوه على باب صَغير وخرجوا به إلى البَقيع ومعهم نائلةُ بنتُ الفُرافصة بيدها السَراج. فلما بلغوا به البَقيع مَنعهم من دَفْنه فيه رجالٌ من بني ساعدة فردّوه إلى حُش كَوكب فدفنوه فيه وصلّى عليه خبير بن مُطعِم ويقال: حَكيم بن حِزام. ودَخلت القبرَ نائلةُ بنت الفُرافصة وأمُ البنين بنت عُيينة زوجتاه وهما دلّتاه في القبر. والحُش: البستان. وكان حُشَّ كوكب اشتراه عثمان فجعله أولادُه مقبرة للمُسلمين. يعقوب بن عبد الرحمن: عن محمد بن عِيسى الدِّمشقي عن محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ذِئب عن محمد بن شهاب الزُّهري قال: قلتُ لسعيد بن المُسيّب: هل أنت مُخبري كيف قتل عثمان وما كان شأن الناسِ وشأنه ولم خَذله أصحاب محمد ﷺ فقال: قُتل عثمان مَظلوماً ومَن قتله كان ظالماً ومَن خذله كان مَعذوراً. قلت: وكيف ذاك قال: إنّ عثمان لما وَلي كَره ولايتَه نفرٌ من أصحاب رسول الله ﷺ لأنّ عثمان كان يُحب قومه فوَلي الناسَ اثنتي عشرة سنةً وكان كثيراً ما يُولّي بني أمية ممن لم يكن له من لرسول الله ﷺ صُحبة وكان يَجيء من أمرائِه ما يُنكره أصحابُ محمد فكان يُستعتب فيهم فلا يَعزلهم. فلما كان في الحِجج الآخرة استأثر ببني عمه فولّاهم وأمرهم بتقوى الله فخرجوا. وولّى عبدَ الله بن أبي صح مصرَ فمكث عليها سِنين فجاء أهلُ مصر يشكونه ويتظلّمون منه. ومن قبل ذلك كانت من عثمان هَناةٌ إلى عبد الله بن مسعود وأبي ذَرّ وعمّار بن ياسر. فكانت هُذيل وبنو زُهرة في قلوبهم ما فيها لابن مَسعود. وكانت بنو غِفار وأحلافها ومن غَضب لأبي ذرّ في قلوبهم ما فيها وكانت بنو مخَزوم قد حَنِقت على عثمان بما نال عمّارَ بن ياسر. وجاء أهلُ مصر يشكون من ابن أبي سرَح فكتب إليه عثمانُ كتاباً يتهدّده فأبى ابن أبي سرح أن يَقبل ما نهاه عثمانُ عنه وضَرب رجلاً ممن أتى عثمانَ فقتله. فخرج من أهل مصر سبعُمائة رجل إلى المدينة فنزلوا المسجدَ وشكوا إلى أصحاب رسول الله ﷺ في مواقيت الصلاة ما صَنع ابن أبي سَرْح. فقام طلحةُ بن عُبيد الله فكلَّم عثمانَ بكلام شديد. وأرسلت إليه عائشةُ: قد تقدَّم إليك أصحابُ رسول اللهّ ﷺ وسألوك عَزل هذا الرجل فأبيتَ أن تعزلَه فهذا قد قَتل منهم رجلاً فأنْصِفهم من عاملك. ودخل عليه عليٌّ وكان متكلّمَ القوم فقال: إنما سألوك رجلاً مكَان رجل وقد ادعوا قِبله دماً فاعزله عنهم واقض بينهم وإن وجب عليه حق فأنصفهم منه. فقال لهم: اختاروا رجلاً أولِّه عليكم مكانَه. فأشار الناسُ عليهم بمحمد ابن أبي بكر. فقالوا: استعمل علينا محمدَ بن أبي بكر. فكَتب عهدَه وولاّهَ وأخرج معهم عِدَّة من المُهاجرين والأنصار يَنظرون فيما بين أهل مِصر وابن أبي سَرْح. فخرج محمد ومَن معه فلما كان على مَسيرة ثلاثة أيام من المدينة إذا هم بغُلام أسود على بعير يَخبط الأرض خَبْطا كأنه رجل يَطلب أو يُطلب. فقال له أصحابُ محمد: ما قصتك وما شأنك كأنك هارب أو طالب. فقال: أنا غلامُ أمير المؤمنين وجّهني إلى عامل مصر. فقالوا: هذا عامل مصر معنا. قال: ليس هذا أريد. وأخبر بأمره محمدُ بن أبي بكر فبعث في طلبه فأتي به فقال له: غلامُ من أنت قال: فأقبل مرة يقول: غلام أمير المؤمنين ومرة: غلامُ مَروان حتى عَرفه رجل منهم أنَّه لعثمان. فقال له محمد: إلى من أرسلت قال: إلى عامل مصر. قال: بماذا قال: برسالة. قال: معك كتاب قال: لا. ففتّشوه فلم يُوجد معه شيء إلا إداوة قد يَبِست فيها شيء يَتقلقل فحركوه ليخرج فلم يَخْرج فشقُوا الإداوة فإِذا فيها كتاب من عثمان إلى ابن أبي سرَح. فجمع محمدٌ مَن كان معه من المهاجرين والأنصار وغيرهم ثم فُكّ الكتاب بِمَحضر منهم فإذا فيه: إذا جاءك محمد وفلان وفلان فاحتل لقَتْلهم وأبْطل كتابَهم وقَرَّ على عملك حتى يأتيَك رأي واحتبس مَن جاء يتظلّم منك ليأتيك في ذلك رأي إن شاء الله. فلما قرأوا الكتاب فَزعوا وعَزموا على الرُّجوع إلى المدينة وخَتم محمد الكتاب بخواتم القوم الذين أرسلوا معه ودَفعوا الكتاب إلى رجل منهم وقَدِموا المدينة فجمعوا عليًّا وطلحةَ والزُّبير وسعداً ومَن كان من أصحاب رسول الله ﷺ ثمّ فكّوا الكتاب بمَحضر منهم وأخبروهم بقصّة الغلام وأقرأوهم الكتابَ فلم يبق أحدٌ في المدينة إلا حَنِق على عثمان وازداد مَن كان منهم غاضباً لابن مسعود وأبي ذر وعمّار بن ياسر غَضباً وحَنقا وقام أصحابُ النبي ﷺ فلحقوا منازلَهم ما منهم أحد إلا وهو مُغتم بما قرأوا في الكتاب. وحاصرَ الناسُ عثمان وأجلب عليه محمدُ بن أبي بكر بنِي تَيم وغيرهم وأعانه طلحةُ بن عبيد اللهّ على ذلك. وكانت عائشة تُقرّضه كثيراً. فلما رأى ذلك عليّ بعث إلى طلحةَ والزُبير وسَعد وعَمَّار ونفرٍ من أصحاب رسول الله ﷺ كلّهم بَدْري ثم دخل على عثمان ومعه الكتابُ والغلام والبعير وقال له علي: هذا الغلام غلامك قال: نعم. والبعيرُ بعيرك قال: نعم. والخاتَم خاتمك قال: نعم. قال: فأنت كتبتَ الكِتاب قال: لا وحَلف بالله: ما كتبتُ الكتاب ولا أمرتُ به ولا وجّهت الغلامَ إلى مصر قط. وأما الخط فعرفوا أنه خط مَرْوان وشكّوا في أمر عثمان وسألوه أن يَدفع إليهم مَروان فأبى. وكان مَروان عنده في الدار. فخرج أصحابُ محمد من عنده غِضاباً وشكّوا في أمر عثمان وعَلِموا أنه لا يَحْلف باطلاً إلا أن قوماً قالوا: لا نُبرىء عثمان إلا أن يدفع إلينا مَروان حتى نَمتَحنه ونَعْرف أمرَ هذا الكتاب وكيف يأمر بقَتل رجال من أصحاب محمد ﷺ بغير حق! فإن يك عثمانُ كَتبه عَزلناه وإن يك مروان كَتبه على لسانه نَظرنا في أمره ولزموا بيوتَهم. وأبى عثمانُ أن يُخرج إليهم مروانَ وخَشي عليه القتل. وحاصرَ الناسُ عثمانَ ومَنعوه الماء فأشرف عليهم فقال: أفيكم عليّ قالوا: لا. قال: أفيكم سَعد قالوا: لا. فسكت ثم قال: ألا أحدٌ يبلغ عليّا فَيسقينا ماء فبلغ ذلك عليا فبعث إليه ثلاث قِرَب مملوءة ماء فما كادت تصلُ إليه وجُرح بسببها عِدَّة من موالي بني هاشم وبني أمية حتى وصل إليه الماء. فبلغ عليًّا أن عثمان يراد قَتله فقال: إنما أردنا منه مَروان فأما قَتلِ عثمان فلا. وقالت للحسن والحُسين: اذهبا بسَيْفيكما حتى تَقوماً على باب عثمان فلا تدعا أحداً يصل إليه بمكروه. وبعث الزُّبيرُ ولدَه وبعث طَلحة ولدَه على كُره منه وبعث عِدّة من أصحاب رسول الله ﷺ أبناءَهم ليمنعوا الناسَ أن يَدخلوا على عثمان وسألوه إخراج مَرْوان. ورَمى الناس عثمان بالسِّهام حتى خضب الحسن بن عليّ الدِّماء على بابه وِأصاب مَروانَ سهْمٌ في الدار وخُضب محمد بن طلحة وشجّ قُنبر مولى عليّ. وخشي محمد بن أبي بكر أن تَغضب بنو هاشم لحال الحَسن والحُسين فيُثيرونها فأخذ بيدي رجلين فمال لهما: إذا جاءت بنو هاشم فرأوا الدماء على وجه الحَسن والحُسين كُشف الناس