باب السودد
قيل لعَدِي بنِ حاتم: ما السودد قال: السيد الأحمق في مالِه الذَليل في عِرْضه المُطَّرِح لحِقده. وقيل لقَيْس بن عاصم: بمَ سَوَدك قومُك قال: بكَفِّ الأذى وبَذْل النًدى ونَصْر المَوْلى. وقال رجلٌ للأحنف بم سوَدك قومُك وما أنت بأشرفهم بَيتاً ولا أُصْبحهم وَجهاً ولا أحسنهم خُلُقاً قال: بخِلاف ما فيك با بنَ أخي قال: وما ذاك قال: بتركي من أَمْرك ما لا يَعْنِيني كما عناك من أَمْري ما لا يَعْنِيك. وقال عمرُ بن الخطَاب رضي الله عنه لرجل: مَن سيِّد قَوْمك قال: أنا قال كذبت لو كنتَ كذلك لم تَقُلْه. وقال ابن الكَلْبي: قَدِم أوسُ بنُ حارثة بن لأم الطائي وحاتمِ بنُ عبد الله الطّائي على النُّعمان بن المُنذر فقال لإياس بن قَبِيصة الطائيّ: أيهما أفْضل قال: أبيتَ اللعنَ أيها الملك. إنِّي من أحدهما ولكنْ سَلهما عن أَنْفسهما فإنهما يُخبرانك. فدخل عليه أوسٌ فقال أنت أفضلُ أم حاتم فقال: أبيتَ اللعن إنّ أدنى ولد حاتم أفضلُ مني ولو كنتُ أنا وولدي ومالي لحاتم لأنْهبَنَا في غَداة واحدة. ثم دخل عليه حاتم فقال له: أنت أفضلُ أم أَوس فقال: أبيت اللعن إنّ أدنى وسأل عبدُ الملك بن مَروانَ روح بن زِنْباع عن مالك بن مِسْمع فقال: لو غَضِب مالكٌ لغَضِب معه مائةُ ألف سيف لا يسأله واحدٌ منهم: لم غضبتَ فقال عبدُ الملك: هذا والله السودد. أبو حاتم عن العُتبي قال: أهدى ملكُ اليمن سبعَ جزائر إلى مكة وأوصى أن يَنحرها أعزُ قرشيّ بها فأتت وأبو سفيان عَروس بهند فقالت له هِنْد: يا هذا لا تَشغلك النّساء عن هذه الأكرومة التي لعلّك أن تُسْبق إليها فقال لها: يا هذه ذرِي زَوْجك وما اختار لنفسه فوالله لا نحرها أحدٌ إلا نحرتُه. فكانت في عُقُلها حتى خرَج إليها بعد السابع فنَحرها. ونظر رجلٌ إلى معاوية وهو غلام صغير فقال: إني أظنّ أنّ هذا الغلام سيسود قومَه فسمعته أمه هِنْد فقالت: ثكِلتُه إذاً إن لم يَسُد غيرَ قومه. وقال الهيثم بن عَدِيِّ: كانوا يقولون: إذا كان الصبيّ سابل الغُرّة طويل الغُرْلة مُلتاث الإزْرَة فذاك الذي لا يُشكّ في سُودده. ودخل ضَمْرة بن ضمْرة على النعمان بن المُنْذر وكانت به دَمامة شديدة فالتفت النعمانُ إلى أصحابه وقال: تَسمع بالمُعيديّ خير من أن ترإه. فقال: أيها الملك إِنما المرء بأصغريه قلبِه ولسانه فإن قال قال ببَيان وإن قاتل قاتل بجَنَان قال: صدقت وبحَقِّ سوّدك قومُك. وقيل لعَرابة الأوسيّ: بم سوَّدكَ قومُك قال: بأربع خلال: أَنْخَدع لهم في مالي وأذِلّ لهم في عِرْضي ولا أحْقِر صغيرَهم ولا أحسُد كبيرَهم. وفي عَرابة الأوْسيّ يقول الشَّمَّاخ وهو " ابن " ضرِار: رأيتُ عَرابة الأوْسي يَسمو إلى الخيْرَاتِ مُنقطع القَرينِ إذا ما رايةٌ رُفعت لمجْدٍ تلقاها عرَابة باليمين وقالوا: يَسود الرجل بأربعة أشياء: بالعَقل والأدب والعِلم والمال. وكان سلم بنُ نوفل سيِّدَ بني كِنانة فوَثب رجلٌ على ابنه وابن أخيه فجَرَحهما فأُتي به فقال " له ": ما أمَنك من انتقامي قال: فلِم سَوَّدْناك إذاً إلا أن تكْظم الغَيظ وتَحْلُم عن الجاهل وتحتمل المكروه فخلّى سبيلَه فقال فيه الشاعر: يُسوَّد أقوام وليسوا بسادةٍ بل السيّد الصِّنديد سَلم بنُ نوفل وقال ابن الكلْبي: قال لي خالدٌ العَنْبري: ما تعُدُّون السُّودد قلت: أمّا في الجاهليَّة فالرِّياسة وأما في الإسلام فالوِلاية وخَيْر من ذا وذاك التقوَى قال: صدقت كان أبي يقول: لم يُدْرِك الأوِّلُ الشرفَ إلا بالعقل ولم يُدْرِك الآخرُ إلاّ بما أَدْرَك به الأوّل قلتً له: صدق أبوك إنما ساد الأحنف بن قيْس بحلْمه ومالك بن مِسْمَع بحُبّ العشيرة له وقتُيبة بن مُسلم بدَهائه وساد المُهَلّب بهذه الْخِلال كلّها. الأصمعي قال: قيل لأعرابيّ يقال له مُنْتَجع بن نَبْهان: ما السَّميدع قال: السيّد المُوَطّأ الأكناف. وكان عمر بن الخطاب " رضي الله عنه " يُفْرش له فِراش في بَيْته في وَقْت خلافته فلا يجلس عليه أحد إلا العبَّاس بن عبد المطّلب وأبو سُفيان بن حَرْب. وقال النبي ﷺ لأبي سُفيان: كل الصيد في جَوْف الفَرأ. والفرأ: الْحِمار الوَحْشي وهو مَهموز وجَمعه فِراء ومعناه: أنه في الناس مثل الحمار الوحشي في الوحش. ودخل عمرو بنُ العاص مكة فرَأى قوماً مِن قُريش قد تحلّقوا حَلقة فلما رَأوه رَموا بأبصارهم إليه فعَدل إليهم فقال: أَحْسبَكم كنتم في شيء من ذِكْرِي قالوا: أجل كنا نُمَاثِل بينكَ وبن أخيكَ هِشام أيّكما أفضل. فقال عمرو: إنّ لهشام عليَّ أربعةً: أمه ابنة هِشام بن المُغيرة وأُمي من قد عَرفتم وكان أحبَّ الناس إلى أبيه منِّي وقد عرفتم مَعْرفة الوالد وأَسْلَم قبلي واستُشْهِد وبقيتُ. قال قيسُ بنِ عاصم لبَنِيه لما حضرته الوفاة: " يا بَنيَّ " احفَظوا عنّي فلا أحدَ أنصح لكم منّي أمَّا إذا أنامِتُّ فسَوِّدوا كِبَارَكم ولا تُسوِّدوا صغارَكم فيَحقر الناسُ كِبارَكم. وقال الأحنفُ بن قيس: السُّودد مع السَّواد. وهذا المعنى يحتمل وجهين من التفسير: أحدهما أن يكون أراد بالسواد سوادَ الشعر يقول: من لم يَسُد مع الحَداثة لم يَسُد مع الشيخوخة. والوجه الآخر أن يكون أَراد بالسَّواد سوادَ الناس ودَهْماءهم يقول: من لم يَطِرْ له اسمٌ على ألسنة العامّة بالسُّودد لم يَنْفعه ما طار له في الخاصة. وقال أَبانُ بن مَسْلمة: ولَسنا كقَوْم مُحُدَثين سِيادةً يُرَى ما لها ولا تُحَسّ فَعالُها مَساعِيهمُ مَقَصورَةٌ في بُيوتهم ومَسْعاتنا ذُبيانُ طُرّاً عِيالُها الهيْثم بن عَدِيّ قال: لما اْنفرد سًفيان بن عُيينة ومات نُظراؤه من العُلماء تَكاثر الناسُ عليه فأنشأ يقول: خَلَت الدِّيارُ فَسُدت غَيْر َمُسَوَّد ومِنَ الشَّقاء تَفَردي بالسُّوددِ سودد الرجل بنفسه قال النبي ﷺ: مَن أسْرع به عَمَلُه لم يُبْطِىء به حَسَبُه ومَن أَبطأ به عملُه لم يسرع به حسبه وقال قس بن ساعدة: من فاته حسب نفسه لم ينفعه حسب أبيه. وقال الشاعر: نفس عصام سودت عصاماً وعلمته الكر والإقداما وقال عبد الله بن معاوية: لسنا وإن كرمت أوائلنا يوماً على الأحساب نتكل نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثل ما فعلوا وقال قس بن ساعدة: لأقضين بين العرب بقضية لم يقض بها أحدٌ قبلي ولا يردها أحدٌ بعدي أيما رجل رمى رجلاً بملامة دونها كرم فلا لوم عليه وأيما رجلٌ أدعى كرماً دونه لؤم فلا كرم له. وقالت عائشة رضي الله عنها: كل كرم دونه لؤم فاللؤم أولى به وكل لوم دونه كرم فالكرم أولى به. تريد أن أولى الأمور بالإنسان خصال نفسه فإن كان كريماً وآباؤه لئام لم يضره ذلك وإن كان لئيماً وآباؤه كرامٌ لم ينفعه ذلك. وإني وإن كنت ابن سيد عامرٍ وفارسها المشهور في كل موكب فما سودتني عامرٌ عن وراثةٍ أبى الله أن أسمو بجدٍ ولا أب وتكلم رجل عند عبد الملك بن مروان بكلام ذهب فيه كل مذهب فأعجب عبد الملك ما سمع من كلامه فقل له: ابن من أنت قال: أنا ابن نفسي يا أمير المؤمنين التي بها توصلت إليك قال: صدقت. فأخذ الشاعر هذا المعنى فقال: ما لي عقلي وهمتي حسبي ما أنا مولى ولا أنا عربي إذا انتمى منتم إلى أحد فإنني منتمٍ إلى أدبي وقال بعض المحدثين: رأيت رجال بني دالقٍ ملوكاً بفضل تجاراتهم وبربرنا عند حيطانهم يخوضون في ذكر أمواتهم وما الناس إلا بأبدانهم وأحسابهم في حر اماتهم المروءة قال النبي ﷺ: لا دين إلا بمروءة. وقال ربيعة الرأي: المروءة ست خصال: ثلاثة في الحضر وثلاثة في السفر فأما التي في السفر: فبذل الزاد وحسن الخلق ومداعبه الرفيق وأما التي في الحضر: فتلاوة القرآن ولزوم المساجد وعفاف الفرج. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: المروءة مروءتان: مروءة ظاهرة ومروءة باطنة فالمروءة الظاهرة الرياش والمروءة الباطنة العفاف. وقدم وفد على معاوية فقال لهم: ما تعدون المروءة قالوا: العفاف وإصلاح المعيشة قال اسمع يا يزيد. وقيل لأبي هريرة: ما المروءة قال: تقوى تالله وتفقد الضيعة. وقيل للأحنف: ما المروءة قال: العفة والحرفة. وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: إنا معشر قريش لا نعد الحلم والجود سودداً ونعمد العفاف وإصلاح المال مروءة. قال الأحنف: لا مروءة لكذوب ولا سودد لبخيل ولا ورع لسيء الخلق وقال النبي ﷺ: تجاوزوا لذوي المروآت عن عثراتهم فوالذي نفسي بيده إن أحدهم ليعثر وإن يده لبيد الله. وقال العتبي عن أبيه: لا تتم مروءة الرجل إلا بخمس: أن يكون عالماً صادقاً عاقلاً ذا بيان مستغيناً عن الناس. وقال الشاعر: وما المرء إلا حيث يجعل نفسه ففي صالح الأخلاق نفسك فاجعل وقيل لعبد الملك بن مروان: أكان مصعب بن الزبير يشرب الطلاء فقال: لو علم مصعب أن الماء يفسد مروءته ما شر به. وقالوا: من أخذ من الديك ثلاثة أشياء ومن الغراب ثلاثة أشياء تم بها أدبه ومُروءته: مَن أخذ من الدِّيك سَخاءه وشَجاعته وغَيْرته ومن الغُراب بُكوره لطَلَب الرِّزق وشدَّة حَذَره وسَتر سِفاده. طبقات الرجال قال خالدُ بنُ صَفْوان: الناسُ ثلاثُ طبقات: طَبقة عُلماء وطَبقة خُطباء وطبقة أدباء ورِجْرِجة بين ذلك يغْلُون الأسعار ويُضَيِّقون الأسواق ويُكَدِّرون المِياه. وقال الحسنِ: الرِّجال ثلاثة: فَرَجل كالغِذاء لا يُسْتغنى عنه ورَجُل كالدَّواء لا يحتاج إِليه إلا حِيناَ بعد حِين ورَجل كالدَّاء لا يحتاج إليه أبداً. وقال مُطَرِّف بن عبد الله بن الشِّخِّير: الناسُ ثَلاثة: ناسٌ ونَسْناس وناس غُمِسوا في ماء الناس. وقال الخليل بن أحمد: الرجالُ أربعة: فَرَجل يَدْرِيَ ويَدْري أنه يَدْري فذلك عالم فَسَلُوه ورجُل يَدْري ولا يَدْري أنه يَدْري فذلك النَّاسي فذَكِّروه ورجُل لا يَدْري ويَدْري أنه لا يَدْري فذلك الجاهلُ فعلِّموه ورجُل لا يَدْري ولا يَدري أنه لا يَدري فذلك الأحمقُ فارفضوه. وقال الشاعر: أَليس من البَلْوى بأنّك جاهل وأنك لا تَدْري بأنك لا تَدْري إذا كنت لا تَدْري ولستَ كمن درَى فكيف إذاً تَدْرِي بأنك لا تَدْري ولآخر: وما الدَّاء إلا أن تُعلِّم جاهلاً ويَزْعُم جهلاً أنه منك أَعْلَمُ وقال علّيّ بن أبي طالب رضي الله عنه: الناس ثلاثة: عالمٌ ربَّاني ومُتعلِّم على سَبِيل نَجَاة ورَعَاع هَمَجٌ يميلون مع كل ريح. وقالت الحُكماء: الِإخوانُ ثَلاثة: فأخٌ يُخْلِص لك ودَّه ويَبْذُلُ لك رِفْدَه ويَستَفْرغ في مُهمِّك جُهْده وأَخٌ ذو نِيّة يَقْتصر بك على حُسن نيَّته دون رِفْده ومَعُونته وأخٌ يتَملق لك بلِسانِه ويَتَشاغَل عنك بشانه ويُوسعكَ مِن كَذِبه وأيمانه. وقال الشعبيّ. مَرَّ رجُل بعبد الله بن مَسعُود فقال لأصحابه: هذا لا يَعْلم ولا يَعْلم أنه لا يَعْلم ولا يَتعلّمِ ممن يَعْلم. وقال النبي ﷺ: كُنْ عالماَ أو مُتَعلماً ولا تكُن الثالثةَ فتَهْلِك. الغوغاء الغوغاء: الدَّبا وهي صغار الجَراد وشُبِّه بها سَوَادُ الناس. وذُكر الغَوْغاء عند عبد الله بن عباس فقال: ما اجتَمعوا قطُّ إلا ضَرُّوا ولا افترقوا إلا نفَعوا وقيل له: قد عَلِمْنا ما ضَرَّ اجتماعهم فما نَفع افتراقهم قال: يَذْهب الحجَّام إلى دكانه والحداد إلى أكياره وكل صانع إلى صِنَاعته. ونظر عمرُ بن الخطّاب رضي الله عنه إلى قَوْم يَتبعون رجلاً أخذ في رِيبَة فقال: لا مَرْحباً بهذه الوُجوه التي لا تُرَى إلا في كلِّ شرًّ. وقال حبيب بن أوس الطائي: إنْ شِئْتَ أن يَسْوَدَّ ظَنُّك كُلُّهُ فأَجِلْهُ في هذا السّوَادِ الأعْظم وقال دِعْبل: ما أكثر الناسَ لا بَلْ ما أَقلَّهم الله يَعْلم أَنِّي لم أَقُلْ فَنَدَا إنِّي لأفْتح عَيْني حِينَ أَفْتَحَها على كَثيرٍ ولكنْ لا أرَى أحدا الثقلاء قالت عائشةُ أم المؤمنين رضي الله عنها: نزلتْ آيةٌ في الثُّقلاء: " فإذا طَعمتُمْ فِانْتَشرًوا ولا مًسْتَأْنِسِين لِحَديث ". وقال الشعبي: مَن فاتَتْه رَكْعتا الفَجْر فَلْيلعن الثقلاء. وقيل لجالينوس: بِمَ صار الرجلُ الثقيلُ أثقلَ من الْحِمْل الثقيل فقال: لأنّ الرجلَ الثقيل إنما ثِقَلُه على القَلْب دون الجَوارح. والحِمْل الثَّقيل يَسْتَعِين فيه المرء بالجَوَارح. وكان أبو هُرَيرة إِذا استثَقل رجلاً قال: اللهم اغْفِر له وأرِحْنا منه. وكان الأعمشُ إِذا حَضر مَجلسه ثقيلٌ يقول: فما الفِيلُ تَحْمِلُه مَيِّتاً بأثقلَ من بَعْض جُلاسِنَا وقال أبو حَنِيفة للأعمش وأتاه عائِداً في مرضه: لَوْلا أن أثْقُل عليك أبا محمَد لعُدْتك والله في كلّ يوم مَرّتين فقال له الأعمش: والله يا بن أخي أنتَ ثَقِيل عليّ وأنتَ في بَيْتك فكيف لو جئتني في كلّ يوم مَرَّتين. وذكر رجلٌ ثقيلاً كان يَجْلِس إليه فقال: والله إِني لُأبْغِضُ شِقِّي الذي يليه إذا جَلس إلِيّ. ونقَشَ رجل على خاتَمه: أَبْرَمْتَ فَقُم. فكان إذا جَلس إليه ثقيلٌ ناوَله إِيَّاه وقال: اقرأ ما على هذا الخاتم. وكان حَمّاد بن سَلمة إذا رأى من يَستَثقله قال: " رَبَّنَا اكشفْ عَنَا العَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنونَ ". وقال بشّار العُقَيليّ في ثَقِيل يُكنى أبا عِمْران: رُبمَّا يَثْقُل الجَلِيسُ وإنْ كا نَ حنيفاً في كِفّة الميزانِ ولقد قلتُ إذْ أطل عَلَى القَوْ م ثَقِيل يُرْبي عَلَى ثَهْلان كيفَ لا تَحْمِل الأمانَةَ أُرْض حَمَلَتْ فوقَها أبا عُمْران أنتَ يا هذا ثَقِيلُ وثقيل وثقيل أنتَ في المَنْظَر إنْسا ن وفي الميزان فيل وقال الحَسَن بن هانئ في رجل ثَقِيل: ثَقِيل يُطَالِعُنا من أمَمْ إذا سره رغم أنفي ألم أقوله له إذا بَدَا لا بَدَا ولا حملته إلينا قدم فَقدتُ خيالَك لا مِن عَمىٍ وصوت كلامك لا من صمم وله فيه: وما أظنَ القِلاَصَ مُنْجِيتي منك ولا الفلك أيها الرجل ولو رَكِبْت البرَاق أدْرَكني منك على نَأي دَارِك الثَقَل هل لك فيما ملكته هِبةً تَاخذه جُمْلة وتَرْتَحِل وله فيه: يا مَن على الجُلاس كالفَتْق كلامُك التًخْديش في الحَلْق هل لك في مالي وما قد حَوَت يَدَاي من جِلٍّ ومن دق ألا يا جبل المَقْت ال ذي أرسىَ فما يَبْرحْ لقد أكثرتُ تَفكِيري فما أدْرِي لما تَصْلُحْ فما تصلح أنْ تُهْجَىَ ولا تَصلحُ أن تُمْدَح أَهْدى رجلٌ من الثُقلاء إلى رجل من الظُرفاء جَمَلاَ ثم نزَل عليه حتى أبْرمه فقال فيه: يا مبرماً أهدى جَمَلْ خُذْ وانصرف ألفيْ جَمَل قالَ وما أوْقارُها قلتُ زَبِيبٌ وعَسَلْ قال ومَن يَقُودها قلتُ له ألْفَا رَجُل قال ومَن يَسُوقها قلتُ له ألْفَا بَطَل قال وما لِباسُهم قلتُ حُلِيً وحُلَل قال وما سِلاحُهم قلتُ سُيوف وأَسَل قال عَبِيد لي إذن قلتُ نَعم ثم خَوَل قال بهذا فاكتُبوا إذن عليكم لي سِجل قال وقد أثقلتكم قلتُ له فوق الثَقل قال فإني راحلٌ قلتُ العَجَلِ ثم العَجَل يا كوكبَ الشُؤم ومَن أرْبَى على نحْس زُحَل يا جبلاً مِن جَبَلٍ في جَبَلٍ فوق جبَل وقال الحَمْدوني في رجل بَغِيض مَقِيت: أيابن البَغِيضة وابن البَغِيضِ ومَن هو في البُغض لا يُلْحَق سألتًك بالله إلا صَدَقْت وعِلْمي بأنكَ لا تَصدق أتبغضُ نَفسك مِن بُغضها وإلا فأنتَ إذن أحْمَقُ وله فيه: في حمير الناس إن كُنتَ من الناس تُعَدُّ ولقد أُنبئت: إبليس إذا راك يَصُد ولحبيب الطائي في مثله أي في رجل مَقِيت: يا مَن تَبَرَّمت الدنيا بطَلعته كما تَبَرَّمت الأجفان بالرَّمدِ وللحسن بن هانئ في الفضل