وكان عاصم بن الحدثان عالماً ذكياً وكان رأس الخوارج بالبصرة وربما جاءه الرسول منهم من وهم إذا كسروا الجفون أكارم صبر وحين تحلل الأزرار يغشون حومات المنون وإنها في الله عند نفوسهم لصغار يمشون بالخطي لا يثنيهم والقوم إذ ركبوا الرماح تجار فقال له الفرزدق: ويحك! اكتم هذا لا يسمعه النساخون فيخرجوا علينا بحقوقهم. فقال أبوه: يا فرزدق هو شاعر المؤمنين وأنت شاعر الكافرين. ونظير هذا مما يشجع الجبان قول عنترة الفوارس: بكرت تخوفني الحتوف كأنني أصبحت عن غرض الحتوف بمعزل فأجبتها إن المنية منهل لا بد أن أسقى بكأس المنهل فاقني حياءك لا أبالك واعلمي أني امرؤ سأموت إن لم أقتل ومن أحسن ما قالوه في الصبر قول نهشل بن حري بن ضمرة النهشلي: ويوم كأن المصطلين بحره وإن لم تكن نار وقوف على جمر صبرنا له حتى يبوخ وإنما تفرج أيام الكريهة بالصبر وأحسن من هذا عندي قول حبيب: فأثبت في مستنقع الموت رجله وقال لها من تحت إخمصيك الحشر وأحسن من هذا القول: يستعذبون مناياهم كأنهم لا يخرجون من الدنيا إذا قتلوا وقوله في هذا المعنى: قوم إذا لبسوا الحديد حسبتهم لم يحسبوا أن المنية تخلق انظر فحيث ترى السيوف لوامعاً أبدا ففوق رؤوسهم تتألق وقال الحجاج بن حكيم: شهدن مع النبي مسومات حنيناً وهي دامية الحوامي ووقعة راهط شهدت وحلت سنابكهن بالبلد الحرام تعرض للطعان إذا التقينا خدوداً لا تعرض للطام أخذه من قولهم: ضربة بسيف في عز خير من لطمة في ذل. ومن أحسن ما وصفت به رجال الحرب قول الشاعر: رويداً بني شيبان بعض وعيدكم تلاقوا غدا خيلي على سفوان تلاقوا جياداً لا تحيد عن الوغى إذا ما غدت في المأزق المتداني إذا استنجدوا لم يسألوا من دعاهم لأية حرب أم بأي مكان قوم إذا نزل الغريب بدارهم تركوه رب صواهل وقيان وإذا دعوتهم ليوم كريهة سدوا شعاع الشمس بالفرسان لا ينكتون الأرض عند سؤالهم لتطلب العلات بالعيدان بل يسفرون وجوههم فترى لها عند السؤال كأحسن الألوان ومن أحسن المحدثين تشبيها في الحرب مسلم بن الوليد الأنصاري في قوله ليزيد بن مزيد: تلقى المنية في أمثال عدتها كالسيل يقذف جلموداً بجلمود بجود بالنفس إذ ظن الجواد بها والجود بالنفس أقصى غاية الجود وقوله أيضاً: موف على مهج في يوم ذي رهج كأنه أجل يسعى إلى أمل ينال بالرفق ما تعيا الرجال به كالموت مستعجلاً يأتي على مهل وقال أبو العتاهية: كأنك عند الكر في الحرب إنما تفر عن السلم الذي من ورائكا كأن المنايا ليس تجري لدى الوغى إذا التقت الأبطال إلا برائكا وقد علمت سلامة أن سيفي كريه كلما دعيت نزال أحادثه بصقل كل يوم وأعجمه بهامات الرجال وقال أبو محلم السعدي: تقول وصكت وجهها بيمينها أبعلي هذا بالرحى المتقاعس فقلت لها لا تعجلي وتبيني بلائي إذا التفت علي الفوارس ألست أرد القرن يركب ردعه وفيهن سنان ذو غرارين نائس إذا هاب أقوام تقحمت غمرة يهاب حمياها الألد المداعس لعمر أبيك الخير إني لخادم لضيفي وإني إن ركبت لفارس وقال آخر يمدح المهلب بالصبر: وإذا جددت فكل شيء نافع وإذا