يقول: هي مثنى مثنى يعني حوافره. والمواسم: جمع ميسم الحديد من وسمت أي إنها كمواسم الحديد في صلابتها. وقوله: سمر أي لون الحافر وهو أصلب الحوافر. ركبن في محص الشوى سبط كفت الوثوب مشدد الأسر الشوى هاهنا: القوائم والواحدة: شواة. ويقال: فرس محص الشوى إذا كانت قوائمه معصوبة. سبط: سهل. كفت الوثوب أي مجتمع من قولك: كفت الشيء إذا جمعته وتممته. مشدد الأسر أي الخلق. قال الأصمعي: فأمر لي بعشرة آلاف درهم. وسبق يوماً فرس للرشيد يسمى المشمر وكان أجراه مع أفراس للفضل وجعفر بني يحيى بن خالد البرمكي فقال أبو العتاهية: جاء المشمر والأفراس يقدمها هوناً على سرعة منها وما انتهرا وخلق الريح حسرى وهي تتبعه ومر يختطف الأبصار والنظرا وقال أبو النجم في شعر يصف الفرس وهو أجود شعر يصف الحلبة: ثم سمعنا برهان نأمله قيد له من كل أفق جحفله فقلت للسائس قده أعجله وأغد لعنا في الرهان نرسله فظل مجنوناً وظل جمله بين شعيبين وزاد يزمله نعلو به الحزن ولا نسهله إذا علا الأخشب صاح جندله ترنم النوح تبكي مثكله كأن في الصوت الذي يفصله طي التجار العصب إذ تنخله وقد رأينا فعلهم فنفعله نطويه والطي الرقيق يجدله نضمر الشحم ولسنا نهزله حتى إذا الليل تولى أثلجه وأتبع الأيدي منه أرجله قمنا على هول شديد وجله نمد حبلاً فوق خط نعدله نقوم قدم ذا وهذا أدخله وقام مشقوق القميص يعجله فوق الخماسي قليلاً يفضله أدرك عقلاً والرهان عمله حتى إذا أدرك خيلاً مرسله ثار عجاج مستطير قسطله تنفش منه الخيل ما لا تغزله مراً يغطيها ومراً تنعله مر القطا انصب عليه أجدله وهو رخي البال ساج وهله قدمه مثلاً لمن يتمثله تطيره الجن وحينا ترجله تسبح أخراه ويطفو أوله ترى الغلام ساجياً ما يركله يعطيه ما شاء وليس يسأله كأنه من زبد يسربله والجن عكاف به تقبله وقال آخر في فرس أبي الأعور السلمي: مر كلمع البرق سام ناظره تسبح أولاه ويطفو آخره " فما يمس الأرض منه حافره " وقول هذا أشبه من قول أبي نجم لأنه يقول: " تسبح أخراه ويطفو أوله " وقال الأصمعي: إذا كان الفرس كما قال أبو النجم فحمار الكساح أسرع منه لأن اضطراب مؤخره قبيح. وقال الأصمعي كان أبو النجم وصافاً للخيل إلا أنه غلط في هذا البيت. وقد غلط رؤبة أيضاً في الفرس فقال يصف قوائمه: " يهوين شتى ويقعن وفقا " ولما أنشده مسلم بن قتيبة. قال له: أخطأت في هذا يا أبا الجحاف جعلته مقيداً. فقال: قربني من ذنب البعير. وأنشد الأصمعي: لما أتيت الحي في متنه كأن عرجوناً بمثنى يدي أقبل يختال على شأوه يضرب في الأقرب والأبعد كأنه سكران أو عابس أو ابن رب حدث المولد وقال غيره: أما إذا استقبلته فكأنه جذع سما فوق النخيل مشذب وإذا اعترضت له استوت أقطاره وكأنه - مستدبراً - متصوب وقال ابن المعتز: وقد يحضر الهيجاء بي شنج النسا تكامل في أسنانه فهو قارح له عنق يغتال طول عنانه وصدر إذا أعطيته الجري سابح إذا مال عن أعطافه قلت شارب عناه بتصرف