الرئيسيةبحث

العقد الفريد/الجزء الأول/6

قال: فأقام الرجل حيناً متوارياً ثم إنه ظهر بمدينة السلام فكان ظاهراً كغائب خائفاً مترقباً. فبينا هو يمشي في بعض نواحيها إذ بصر به رجل من أهل الكوفة فعرفه فأهوى إلى مجامع ثوبه وقال: هذا بغية أمير المؤمنين فأمكن الرجل من قياده ونظر إلى الموت أمامه. فبينما هو على الحالة إذ سمع وقع الحوافر من وراء ظهره فالتفت فإذا معن بن زائدة فقال: يا أبا الوليد أجرني أجارك الله فوقف وقال للرجل الذي تعلق به: ما شأنك قال: بغية أمير المؤمنين الذي أهدر دمه وأعطى لمن دل عليه مائة ألف. فقال: يا غلام انزل عن دابتك واحمل أخانا. فصاح الرجل: يا معشر الناس يحال بيني وبين من طلبه أمير المؤمنين! قال له معن: اذهب فأخبره أنه عندي. فانطلق إلى باب أمير المؤمنين فأخبر الحاجب فدخل إلى المهدي فأخبره فأمر بحبس الرجل ووجه إلى معن من يحضر به. فأتته رسل أمير المؤمنين وقد لبس ثيابه وقربت إليه دابته فدعا أهل بيته ومواليه فقال: لا يخلصن إلى هذا الرجل وفيكم عين تطرف. ثم ركب ودخل حتى سلم على المهدي فلم يرد عليه. فقال: يا معن أتجير علي قال: نعم يا أمير المؤمنين. قال: ونعم أيضاً! واشتد غضبه. فقال معن: يا أمير المؤمنين قتلت في طاعتكم باليمن في يوم واحد خمسة عشر ألفاً ولي أيام كثيرة قد تقدم فيها بلائي وحسن غنائي فما رأيتموني أهلاً أن تهبوا لي رجلاً واحداً استجار بي فأطرق المهدي طويلاً ثم رفع رأسه وقد سري عنه فقال: قد أجرنا من أجرت. قال معن: فإن رأى أمير المؤمنين أن يصله فيكون قد أحياه وأغناه فعل. قال: قد أمرنا له بخمسين ألف. قال: يا أمير المؤمنين إن صلات الخلفاء تكون على قدر جنايات الرعية وإن ذنب الرجل عظيم فأجزل له الصلة. قال: قد أمرنا له بمائة ألف. قال: فتعجلها يا أمير المؤمنين فإن خير البر عاجله. فأمر بتعجيلها. فدعا لأمير المؤمنين بأفضل دعاء ثم انصرف ولحقه المال. فدعا الرجل فقال له: خذ صلتك والحق بأهلك وإياك ومخالفة خلفاء الله تعالى. قال عمرو بن معد يكرب: الفزعات ثلاث: فمن فزعته في رجليه فذلك الذي لا تقله رجلاه ومن كانت فزعته في رأسه فذلك الذي يفر عن أبويه ومن كانت فزعته في قلبه فذلك الذي يقاتل. وقال الأحنف بن قيس: أسرع إلى الفتنة أقلهم حياء من الفرار. وقامت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: إن لله خلقاً قلوبهم كقلوب الطير كلما خفقت الريح خفقت معها فأف للجبناء! أف للجبناء! وقال الشاعر: يفر الجبان عن أبيه وأمه ويحمي شجاع القوم من لا يناسبه ويرزق معروف الجواد عدوه ويحرم معروف البخيل أقاربه وقال خالد بن الوليد عند موته. لقد لقيت كذا وكذا زحفاً وما في جسمي موضع شبر إلا وفيه ضربة أو طعنة أو رمية ثم هأنذا أموت حتف أنفى كما يموت العير فلا نامت أعين الجبناء. ومن أشعار الفرارين الذين حسنوا فيها الفرار على قبحه حتى حسن قول الفرار السلمي: وكتيبة لبستها بكتيبة حتى إذا التبست نفضت لها يدي هل ينفعنى أن تقول نساؤهم وقتلت دون رجالها: لا تبعد وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: ما اعتذر أحد من الفرارين بأحسن مما اعتذر به الحارث بن هشام حيث يقول: الله يعلم ما تركت قتالهم حتى رموا مهري بأشقر مزبد وعلمت أني إن أقاتل واحداً أقتل ولا يضرر عدوي مشهدي فصدفت عنهم والأحبة فيهم طمعاً لهم بعقاب يوم مرصد وهذا الذي سمعه رتبيل فقال: يا معشر العرب حسنتم كل شيء فحسن حتى الفرار. وبعد هذا يأتي قول حسان في ذلك. وأسلم الحارث يوم فتح مكة وحسن إسلامه وخرج في زمن عمر إلى الشام من مكة بأهله وماله مجاهداً فأتبعه أهل مكة يبكون فرق وبكى وقال: أما لو كنا نستبدل داراً بدارنا أو جاراً بجارنا ما رأينا بكم بدلا ولكنها النقلة