حددت فكل شيء ضائر وإذا أتاك مهلبي في الوغى في كفه سيف فنعم الناصر ومن قولنا في القائد أبي العباس في الحرب: نفسي فداؤك والأبطال واقفة والموت يقسم في أرواحها النقما ومن قولنا في وصف الحرب: سيوف يقيل الموت تحت ظباتها لها في الكلى طعم وبين الكلى شرب إذا اصطفت الرايات حمراً متونها ذرائبها تهفو فيهفو لها القلب ولم تنطق الأبطال إلا بفعلها فألسنها عجم وأفعالها عرب إذا ما التقوا في مأزق وتعانقوا فلقياهم طعن وتقبيلهم ضرب ومن قولنا في رجال الحرب وأن الوغى قد أخذت من أجسامهم فهي مثل السيوف في رقتها وصلابتها: سيف تقلد مثله عطف القضيب على القضيب هذا تجز به الرقا ب وذا تجز به الخطوب ومن قولنا أيضا: تراه في الوغى سيفاً صقيلا يقلب صفحتي سيف صقيل ومن قولنا أيضاً: سيف عليه نجاد سيف مثله في حده للمفسدين صلاح ومن قولنا أيضاً في الحرب وذكر القائد: تبختر في قميص من دلاص وترفل في رداء من نجاد كأنك للحرب رضيع ثدى غذتك بكل داهية نآد فكم هذا التمني للمنايا وكم هذا التجلد للجلاد لئن عرف الجهاد بكل عام فإنك طول دهرك في جهاد وإنك حين أبت بكل سعد كمثل الروح آب إلى الفوائد رأينا السيف مرتدياً بسيف وعاينا الجواد على الجواد وقد وصفن الحرب بتشبيه عجيب لم يتقدم إليه ومعنى بديع لا نظير له وذلك قولنا: وجيش كظهر اليم تنفحه الصبا يعب عبوباً من قنا وقنابل فتنزل أولاه وليس بنازل وترحل أخراه وليس براحل ومعترك ضنك تعاطت كماته كؤوس دماء من كلى ومفاصل يديرونها راحاً مني الروح بينهم ببيض رقاق أو بسمر ذوابل وتسمعهم أم المنية وسطها غناء صليل البيض تحت المناصل وصل يحن الإلف من بغضه شوقاً إلى الهجران والصرم حتى إذا نادمهم سيفه بكل كأس مرة الطعم ترى حمياها بهاماتهم تغور بين الجلد والعظم على أهازيج ظبا بينها ما شئت من حذف ومن خرم طاعوا له من بعد عصيانهم وطاعة الأعداء عن رغم وكم أعدوا واستعدوا له هيهات ليس الخضم كالقضم ومن قولنا في شبهه: كم ألحم في أبناء ملحمة ما منهم فوق متن الأرض ديار وأورد النار من أرواح مارقة كادت تميز من غيظ لها النار كأنما صال في ثنيى مفاضته مستأسد حنق الأحشاء هدار لما رأى الفتنة العمياء قد رحبت منها على الناس آفاق وأقطار وأطبقت ظلم من فوقها ظلم ما يستضاء بها نور ولا نار تفوت بالثأر أقواماً وتدركه من آخرين إذ لم يدرك الثار فانساب ناصر دين الله يقدمهم وحوله من جنود الله أنصار كتائب تتبارى حول رايته وجحفل كسواد الليل جرار قوم لهم في مكر الليل غمغمة تحت العجاج وإقبال وإدبار يستقدمون كراديساً مكردسة كما تدفع بالتيار تيار من كل أروع لا يرعى لها جسة كأنه مخدر في الغيل هصار في قسطل من عجاج الحرب مد له بين السماء وبين الأرض أستار فكم بساحتهم من شلو مصرح كأنه فوق ظهر الأرض إجار كأنما رأسه أفلاق حنظلة وساعداه إلى الزندين جمار وكم على النهر أوصالاً مقسمة تقسمتها المنايا فهي أشطار قد فلقت بصفيح الهند هامهم فهن حوامى الخيل أعشار ومن قولنا في الحروب: كأنما باضت نعام الفلا منهم بهام فوق أدراع