المدامة طافح وقال أيضاً: ولقد وطئت الغيث يحملني طرف كلون الصبح حين وقد يمشي فيعرض في العنان كما صدف المعشق ذو الدلال وصد الحلبة والرهان والحلبة: مجمع الخيل. ويقال: مجتمع الخيل. ويقال: مجتمع الناس للرهان. وهو من قولك: حلب بنو فلان على بني فلان وأحلبوا إذا اجتمعوا. ويقال منه: حلب الحالب اللبن في القدح أي جمعه فيه. والمقوس: الحبل الذي يمد في صدور الخيل عند الإرسال للسباق. والمنصبة: الخيل حين تنصب للإرسال. وأصل الرهان من الرهن لأن الرجل يراهن يصاحبه في المسابقة يضع هذا رهناً وهذا رهناً فأيهما سبق فرسه أخذ رهنه ورهن صاحبه. والرهان: مصدر راهنته مراهنة ورهاناً كما تقول: قاتلته مقاتلة وقتالاً. وهذا كان من أمر الجاهلية وهو القمار المنهي عنه فإن كان الرهن من أحدهما بشيء مسمى على أنه إن سبق لم يكن له شيء وإن سبقه صاحبه أخذ الرهن فهذا حلال لأن الرهن إنما هو من أحدهما دون الآخر. وكذلك إن جعل كل واحد منهما رهناً وأدخلا بينهما محللاً وهو فرس ثالث يكون مع الأولين ويسمى أيضاً الدخيل ولا يجعل لصاحب الثالث شيء ثم يرسلون الأفراس الثلاثة فإن سبق أحد الأولين أخذ رهنه ورهن صاحبه فكان له طيباً وإن سبق الدخيل أخذ الرهنين معاً وإن سبق هو لم يكن عليه شيء. ولا يكون الدخيل إلا رائعاً جواداً لا يأمنان أن يسبقهما وإلا فهذا قمار لأنهما كأنهما لم يدخلا بينهما محللاً. قال الأصمعي: السابق من الخيل: الأول والمصلي: الثاني الذي يتلوه. قال: وإنما قيل له مصل لأنه يكون عند صلوي السابق وهما جانبا ذنبه عن يمينه وشماله. ثم الثالث والرابع لا اسم لواحد منهما إلى العاشر فإنه يسمى سكيتاً. قال أبو عبيدة: لم نسمع في سوابق الخيل ممن يوثق بعلمه اسما لشيء منها إلا الثاني والعاشر فإن الثاني اسمه المصلي والعاشر السكيت وما سوى ذينك يقال: الثالث والرابع وكذلك إلى التاسع ثم السكيت. ويقال السكيت بالتشديد والتخفيف. فما جاء بعد ذلك لم يعتد به. والفسكل بالكسر: الذي يجيء آخر الليل والعامة تسميه الفسكل بالضم. وقال أبو عبيدة: القاشور: الذي يجيء في الحلبة آخر الخيل وهو الفسكل وإنما قيل للسكيت سكيت لأنه آخر العدد الذي يقف العاد عليه. والسكت: الوقوف. هكذا كانوا يقولون فأما اليوم فقد غيروا. وكان من شأنهم أن يمسحوا على وجه السابق قال جرير: إذا شئتم أن تمسحوا وجه سابق جواد فمدوا في الرهان عنانيا ومن قولنا في هذا المعنى: خلوا عناني في الرهان ومسحوا مني بغرة أبلق مشهور وصف السلاح كانت درع علي صدراً لا ظهر لها. فقيل له في ذلك. فقال: إذا استمكن دعوي من ظهري فلا يبقي. ورئي الجراح بن عبد الله قد ظاهر بين درعين. فقيل له في ذلك. فقال: لست أقي بدني وإنما أقي صبري. واشترى زيد بن حاتم أدراعاً وقال: إني لست أشتري أدراعاً وإنما أشتري أعماراً. وقال حبيب بن المهلب لبنيه لا يقعدن أحدكم في السوق فإن كنتم لا بد فاعلين فإلى زراد أو سراج أو وراق. العتبي