الرئيسيةبحث

العقد الفريد/الجزء الأول/22


عويص المسائل

الأوزاعيُّ عن عبد الله بن سَعد عن الصُّنابحيّ عن مُعاوية بن أبي سُفيان قال: نهى رسول الله ﷺ عن الأغلوطات. قال الأوزاعيّ: يعني صِعاب المسائل. وكان ابن سِيرين إذا سُئل عن مَسألة فيها أغلوطة قال للسائل: أمْسِكها حتى نَسأل عنها أخاكَ إِبليس. وسأل عُمَرُ بن الخطّاب رضي الله عنه علي بن أبي طالب كَرَّم الله وَجْهَه فقال: ما تَقُول في رجُل أمّه عند رجل آخر فقال: يُمسك عنها أراد عمر أنَّ الرجل يموت وأمه عند رجل آخر وقولُ علّيٍ يُمسك عنها. يريد الزَّوج يُمسك عن أمِّ الميت حتى تَسْتَبْرِئ من طريق الميراث. وسأل رجلٌ عُمَر بن قيس عن الْحَصاة يَجدها الإنسان في ثوبه أو في خُفّه أو في جَبْهته من حَصى المَسْجد فقال: ارْم بها قال الرجلُ: زَعموا أنها تَصِيح حتى ترد إلى المسجد فقال: دَعها تصيح حتى يَنْشق حلقها فقال الرجل: سُبحان الله! ولها حَلْق قال: فمن أين تَصِيح وسأل رجلٌ مالكَ بنَ أَنس عن قوله تعالى: " الرَّحْمنُ عَلَى اْلْعَرْش آسْتَوَى " كيف هذا الاستواء قال: الاستواء مَعْقول والكَيْف مَجّهول ولا أظنّك إلا رجلَ سوء. وروى مالكُ بن أنَس الحديثَ عن رسول الله ﷺ قال: إذا استيقظ أحدُكم من نومه فلا يُدخل يدَه في الإناء حتى يَغْسِلها فإِنَّ أحدَكم لا يَدْري أين باتت يدُه. فقال له رجل: فكيف نَصنع في المِهرَاس أبا عبد الله - والمِهْراس: حَوْض مكة الذي يتَوضّأ الناس فيه - فقال: من الله العِلْم وعلى الرسول البلاغ ومنّا التَّسليم أمِرُّوا الحديث. وقيل لابن عبَّاس رضي الله عنهما: ما تقول في رجل طًلّق امرأَته عددَ نُجوم السماء قال: يَكْفيه منها كوكب الجوزاء. وسُئِل عليُّ بن أبي طالب رضوان الله عليه: أين كان ربُّنا قبل أن يَخلق السماء والأرض فقال: أين: تُوجب المَكان وكان الله عزّ وجلّ ولا مكان.

التصحيف

وذكر الأصمعيّ رجلاً بالتًصحيف فقال: كان يَسمع فيَعِي غيرَ ما يَسمع ويَكْتب غير ما وَعى ويَقْرأ في الكتاب غير ما هو فيه. وذكر آخر رجلاً بالتَّصحيف فقال: كان إذا نَسخ الكِتاب مَرَّتين عاد سُرْيانياً.

طلب العلم لغير الله

وقال النبي ﷺ: إذا أعطِي الناسُ العِلْم ومُنِعوا العَمل وتحابُّوا بالألْسن وتباغَضوا بالقًلوب وتَقاطعوا في الأرحام لعَنهم الله فأصمَهم وأعْمى أبصارَهم. وقال النبي ﷺ: ألا أخْبركم بشرِّ الناس قالوا: بلَى يا رسول الله العُلماء إذا فَسدوا. وقال الفُضَيل بن عِيَاض: كان العُلَمَاء رَبيعَ الناس إذ رآهم المَريضُ لم يسرّه أن يكون صَحيحاً وإذا نظر إليهم الفقيُر لم يَودَّ أن يكون غنياً " وقد صاروا اليومَ فتنة للناس ". وقال عيسى بنُ مَرْيم عليه السلام: سيكون في آخرِ الزمان عُلماء يُزَهِّدون في الدُّنيا ولا يَزهدون ويُرَغِّبون في الآخرة ولا يَرْغَبون يَنْهَوْن عن إتيان الوُلاة ولا ينْتهون يُقَرِّبون الأغنياء ويُبْعِدون الفُقراء ويتَبسِّطون للكبراء ويَنْقبضون عن الحُقراء أولئك إخوانُ الشياطين وأعداء الرحمن. وقال محمد بن واسع: لأن تَطلُب الدنيا بأَقبحَ ممّا تطلبُ به الآخرةَ خيرٌ من أن تطلبَها بأحسَن مما تطلب به الآخرةَ. وقال الحسن: العِلْم عِلمان عِلم في القَلْب فذاك العِلم النافع وعِلم في اللسان فذاك حجّة الله على عِباده. وقال النبي ﷺ: إنَّ الزبانية لا تَخْرج إلى فَقِيه ولا إلى حَمَلة القران إِلا قالوا لهم: إليكم عنّا دُونكم عَبدةَ الأوثان. فيَشْتكون إلى الله فيقول: ليس من عَلِم كمن لم يَعلم. وقال مالك بن دِينار: مَن طلب العِلم لنفسه فالقَلِيل منه يَكْفِيه ومَن طَلبه للنَّاس فحوائجُ الناس كثيرة. وقال ابن شبْرمة: ذَهب العِلم إلا غُبَّرات في أَوْعية سوء. وقال النبي ﷺ: مَن طلب العِلْم لأرْبَع دَخل النارَ: مَن طلبه ليُباهي به العُلماء وليُمارِي به السُّفهاء وليَسْتَمِيل به وُجوه الناس إليه أو ليأخذَ به من السلطان. وتكلّم مالكُ بن دِينار فأبْكَى أصحابَه ثم افتقد مُصْحفه فنظَر إلى أصحابه وكلهم يَبْكِي فقال: وَيحكم! كلكم يبكِي فمن أخذ هذا المُصحف قال أحمد بن أبي الحَوَاريّ: قَال لي أبو سُليمان في طريق الحجّ: يا أحمد إنَّ الله قال لمُوسى بن عِمْران: مُرْ ظَلمة بني إسرائيل أن لا يَذْكروني فإني لا أذكر من ذكرني منهم إلا بلَعْنة حتى يَسْكت. وَيْحك يا أحمد! بَلغني أنه من حجّ بمالٍ من غير حله ثم لبَّى قالت الله تبارك وتعالى: لا لَبيك ولا سَعْدَيْك حتى تُؤَدَي ما بيديك فلا يؤمننا أن يُقال لنا ذلك.

باب من أخبار العلماء والأدباء

أملى أبو عبد الله محمدُ بن عبد السلام الخُشَنيّ. إنَ عبد الله بن عبَّاس سُئَل عن أبي بكر رضي الله عنه فقال: كان والله خيراَ كلّه مع الْحِدّة التي كانت فيه. قالوا: فأخْبرنا عن عَمر رضوانُ الله عليه. قال: كان والله كالطير الحذر الذي نصب فخ له فهو يخاف أن يقع فيه. قالوا فأخبرنا عن عثمان قال: كان والله صواماً قواماً. قالوا: فأخبرنا عن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه قال: كان والله ممن حَوَى عِلْماً وحلماً حَسْبك من رجل أعزَّتْه سابقتُه وقَدَّمته قرابته من رسول الله ﷺ فقلّما أشرْف على شيء إلا نالَه. قالوا: يقال إنه كان مَحْدوداً قال: أنتم تقولونه. وذكروا أنَّ رجلا أتىَ الحسَنَ فقال أبا سَعِيد إنهم يزعمون أنك تُبْغِض عليّاً فبَكَى حتى اخضلت لِحْيته ثم قال كان عليُّ بنُ أبي طالب سهماً صائباً من مَرامي الله على عدوّه ورَبَّانيَّ هذه الأمّة وذا فَضْلها وذا قَرابةٍ قَريبة من رسول الله ﷺ لم يكن بالنَّئومة عن أمر الله ولا بالمَلُولة في حق الله ولا بالسَرُوقة لمال الله أعطَى القران عزائمه ففاز منه برياض مُونِقة وأعلام بيِّنة ذاك عليُّ بن أبي طالب يا لُكَع. وسُئل خالدُ بن صَفوان عن الحسَن البَصْريّ فقال: كان أشبَهَ الناس علانيةً بسَرِيرة وسريرة بعَلاَنِيَة واخذَ الناس لِنَفْسه بما يَأْمُر به غيرَه. " يا له " من رجل اسْتَغنى عمَّا في أيدي الناس من دُنياهم واحتاجُوا إلى ما في يَدَيْه من دِينهم. ودَخل عُروة بن الزبير بُستاناً لعبد المَلِك بن مَرْوان فقال عُروة: ما أحسنَ هذا البستان! فقال له عبدُ الملك: أنت والله