تراهم عند احتماس الوغى كأنهم جن بأجراع بكل مأثور على متنه مثل مدب النمل في القاع يرتد طرف العين من حده عن عكوكب للموت لماع ومن قولنا في الحرب: ورب ملتفة العوالي يلتمع الموت في ذراها إذا توطت حزون أرض طحطحت الشم من رباها يقودها منه ليث غاب إذا رأى فرصة قضاها تمضي بآرائه سيوف يستبق الموت في ظباها بيض تحل القلوب سوداً إذا انتضى عزمه انتضاها تتبعه الطير في الأعادي تجنى كلا العشب من كلاها أقدم إذ كاع كل ليث عن حومة الموت إذ رآها فرسان العرب في الجاهلية والإسلام كان فارس العرب في الجاهلية ربيعة بن مكدم من بني فراس بن غنم ابن مالك بن كنانة وكان يعقر على قبره في الجاهلية ولم يعقر على قبر أحد غيره. وقال حسان بن ثابت وقد مر على قبره: نفرت قلوصي من حجارة حرة بنيت على طلق اليدين وهوب لا تنفري يا ناق منه فإنه شريب خمر مسعر لحروب لولا السفار وطول قفر مهمه لتركتها تحبو على العرقوب وكان بنو فراس بن غنم بن كنانة أنجد العرب كان الرجل منهم يعدل بعشرة من غيرهم. وفيهم يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأهل الكوفة: من فاز بكم فقد فاز بالسهم الأخيب. أبدلكم الله بي من هو شر لكم وأبدلني بكم من هو خير منكم. وددت والله أن لي بجميعكم - وأنتم مائة ألف - ثلثمائة من بني فراس بن غنم. ومن فرسان العرب في الجاهلية: عنترة الفوارس وعتيبة بن الحارث ابن شهاب وأبو براء عامر بن مالك ملاعب الأسنة وزيد الخيل وبسطام بن قيس والأحيمر السعدي وعامر بن الطفيل وفي الإسلام: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام والزبير وطلحة ورجال الأنصار وعبد الله بن خازم السلمى وعباد بن الحصين وعمير بن الحباب وقطري بن الفجاءة والحريش بن هلال السعدي وشبيب الحروري. وقالوا: ما استحيا شجاع قط أن يفر من عبد الله بن حازم وقطري بن الفجاءة صاحب الأزارقة. وقالوا: ذهب حاتم بالسخاء والأحنف بن قيس بالحلم وخريم بالنعمة وعمير بن الحباب بالشدة. وبينما عبد الله بن خازم عند عبيد الله بن زياد إذ دخل عليه بجرذ أبيض. فعجب منه عبيد الله وقال: هل رأيت يا أبا صالح أعجب من هذا ونظر إليه. فإذا عبد الله قد تضاءل حتى صار كأنه فرخ واصفر كأنه جرادة ذكر. فقال عبيد الله: أبو صالح يعصى الرحمن ويتهاون بالسلطان ويقبض على الثعبان ويمشي على الليث الورد و يلقى الرماح بنحره وقد اعتراه من جرذ ما ترون أشهد أن الله على كل شيء قدير. وكان شبيب الحروري يصيح في جنبات الجيش فلا يلوي أحد على أحد. وفيه يقول الشاعر: إن صاح يوماً حسبت الصخر منحدراً والريح عاصفة والموج يلتطم ولما قتل أمر الحجاج بشق صدره فإذا له فؤاد مثل فؤاد الجمل. فكانوا إذا ضربوا به الأرض ينزو كما تنزو المثانة المنوخة. ورجال الأنصار أشجع الناس. قال عبد الله بن عباس: ما استلت السيوف ولا زحفت الزحوف ولا أقيمت الصفوف حتى أسلم ابنا قيلة. يعني الأوس والخزرج. وهما الأنصار من بني عمرو بن عامر من الأزد. العتبي قال: لما أسن أبو براء عامر بن مالك وضعفه بنو أخيه