قال: بعث عمر بن الخطاب إلى عمرو بن معد يكرب أن يبعث إليه بسيفه المعروف بالصمصامة. فبعث به إليه. فلما ضرب به وجده دون ما كان يبلغه عنه فكتب إليه في ذلك. فرد عليه: إنما بعثت إلى أمير المؤمنين بالسيف ولم أبعث إليه بالساعد الذي يضرب به. وسأله عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوماً عن السلام: فقال: يسأل أمير المؤمنين عما بدا له قال: ما تقول في الترس قال: هو المجن الدائر. وعليه تدور الدوائر. قال: فما تقول في الرمح قال: أخوك وربما خانك فانقصف. قال: فالنبل قال: منايا تخطئ وتصيب. قال: فما تقول في الدرع قال: مثقلة للراجل متعبة للفارس وإنها الحصن الحصين. قال فما تقول في السيف قال: هناك لا أم لك يا أمير المؤمنين. فضربه عمر بالدرة وقال: بل لا أم لك. قال: الحمى أضرعتني لك. الهيثم بن عدي قال: وصف سيف عمرو بن معد يكرب الذي يقال له الصمصامة لموسى الهادي. فدعا به فوضع بين يديه مجرداً ثم قال لحاجبه: إيذن للشعراء. فلما دخلوا أمرهم أن يقولوا فيه. فبدرهم ابن يامين فقال: حاز صمصامة الزبيدي عمرو من جميع الأنام مواسي الأمين سيف عمرو وكان فيما سمعنا خبر ما أغمدت عليه الجفون أخضر المتن بين حديه نور من فرند تمتد فيه العيون أوقدت فوقه الصواعق ناراً ثم شابت به الذعاف القيون فإذا ما سللته بهر الشم س فلم تكد تستبين فكائن الفرند والرونق الجا ري في صفحتيه ماء معين نعم مخراق ذي الحفيظة في الهي جاء يسطو به أم يمين فأمر له ببدرة وخرجوا. وضرب الزبير بن العوام يوم الخندق عثمان بن عبد الله بن المغيرة فقطه إلى القربوس. فقالوا: ما أجود سيفك! فغضب. يريد أن العمل ليده لا لسيفه. وقال: متى تلقني يعدو ببزي مقلص كميت بهيم أو أغر محجل تلاق أمراً إن تلقه فبسيفه تعلمك الأيام ما كنت تجهل وقال أبو الشيص: ختلته المنون بعد اختيال بين صفين من قناً ونصال في رداء من الصفيح صقيل وقميص من الحديد مذال وبلغ أبا الأغر التميمي أن أصحابه بالبادية قد وقع بينهم شر فوجه إليهم ابنه الأغر وقال: يا بني كن يداً لأصحابك على من قاتلهم وإياك والسيف فإنه ظل الموت واتق الرمح فإنه رشاء المنية ولا تقرب السهام فإنها رسل لا تؤامر مرسلها. قال: فبماذا أقاتل قال: بما قال الشاعر: جلاميد يملأن الأكف كأنها رءوس رجال حلقت في المواسم أقبلت الفحول تمشي مشي الوعول فلما تصافحوا بالسيوف فغرت المنايا أفواهها. وقال آخر يذكر قوماً أسروا: استنزلوهم عن الجياد بلينة الخرصان ونزعوهم نزع الدلاء بالاشطان. وقال أعرابي في آخرين ابتغوا قوما أغاروا عليهم: احتثوا كل جمالية عيرانة كيما يخصفون أخفاف المطي بحوافر الخيل. حتى أدركوهم بعد ثالثة فجعلوا المران أرشية المنايا فاستقوا بها أرواحهم. ومن أحسن ما قيل في السيف قول حبيب: ونبهن مثل السيف لو لم تسله يدان لسلته ظباه من الغمد وقال في صفة الرماح: مثقفات سلبن الروم زرقتها والعرب سمرتها والعاشق القضفا