إلى الله. فلم يزل هنالك مجاهداً حتى مات. وقال آخر: قامت تشجعني هند وقد علمت أن الشجاعة مقرون بها العطب لا والذي منع الأبصار رؤيته ما يشتهي الموت عندي من له أدب ولست منهم ولا أبغي فعالهم لا القتل يعجبني منهم ولا السلب وقال محمود الوراق: أيها الفارس المشيح المغير إن قلبي من السلاح يطير ليس لي قوة على رهج الخيل إذا ثور الغبار مثير واستدارت رحى الحروب بقوم فقتيل وهارب وأسير حيث لا ينطق الجبان من الذعر ويعلو الصياح والتكبير أنا في مثل ذا وهذا بليد ولبيب في غيره بحرير وقال أيمن بن خريم: إن للفتنة ميطاً بيناً فرويد الميط منها يعتدل فإذا كان عطاء فأتهم وإذا كان قتال فاعتزل إنما يوقدها جهالها حطب النار فدعها تشتعل ومما يحتج به الفرارون ما قاله صاحب كليلة ودمنة: إن الحازم يكره القتال ما وجد بداً منه لأن النفقة فيه من النفس والنفقة في غيره من المال. ومن الفرارين: عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فر من الأزارقة وكان في عشرة آلاف وكان قد بعث إليه المهلب: يا بن أخي خندق على نفسك وعلى أصحابك فإني عالم بأمر الخوارج ولا تغتر. فبعث إليه: أنا أعلم بهم منك وهم أهون علي من ضربة الجمل. فبيته قطري صاحب الأزارقة فقتل من أصحابه خمسمائة وفر لا يلو على أحد. فقال فيه الشاعر: تركت ولداننا تدمى نحورهم وجئت منهزماً يا ضرطة الجمل ومن الفرارين: أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد. فر يوم مرداء هجر من أبي فديك. فسار من البحرين إلى البصرة في ثلاثة أيام فجلس يوماً بالبصرة فقال: سرت على فرسي المهرجان من البحرين إلى البصرة في ثلاثة أيام. فقال له بعض جلسائه: أصلح الله الأمير فلو ركبت النيروز لسرت إليها في يوم واحد. فلما دخل عليه أهل البصرة لم يروا كيف يكلمونه ولا ما يلقونه من القول أيهنئونه أم يعزونه حتى دخل عليه عبد الله بن الأهتم فاستشرف الناس له وقالوا: ما عسى أن يقال للمنهزم فسلم ثم قال: مرحباً بالصابر المخذول الذي خذله قومه الحمد لله الذي نظر لنا عليك ولم ينظر لك علينا فقد تعرضت للشهادة جهدك ولكن علم الله تعالى حاجة أهل الإسلام إليك فأبقاك لهم بخذلان من معك لك. فقال أمية بن عبد الله: ما وجدت أحداً أخبرني عن نفسي غيرك. إذا صوت العصفور طار فؤاده وليث حديد الناب عند الثرائد أتي الحجاج بدواب أمية قد وسم على أفخاذها عدة فأمر الحجاج أن يكتب تحت ذلك: للفرار. وقال أبو دلامة: كنت مع مروان أيام الضحاك الحروري فخرج فارس منهم فدعا إلى البراز فخرج إليه رجل فقتله ثم ثان فقتله ثم ثالث فقتله فانقبض الناس عنه وجعل يدنو ويهدر كالفحل المغتلم. فقال مروان: من يخرج إليه وله عشرة آلاف قال: فلما سمعت عشرة آلاف هانت علي الدنيا وسخوت بنفسي في سبيل عشرة آلاف وبرزت إليه فإذا عليه فرو قد أصابه المطر فارمعل ثم أصابته الشمس فاقفعل وله عينان تتقدان كأنهما جمرتان. فلما رآني فهم الذي أخرجني فأقبل نحوي وهو يرتجز ويقول: وخارج أخرجه حب الطمع فر من الموت وفي الموت وقع " من كان ينوي أهله فلا رجع " فلما رأيته قنعت رأسي ووليت هارباً ومروان يقول: من هذا الفاضح لا يفتكم فدخلت في غمار الناس. وقيل لأعرابي: ألا تغزو العدو قال: وكيف يكونون لي عدواً وما أعرفهم ولا يعرفوني وقيل لآخر: ألا تغزو العدو قال: والله إني لأبغض الموت على فراشي فكيف أخب إليه راكضاً. ومما قيل في الفرارين والجبناء من الشعر قول حسان بن ثابت يعير الحارث بن هشام بفراره يوم بدر وقد تقدم ذكر ذلك: إن كنت كاذبة الذي حدثتني فنجوت منجى الحارث هشام ترك الأحبة لم يقاتل دونهم ونجا برأس طمرة ولجام ملأت به الفرجين فارمدت به وثوى أحبته بشر مقام وقال بعض العراقيين في رجل أكول جبان: إذا صوت العصفور