وخرفوه ولم يكن له ولد يحميه أنشأ يقول: دفعتكم عني وما دفع راحة بشيء إذا لم تستعن بالأنامل يضعفني حلمي وكثرة جهلكم علي وأني لا أصول بجاهل وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذ رأى همدان وغناءها في الحرب يوم صفين: ناديت همدان والأبواب مغلقة ومثل همدان سنى فتحة الباب كالهندواني لم تفلل مضاربه وجه جميل وقلب غير وجاب وقال ابن براقة الهمداني: كذبتم وبيت الله لا تأخذونها مراغمة ما دام للسيف قائم وكنت إذا قوم غزوني غزوتهم فهل أنا في ذا يا لهمدان ظالم وقال تأبط شراً: قليل التشكي للمهم يصيبه كثير الهوى شتى النوى والمسالك يبيت بموماة ويضحي بغيرها جحيشا ويعروري ظهور المهالك إذا حاص عينيه كعرى النوم لم يزل له كالئ من قلب شيحان فاتك ويجعل عينيه ربيئة قلبه إلى سلة من حد أخلق باتك إذا هزه في عظم قرن تهللت نواجذ أفواه المنايا الضواحك وقال أبو سعيد المخزومي وكان شجاعاً: وما يرى بنو الأغبار من رحل بالجمر مكتحل بالنبل مشتمل لا يشرب الماء إلا من قليب دم ولا يبيت له جار على وجل ونظير هذا قول بشار العقيلي: فتى لا يبيت على دمنة ولا يشرب الماء إلا بدم وقال عبد الله بن الزبير: التقيت بالأشتر النخعي يوم الجمل فيما ضربته ضربة حتى ضربني وقال أبو بكر بن أبي شيبة: أعطت عائشة رضي الله عنها الذي بشرها بحياة ابن الزبير إذ التقى مع الأشتر عشرة آلاف درهم. وذكر متمم بن نويرة أخاه مالكاً وجلده فقال: كان يخرج في الليلة الصنبر عليه الشملة الفلوت بين المزادتين على الجمل الثفال. معتقل الرمح الخطي. قالوا: وأبيك إن هذا لهو اجلد. وكتب عمر بن الخطاب إلى النعمان بن مقرن وهو على الصائفة: أن استعن في حربك بعمرو بن معد يكرب وطليحة الأزدي ولا تولهما من الأمر شيئاً فإن كل صانع أعلم بصناعته. وقال عمر بن معد يكرب يصف صبره وجلده في الحرب: أعاذل عدني بزي ورمحي وكل مقلص سلس القياد أعاذل إنما أفنى شبابي إجابتي الصريخ إلى المنادي مع الأبطال حتى سل جسمي وأفرح عاتقي حمل النجاد ويبقى بعد حلم القوم حلمي ويفنى قبل زاد القوم زادي ومن عجب عجبت له حديث بديع ليس من بدع السداد تمنى أن يلاقيني أبي وددت وأينما مني ودادي تمناني وسابغتي قميصي كأن قتيرها حدق الجراد فلو لاقيتني للقيت ليثاً هصوراً ذا ظباً وشباً حداد ولاستيقنت أن الموت حق وصرح شحم قلبك عن سواد أريد حياته ويريد قتلى عذيرك من خليلك من مراد ومن قوله في قيس بن مكشوح المرادي: تمناني على فرس عليه جالساً أسده علي مفاضة كالنه ي أخلص ماءه جدده فلو لاقيتني للقي ت ليثاً فوقه لبده سبنتي ضيغماً هصراً صلخداً ناشزاً كتده يسامي القرن إن قرن تيممه فيعتضده فيأخذه فيرديه فيخفضه فيقتصده فيدمغه فيحطمه فيخضمه فيزدرده المكيدة في الحرب قال النبي ﷺ: الحرب خدعة. وقال المهلب لبنيه: عليكم بالمكيدة في الحرب فإنها خير من النجاة. وكان المهلب يقول: أناة في عواقبها فوت خير من عجلة في عواقبها درك. وقال مسلمة بن عبد الملك: ما أخذت أمراً قط بحزم قط فظلمت نفسي فيه وإن