ومن الإفراط القبيح قول النابغة في وصف السيف: يقد السلوقي المضاعف نسجه ويوقد في الصفاح نار الحباحب فذكر أنه يقد الدرع المضاعف نسجها والفارس والفرس ويقع بها في الأرض فيقدح النار من الحجارة. تظل تحفر عنه إن ضرب به بعد الذراعين والساقين والهادي وقد جمع العلوي وصف الخيل والسلاح كله فأحسن وجود حيث يقول: بحسبي من مالي من الخيل أعيط سليم الشطي عاري النواهق أمعط وأبيض من ماء الحديد مهند وأسمر عسال الكعوب عنطنط وبيضاء كالضحضاح زعف مفاضة يكفتها عني نجاد مخطط ومعطوفة الأطراف كبداء سمحة منفجة الأعضاد صفراء شوحط فيا ليت مالي غير ما قد جمعته على لجة تيارها يتغطغط ويا ليتني أمسي على الدهر ليلة وليس على نفسي أمير مسلط ومن قولنا في وصف الرمح والسيف: بكل رديني كأن سنانه شهاب بدا في ظلمة الليل ساطع تقاصرت الآجال في طول متنه وعادت به الآمال وهي فجائع وساءت ظنون الحرب في حسن ظنه فهن ظبات للقلوب قوارع وذي شطب تقضي المنايا بحكمه وليس لما تقضي المنية دافع إذا ما التقت أمثاله في وقيعة هنالك ظن النفس بالنفس واقع ومن قولنا في وصف السيف: بكل مأثور على متنه مثل مدب النمل بالقاع يرتد طرف العين من حده عن كوكب للموت لماع وقال إسحاق بن خلف البهراني في صفة السيف: ألقى بجانب خصره أمضى من الأجل المتاح وكأنما ذر الهبا ء عليه أنفاس الرياح ومن جيد صفات السيف قول الغنوي: حسام غداة الروع ماض كأنه من الله في قبض النفوس رسول كأن على إفرنده موج لجة تقاصر في ضحضاحه وتطول كأن جيوش الذركسرن فوقه قرون جراد بينهن ذحول النزع بالقوس إبراهيم الشيباني قال: كان رجل من أهل الكوفة قد بلغه عن رجل من أهل السلطان أنه يعرض ضيعة له بواسط في مغرم لزمه للخليفة فحمل وكيلاً له على بغل وأترع له خرجاً بدنانير وقال له: اذهب إلى واسط فاشتر هذه الضيعة المعروضة فإن كفاك ما في هذا الخرج وإلا فاكتب إلي أمدك بالمال. فخرج فلما أصحر عن البيوت لحق به أعرابي راكب على حمار معه قوس وكنانة فقال له: إلى أين تتوجه فقال: إلى واسط. قال: فهل لك في الصحبة قال: نعم. فسارا حتى فوزا فعنت لهما ظباء فقال له الأعرابي: أي هذه الظباء أحب إليك المتقدم منها أم المتأخر فأزكيه لك قال له: المتقدم. فرماه فخرمه بالسهم فاقتنصه فاشتويا وأكلا. فاغتبط الرجل بصحبة الأعرابي. ثم عنت لهما زفة قطا فقال: أيها تريد فأصرعها لك فأشار إلى واحدة منها. فرماها فأقصدها ثم اشتويا وأكلا. فلما انقضى طعامهما فوق له الأعرابي سهماً ثم قال له: أين تريد أن أصيبك فقال له: اتق الله عز وجل واحفظ زمام الصحبة. قال: لا بد منه. قال: اتق الله ربك واستبقني ودونك البغل والخرج فإنه مترع مالاً. قال: فاخلع ثيابك. فانسلخ من ثيابه ثوباً ثوباً حتى بقي مجرداً. قال له: اخلع أمواقك وكان لابساً خفين مطابقين. فقال له: اتق الله في ودع الخفين أتبلغ بهما من الحر فإن الرمضاء تحرق قدمي. قال: لا بد منه. قال: فدونك