طار فؤاده وليث حديد الناب عند الثرائد وقال فيه: ضعيف القلب رعديد عظيم الخلق والمنظر رأى في النوم عصفوراً فوارى نفسه أشهر وقال آخر: لو جرت خيل نكوصاً لجرت خيل ذفافه وقال آخر: خرجنا نريد مغاراً لنا وفينا زياد أبو صعصعة فستة رهط به خمسة وخمسة رهط به أربعة ولم يقل أحد في وصف الجبن والفرار مثل قول الطرماح في بني تميم: تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا ولو سلكت طرق المكارم ضلت ولو أن برغوثاً على ظهر قملة رأته تميم يوم زحف لولت ولو جمعت يوماً تميم جموعها على ذرة معقولة لاشمعلت وليس يعاب الشجاع والبهمة البطل بالفرة الواحدة تكون منه خاصة لا عامة وقليلة لا عادة كما قال زفر بن الحارث وفر يوم مرج راهط عن أبيه وأخيه فقال: أيذهب يوم واحد إن أسأته بصالح أيامي وحسن بلائيا ولم تر مني زلة قبل هذه فراري وتركي صاحبي ورائيا وفر عمر بن معد يكرب من عباس بن مرداس السلمي وأسر أخته ريحانة. وفيها يقول عمرو: أمن ريحانة الداعي السميع يؤرقني وأصحابي هجوع وفر عن بني عبس وفيهم زهير بن جذيمة العبسي وولده شأس بن زهير وقيس بن زهير أجاعلة أم الثوير خزاية علي فراري إذ لقيت بني عبس لقيت أبا شأس وشأساً ومالكاً وقيساً فجاشت من لقائهم نفسي لقونا فضموا جانبينا بصادق من الطعن مثل النار في الحطب اليبس ولما دخلنا تحت فيء رماحهم خبطت بكفي أطلب الأرض باللمس وليس يعاب المرء من جبن يومه إذا عرفت منه الشجاعة بالأمس وقال أيضاً: ولقد أجمع رجلي بها حذر الموت وإني لفرور ولقد أعطفها كارهة حين للنفس من الموت هرير كل ما ذلك مني خلق وبكل أنا في الروع جدير وابن صبح سادراً يوعدني ما له في الناس ما عشت مجير وقال الحارث لامرأته وذلك أنها نظرت إليه وهو يحد حربة يوم فتح مكة فقالت له: ما تصنع بهذه قال: أعددتها لمحمد وأصحابه. فقالت: ما أرى يقوم لمحمد وأصحابه شيء! قال: والله إني لأرجو أن أخدمك بعضهم قم أنشأ يقول: فلما لقيهم خالد بن الوليد يوم الخندمة انهزم الرجل فلامته امرأته فقال: إنك لو شهدت يوم الخندمة إذ فر صفوان وفر عكرمة وأبو يزيد قائم كالموتمة ولحقتنا بالسيوف المسلمة يفلقن كل ساعد وجمجمة ضرباً فلا تسمع إلا غمغمة لهم نهيت خلفنا وهمهمة لم تنطقي في اللوم أدنى كلمة وكان أسلم بن زرعة وجهه عبيد الله بن زياد لحرب أبي بلال الخارجي في ألفين وأبو بلال في أربعين رجلاً فشدوا عليه شدة رجل واحد فانهزم هو وأصحابه فما دخل على ابن زياد عنفه في ذلك وقال: أتمضي في ألفين وتنهزم. عن أربعين! فخرج عنه وهو يقول لأن يذمني ابن زياد حياً خير من أن يمدحني ميتاً. وفي رواية أخرى: أن يشتمني الأمير وأنا حي أحب إلي من أن يدعو لي وأنا ميت. فقال شاعر الخوارج: أألفا مؤمن لستم كذاكم ولكن الخوارج مؤمنونا هم الفئة القليلة قد علمتم على الفئة الكثيرة ينصرونا ومثل ذلك قول عبد الله بن مطيع بن الأسود العدوي وكان فر يوم الحرة من جيش مسلم بن أنا الذي فررت يوم الحرة والشيخ لا يفر إلا مرة فاليوم أجزى فرة بكره لا بأس بالكرة بعد الفره فلم يزل يقاتل حتى قتل. وأحسن ما قيل في الفرار كله ما قال قيس بن الخطيم: إذا ما فررنا كان أسوا فرارنا صدود الخدود وازورار المناكب أجالدهم يوم الحديقة حاسراً كأن يدي بالسيف مخراق لاعب وقر عتيبة بن الحارث بن شهاب يوم ثبرة عن ابنه حزوة وقال: يا حسرتا لقد لقيت حسرة يالتميم غشيتني غمره نعم الفتى غادرته بثبرة نجيت نفسي وتركت حزرة هل يترك الحر الكريم بكره وفر أبو خراش الهذلي من فائد وأصحابه ورصدوه بعرفات فقال: رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع فقلت - وأنكرت الوجوه - هم هم وقلت وقد جاوزت أصحاب فائد أأعجزت أولى الخيل أم أنا أحلم وفر خبيب بن عوف يوم مرداء هجر من أبي فديك فقال: بذلت لهم يا قوم حولي وقوتي ونصحي وما ضمت يداي من التبر فلما تناهى الأمر بي من عدوكم إلى مهجتي وليت أعداءكم ظهري وطرت ولم أحفل ملامة عاجز يقيم لأطراف الردينية السمر فلو كان لي روحان عرضت واحداً لكل رديني وأبيض ذي أثر رجع بنا القول إلى الفرارين والجبناء وما قيل فيهم. فر خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد عن مصعب بن الزبير يوم الجفرة بالبصرة فقال فيه الفرزدق: وكل بني السوداء قد فر فرة فلم يبق إلا فرة في است خالد فضحتم أمير المؤمنين وأنتم تمرون سودانا غلاظ السواعد وقيل لرجل جبان في بعض الوقائع: تقدم. فأنشأ يقول: وقالوا تقدم قلت لست بفاعل أخاف على فخارتي أن تحطما فلو كان لي رأسان أتلفت واحداً ولكنه رأس إذا راح أعقما ولو كان مبتاعاً لدى السوق مثله فعلت ولم أحفل بأن أتقدما وقالت هند بنت النعمان بن بشير لزوجها روح بن زنباع الجذامي: عجباً منك! كيف سودك قومك وأنت جبان غيور قال: أما الجبن فإن لي نفساً واحدة فأنا أحوطها وأما الغيرة فما أحق بها من كانت له امرأة حمقاء مثلك مخافة أن تأتيه بولد من غيره فترمي به في حجره. وقال كعب بن زهير: بخلاً علينا وجبناً من عدوكم لبئست الخلتان: البخل والجبن فضائل الخيل قال النبي ﷺ في صفة الخيل: أعرفها أدفاؤها وأذنابها مذابها والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة. وقال النبي ﷺ: عليكم بإناث الخيل فإن بطونها كنز وظهورها حرز وأصحابها معانون عليها. وسأل رجل النبي ﷺ فقال: إني أريد أن اشتري فرساً أعده في سبيل الله. فقال له: اشتره أدهم أو كميتاً أقرح أرثم أو محجلاً مطلق اليمين فإنها ميامن الخيل. وقيل لبعض الحكماء: أي الأموال أشرف قال فرس يتبعها فرس في بطنها فرس.

صفة جياد الخيل

كان رسول الله ﷺ يستحب من الخيل الشقر. وقال: لو جمعت خيل العرب في صعيد واحد ما سبقها إلا أشقر. وسأله رجل: أي المال خير قال: سكة مأبورة ومهرة مأمورة. وكان عليه الصلاة والسلام يكره الشكال في الخيل. ووصف أعرابي فرساً فقال: إذا تركته نعس وإذا حركته طار. وأرسل مسلم بن عمرو لابن عم له بالشام يشتري له خيلاً. فقال له: لا علم لي بالخيل. فقال: ألست صاحب قنص قال: بلى. قال: انظر كل شيء تستحسنه في الكلب في الفرس. فأتى بخيل لم يكن في العرب مثلها. وقال بعض الضبيين في وصف فرس: متقاذف عبل الشوى شنج النسا سباق أندية الجياد عميثل وإذا تعلل بالسياط جيادها أعطاك نائله ولم يتعلل سأل المهدي مطر بن دراج عن أي الخيل أفضل قال: الذي إذا استقبلته قلت نافر وإذا استدبرته قلت زاخر وإذا استعرضته قلت زافر. قال: فأي هذه أفضل قال: الذي طرفه إمامه وسوطه عنانه. وقال آخر: الذي إذا مشى ردى وإذا عدا دحا وإذا استقبل أقعى وإذا استدبر جبى وإذا استعر استوى. وسأل معاوية بن أبي سفيان صعصعة بن صوحان: أي الخيل أفضل! قال: الطويل الثلاث القصير الثلاث العريض الثلاث الصافي الثلاث. قال: فسر لنا. قال: أما الطويل الثلاث فالأذن والعنق والحزام. وأما القصر الثلاث فالصلب والعسيب والقضيب. وأما العريض الثلاث فالجبهة والمنخر والورك وأما الصافي الثلاث فالأديم والعين والحافر. وقال عمر بن الخطاب لعمرو بن معد يكرب: كيف معرفتك بعراب الخيل قال: معرفة الإنسان بنفسه وأهله وولده. فأمر بأفراس فعرضت عليه. فقال: قدموا إليها الماء في التراس فما شرب ولم يكتف فهو من العراب وما ثنى سنبكه فليس منها. قلت: إنما المحفوظ أن عمر شك في العتاق والهجن فدعا سلمان بن ربيعة الباهلي فأخبره. فأمر سلمان بطست من ماء فوضع بالأرض ثم قدم إليه الخيل فرساً فرساً فما ثنى سنبكه وشرب هجنه وما شرب ولم يثن سنبكه عربه. وقال حسان بن ثابت يصف طول عنق الفرس: بكل كميت