كانت العاقبة علي ولا أخذت أمراً قط وضيعت الحزم فيه إلا لمت نفسي عليه وإن كانت العاقبة لي. وسئل بعض أهل التمرس بالحرب: أي المكايد فيها أحزم قال: إذكاء العيون وإفشاء الغلبة واستطلاع الأخبار وإظهار السرور وإماتة الفرق والاحتراس من البطانة من غير إقصاء لمن يستنصح ولا استنصاح لمن يستغش واشتغال الناس عما هم فيه من الحرب بغيره. وفي كتاب للهند: الحازم يحذر عدوه على كل حال يحذر المواثبة إن قرب والغارة إن بعد والكمين إن انكشف والاستطراد إن ولى. وقال المأمون للفضل بن سهل. قد كان لأخي رأى لو عمل به لظفر. فقال له الفضل: ما هو يا أمير المؤمنين قال: لو كتب إلى أهل خراسان وطبرستان والري ودنباوند أنه قد وهب لهم الخراج لسنة لم نخل نحن من إحدى خصلتين إما رددنا فعله ولم نلتفت إليه فعصانا أهل هذه البلدان وفسدت نياتهم فانقطعوا عن معاونتنا وإما قبلناه وأمضيناه فلا نجد ما نعطى منه من معنا وتفرق جندنا ووهي أمرنا. فقال الفضل: الحمد الذي ستر هذا الرأي عنه وعن أصحابه. وكتب الحجاج إلى المهلب يستعجله في حرب الأزارقة فكتب إليه: إن من البلية أن يكون الرأي بيد من يملكه دون أن يبصره. وكان بعض أهل التمرس يقول لأصحابه: شاوروا في حربكم الشجعان من أولي العزم والجبناء من أولي الحزم فإن الجبان لا يألوا برأيه ما يقي مهجكم والشجاع لا يعدو ما يشد بصيرتكم. ثم خلصوا من بين الرأيين نتيجة تحمل عنكم معرة الجبان وتهور الشجعان فتكون أنفذ من السهم الزالج والحسام الوالج. وكان الإسكندر لا يدخل مدينة إلا هدمها وقتل أهلها حتى مر بمدينة كان مؤدبه فيها. فخرج إليه فألطفه الإسكندر وأعظمه. فقال له: أصلح الله الملك إن أحق من زين لك أمرك وأعانك على كل ما هويت لأنا. وإن أهل هذه المدينة قد طمعوا فيك لمكاني منك فأحب أن تشفعني فيهم وأن لا تخالفني في كل ما سألتك لهم. فأعطاه من العهود والمواثيق على ذلك ما لا يقدر على الرجوع عنه. فلما توثق منه قال: فإن حاجتي إليك أن تهدمها وتقتل أهلها. قال: وقيل: صالح سعيد بن العاص حصناً من حصون فارس على أن لا يقتل منهم رجلاً واحداً فقتلهم كلهم إلا رجلاً واحداً. ابن الكلبي قال: لما فتح عمرو بن العاص قيسارية سار حتى نزل غزة فبعث إليه علجها: أن أبعث إلي رجلاً من أصحابك أكلمه. ففكر عمرو وقال: ما لهذا أحد غيري. قال: فخرج حتى دخل على العلج فكلمه فسمع كلاماً لم يسمع قط مثله. فقال العلج: حدثني: هل في أصحابك أحد مثلك قال: لا تسأل عن هذا إني هين عليهم إذ بعثوا بي إليك وعرضوني لما عرضوني له ولا يدرون ما تصنع بي قال: فأمر له بجائزة وكسوة وبعث إلى البواب: إذ مر بك فاضرب عنقه وخذ ما معه. فخرج من عنده فمر من رجل من نصارى غسان فعرفه فقال: يا عمرو قد أحسنت الدخول فأحسن الخروج. ففطن عمرو لما أراده فرجع. فقال له الملك: ما ردك إلينا قال: نظرت فيما أعطيتني فلم أجد ذلك يسع بني عمي فأردت أن آتيك بعشرة منهم تعطيهم هذه العطية فيكون معروفك عند عشرة خيراً من أن يكون عند واحد. فقال: صدقت أعجل بهم. وبعث إلى