الخف فأخلعه. فلما تناول الخف ذكر الرجل خنجراً كان معه في الخف فاستخرجه ثم ضرب به صدره فشقه إلى عانته وقال له: الاستقصاء فرقة: فذهبت مثلاً. وكان هذا الأعرابي من رماة الحدق. وحدث العتبي عن بعض أشياخه قال: كنت عند المهاجر بن عبد الله والي اليمامة. فأتي بأعرابي كان معروفاً بالسرق فقال له: أخبرني عن بعض عجائبك. قال: عجائبي كثيرة. ومن أعجبها أنه كان لي بعير لا يسبق وكانت لي خيل لا تلحق فكنت أخرج فلا أرجع خائباً فخرجت يوما فاحترشت ضبا فعلقته على قتبي ثم مررت بخباء ليس فيه إلا عجوز ليس معها غيرها فقلت: يجب أن يكون لهذه رائحة من غنم وإبل. فلما أمسيت إذا بإبل وإذا شيخ عظيم البطن شثن الكفين ومعه عبد أسود وغد. فلما رآني رحب بي ثم قام إلى ناقة فاحتلبها وناولني العلبة فشربت ما يشرب الرجل فتناول الباقي فضرب بها جبهته ثم احتلب تسع أينق فشرب ألبانهن ثم نحر حواراً فطبخه فأكلت شيئاً وأكل الجميع حتى ألقى عظامه بيضاً. وجثا على كومة من البطحاء وتوسدها ثم غط غطيط البكر. فقلت: هذه والله الغنيمة ثم قمت إلى فحل إبله فخطمته ثم قرنته ببعيري وصحت به فاتبعني الفحل واتبعته الإبل إرباباً به في قطار فصارت خلفي كأنها حبل ممدود. فمضيت أبادر ثنية بيني وبينها مسيرة ليلة للمسرع ولم أزل أضرب بعيري مرة بيدي ومرة برجلي حتى طلع الفجر فأبصرت الثنية وإذا عليها سواد فلما دنوت منه إذا الشيخ قاعد وقوسه في حجره. فقال: أضيفنا قلت: نعم. قال: أتسخو نفسك عن هذه الإبل قلت: لا. فأخرج سهماً كأنه لسان كلب ثم قال: انظره بين أذني الضب المعلق في القتب ثم رماه فصدع عظمه عن دماغه فقال لي: ما تقول قلت: أنا على رأيي الأول قال: انظر هذا السهم الثاني في فقرة ظهره الوسطى ثم رمى به فكأنما قدره بيده ثم وضعه بإصبعه. ثم قال: رأيك فقلت: إني أحب أن أستثبت. قال: انظر هذا السهم الثالث في عكوة. ذنبه والرابع والله في بطنك. ثم رماه فلم يخطئ العكوة. قلت: أنزل آمناً قال: نعم. فدفعت إليه خطام فحله وقلت: هذه إبلك لم يذهب منها وبرة وأنا متى يرميني بسهم يقصد به قلبي. فلما تباعدت قال: أقبل فأقبلت والله فرقاً من شره لا طمعاً في خيره. فقال: ما أحسبك تجشمت الليلة ما تجشمت إلا من حاجة. قلت نعم. قال فاقرن من هذه الإبل بعيرين وامض لطيتك. قال: قلت: أما والله لا أمضي حتى أخبرك عن نفسك فلا والله ما رأيت أعرابياً قط أشد ضرساً ولا أعدى رجلاً ولا أرمى يداً ولا أكرم عفواً ولا أسخى نفساً منك. فصرف وجهه عني حياء وقال: خذ الإبل برمتها مباركاً لك وقال النبي ﷺ: اركبوا وارموا. وأن ترموا أحب إلى من أن تركبوا. وقال: كل لهو المؤمن باطل إلا ثلاث: تأديبه فرسه ورميه عن كبد قوسه وملاعبته امرأته فإنه حق. إن الله ليدخل الجنة بالسهم الواحد: عامله المحتسب والقوي به سبيل الله أي والرامي به في سبيل الله. وروي عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول وهو قائم على