جوزه نصف خلقه أقب طوال مشرف في الحوارك وقال زهير: وملجمنا ما أن ينال قذاله ولا قدماه الأرض إلا أنامله وقال آخر: له ساقا ظليم خا ضب فوجئ بالرعب وقال آخر: هريت قصير عذاب اللجام أسيل طويل عذار الرسن لم يرد بقوله. قصير عذار اللجام قصر خده وإنما أراد طول شق الفم. وأراد بطول عذار الرسن: طول الخد. وقال آخر: بكل هريت نقي الأديم طويل الحزام قصير اللبب وقال أبو عبيدة يستدل على عنق الفرس برقة جحافله وأرنبته وسعة منخريه وعري نواهقه ودقة حقويه وما ظهر من أعالي أذنيه ورقة سالفتيه وأديمه ولين شعره. وأبين من ذلك كله لين شكير ناصيته وعرفه. وكانوا يقولون. إذا اشتد نفه ورحب متنفسه وطال عنقه واشتد حقوه وانهرت شدقه وعظمت فخذاه وانشبخت أنساؤه وعظمت فصوصه وصلبت حوافره ووقحت ألحق بجياد الخيل. قيل لرجل من بني أسد: أتعرف الفرس الكريم من المقرف قال: نعم أما الكريم فالجواد الجيد الذي نهز نهز العير وأنف تأنيف السير الذي إذا عدا اسلهب وإذا أقبل أجلعب وإذا انتصب اتلأب. وأما المقرف: فإنه الذلول الحجبة الضخم الأرنبة الغليظ الرقبة الكثير الجلبة الذي إذا أرسلته قال: أمسكني وإذا أمسكته قال: أرسلني. وكان محمد بن السائب الكلبي يحدث: أن الصافنات الجياد المعروضة على سليمان بن داود عليهما السلام كانت ألف فرس ورثها عن أبيه فلما عرضت ألهته عن صلاة العصر حتى توارت الشمس بالحجاب فعرقبها إلا أفراساً لم تعرض عليه. فوفد عليه أقوام من الأزد وكانوا أصهاره فلما فرغوا من حوائجهم قالوا: يا نبي الله إن أرضنا شاسعة فزودنا زاداً يبلغنا. فأعطاهم فرساً من تلك الخيل وقال: إذا نزلتم منزلاً فاحملوا عليه غلاماً واحتطبوا فإنكم لا تورون ناركم حتى يأتيكم بطعامكم فساروا بالفرس فكانوا لا ينزلون منزلاً إلا ركبه أحدهم للقنص فلا يفلته شيء وقعت عينه عليه من ظبي أو بقر أو حمار إلى أن قدموا إلى بلادهم فقالوا. ما لفرسنا هذا اسم إلا زاد الراكب. فسموه زاد الراكب. فأصل فحول العرب من نتاجه. ويقال إن أعوج كان منها وكان فحلاً لهلال بن عامر أنتجته أمه ببعض بيوت الحي فنظروا إلى طرف يضع جحفلته على كاذتها على الفخذ مما يلي الحياء فقالوا: أدركوا ذلك الفرس لا ينزو على فرسكم لعظم أعوج وطول قوائمه. فقاموا إليه فوجدوا المهر فسموه أعوج. وأخبرنا فرج بن سلام عن أبي حاتم عن الأصمعي قال: أغير على أهل النسار وأعوج موثق بثمامة فجال صاحبه في متنه ثم زجره فاقتلع الثمامة فخرجت تحف في متنه كالخذروف وراءه. فغدا بياض يومه وأمسى يتعشى من جميم قباء. وقال الشاعر في وصف فرس: وأحمر كالديباج أما سماؤه فريا وأما أرضه فمحول قوله سماؤه: أعلاه وأرضه: أسفله. يريد قوائمه. وللطائي نظير هذا حيث يقول: مبتل متن وصهوتين إلى حوافر صلبة له ملس فهو لدى الروع والحلائب ذو أعلى مندى وأسفل يبس أو أدهم فيه كمتة أمم كأنه قطعة من الغلس صهصلق في الصهيل تحسبه أشرج حلقومه على جرس وقال حبيب أيضاً يصف فرساً أهداه إليه الحسن بن وهب الكاتب: ما مقرب يختال في أشطانه ملآن من صلف به وتلهوق بحوافر حفر وصلب صلب وأشاعر شعر وحلق أحلق ذو ألق تحت العجاج وإنما من صحة إفراط ذاك الأولق تغرى العيون به ويفلق شاعر في نعته عفواً وليس بمفلق بمصعد من حسنه ومصوب ومجمع في خلقه ومفرق قد سالت الأوضاح سيل قرارة فيه فمفترق عليه وملتقى صافي الأديم كأنما ألبسته من سندس ثوباً ومن إستبرق مسود شطر مثل ما اسود الدجى مبيض شطر كابيضاض المهرق فكأن فارسه يصرف إذ بدا في متنه ابنا للصباح الأبلق إملسه إمليده لو علقت في صهوتيه الصين لم تتعلق يرقى وما هو بالسليم ويغتدي دون السلاح سلاح أروع مملق وقال أبو سويد: شهد أبو دلف وقعة البذ وتحته فرس أدهم وعليه نضح الدم. فاستوقفه رجل من الشعراء