البواب أن خل سبيله. فخرج عمرو وهو يلتفت حتى إذا أمن قال: لا عدت لمثلها أبداً. فلما صالحه عمرو ودخل عليه العلج قال له: أنت هو! قال: نعم على ما كان من غدرك. وقال: ولما أتي بالهرمزان أسيراً إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قيل له: يا أمير المؤمنين هذا زعيم العجم وصاحب رستم. فقال له عمر: أعرض عليك الإسلام نصحاً لك في عاجلك وآجلك. قال: يا أمير المؤمنين إنما أعتقد ما أنا عليه ولا أرغب في الإسلام رهبة. فدعا له عمر بالسيف. فلما هم بقتله قال: يا أمير المؤمنين شربة ماء أفضل من قتلى على ظمأ. فأمر له عمر بشربة ماء. فلما أخذها قال له: أنا آمن حتى أشربها قال: نعم. فرمى بها وقال: الوفاء يا أمير المؤمنين نور أبلج. قال: صدقت لك التوقف عنك وأنظر في أمرك ارفعوا عنه السيف. فلما رفع عنه قال: الآن يا أمير المؤمنين أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وما جاء به حق من عنده. قال عمر: أسلمت خير إسلام فما أخرك قال: كرهت أن يظن أني إنما أسلمت جزعاً من السيف وإيثاراً لدينه بالرهبة. فقال عمر: إن لأهل فارس عقولاً بها استحقوا ما كانوا فيه من الملك ثم أمر به أن يبر ويكرم. فكان عمر يشاوره في توجيه العساكر والجيوش لأهل فارس. وهذا نظير فعل الأسير الذي أتى به معن بن زائدة في جملة الأسرى فأمر بقتلهم فقال له أتقتل الأسرى عطاشاً يا معن فأمر بهم فسقوا. فلما شربوا قال: أتقتل أضيافك يا معن فخلى سبيلهم. وذكروا أن ملك من ملوك العجم كان معروفاً ببعد الغور ويقظة الفطنة وحسن السياسة وكان إذا أراد محاربة ملك من الملوك وجه إليه من يبحث عن أخباره وأخبار رعيته قبل أن يظهر إلى محاربته فيكشف عن ثلاث خصال من حاله فكان يقول لعيونه: انظروا هل ترد على الملك أخبار رعيته على حقائقها أم يخدعه عنها المنهي ذلك إليه وانظروا إلى الغنى في أي صنف هو من رعيته أفيمن اشتد أنفه وقل شرهه أم فيمن قل أنفه واشتد شرهه وانظروا في أي صنفي رعيته القوام بأمره أفيمن نظر ليومه وغده أم من شغله يومه عن غده فإن قيل له لا يخدع عن أخبار رعيته والغنى فيمن قل شرهه واشتد أنفه والقوام بأمره من نظر ليومه وغده قال: اشتغلوا عنه بغيره. وإن قيل له ضد ذلك قال: نار كامنة تنتظر موقد وأضغان مزملة تنتظر مخرجاً اقصدوا له فلا حين أحين من سلامة مع تضييع ولا عدو أعدى من أمن أدى إلى اغترار. وكانت ملوك العجم قبل ملوك الطوائف تنزل بلخ ثم نزلت بابل ثم نزل أردشير بن بابك فارس فصارت دار مملكتهم وصار بخراسان ملوك الهياطلة وهم الذين قتلوا فيروز بن يزدجرد بن بههرام ملك الفرس وكان غزاهم. فكاده ملك الهياطلة بأن عمد إلى رجل ممن عرفه بالمكابدة وحسن الإدارة فأظهر السخط عليه ووقع به على أعين الناس توقيعاً قبيحاً ونكل به تنكيلاً شديداً ثم أرسله وقد واطأه على أمر أبطنه معه وظاهره عليه. فخرج حتى أتى فيروز في طريقه فأظهر له النزوع إليه والاستنصار به من عظيم ما يناله. فلما رأى فيروز ما به من التوقيع والنكاية فيه وثق به واستنام