الرًقاشيّ: رأيتُ الرقاشيِّ في مَوْضِع وكان إليَّ بغيضاً مقيتا فقال اقترِح بعض ما تَشْتَهِي فقلتُ اقترحتُ عليك السُّكوتا وأنشد الشَعبيُّ: إنّي بُلِيتُ بمَعشر نَوْكَى أخفهمُ ثقيلْ بُلْهٌ إذَا جالستهُم صَدِئَتْ لقُرْبهمُ العُقول لا يُفْهموني قولهم ويَدِقُّ عنهم ما أقول فَهُمُ كثِيرٌ بي كما أنيِّ بقُرْبهم قليل وقال العُتْبيّ: كتب الكِسائيّ إلى الرّقاشي: شَكَوْتَ إلينا مَجَانينَكم وأشْكُو إليك مَجَانيننا وأنشأتَ تَذْكر قُذّاركم فأنتِنْ وأَقْذِرْ بمَنْ عِنْدنا فلَوْلا السَّلامة كُنًا كَهُم ولوْلا البَلاء لكانوا كَنَا وقال حبيب الطائي: وقال حبيب: يا مَن لهُ في وَجْهه إذ بَدَا كنُوز قارُون من البُغْض لو فر شيء قطٌّ مِن شكله فرَّ إذاً بعضك من بَعْض كوْنُك في صُلْبِ أبينا الّذِي أهبطنا جمعاً إلى الأرْض وقال أبو حاتم: وأنشدني أبو زَيْد الأنصاريّ النًحوي صاحبُ النَّوادر: وَجْهُ يحيى يدْعو إلى البَصْق فيه غير أنِّي أَصون عنه بُصاقي قال أبو حاتم: وأنشدني العُتبيّ: له وَجْه يَحلّ البَصقُ فيه ويَحْرُم أن يُلقَّى بالتَّحيَّة قال وأنشدني: قميصُ أبي أميِّة ما عَلِمتم وأوْسَخُ منه جِلْدُ أبي أُمَيَّه التفاؤل بالأسماء سأَل عُمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً أراد أن يَسْتعين به على عمل عن اسمه واسم أبيه. فقال: ظالم بن سُراقة فقال: تَظْلم أنت ويَسْرِق أبوك ولم يَسْتَعِن به في شيء. وأقبل رجلٌ إلى عُمَر بن الخطاب فقال له عمر: ما اسمك فقال: شِهاب ابن حُرْقة قال: ممَّن قال: من أهل حَرة النار قال: وأين مَسكنك قال: بذات لَظى قال: اذهب فإن أهلَك قد احترقوا. فكان كما قال عمر رضي الله عنه. ولقي عمرُ بن الخطّاب رضي الله عنه مَسْروق بن الأجْدع فقال له: من أنتَ قال: مَسْروق بن الأجدع. قال: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: الأجدع شيطان. وروى سُفيان عن هشام الدَسْتُوائيّ عن يحيى بن أبي كَثير قال: كَتب رسول الله ﷺ إلى أمرائه: لا تُبْردوا بريداً إلا حَسَن الوجه حَسَنَ الاسم. ولمَّا فرغ المُهلّب بن أبي صُفْرة من حرب الأزارقة وجه بالفتْح إلى الحجاج رجلاً يقال له مالك بن بَشِير فلما دخل على الحجّاج قال له: ما اسمك قال: مالك بن بَشِير محال: مُلْك وبِشارة. وإذا تكُون كريهةٌ فَرَّجْتها أدعو بأسْلم مَرَّةً ورَباح يُريد التَّطيّر بأسْلم ورَباح للسَّلامة والرِّبح. الرّياشي عن الأصمعيّ قال: لما قَدِم رسول الله ﷺ المدينه على رجل من الأنصار فصاح الرجلً بغُلامَيه: يا سالم ويا يسار فقال رسول ﷺ: سَلِمت لنا الدّار في يُسْر. وقال سَعيد بن المسيِّب بن حَزْن بن أبي وَهب المَخْزومي: قَدِم جَدِّي حَزْن بن أبي وَهْب على النبي ﷺ فقال له: كيف اسمُك قال: حَزْن قال له رسول الله ﷺ: بل مَهْل قال: ما كنتُ لأدع اسماً سَمّتني به أُمِّي قال: سَعِيد: فإِنا لَنَجد تلك الحزُونة في أخْلاقنا إلى اليوم. وإنما تَطيّرت العرب من الغُراب للغُربة إذ كان اسمُه مُشْتَقًّا منها. وقال أبو الشِّيص: أشاقَكَ والليلً مُلْقِي الجرَانِ غُرابٌ يَنُوحِ على غُصْن بَانِ وفي نَعَبات الغُراب اغتِراب وفي البَان بينٌ بَعيد التَّدَاني ولآخر في السَّفَرْجل: خَوْفَ الفِراق لأنّ شَطْر هِجَائه سَفَر وحَقّ له بأن يَتَطَيًّرَا ولآخر في السَّوْسن: ياذا الَّذي أهدئ لنا السَّوْسَنا ما كنتَ في إهدائه مُحْسِنَا شَطْرُ اْسمه سَوء فقد سُؤْتَني يالَيت أنِّي لم أَر َالسَّوسَنا ولآخرَ في الأتْرُج: أَهْدَى إليه حبِيبُه أُتْرُجّة فَبَكَى وأشْفَق من عِيافة زَاجرِ خافَ التَّبدّل والتَّلوُّن إنّها لَوْنان باطنُها خلافُ الظّاهر وقال الطائي في الحَمام: هُنّ الحَمام فإن كَسَرتَ عِيافةً مِن حائِهنّ فإنهن حِمامُ وكان أشعبُ يَختلف إلى قَيْنة بالمَدينة فلمّا أراد الخُروِج سألها أن تُعْطِيه خاتَم ذَهب في يَدِها ليَذكرها به قالت: إن ذَهب وأَخاف أن تذْهب ولكن هذا العُود فلعلّك أن تعود.