أحسنً منه إنَّ هذا يُؤتي أكله كلَّ عام وأنت تُؤتي أكلك كلّ يوم. وقال محمدُ بن شهاب الزُّهريّ: دخلتُ على عبد الملك بن مَرْوان في رجال من أهل المدينة فرآني أَحدثَهمِ سنّاً فقال: من أنت فانتسبتُ إليه فعَرفني فقال: لقد كان أبوك وعمُك نعَّاقَينْ في فِتْنة ابن الزُّبير قلتُ: يا أمير المؤمنين مثلُك إذا عفا يَعُدّ وإذا صَفح لم يثرب قال لي: أين نشأتَ قلتً بالمدينة قال: عند مَن طلبت قلت: عند ابن يَسار وقَبِيصة ابن ذؤيب وسَعيد بن المُسيِّب قال لي: وأين كنت من عُروة بن الزبير فإنه بَحر لا تُكدِّره الدِّلاء. وذُكر الصحابةُ عند الحَسَن البَصريّ فقال: رَحِمهم الله شَهدوا وغِبْنا وعَلِموا وجَهِلنا فما اجتمعوا عليه اتَبعنا وما اختلفوا فيه وَقَفنا. وقال جعفرُ بن سُليمان: سمعتُ عبدَ الرحمن بن مهديّ يقول: ما رأيتُ أَحداً أقْشفَ من شُعبة ولا أعبدَ من سُفيان ولا أحفظَ من ابن المُبارك. وقال: ما رأيتُ مثلَ ثلاثة: عَطَاء بن أبي رَباح بمكة ومحمد بن سِيرين بالعراق ورجاء بن حَيوة بالشام. وقيل لأهل مكة: كيف كان عَطَاء بن أبي رَباح فيكم فقالوا: كان مثلَ العافية التي لا يُعرف فَضْلها حتى تُفْقد. وكان عَطَاء بن أبي رَباح أسوَد أعوَر أفطسَ أشلّ أعرج ثم عَمِي وأمُه سوادء تُسمَى بَرَكَة. وكان الأحنفُ بن قَيس: أعوَر أعرج ولكنه إذا تكلّم جلا عن نفسه. وقال الشَّعبي: لولا أنِّي زُوحمت في الرَّحم ما قامت لأحد معي قائمة وكان تَوأماً. وقيل لطاووس: هذا قَتادة يُريد أن يَأتِيك قال: لئن جاء لأقومن قيل إنه فَقِيه قال: ابليس أفْقه منه قال: " رَبِّ بِمَا أغْوَيتَني ". وقال الشَعبيّ: القُضاة أربعة: عُمَر وعلي وعبد الله وأبو موسى. وقال الحَسَن: ثلاثة صَحِبًوا النبي ﷺ الابن والأب والجدّ: عبد الرحمن بنُ أبي بكر بن أبي قُحافة ومَعَن بن يَزيد بن الأخْنس السُّلميّ. وكان عُبيد الله بن عبد الله بن عًتبة بن مَسعود فَقِيهاً شاعراً وكان أحدَ السَّبعة من فُقهاء المدينة. وقال عمرُ بن عبد العزيز: وددتُ لو أنّ لي مجلساً من عُبيد اللهّ بن عبد الله بن عُتبة بن مَسْعود لم يَفُتْني. ولَقِيه سعيدُ بن المُسيِّب فقال له: أنت الفَقِيه الشاعر قال: لا بدِّ للمَصْدور أن يَنْفُث. وكتب عبيد الله بن عبد اللهّ إلى عُمَر بنِ عبد العزيز وبلغه عنه شيء يكرهه: أبا حَفْص أتاني عَنك قَول قُطعتُ به وضَاق به جَوابي أبا حَفْص فلاَ أدْرِي أَرَغْمِي تُريد بما تُحاول أم عِتابي فإنْ تك عاتباً تُعْتِبْ وإلا فما عُودي إذاً بيَرَاع غاب وقد فارقتُ أعظمَ منك رُزءًا وواريتُ الأحِبَّة في التراب وقد عَزًّوا علي واْسْلمَوني معاً فَلَبْستُ بعدهُم ثِيابي وكان خالدُ بنُ يزيدَ بنِ مُعاوية أبو هاشم عالماً كثيرَ الدِّراسة للكتُب وربما قال الشعرَ ومن قوله: هَلْ أنت مُنْتِفعٌ بِعل مك مَرّةً والعِلم نافِعْ ومِنٍ المُشير عليك بال رأي المُسدَّد أنت سامِع الموت حَوْض لا مَحا لةَ فيه كلُّ الخَلْق شارع وقال عمرُ بنُ عبد العزيز: ما ولدتْ أُميةُ مثلَ خالد بن يزيد ما أَستَثْني عثمان ولا غيره. وكان