إليه. فقال له: أنا أدلك أيها الملك على غرة القوم وعورتهم وأعلمك مكان غفلتهم. فسلك به سبيل مهلكة معطشة. ثم خرج إليه ملك الهياطلة فأسره وأكثر أصحابه. فسألهم أن يمنوا عليه وعلى من معه وأعطاهم موثقاً لا يغزوهم أبداً ونصب لهم حجراً جعله حداً بينه وبينهم وحلف لهم أن لا يجاوزه هو ولا جنوده وأشهد الله عليه وعلى من حضر من قرابته وأساورته. فمنوا عليه وأطلقوه ومن معه. فلما عاد إلى مملكته أخذته الأنفة مما أصابه فعاد إلى غزوهم ناكثاً لعهده غادراً بذمته إلا أنه لطف في ذلك بحيلة ظنها مجزية في أيمانه فجعل الحجر الذي نصبه لهم على فيل في مقدمة عسكره وتأول في ذلك أنه لا يجاوزه. فلما صار إليهم ناشدوه الله وذكروه الأيمان به وما جعل على نفسه من عهده وذمته. فأبى إلا لجاجاً ونكثاً. فواقعوه فضفروا به فقتلوه وقتلوا حماته واستباحوا عسكره. أسامة بن زيد الليثي: قال: كان النبي ﷺ إذا غزا أخذ طريقاً وهو يريد أخرى ويقول: الحرب خدعة. زياد عن مالك بن أنس: كان مالك عبد الله الخثعمي وهو على الصائفة يقوم في الناس كلما أراد أن يرحل فيحمد الله تعالى ويثني عليه ثم يقول: إني دارب بالغداة إن شاء الله تعالى درب كذا. فتتفرق الجواسيس عنه بذلك. فإذا أصبح الناس سلك بهم طريقاً أخرى. فكانت الروم تسميه الثعلب.
وصايا أمراء الجيوش
كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى الجراح: إنه بلغني أن رسول الله ﷺ كان إذا بعث جيشاً أو سرية قال: اغزوا بسم الله وفي سبيل الله تقاتلون من كفر بالله لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا امرأة ولا وليداً. فإذا بعثت جيشاً أو سرية فمرهم بذلك. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول عند عقد الألوية: بسم الله وبالله وعلى عون الله امضوا بتأييد الله والنصر ولزوم الحق والصبر فقاتلوا في سبيل الله لا من كفر بالله ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ولا تجبنوا عند اللقاء ولا تمثلوا عند القدرة ولا تسرفوا عند الظهور ولا تقتلوا هرماً ولا امرأة ولا وليداً وتوقوا قتلهم إذا التقى الزحفان وعند حمة النهضات وفي شن الغارات ولما وجه أبو بكر رضي الله عنه يزيد بن أبي سفيان إلى الشام شيعه راجلاً. فقال له يزيد: إما أن تركب وإما أن أنزل. فقال: ما أنت بنازل وما أنا براكب إني أحتسب خطاي هذه في سبيل الله ثم قال: إنك ستجد قوماً حبسوا أنفسهم لله فذرهم وما حبسوا أنفسهم له - يعني الرهبان - وستجد قوماً فحصوا عن أوساط رؤسهم الشعر فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف. ثم قال له: إني موصيك بعشر: لا تغدر ولا تمثل ولا تقتل هرماً ولا امرأة ولا وليداً ولا تقرن شاة ولا بعيراً إلا ما أكلتم ولا تحرقن نخلاً ولا تخربن عامر ولا تغل ولا تبخس. وقال أبو بكر رضي الله عنه لخالد بن الوليد حين وجهه لقتال أهل الردة: سر على بركة الله فإذا دخلت أرض العدو فكن بعيدا من الحملة فإني لا آمن عليك الجولة. واستظهر بالزاد وسر بالأدلاء ولا تقاتل