باب الطيرة
قال النبي ﷺ: ثلاثة لا يَكاد يَسْلم منهنّ أحد: الطِّيرة والظنّ والحَسد قيل: فما المَخْرج منهنّ يا رسولَ الله قال: إذا تَطيَّرت فلا تَرْجع وإذا ظَننت فلا تًحقِّق وإذا حَسَدت فلا تَبْغ. وقال أبو حاتم: السانح ما وَلاك مَيامِنه والبارِح ما وَلاك ميَاسره والجابه ما استقبلك من تُجاهك والقَعِيد الذي يَأْتيك من خَلْفك. وقال النبي ﷺ: لا عَدْوَى ولا طِيَرة. وقال: ليس منا مَن تَطيّر. وقال: إذا رَأَى أحدُكم الطِّيرة فقال: اللَهمّ لا طَير إلا طَيْرك ولا خَيْر إلا خيْرك ولا إله غَيْرك لم تَضره. وقد كانت العَرب تتطيّر ويَأْتي ذلك في أشعارهم وقال بعضهم: وما صَدَقَتك الطير يوم لَقِيتَنا وما كان مَنْ دَلاك فينا بخَابِر وقال حسّان رضي الله تعالى عنه: لتَسمعنَّ وَشيكاً في ديارِهُم الله أكْبر يا ثاراتِ عُثْمانا وقال الحَسَن بن هانئ: قامَ الأمير بأمر الله في البَشَر واسْتَقْبل المُلْك في مَسْتَقبل الثمر فالطَير تُخْبِرنا والطَّيُر صادقةٌ عن طِيبِ عَيْش وعن طًول من العُمر وقال الشَّيْباني: لما قَدِم قُتيبة بن مُسْلم والياً على خُراسان قام خَطِيباً فسَقطت المِخْصَرَة من يَدِه فتطيّر بها أهلً خُراسان فقال: أيها الناس ليس كما ظَننتم ولكنه كما قال الشاعر: فأَلْقت عَصاها واستَقْرّت بها النَّوى كما قَر عَيْناً بالإيابِ المَسَافُر اتخاذ الإخوان وما يجب لهم رَوَى الأوزاعيّ عن يحيى بن أبي كَثير أنّ داود قال لابنه سُليمان عليهما السلام: يا بُنيّ لا تَستَقلّ عَدوَاً واحداَ ولا تَستَكْثِر أَلف صَديق ولا تَستَبدل بأخٍ قديم أخاً مُستَحدثاً ما استَقام لك. وفي الحديث المرفوع: المَرْء كَثير بأَخيه. وقاد شَبيب بن شَيْبة إخوان الصَّفاء خير مكاسب الدُّنيا هم زِينةٌ في الرِّخَاء وعدَّة في البَلاء ومَعُونة على الأعداء. لَعَمْرك ما مالُ الفَتَى بذَخيرة ولكن إخوانَ الصَّفاء الذَّخائرُ وقال الأحْنف بن قَيْس: خَيْرُ الإخوان إن استغنيت عنه لم يَزِدك في المَودَّة وإن احتَجْت إليه لم يَنْقُصك منها وإن كُوثِرت عَضدك وإن استرفدت رفَدَك وأنشد: أخوكَ الذي إن تَدْعُه لِمُلِمِّة يُجِبْك وإنْ تَغْضب إلى السًيف يَغْضب ولآخر: أخَاكَ أَخَاكَ إنّ مَن لا أخاً له كَساعٍ إلى الهَيْجَا بغَيْر سِلاح وإنّ ابن عَمّ المَرْء فاعْلَم جَناحُه وهل يًنْهض البازِي بغَيْر جَنَاح ومما يَجب للصدًيق على الصَّديق النصيحةُ جَهْده. فقد قالوا: صدِيق الرجل مِرْآته تُريه حَسناتِه وسيّآته. وقالوا الصَّدِيق من صَدَقك وُدّه وبَذَل لك رِفْدَه. " وقالوا: أربعة لا تعرَف إلاّ عِنْد أربعة: لا يُعرف الشجاع إلا عند الحَرْب ولا الحَلِيم إلا عند الغَضب ولا الأمين إلا عند الأخذ والعَطاء ولا الأخوانُ إلا عَند النَّوائب ". وقالوا: خير الإخوان مَن أقبل عليك إذا أدبر الزمان عنك. وقال الشاعر: إن الكرِامَ إذا مَا أُسهَلوا ذَكَرُوا مَن كان يأَلَفَهُم في المنزل الخَشِن ولآخر: البرُّ من كَرَم الطبيعة والمَنّ مَفْسدة الصنيعة تَرْكُ التعهُّد للصَّدي ق يكون داعيةَ القطيعة أنشد محمدُ بن يزيد المبرِّد لعبد الصَّمد بن المُعذَّل في الحَسْن بن إبراهيم. يا من فَدَت نَفْسَه نَفْسي ومن جُعُلت له وِقَاءً لِمَا يخشى وأَخْشاهُ أبْلِغ أخاكَ وان شَط المَزَار به أنِّي وإنْ كُنتُ لا ألقاه ألقاه وأنّ طَرْفيَ مَوْصول برؤيته وإنْ تَباعد عن مَثْواي مَثْواه الله يعْلَم أنّي لستُ أذْكُره وكيف يَذكره مَن ليس يَنْساه عًدُّوا فهل حَسَنٌ لم يَحْوِه حَسَن وهَلْ فتَى عَدَلت جَدْواه