الحسن في جِنازة فيها نوائحُ ومعه سَعِيدُ بن جُبير فهمَّ سَعيد بالانصراف فقال له الحسنُ: إنْ كنتَ كلّما رأيتَ قبيحاً تركتَ له حسناً أسرَعَ ذلك في دِينك. وعن عيسى بن إسماعيل عن ابن عائشة عن ابن المُبارك قال: علَمني سُفيان الثَّوْريّ اختصار الحديث. وقال الأصمعيّ: حدَّثنا شُعبة قال: دخلتُ المدينة فإذا لمالك حَلْقة وإذا نافع قد مات قبل ذلك بسَنة وذلك سنة ثمانيَ عشرةَ ومائة. وقال أبو الحسن بن محمد: ما خَلق الله أحداً كان أعرف بالحديث من يحيى بن مَعِين كان يُؤتى بالأحاديث قد خلطت وقُلبت فيقول: هذا الحديثُ لذا وذا لهذا فيكون كما قالِ. وقال شريك: إني لأًسمع الكلمةَ فيتغيَّر لها لَوْني. وقال ابن المُبارك: كلّ من ذُكر لي عنه وجدتُه دون ما ذُكر إلاّ حَيْوةَ بن شرُيح وأبا عَوْن. وكان حَيْوة بن شرُيح يَقعُد للناس فتقول له أًمه: قُمْ يا حَيْوة ألقِ الشعيرَ للدَّجاج فيقوم. وقال أبو الحسن: سمع سليمان التّيمي من سُفيان الثّوريّ ثلاثة آلاف حديث. وكان يحيى بن اليمان يَذْهب بابنه داودَ كلَّ مذهب فقال له يوماً كان رسول الله ﷺ ثم كان عبد الله ثم كان عَلْقمة ثم كان إبراهيم ثم كان مَنصور ثم كان سفيان. ثم كان وَكيع قم يا داود: يعني أنه أهلٌ للإمامة. ومات داود سنة أربع ومائتين. وقال الحسنُ: حدّثني أبي قال: أمر الحجّاج أن لا يَؤمّ بالكوفة إلا عربيّ. وكان يحيى بن وَثّاب يَؤمّ قومَه بني أَسَد وهو مَوْلى لهم فقالوا: اعتزل فقال: ليس عن مِثْلي نَهى أنا لاحِقٌ بالعَرب فأبَوا فأَتى الحجاجَ فقرأ فقال: مَن هذا. فقالوا: يحيى بن وَثّاب قال: مالَه قالوا: أمرتَ أن لا يؤُمّ إلا عربيّ فَنحّاه قومه فقال. ليس عن مِثل هذا نَهيتُ يُصلِّي بهم. قال: فصلّى بهم الفَجْر والظُهر والعَصر والمغْرب والعِشاء ثم قال: اطلُبوا إماماً غيري إنما أردتُ أن لا تَستذلّوني فأمّا إذ صار الأمرُ إليّ فأنا أؤمّكم لا ولا كرامة. وقال الحسن: كان يحيى بن اليَمان يُصلِّي بقومه فتعصّب عليه قومٌ منهم. فقالوا: لا تُصلِّ بنا لا نَرْضاك إن تَقدَمت نَحَّيْنَاك: فجاء بالسيف فسَل منه أربَع أصابَع ثم وَضعه في اِلمحراب وقال: لا يَدْنُو منى أحذ إلا ملأتُ السيفَ منه فقالوا: بيننا وبينك شريك فَقَدَموه إلى شريك فقالوا: إن هذا كان يُصَلِّي بنا وكَرِهناه فقال لهم شريك: مَن هو قالوا: يحيى بن اليمان فقال: يا أعداء الله وهل بالكوفة أحدٌ يُشبه يحيى لا يُصلِّي بكم غيرُه. فلما حَضرتْه الوفاة قال لابنه داود: يا بُني كان دِيني يَذْهب مع هؤلاء فإن اضطُروه إليك بعدي فلا تُصلِّ بهم. وقال يحيى بن اليمان: تزوَّجتُ أم داود وما كان عِنْدي ليلةَ العُرْس إلا بطِّيخة أكلتُ أنا نِصْفها وهي نِصْفَها وولدت داودَ فما كان عندنا شيء نَلُفُه فيه فاشتريتُ له كُسْوة بحبَّتَين فلَفَفناه فيها. وقال الحسن بن محمد: كان لعليّ ضَفِيرتان ولابن مَسْعود ضَفِيرتان. وذكر عبدُ الملك بن مَرْوان رَوْحا فقال: ما أُعْطِي أحدٌ ما أُعْطِي أبو زُرْعة أُعْطِي فِقْه الحجاز ودَهاء أهل العراق وطاعةَ أهل الشام. ورُويِ أنّ مالكَ بن أَنس كان يَذْكُر عُثمان وعليَّاً وطَلْحَة والزُّبير فيقول: والله ما اقتتلوا إلا على الثَّريد الأعْفر. ذكر هذا محمدُ بن يَزيد في الكامل " ثم " قال: فأمّا أبو سعيد الحَسَن البَصريّ فإنه كان يُنكر الحُكومة ولا يَرى رأيهم وكان إذا جَلس فتمكَّن في مَجْلسه ذَكَرَ عُثمان فترحَّم عليه ثلاثاً ولَعن قَتلته ثلاثاً " ويقول: لو لم نَلْعنهمٍ لَلُعِنّا " ثم يَذكر عليَّاً فيقول: لم يَزل عليٌّ أميرُ المؤمنين صلواتُ الله عليه مُظَفَرا مُؤيداَ بالنعم حتى حكّم ثم يقول: ولم تُحَكم والحق معك ألا تَمْضي قُدماً لا أبا لك. وهذه الكلمة وإن كان فيها جَفاء فإنّ بعضَ العرب يأتي بها على معنى المَدْح فيقول: انظر في أمر رعيَّتك لا أبا لك " وأنت على الحق " 0 رَبِّ العِباد ما لَنا وما لَكَا قد كُنْتَ تَسْقِينا فما بَدَا لَكَا أَنْزل علينا الغَيْثَ لا أَبا لكا وقال ابن أبي الحَوَارِيّ: قلت لسُفيان: بلغني في قول الله عزً وجلّ: " إلا مَنْ أتىَ الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ". أنَّه الذي يَلْقى اللهّ وليس في قَلبه أحد غيره. قال: فبكَى وقال: ما سمعتُ منذ ثلاثين سنةً أحسنَ من هذا. وقال ابن المُبارك: كنتُ مع محمد بن النَّضْر الحارثيِّ في سَفِينة فقلتُ: بأيّ شيء أَستخرج منه الكلام فقلت: ما تقول في الصَوم في السَّفر قال: إنما هي المُبَادرة يا بن أخي. فجاءني واللهّ بفُتْيا غير فُتْيا إبراهيم والشَعبي. وقال الفًضَيل بن عِيَاض: اجتمع محمدُ بن واسع ومالكُ بن دينار في مجلس بالبصرة فقال مالكُ بن دينار: ما هو إلا الله أو النار فقال محمد بن واسع لمَن كان عنده: كنّا نقول: ما هو إلا عَفْو الله أو النار. قال مالكُ بنُ دِينار: إنَّه ليُعْجبني أن تكون للإنسان مَعيشة قَدْر ما يَقُوته. فقال محمد بن واسع: ما هو إلا كما تقول: وليس يُعْجبني أن يُصبح الرجل وليس له غَدَاء وُيمسي وليس له عَشاء وهو مع ذلك راضٍ عن الله عزّ وجلّ. فقال مالك: ما أَحْوجني إلى أن يِعظني مِثلُك. وكان يَجلس إلى سُفيانَ فتى كثيرُ الفِكرة طويلُ الإطراق فأراد سُفيان أن يحرِّكه ليسمعَ كلامه فقال: يا فتى إن مَنْ كان قبلَنا مرُّوا على خَيْل عِتَاق وبَقينا على حَمِير دَبِرَة. قال: يا أبا عبد الله إن كُنَا على الطريق فما أسرعَ لحُوقنا بالقوم. الأصمعي عن شُعبة قال: ما أُحدثكم عن أحدٍ ممن تَعْرفون وممن لا تَعرفون إلا وأيوب ويُونس وابن عَوْن " وسُليمان " خير منهم. قال الأصمعيُّ: وحدَّثني سلام بن أبي مُطِيع قال: أيوب أفقههم: وسُليمان التّيمي أعبدُهم ويُونس أشدُّهم " زُهدا " عند الدَّراهم وابن عَوْن أَضْبطهم لنفسه في الكلام. " الأصمعيّ قال حدّثنا نافع بن أبي نُعَيم عن رَبيعة بن أبي عبد الرحمن قال: ألفٌ عن ألف خيرٌ من واحد عن واحد " فلان عن فلان " ينتزع السنّة من أيديكم ". وكان إبراهيمً النَّخعيّ في طَريق فلَقِيه الأعْمَش فانصرف معه فقال له: يا إبراهيم إنّ الناسَ إذا رأَوْنا قالوا: أعمش وأعور قال: وما عَليك أن يَأْثموا ونؤجر قال: وما عليك