وأنشد: كم ذا تجرعه المنون ويسلم لو يستطيع شكا إليك الأدهم في كل منبت شعرة من جلده نمق ينمقه الحسام المخذم ما تدرك الأرواح أدنى سيره لا بل يفوت الريح فهو مقدم رجعته أطراف الأسنة أشقراً واللون أدهم حين ضرجه الدم قال: فأمر له بعشرة آلف درهم. ومن قولنا في وصف الفرس: ومقربة يشقر في النقع كمتها ويخضر حيناً كلما بلها الرشح تطير بلا ريش إلى كل صيحة وتسبح في البر الذي ما به سبح وقال عدى بن الرقاع: يخرجن من فرجات النقع دامية كأن آذانها أطراف أقلام وطلب البحتري الشاعر من محمد بن حميد بن عبد الحميد الكاتب فرساً ووصف له أنواعاً من الخيل في شعره فقال: لآكلفن العيس أبعد همة يجري إليها خائف أو مرتجى وإلى سراة بني حميد إنهم أمسوا كواكب أشرقت في مذحج والبيت لولا أن فيه فضيلة تعلو البيوت بفضلها لم يحجج فأعن على غزو العدو بمنطو أحشاؤه طي الرداء المدرج متسربل شية طلت أعطافه بدم فما تلقاه غير مضرج أو أدهم صافي الأديم كأنه تحت الكمى مظهر بيرندج ضرم يهيج السوط من شؤبوبه هيج الجنائب من حريق العرفج خفت مواقع وطئه فلو أنه يجري برملة عالج لم يرهج أو أشهب يقق يضئ وراءه متن كمتن اللجة المترجرج تخفى الحجول ولو بلغن لبانه في أبيض متألق كالدملج أوفى بعرف أسود متفرد فيما يليه وحافر فيروزجي أو أبلق ملأ العيون إذا بدا من كل لون معجب بنموذج جذلان تحسده الجياد إذا مشى عنقاً بأحسن حلة لم تنسج وعريض أعلى المتن لو عليته بالزئبق المنهال لم يترجرج خاضت قوائمه الوثيق بناؤها أمواج تحنيب بهن مدرج ولأنت أبعد في السماحة همة من أن تضن بموكف أو مسرج كأن على المتنين منه إذا انتحى مداك عروس أو صلاية حنظل مكر مفر مقبل مدبر معاً كجلمود صخر حطه السيل من عل درير كخذروف الوليد أمره تتابع كفيه بخيط موصل كميت يزل اللبد عن حال متنه كما زلت الصفواء بالمتنزل فأخذت الشعراء هذا التشبيه من امرئ القيس فحذوا عليه فقال طفيل الخيل: إني وإن قل مالي لا يفارقني مثل النعامة في أوصالها طول تقريبها المرطى والجوز معتدل كأنه سبد بالماء مغسول أو ساهم الوجه لم تقطع أباجله يصان وهو ليوم الروع مبذول وقال عبد الملك بن مروان لأصحابه: أي المناديل أفضل فقال: بعضهم: مناديل مصر التي كأنها غرقئ البيض وقال بعضهم: مناديل اليمن التي كأنها أنوار الربيع. فقال: ما صنعتم شيئاً أفضل المناديل مناديل عبدة ابن الطبيب حيث يقول: لما نزلنا ضربنا ظل أخبية وفار باللحم للقوم المراجيل ورداً وأشقر لم ينهئه طابخه ما قارب النضج منها فهو مأكول وقال الأصمعي: ما سبق في الرهان فرس أهضم قط. وأنشد لأبي النجم: منتفج الجوف عريض كلكله قال: وكان هشام بن عبد الملك رجلاً مسبقاً لا يكاد يسبق فسبقت له فرس أنثى وصلت أختها ففرح لذلك فرحاً شديداً وقال: علي بالشعراء. قال أبو النجم: فدعينا فقيل لنا: قولوا في هذه الفرس وأختها. فسأل أصحاب النشيد النظرة حتى يقولوا فقلت له: هل لك في رجل ينقذك إذا استنسئوك قال: هات. فقلت من ساعتي: أشاع للغراء فينا ذكرها قوائم عوج أطعن أمرها وما نسينا بالطريق مهرها حين نقيس قدره وقدرها وصبره إذا عدا وصبرها والماء يعلو نحره ونحرها ملمومة شد المليك أسرها أسفلها وبطنها وظهرها قد كاد هاديها يكون شطرها قال أبو النجم: فأمر لي بجائزة وانصرفت. أبو القاسم جعفر بن أحمد بن محمد وأبو الحسن علي بن جعفر البصري قالا: حدثنا أبو سعيد عبد الملك بن قريب الأصمعي: أن هارون الرشيد ركب في سنة خمس وثمانين ومائة إلى الميدان لشهود الحلبة. قال الأصمعي: فدخلت الميدان لشهودها فيمن شهد من خواص أمير المؤمنين والحلبة يومئذ أفراس للرشيد ولولديه الأمين والمأمون ولسليمان بن أبي جعفر المنصور ولعيسى بن جعفر. فجاء فرس أدهم يقال له الربد لهارون