جَدْوَاه فالدهر يَفْنى ولا تَفْنى مَكارمه والقَطْر يُحْمىَ ولا تُحْصىَ عَطَايَاه وقيل لبعض الوُلاة: كم صديقاً لك قال: لا أدْري الدُّنيا مُقْبِلة عليَّ والناس كلِّهم أصدقائيِ وإنما أَعرف ذلك إذا أدبرَتْ عنِّي. ونُرَى فنُعْرف بالعَدا وَة والبِعاد لمَن تُباعد ونبيت في شَفَق عَلَي - ك رَبيئةً والليلُ هاجِد أصناف الإخوِان قال العَتّابي: الإخوانُ ثلاثة أصناف: فرْع بائنٌ من أصله وأصل مُتَّصل بفَرْعه وفَرْع ليس له أصل. فأمّا الفرع البائن من أصله فإخاءٌ بُني على مودّة ثم انقطعت فحُفِظ على ذمام الصُّحبة وأمّا الأصل المتَّصل بفَرْعه فإخاءٌ أصله الكرم وأغصانه التَقوى وأمّا الفرع الذي لا أصل له فالمموه الظاهر الذي ليس له باطن. وقال النبي ﷺ: الصاحب رُقْعة في قميصك فانظر بم تُرَقِّعه. ويقال: من علامة الصَّديق أن يكون لصَديق صديقه صديقاً ولعدوه عدوَّاً. وقَدِم دِحْية الكَلْبيّ على أمير المؤمنين عليّ عليه السلامُ فما زال يَذْكر مُعاوية ويطْريه في مجلسه فقال عليٌّ عليه السلام: صَديقُ عَدُوِّي داخلٌ في عَدَاوَاتي وإنِّي لمَن وَدَّ الصّديقَ وَدودُ فلا تَقْرَباً منّي وأنت صَديقُه فإنّ الذي بين القُلوب بعيدُ تَودُّ عدوِّي ثم تَزْعُم أنني صديقُك إنّ الرَّأي عنك لعازِبُ وليس أخي مَن دوني رَأْيَ عَيْنه ولكنْ أخي مَن دوني وهو غائبُ وقال آخر: ليس الصديقُ الذي إن زَلَّ صاحبُه يوماً رَأَى الذنبَ منه غيرَ مغْفِورِ وإنْ أَضاع له حَقَاً فعاتَبه فيه أتاه بتَزْوِيق المَعاذِير إنّ الصًديق الذي ألقاه يَعذِر لي ما ليس صاحبُه فيه بمَعْذور وقال الآخر: كم مِن أخ لم يَلدِهْ أبُوكا وأخ أبوهُ أبوكَ قد يَجْفُوكا صافِ الكِرَامَ إذا أَردتَ إخاءَهم واعْلَم بأنّ أخا الحِفاظ أُخوكا والناسُ ما استغنيتَ كُنتَ أخاهُمُ وإذَا افتقرتَ إليهمُ رَفَضًوكا وقال بعضهم: أخوك الذي إن قمتَ بالسًيْف عامِداً لتَضْرِبَه لم يَسْتغشَّك في الوُدِّ وإنْ جئتَ تَبْغي كفّه لتُبينَها لبادَر إشفاقاً عليك من الرَّدّ إنْ كنتَ مُتَّخذاً خَلِيلاً فتَنَقَّ واْنتَقد الخَلِيلاَ مَن لم يكُن لك منصفًا في الوُدّ فابغ به بَدِيلا ولقَلَّما تَلْقى اللَّئيمَ عليك إلا مستطيلا وللعَطوِيّ: صُنِ الوًدً إلاِّ عَن الاكرمين ومَن بمُؤَاخاتِه تَشْرُفُ ولا تغتررْ مِن ذَوِي خلَة بما مَوّهوا لكَ أَوْ زَخْرفوا وكم من أخ ظاهر ودًّه ضَمِيرُ مَودّته أَحْيَف إذا أنت عاتبتَه في الإخا ءِ تنكر منه الذي تَعْرِف وكتب العباس بن جَرير إلى الحَسن بن مَخْلد: ارعَ الإِخاءَ أبا مُحم د للَّذي يصْفو وصُنْهُ وإذا رأيتَ مُنافِساً في نيل مكرمةٍ فكنه إنَ الصديقَ هو الذي يرعاك حيث تغيب عنه فإذا كشفت إخاءَهُ أحمدتَ ما كشفت منه وقال آخر: خَيْرُ إخوانِكَ آْلمشارك في المر وأَين الشرِيكُ في المرّ أَيْنَا الَّذِي إنْ شهدتَ زادَك في البرّ وإن غِبْتَ كان أذْناً وعَيْنا وقال آخر: ومِنَ البَلاء أخٌ جنايتُه عَلَق بنا ولغَيْرنا سَلَبُهْ ولآخر: إذا رأيتُ انحرافاً من أخِي ثِقةٍ ضاقتْ عليّ برُحب الأرض أوْطانِي فإن صددتُ بوَجْهي كَيْ أكافئَه فالعَين غَضْبَى وقَلْبي غير غضبان وكتب بعضُهم إلى محمد بن بَشّار: مَن لم يُرِدْك فلا تردهُ لِتَكُنْ كَمَنْ لم تَسْتَفِدْه باعِدْ أخاكَ لبُعْده وإذا دَنا شِبْراً فزِده كم من أخٍ لك يا بنَ بَشّ ا رٍ وأُمُّك لم تَلِدْه وأخِي مُناسَبة يَسُو ءُك غَيْبُه لم تفتقده مَنْ يَأْنس الإخْوان لم يَبْدَ العِتابَ ولم يُعِدْه عاتِبْ أخاك إذا هَفا واعْطِفْ بِودك واسْتَعِدْه وإذا أتاك بِعَيْبِهِ واشٍ فقُل لم تَعْتمده معاتبة الصديق واستبقاء مودته قالت الحكماء: مما يجب للصَّديق على الصديق الإغْضاء عن زلاّته والتَّجاوز عن سيّآته فإن رجع وأعتب وإلاّ عاتبتَه