أن يَسْلَموا ونَسْلم. ورَوى سُفيان الثّوريّ عن واصل الأحدب قال: قلت لإبراهيم: إن سَعيد بن جُبير يقول: " كلُّ امرأة أتزوّجها طالق " ليس بشيء. فقال له إبراهيم: قُل له يَنْقع أستَه في الماء البارد. قال: فقُلت لسعيد ما أمرني به فقال: قل له: إذا مررت بوادي النَّوْكى فاحلُل به. وقال محمد بن مُنَاذِر: خذوا عن مالكٍ وعن ابن عَوْن ولا تَرْوُوا أحاديتَ ابن دَاب وقال آخر: أيّها الطالبُ عِلْما آيت حَمّادَ بن زِيد فاقتَبس حِلْما وعِلما ثم قَيِّده بقَيْد وقيل لأبي نُواس: قد بعثوا في أبي عُبيدة والأصمعيّ ليَجْمعوا بينهما قال: أما أبو عُبيدة فإن مَكّنوه من سِفْره قرأ عليهم أساطير الأولين وأمّا الأصمعيّ فبُلبل في قَفَص يُطربهم بِصَفِيره. وذَكروا عند المَنْصور محمدَ بن إسحاق وعيسى بنَ دَأْب فقال أمّا ابن إسحاق فأَعْلم الناس بالسِّيرة وأمّا ابن دَأْب فإذا أخرجتَه عن داحس والغَبراء لم يُحسن شيئاً. وقال المأمون رحمه الله تعالى: مَن أراد لَهْواً بلا حَرَج فليسمع كلامَ الحَسن الظالبيّ. وسُئل العَتّابيّ عن الحَسن الطالبيّ فقال: إنّ جَلِيسه لِطيب عشرْته لأَطربُ من الإبل على الحُداء ومن الثَّمِل على الغِنَاء. قولهم في حملة القرآن وقال رجلٌ لإبراهيمَ النَّخعيّ: إني أَختِمُ القران كل ثلاث قال: ليتك تَخْتِمه كلَّ ثلاثين وتَدْري أيَّ شيء تقرأ. وقال الحارثُ الأعْوَر: حدًثني عِليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: كتاب اللهّ فيه خبر ما قَبْلكم ونَبَأ ما بعدكم وحُكْم ما بَينكم وهو الفَصْل ليس بالهَزْل هو الذي لا تَزيغ به الأهواء ولا يَشْبع منه العُلماء ولا يَخْلَقُ على كَثْرة الردّ ولا تَنْقضي عجائبُه هو الذي مَن تَركه من جبّار قَصَمه الله ومَن ابتغى الهَدْى في غَيْره أضَلّه اللهّ هو حَبْل الله المَتِين والذِّكْر العَظِيم والصرِّاط المُسْتقيم خًذْها إليك يا أَعْوَر. وقيل للنبيّ ﷺ عجّل عليك الشيبُ يا رسولَ اللهّ قال: شَيّبتني هُود وأَخواتُها. وقال عبد الله بن مَسْعود: الحَوامِيم ديباج القُرآن. وقال: إذا رَتعتُ رَتعتُ في رياض دَمِثة أتأنّق فيهن. وقالت عائشةُ رضي اللهّ تعالى عنها: كانت تَنْزل علينا الآيةُ في عَهْد رسول الله صلى الله عليه وقال ﷺ: سيكون في أمّتي قومٌ يَقرأون القرآن لا يجاوز تَراقِيَهم يَمْرقون من الدين كما يَمْرُقُ السهمُ من الرميّة هم شرُّ الخَلْقِ والخَلِيقة. وقال: إن الزَّبانية لأسْرع إلى فُسّاق حَمَلة القرآن منهم إلى عَبَدَة الأوْثان فيَشْكون إلى ربّهم فيقول: ليس مَن عَلِمٍ كمَن لم يَعْلم. وقال الحسن: حَمَلة القرآن ثلاثة نفر: رجلٌ اتخذه بضاعةً يَنْقُله من مِصْر إلى مصر يَطْلُب به ما عند الناس ورجل حَفِظ حُروفه وضيّع حُدُوده واستدَرّ به الوُلاة واستطال به على أهل بلده وقد كثُر هذا الضَرب في حَملة القرآن لا كَثّرهم الله عزَّ وجلَّ ورجُل قرأ القرآن فوضع دواءه على داء قَلبه فسَهِر ليلَته وهَمَلت عَيْناه وتَسَرْبل الخُشوعَ وارتدى الوَقَار واستَشعر الحُزن ووالله لهذا الضَّرب من حملة