الرشيد سابقاً. فابتهج لذلك ابتهاجاً علم ذلك في وجهه وقال: علي بالأصمعي. فنوديت له من كل جانب. فأقبلت سريعاً حتى مثلت بين يديه. فقال: يا أصمعي خذ بناحية الربد ثم صفه من قونسه إلى سنبكه فإنه يقال: إن فيه عشرين اسماً ومن أسماء الطير. قلت: نعم يا أمير المؤمنين وأنشدك شعراً جامعاً لها من قول أبي حزرة. قال: فأنشدنا لله أبوك. قال: فأنشدته: وأقب كالسرحان تم له ما بين هامته إلى النسر الأقب: اللاحق المخطف البطن وذلك يكون من خلقة وربما حدث من هزال أو بعد قود والأنثى قباء والجمع: قب والمصدر: القبب. والسرحان: الذئب شبهه في ضموره وعدوه به وجمعه سراحين وقد قالوا: سراح. والهامة: أعلى الرأس وهي أم الدماغ وهي من أسماء الطير. والنسر: هو ما ارتفع من بطن الحافر من أعلاه كأنه النوى والحصى وهو من أسماء الطير وجمعه نسور. رحبت نعامته ووفر فرخه وتمكن الصردان في النحر رحبت: اتسعت. ونعامته: جلدة رأسه التي تغطى الدماغ وهي من أسماء الطير. وقوله: ووفرة فرخه. الفرخ: هو الدماغ وهو من أسماء الطيور. ووفر: أي تمم يقال: وفرت الشيء ووفرته بالتخفيف فهو موفور. والصردانن: عرقان في أصل اللسان يجري منهما الريق ونفس الرئة وهما من أسماء الطير. وفي الظهر صرد أيضاً وهو بياض يكون في موضع السرج من أثر الدبر يقال: فرس صرد إذا كان ذلك به والنحر: موضع القلادة من الصدر وهو البرك. وأناف بالعصفور من سعف هام أشم موثق الجذر أناف: أشرف. والعصفور: أصل منبت الناصية والعصفور أيضاً: عظم ناتئ في كل جبين والعصفور: من الغرر أيضاً وهي التي سالت ودقت ولم تتجاوز إلى العينين ولم تستدر كالقرحة وهو من أسماء الطير والسعف يقال: فرس بين السعف وهو الذي سالت ناصيته. وهام أي سائل منتشر. وأشم: مرتفع. والشمم في الأنف: ارتفاع قصبته. ويروى: هاد أشم يريد عنقاً مرتفعاً وجمعه: هواد وقوله: موثق أي شديد قوي. والجذر: الأصل من كل شيء. قال الأصمعي وغيره: هو بالفتح وقال أبو عمرو بن العلاء: هو بالكسر. وازدان بالديكين صلصله ونبت دجاجته عن الصدر ازدان: افتعل من قولك زان يزين وكان الأصل ازتان فقلبت التاء دالا لقرب نخرجها من مخرج الزاي وكذلك ازداد من زاد يزيد. والديكان واحدهما ديك وهو العظم الناتئ خلف الأذن وهو الذي يقال له الخششاء والخشاء. والصلصل: بياض في طرف الناصية ويقال: هو أصل الناصية. والدجاجة: اللحم الذي على زوره بين يديه. والديك والصلصل والدجاجة من أسماء الطير. والناهضان أمر جلزهما فكأنما عثما على كسر الناهضان: واحدهما ناهض وهو لحم المنكبين ويقال: هو اللحم الذي يلي العضدين من أعلاهما والجمع: نواهض ويقال في الجمع: أنهض على غير قياس. والناهض: فرخ القطا وهو من أسماء الطير. وقوله: أمر جلزهما أي فتل وأحكم يقال: أمررت الحبل فهو ممر أي فتلته. والجلز: الشد. وقوله: " فكأنما عثما على كسر " أي كأنهما كسراً ثم جبراً. يقال: عثمت يده. العثم: الجبر على عقدة وعوج وعثمان فعلان منه. مسحنفر الجنبين ملتئم ما بين شيمته إلى الغر مسحنفر الجنبين: أي منتفخهما. ملتئم أي معتدل. وشيمته: نحره. والشيمة أيضاً: من قولك: فرس أشيم بين الشيمة وهي بياض فيه ويقال: أن تكون شامة أو شام في جسده. والغر في الطير يسمى الرخمة وهي عضلة الساق. وصفت سماناه وحافزه وأديمه ومنابت الشعر السمانى: طائر وهو موضع من الفرس لا أحفظه إلا أن يكون أراد السمامة وهي دائرة تكون في سالفة الفرس وهي عنقه والسمامة من الطير أيضاً. والأديم: الجلد. وسما الغراب لموقعيه معاً فأبين بينهما على قدر سما الغراب أي ارتفع والغراب: رأس الورك. ويقال للصلوين: الغرابان وهما مكتنفا عجب الذنب. ويقال: هما ملتقى أعالي الوركين. والموقعان منه في أعالي الخاصرتين فأبين أي فرق بينهما