المنبر: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي. وكان أرمى أصحاب رسول الله ﷺ سعد بن أبي وقاص لأن رسول الله ﷺ دعا له فقال " اللهم سدد رميته وأجب دعوته " فكان لا يرد له دعاء ولا يخيب له سهم. وذكر أسامة بن زيد أن شيوخاً من أسلم حدثوه: أن رسول الله ﷺ جاءهم وهم يرمون ببطحان. فقال رسول الله ﷺ: ارموا يا بني إسماعيل فقد كان أبوكم رامياً وأنا مع ابن الأدرع. فتعدى القوم فقالوا: يا رسول الله من كنت معه فقد نضل. قال رسول الله ﷺ: ارموا وأنا معكم كلكم. فانتضلوا ذلك اليوم ثم رجعوا بالسواء ليس لأحد على أحد منهم فضل. وقال عمر: ائتزروا وارتدوا وانتعلوا واحتفوا وارموا الأغراض وألقوا الركب وانزوا على الخيل نزوا وعليكم بالمعدية - أو قال بالعربية - ودعوا التنعم وزي العجم. وقال أيضاً: لن تخور قواكم ما نزوتم ونزعتم. يعني نزوتم على ظهور الخيل ونزعتم بالقسي. وجنى قوم من أهل اليمامة جناية فأرسل السلطان إليهم جنداً من محاربة ابن زياد. فقام رجل من أهل البادية يذمر أصحابه فقال: يا معشر العرب ويا بني المحصنات. قاتلوا عن أحسابكم وأنسابكم فوالله إن ظهر هؤلاء عليكم لا يدعون بها لبنة حمراء ولا نخلة خضراء إلا وضعوها بالأرض ولاعتراكم من نشاب معهم في جعاب كأنها أيور الفيلة ينزعون في قسى كأنها الغبط تئط إحداهن أطيط الزرنوق يمعط أحدهم فيها حتى يتفرق شعر إبطيه ثم يرسل نشابة كأنها رشاء منقطع فما بين أحدكم وبين أن تنفضخ عينه أو ينصدع قلبه منزلة. فخلع قلوبهم فطاروا رعباً. مشاورة المهدي لأهل بيته في حرب خراسان هذا ما تراجع فيه المهدي ووزراؤه وما دار بينهم من تدبير الرأي في حرب خراسان أيام تحاملت عليهم العمال وأعنفت فحملتهم الدالة وما تقدم لهم من المكانة على أن نكثوا ببيعتهم ونقضوا موثقهم وطردوا العمال والتواوا بما عليهم من الخراج وحمل المهدي ما يحب من مصلحتهم ويكره من عنتهم على أن أقال عثرتهم واغتفر زلتهم واحتمل دالتهم تطولا بالفضل واتساعاً بالعفو وأخذا بالحجة ورفقاً بالسياسة. ولذلك لم يزل منذ حمله الله أعباء الخلافة وقلده أمور الرعية رفيقا بمدار سلطانه بصيراً بأهل زمانه باسطاً للمعدلة في رعيته تسكن إلى كنفه وتأنس بعفوه وتثق بحلمه. فإذا وقعت الأقضية اللازمة والحقوق الواجبة فليس عنده هوادة ولا إغضاء ولا مداهنة أثرة للحق وقياما بالعدل وأخذا بالحرم. فدعا أهل خراسان الاغترار بحلمه والثقة بعفوه أن كسروا الخراج وطردوا العمال وسألوا ما ليس لهم من الحق. ثم خلطوا احتجاجاً باعتذار وخصومه بإقرار وتنصلاً باعتلال. فلما انتهى ذلك إلى المهدي خرج إلى مجلس خلائه وبعث إلى نفر من لحمته ووزرائه فأعلمهم الحال واستنصحهم للرعية ثم أمر الموالى بالابتداء وقال للعباس بن محمد أي عم تعقب قولنا وكن حكماً بيننا. وأرسل إلى ولديه موسى وهارون فأحضرهما الأمر وشاركهما في الرأي وأمر محمد بن الليث بحفظ مراجعتهم وإثبات مقالتهم في