عن عثمان وبَطل ما نُريد ولكن مُرّوا بنا حتى نتسوّرَ عليه الدار فنقتلِه من غير أن يعلم أحد. فتسوَّر محمد بن أبي بكر وصاحباه من دار رجل من الأنصار. ويقال من دار محمد بن حَزْم الأنصاري. ومما يدل على ذلك قولُ الأحوص: لا تَرْثينّ لَحزميٍّ ظَفِرتَ به طُرًّا ولو طُرح الحَزْميُّ في النارِ الناخِسين بمروان بذي خُشب والمُدْخِلين على عُثمان في الدار فدخلوا عليه وليس معه إلا امرأته نائلة بنت الفُرافصة والمُصحف في حجره ولا يعلم أحد فّي كان معه لأنهم كانوا على البيوت. فتقدم إليه محمد وأخذ بلحيته فقال له عثمان: أرسل لِحْيتي يا بن أخي فلو رآك أبوك لساءه مكانُك. فتراخت يدُه من لِحْيته وغَمز الرجلين فوجاه بمشَاقص معهما حتى قتلاه وخرجوا هاربين من حيث دخلوا. وخرجت امرأتُه فقالت: إنّ أمير المؤمنين قد قُتل. فدخل الحسن والحْسين ومن كان معهما فوجدوا عثمان مَذْبوحاً فأكبّوا عليه يَبكون. وبلغ الخبرُ عليًّا وطَلحة والزُبير وسعداً ومن كان بالمدينة فخَرجوا وقد ذهبت عقولُهم حتى دخلوا على عثمان فوجدوه مقتولا فاسترجعوا. وقال عليّ لابنيْه: كيف قتل أمير المؤمنين وأنتما على الباب ورَفع يدَه فلَطم الحُسين وضرب صدر الحَسن وشتم محمدَ بن طلحة ولَعن عبدَ الله بن الزُبير. ثم خرج علي وهو غضبان يرى أن طلحة أعان عليه. فلقيه طلحةُ فقال: ما لك يا أبا الحسن ضربت الحَسن والْحُسين فقال: عليك وعليهما لعنةُ الله يُقتل أمير المؤمنين ورجل من أصحاب النبيّ ﷺ بَدْريّ ولم تقم بيّنة ولا حُجة! فقال طلحة: لو دَفع مروانَ لم يُقتل. فقال: لو دفع مروانَ قُتل قبل أن تَثبت عليه حُجة. وخرج علي فأتى منزلَه. وجاءه القوم كُلهم يُهرعون إليه أصحافُ محمد وغيرهم يقولون: أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب فقال: ليس ذلك إلا لأهل بدر فمن رَضي به أهلُ بدر فهو خليفة فلم يبق أحدٌ من أهل بدر إلا أتى عليًّا فقالوا: ما نرى أحداً أولى بها منك فمُد يدَك نُبايعك. فقال: أين طلحة والزُبير وسَعْد فكان أول من بايعه طلحةُ بلسانه وسعدٌ بيده. فلما رأى ذلك علي خرج إلى المسجد فَصعد المنبر فكان أولا مَن صعد طلحةُ فبايعه بيده وكانت إصبعه شلاّء فتطيّر منها عليّ وقال: ما أخلَقه أن يَنْكث. ثم بايعه الزّبير وسعدٌ وأصحاب النبيّ جميعاً. ثمِ نزل ودعا الناسِ وطلبَ مروان فهرب منه. خرجت عائشة باكيةَ تقول: قُتل عثمان مظلوماً! فقال لها عمار: أنتِ بالأمس تُحرضين عليه واليومَ تَبْكِين عليه! وجاء عليٌّ إلى امرأة عثمان فقال لها: من قَتل عثمان قالت: لا أدري دخل رجلان لا أعرفهما إلا أن أرى وجُوههما وكان معهما محمدُ بن أبي بكر وأخبرتْه بما صَنع محمد بن أبي بكر. فدعا علي بمحمد فسأله عما ذكرت امرأةُ عثمان. فقال محمد: لم تكذب وقد والله دخلتُ عليه وأنا أريد قتله فذكر لي أبي فقمتُ وأنا تائب والله ما قتلتُه ولا أسكته. فقالت امرأة عثمان: صَدق ولكنه أدخلهما. لمُعتمر عن أبيه عن الحسن: إن محمد بن أبي بكر أخذ بلِحية عثمان فقال له: ابن أخي لقد قعدتَ منّي مقعداً ما كان أبوك ليقعده. وفي حديث آخر: إنه قال: يا بن أخي لو رآك أبوك لساءه مكانُك. فاسترخت يدُه وخرج محمد. فدخل عليه رجل والمصحف في حجره فقال له: بيني وبينك كتابُ الله فأهوى إليه بالسيف فاتقاه بيده فقطعها. فقال: أما إنها أول يد خَطّت المُفَصَّل.