القران أقلّ من الكِبْريت الأحمر بهم يَسْقي الله الغَيْث ويُنزِّل النَصر ويَدْفع البَلاء. العقل ٍوقال سَحْبان وائل: العَقْل بالتَّجارب لأنَّ عَقْل الغَرِيزة سُلَّم إلى عَقْل التجربة. ولذلك قال عليُّ بن أبي طالب رِضْوانُ الله عليه: رأي الشيخ خير من مَشْهد الغُلام. وقال الحسن البَصْريّ: لسانُ العاقل من وَراء قَلْبه فإذا أراد الكلامَ تفكّر فإن كان له قال وإن كان عليه سكت. وقلب الأحمق من وراء لسانه فإذا أراد أن يقول قال " فإنَّ كان له سَكَت وإن كان عليه قال ". وقال محمد بن الغاز: دخل رجل على سُليمان بن عبد الملك فتكلَم عنده بكلام أعجب سُليمانَ فأراد أن يخْتبره لينظر أعقلُه على قَدْر كلامه أم لا فوجده مَضْعوفاً فقال: فضل العَقل على المنطِق حِكمة وفَضْل المنطِق على العقْل هجنة وخير الأمور ما صدقت بعضها بعضاً وأنشد: وما المَرْءِ ألا الأصْغرانِ لسانُه ومَعْقوله والجسْم خَلْق مُصورُ فإنْ تَمر منه ما يَرُوق فربّما أمر مَذاقُ العَود والعُودُ أخْضر ومن أحْسن ما قيل في هذا المعنى قولُ زهَير: وكائن تَرَى من صامتٍ لك مُعْجِب زيادتُه أو نَقْصُه في التكلُّم لسانُ الفَتى نِصْف فُؤاده فلم يَبْق إلاِّ صورةُ اللحْم والدَّم وقال عليُ رضي الله عنه: العقْل في الدماغ والضحَك في الكَبد والرَّأْفة في الطحال والصَّوت في الرئة. وسئِل المُغيرة بن شعْبة عن عُمَر بن الخطاب رضوان الله عليه فقال: كان والله أفضلَ من أن يَخدع وأعقلَ من أن يُخدع وهو القائل: لستُ بِخَبٍّ والِخَبُّ لا يَخدعني. وقال زياد: ليس العاقلُ الذي إذا وَقَع في الأمْر احتال له ولكنّ العاقل يَحْتال للأمر حتى لا يقع فيه. وقيل لعَمْرو بن العاص: ما العَقْل فقال: الإصابةُ بالظَّن ومَعْرفة ما يكون بما قد كان. وقال عمرُ بن الخطّاب رضي الله عنه: مَنْ لم يَنْفعه ظنّه لم ينفعه يَقِينه. وقال عليُ بن أبي طالب رضي الله عنه وذَكَر ابن عبِّاس رضي الله عنهما فقال: لقد كَان ينظُر إلى الغَيْب من ستر ْرقيق. وقالوا: العاقل فَطِن مُتغافل. وقال مُعاوية: العَقْل مِكيال ثُلُثه فِطْنة وثلثاه تغافل. وقال المُغِيرة بن شُعْبة لعُمَر بن الخطاب رضي الله عنه إذ عَزَله عن كتابة أبي مُوسى: أعَن عَجْز عَزَلْتَني أم عن خِيانة فقال: لا عن واحدة منهما ولكني كرِهْت أن أحمل على العامة فَضْلَ عقلك. وقال مُعاوية لعَمْرو بن العاص: ما بَلَغ من عَقْلك قال: ما دخلتُ في شيء قَط إلا خَرجتُ وقال الأصمعيُ: ما سَمِعتً الحسن بنَ سهل مُذْ صار في مَرْتبة الوزارة يتَمثّل إلاّ بهذين البيتين: وما بَقيتْ من اللَّذّات إلا مًحادثةُ الرِّجال ذوي العُقول وقد كَانوا إذا ذُكِرُوا قليلاً فقد صارُوا أقلَّ من القَلِيل وقال محمدُ بنُ عبد الله بن طاهر " ويرْوي لمحمود الورّاق ": لَعَمْرك ما بالعَقْل يكتسب الغِنَى ولا باكتِسَاب المال يُكتَسَب العقلُ وكَمْ من قَليل المال يُحمد فَضْله وآخرَ ذىِ مال وليس له فَضْل وما سَبقَت من جاهل قطًّ نِعْمَة إلى أحدٍ إلا أضّرَ بها الجَهْل وذو اللُّبّ إن لم يُعْطِ أحمدتَ عقلَه وإن هو