كتاب. فقال سلام صاحب دار المظالم: أيها المهدي: إن في كل أمر غاية ولكل قوم صناعة استفرغت رأيهم واستغرقت أشغالهم واستنفذت أعمارهم وذهبوا بها معونتنا عليها أقوام من أبناء الحرب وساسة الأمور وقادة الجنود وفرسان الهزاهز وإخوان التجارب وأبطال الوقائع الذين رشحتهم سحالها وفيأتهم ظلالها وعضتهم شدائدها وقرمتهم نواجذها. فلو عجمت ما قبلهم وكشعت ما عندهم لوجدت نظائر تؤيد أمرك وتجارب توافق نظرك وأحاديث تقوي قلبك. فأما نحن معاشر عمالك وأصحاب دواوينك فحسن بنا وكثير منا أن نقوم بثقل ما حملتنا من عملك واستودعتنا من أمانتك وشغلتنا به من إمضاء عدلك وإنفاذ حكمك وإظهار حقك. فأجابه المهدي: إن في كل قوم حكمة ولكل زمان سياسة وفي كل حال تدبيراً يبطل الآخر الأول ونحن أعلم بزماننا وتدبير سلطاننا. قال: نعم أيها المهدي أنت متسع الرأي وثيق العقدة قوي المنة بليغ الفطنة معصوم النية محضور الروية مؤيد البديهة موفق العزيمة معان بالظفر مهدي إلى الخير. إن هممت ففي عزمك مواقع الظن وإن أجمعت صدع فعلك ملتبس الشك. فاعزم يهد الله إلى الصواب قلبك وقل ينطق الله بالحق لسانك فإن جنودك جمة وخزائنك عامرة ونفسك سخية وأمرك نافذ. فأجابه المهدي: إن المشاورة والمناظرة باباً رحمة ومفتاحاً بركة لا يهلك عليهما رأي ولا يتفيل معهما حزم فأشيروا برأيكم وقولوا بما يحضركم فإني من ورائكم وتوفيق الله من وراء ذلك. قال الربيع: أيها المهدي أن تصاريف وجوه الرأي كثيرة وإن الإشارة ببعض معاريض القول يسيرة. ولكن خراسان أرض بعيدة المسافة متراخية الشقة متفاوتة السبل. فإذا ارتأيت من محكم التدبير ومبرم التقدير ولباب الصواب رأيا قد احكمه نظرك وقلبه تدبيرك فليس وراءه مذهب الحجة طاعن ولا دونه معلق لخصومة عائب ثم خبت البرد به وانطوت الرسل عليه كان بالحري أن لا يصل إليهم محكمه إلا وقد حدث منهم ما ينقضه. فما أيسر أن ترجع إليك الرسل وترد عليك الكتب بحقائق أخبارهم وشوارد آثارهم ومصاده أمورهم فتحدث رأياً غيره وتبتدع تدبيراً سواه وقد انفرجت الحلق وتحللت العقد واسترخى الحقاب وامتد الزمان. ثم لعلما موقع الآخرة كمصدر الأولى. ولكن الرأي لك أيها المهدي - وفقك الله - أن تصرف إجالة النظر وتقليب الفطر فيما جمعتنا له واستشرتنا فيه من التدبير لحربهم والحيل في أمرهم إلى الطلب لرجل ذي دين فاضل وعقل كامل وورع واسع ليس موصوفاً بهوى في سواك ولا متهماً في أثره عليك ولا ظنيناً على دخلة مكروهة ولا منسوبا إلى بدعة محظورة فيقدح في ملكك ويربض الأمور لغيرك ثم تسند إليه أمورهم وتفوض إليه حربهم وتأمره في عهدك ووصيتك إياه بلزوم أمرك ما لزمه الحزم وخلاف نهيك إذا خالفه الرأي عند استحالة الأمور واستدارة الأحوال التي ينقض أمر الغائب عنها ويثبت رأي الشاهد لها فإنه إذا فعل ذلك فواثب أمرهم من قريب وسقط عنه ما يأتي من بعيد تمت الحيلة وقويت المكيدة ونفذ العمل وأحد النظر. إن شاء الله.