بلا إكثار فإنّ كثرَة العتاب مَدْرجة للقَطِيعة. وقال عليّ بن أبي طالب رضي اللهّ عنه: لا تَقْطع أخاك على ارتياب ولا تهجره دون استِعْتاب. وقال أبو الدَّرداء: مَن لك بأَخيك كلّه. وقالوا أيّ الرجال المُهذَّب. وقال بشّار العُقَيْليّ: إذا أنتَ لم تَشْرب مِراراً على القَذَى ظَمِئْتَ وأيُ النَّاس تَصْفو مَشارِبُه وقالوا: مُعاتبة الأخ خَيرٌ من فَقْدِه. إذا ذَهب العِتاب فليْسَ ودٌ ويَبْقَى الوُدُّ ما بَقِي العِتَابُ ولمحمد بن أَبان: إذا أنَا لم أَصْبِرْ على الذَّنب مِن أخٍ وكنتُ أُجازيه فأَين التفاضلُ " إذا ما دهاني مِفْصلٌ فقطعتًهَ بَقيتُ وما لي للنُّهوص مَفاصل " ولكنْ أُدَاويه فإنْ صَحَّ سرًّني وإنْ هو أَعْيا كان فيه تحامل وقال الأحنف: مِن حَقّ الصَّديق أن يَتَحَمَل ثلاثاً: ظُلم الغضب وظُلم الدالّة وظُلم الهَفوة. لعبد الله بن مُعاوية: ولستُ ببَادي صاحبِي بقَطِيعة ولستُ بمُفْشٍ سِرَّه حين يغْضبُ عَليك بإخوان الثِّقَات فإنهم قليلٌ فَصِلْهم دُون مَن كنت تَصْحَب وما الخِدْن إلا مَن صَفا لك وُدّه ومَن هو ذو نُصْح وأنت مُغَيَّب ما يستجلب الإخاء والمودة ولين الكلمة قال عليُّ بن أبي طالب عليه السلام: مَن لانت كَلِمته وَجَبت محبّتُه. وأنشد: وعَلَى الصديقِ ألا يلقَى صديقه إلا بما يُحب ولا يًؤذِي جليسَه فيما هو عنه بمَعْزِل ولا يأتي ما يَعيب مِثْلَه ولا يَعيب ما يأتي شَكْلَه. وقد قال المتوكّل اللّيثي: لا تنهَ عَن خُلُقِ وَتأْتِيَ مِثْلَه عارٌ عليك إذا فعلتَ عَظِيمُ وقال عمرً بن الخَطّاب رضي الله عَنه: ثلاث تثبت لك الوًدَّ في صَدْرِ أخيك: أن تَبدأه بالسَّلام وتُوسع له في المَجْلس وتَدْعوه بأحبّ الأسماء إليه. وقال: ليس شيءٌ أبلغَ في خَيْر ولا شَرّ من صاحب. وقال الشاعر: إن كُنتَ تبغي الأَمْرَ أو أصلَه وشاهداً يُخْبر عن غائبِ فاعْتَبِر الأرضَ بأَشْباهها واعْتَبر الصّاحب بالصَّاحب لعَدِيّ بن زَيد: عَنِ المَرْء لا تَسَلْ وسَلْ عَن قَرِينه فكُلُّ قَرِين بالمُقارن يَقْتَدِي و لعمرو بن جَمِيل التَغْلَبي: سأصبر من صَديقي إنْ جَفَاني على كلّ الأذَى إلا الهَوَانَا فإنّ الحُرَّ يَأنَف في خَلاءِ وإن حَضر الجماعةَ أن يُهانَا وقال رجلٌ لمُطِيع بن إياس: جِئّتُك خاطباً مَوَدَّتك قال: قد زَوَّجتكها على شرط أن تجعل صَداقها أن لا تَسمع فيَّ مقالَ الناس. ويقال في المَثَل: مَن لم يَزْدَرِد الرّيق لم يَستكثر من الصديق. وما أحسنَ ما قال إبراهيمُ بن العبَّاس: يا صديقيِ الذي بَذَلْت له الو دَّ وأنزلتُه على أحشائي إنّ عَيْناَ أقْذَيْتهَا لتراعي ك على ما بها مِن الإقذاءِ ما بها حاجةٌ إليك ولكنْ هي مَعْقودة بحَبْل الوَفاء ولابن أبي حازم: ارْضَ من المَرْءِ في مَوَدَّته بما يُؤدي إليكَ ظاهرُه مَن يَكْشِف الناسَ لا يَرى أحداً تَصِحّ منه له سَرائرُه توشِك أن لا تتم وَصْل أخٍ في كلّ زَلاّته تُنافِره إنْ ساءَني صاحِبي احْتملْتُ وإن سرَّ فإني أخوه شاكِرُه أصفح عَنْ ذَنْبه وإِن طَلَب ال عُذْرَ فإنّي عليه عَاذِرُه ولغيره: لقد أصبحتْ نَفْسي علي شَفِيقةً ومِثْلي على أهل الوَفاء شَفِيق أسرَّ بما فيه سُرُورك إنَّني جَدِير بمكنون الإخاء حَقِيق عدَوّ لمن عاديتَ سَلْم مُساِلمٌ لكل آمرئ يَهْوى هواكَ صَدِيق ولأبي عبد الله بن عُرْفة: هُمًومُ رجالٍ في أمور كَثيرةٍ وهَمِّي من الدِّنيا صديق مُساعِدُ يكون كرُوح بين جِسْمين فُرِّقَا فَجِسْماهما جِسْمان والرُّوح واحِد قال بعض الحكماء: الإخاء جَوْهرة رقيقة وهي ما لم تُوَقِّها وتَحْرُسها مُعرَّضة للآفات فَرُض الإخاء بالحدّ له حتى تَصل إلى قُربه وبالكَظْم حتى يَعْتذِر إليك مَن ظَلَمك وبالرِّضى حتى لا تَسْتَكْثر من نَفْسك الفَضْل ولا من أخيك التَّقْصير.