أعطَى زانه القَوْلً والفِعْلُ وقال محمد بنُ مُناذر: وتَرى الناسَ كثيراً فإذا عُدَّ أهل العَقْل قلُّوا في العَدَدْ لا يقلُّ المَرْء في القَصْد ولا يَعدم القِلَة مَنْ لم يقتصد لا تعد ْشرّاً وعِد خيراً ولا تُخْلِف الوَعْدَ وعَجِّل ما تَعد يُعْرَف عَقْل المَرْءِ في أربَع مشيته أولها والحَرَكْ ودوْر عَيْنيه وألفاظه بعدُ عليهنّ يَدُورِ الفلكَ ورُبَّما أَخْلفن إلاّ التي آخرُها منهنَ سُمين لك هَذِي دَليلات على عَقْله والعقلُ في أركانه كاْلمَلِك إِنْ صحَّ صحَ المرءُ من بعده ويهْلِك المرءُ إذا ما هَلك فانظرُ إلى مَخْرج تَدْبِيره وعقْلِهِ ليس إلى ما ملك فرُّبما خَلَّط أهلُ الحِجَا وقد يكون النَّوْك في ذي النُّسك فإنْ إمام سالَ عن فاضل فادلُل على العاقل لا أمَّ لك وكان هَوْذة بن عليّ الحَنفيّ يُجيز لَطِيمة كِسْرِى في كلِّ عام - واللِّطِيمة عِير تَحْمِل الطِّيبَ والبَزّ - فوفَد على كِسرى فسأله عن بَنِيه فسمَّى له عدداً فقال: أيهم أحب إليك قال: الصَغير حتى يَكْبُر والغائبُ حتى يرْجِع والمَريض حتى يُفيق فقال له: ما غِذاؤك في بلدك قال: الخُبز فقال كسرى لجلسائه: هذا عَقْل الخبز يُفضِّله عَلَى عُقول أهل البَوادي الذين غِذَاؤهم اللَّبن والتمر. وهوذة بن علي الحنفي هو الذي يقول فيه أعشى بكر: له أكاليلُ بالياقوت فَضَّلًها صَوَاغُها لا تَرَى عيباَ ولا طَبعا وقال أبو عُبَيدة عن أبي عمرو: لم يَتَتوّج مَعدِّيّ قطُّ وإنما كانت التِّيجان لليمن فسألتُه عن هوذة بن عليّ الحنفي فقال: إنما كانت خَرَزات تُنظم له. وقد كتب النبي ﷺ إلى هَوْذة بن عليّ يدْعوه إلى الإسلام كما كتب إلى الملوك. وفي بعض الحديث: إنَّ الله عزَّ وجلّ لما خلق العقل قال: أقْبِل فأقْبل ثم قال له: أَدْبِر فأدبر. فقال: وعزَّتي وجَلالي ما خلقتُ خَلْقاً أحبَّ إليَّ منك ولا وَضَعتُك إلا في أحَبِّ الْخَلْق إلي. وبالعقل أَدْرك الناس معرفةَ الله عزَّ وجلّ ولا يشُكّ فيه أحدٌ من أهل العقول يقول الله عز وجلّ في جميع الأُمم: " وَلَئِنْ سَألْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنّ الله ". وقال أهلُ التفسير في قول الله " قسَم لِذِي حِجْر " قالوا: لذي عَقل. وقالوا: ظنُّ العاقل كهانة. وقال الحسنُ البَصْريّ: لو كان للناس كلِّهم عُقول خَرِبت الدنيا. وقال الشاعر: يُعَد رفيِع القَوم مَن كَان عاقلاً وإن لم يكُن في قَوْمه بحَسيبِ وإِنْ حل أرضاَ عاش فيها بعَقله وما عاقلٌ في بلده بغَريب وقال الأحْنف بن قيْس أنا للعاقل المدبر أرْجى منِّي للأحْمق المقبل. " قال: ولما أهْبط الله عز وجلّ آدمَ عليه السلام إلى الأرض أتاه جبْريل عليه السلاٍم فقال له: يا آدم إنّ الله عزّ وجلّ قد حَبَاك بثلاث خصالٍ لتختارَ منها واحدة وتَتَخَلى عن اثنتين قال: وما هنَّ قال: الحياء والدِّين والعَقْل. قال آدم: اللهم إنَي اخترت العقلَ. فقال جبريلُ عليه السلامُ للحياء والدين: ارتفِعَا قالا: لن نَرتفع قال جبريلُ عليه السلام: أعَصَيتُما قالا: لا ولكنا أمرْنا أن لا نُفارق العقلَ حيث كان.