على قدر أي على استواء واعتدال. واكتن دون قبيحه خطافه ونأت سمامته عن الصقر اكتن: أي استتر. والقبيح: ملتقى الساقين ويقال أنه مركب الذراعين في العضدين. والخطاف: من أسماء الطير وهو حيث أدركت عقب الفرس إذا حرك رجليه. ويقال لهذين الموضعين من الفرس: المركلان. ونأت أي بعدت. والسمامة: دائرة تكون في عنق الفرس وقد ذكرناها وهي من أسماء الطير. والصقر: أحسبها دائرة في الرأس وما وقفت عليها وهي من أسماء الطير. القطاة: مقعد الردف وهي من أسماء الطير والحر: من الطير يقال إنه ذكر الحمام وهو من الفرس سواد يكون في ظاهر أذنيه. وسما على نقويه دون حداته خربان بينهما مدى الشبر النقوان: واحدهما نقو والجمع. أنقاء وهو عظم ذو مخ وإنما عنى هاهنا عظام الوركين لأن الخرب هو الذي تراه مثل المدهن في ورك الفرس. وهو من الطير: ذكر الحبارى. والحدأة: من الطير وأصله الهمز ولكنه خفف وهي سالفة الفرس وجمعها حداء على وزن فعال كما تقول: عظاءة وعظاء ويقال: عظاية. وإذا فتحت الفاء قلت: حدأة وهي الفأس ذات الرأسين وجمعها: حدأ مثل نواة ونوى وقطاة وقطا. يدع الرضيم إذا جرى فلقاً بتوائم كمواسم سمر الرضيم: الحجارة. والفلق: المكسورة فلقاً. بتوائم: جمع توأم وقد قالوا. تؤم على وزن فعال جمع توأم وهي على غير قياس. يقول: هي مثنى مثنى يعني حوافره. والمواسم: جمع ميسم الحديد من وسمت أي إنها كمواسم الحديد في صلابتها. وقوله: سمر أي لون الحافر وهو أصلب الحوافر. ركبن في محص الشوى سبط كفت الوثوب مشدد الأسر الشوى هاهنا: القوائم والواحدة: شواة. ويقال: فرس محص الشوى إذا كانت قوائمه معصوبة. سبط: سهل. كفت الوثوب أي مجتمع من قولك: كفت الشيء إذا جمعته وتممته. مشدد الأسر أي الخلق. قال الأصمعي: فأمر لي بعشرة آلاف درهم. وسبق يوماً فرس للرشيد يسمى المشمر وكان أجراه مع أفراس للفضل وجعفر بني يحيى بن خالد البرمكي فقال أبو العتاهية: جاء المشمر والأفراس يقدمها هوناً على سرعة منها وما انتهرا وخلق الريح حسرى وهي تتبعه ومر يختطف الأبصار والنظرا وقال أبو النجم في شعر يصف الفرس وهو أجود شعر يصف الحلبة: ثم سمعنا برهان نأمله قيد له من كل أفق جحفله فقلت للسائس قده أعجله وأغد لعنا في الرهان نرسله فظل مجنوناً وظل جمله بين شعيبين وزاد يزمله نعلو به الحزن ولا نسهله إذا علا الأخشب صاح جندله ترنم النوح تبكي مثكله كأن في الصوت الذي يفصله طي التجار العصب إذ تنخله وقد رأينا فعلهم فنفعله نطويه والطي الرقيق يجدله نضمر الشحم ولسنا نهزله حتى إذا الليل تولى أثلجه وأتبع الأيدي منه أرجله قمنا على هول شديد وجله نمد حبلاً فوق خط نعدله نقوم قدم ذا وهذا أدخله وقام مشقوق القميص يعجله فوق الخماسي قليلاً يفضله أدرك عقلاً والرهان عمله حتى إذا أدرك خيلاً مرسله ثار عجاج مستطير قسطله تنفش منه الخيل ما لا تغزله مراً يغطيها ومراً تنعله مر القطا انصب عليه أجدله وهو رخي البال ساج وهله قدمه مثلاً لمن يتمثله تطيره الجن وحينا ترجله تسبح أخراه ويطفو أوله ترى الغلام ساجياً ما يركله يعطيه ما شاء وليس يسأله كأنه من زبد يسربله والجن عكاف به تقبله وقال آخر في فرس أبي الأعور السلمي: مر كلمع البرق سام ناظره تسبح أولاه ويطفو آخره " فما يمس الأرض منه حافره " وقول هذا أشبه من قول أبي نجم لأنه يقول: " تسبح أخراه ويطفو أوله " وقال الأصمعي: إذا كان الفرس كما قال أبو النجم فحمار الكساح أسرع منه لأن اضطراب مؤخره قبيح. وقال الأصمعي كان أبو النجم وصافاً للخيل إلا أنه غلط في هذا البيت. وقد غلط رؤبة أيضاً في الفرس فقال يصف قوائمه: " يهوين شتى ويقعن وفقا " ولما أنشده مسلم بن قتيبة. قال له: أخطأت في هذا يا أبا الجحاف جعلته مقيداً. فقال: قربني من ذنب البعير.