بمجروح فإن بعضه ليس منه واحترس من البيات فإن في العرب غرة: وأقل من الكلام فإنما لك ما وعي عنك. واقبل من الناس علانيتهم وكلهم إلى الله في سرائرهم وأستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه. كتب خالد بن الوليد إلى مرازبة فارس مع ابن نفيلة الغساني: الحمد لله الذي فض حرمتكم وفرق جمعكم وأوهن بأسكم وسلب ملككم وأذل عزكم. فإذا أتاكم كتابي هذا فابعثوا إلي بالرهن واعتقدوا منا الذمة وأجيبوا إلى الجزية وإلا والله الذي لا إله إلا هو لأسيرن إليكم بقوم كتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما ومن معه من الأجناد: أما بعد فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو وأقوى المكيدة في الحرب. وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراساً من المعاصي منكم من عدوكم فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم. وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة لأن عددنا ليس كعددهم ولا عدتنا كعدتهم فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة وإلا ننصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا. واعلموا أن عليكم في مسيركم حفظة من الله يعلمون ما تفعلون فاستحيوا منهم ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله ولا تقولوا إن عدونا شر منا فلن يسلط علينا وإن أسأنا فرب قوم قد سلط عليهم شر منهم كما سلط على بني إسرائيل لما عملوا بمساخط الله كفار المجوس فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً. واسألوا الله العون على أنفسكم كما تسألونه النصر على عدوكم. أسأل الله ذلك لنا ولكم. وترفق بالمسلمين في مسيرهم ولا تجشمهم مسيراً يتعبهم ولا تقصر بهم على منزل يرفق بهم حتى يبلغوا عدوهم والسفر لم ينقص قوتهم فإنهم سائرون إلى عدو مقيم حامي الأنفس والكراع. وأقم ومن معك في كل جمعة يوم وليلة حتى تكون لهم راحة يحيون فيها أنفسهم ويرمون أسلحتهم وأمتعتهم ونح منازلهم عن قرى أهل الصلح والذمة فلا يدخلها من أصحابك إلا من تثق بدينه ولا يرزأ أحداً أهلها شيئاً فإن لهم حرمة وذمة ابتليتم بالوفاء بها كما ابتلوا بالصبر عليها فما صبروا لكم فتولوهم خيراً. ولا تستنصروا على أهل الحرب بظلم أهل الصلح. وإذا وطئت لأرض العدو فأذك العيون بينك وبينهم ولا يخف عليك أمرهم. وليكن عندك العرب أو من أهل الأرض من تطمئن إلى نصحه وصدقه فإن الكذوب لا ينفعك خيره وإن صدقك في بعضه والغاش عين عليك وليس عينا لك. وليكن منك عند دنوك من أرض العدو أن تكثر الطلائع وتبث السرايا بينك وبينهم فتقطع السرايا أمدادهم وموافقهم وتتبع الطلائع عوراتهم. وانتق للطلائع أهل الرأي والبأس من أصحابك وتخير لهم سوابق الخيل. فإن لقوا عدوا كان أول ما تلقاهم القوة من رأيك واجعل أمر السرايا إلى أهل الجهاد والصبر على الجلاد لا تخص بها أحداً يهوى فيضيع من أمرك ورأيك اكثر مما حابيت به أهل خاصتك. ولا تبعثن طليعة ولا سرية في وجه تتخوف عليها فيه غلبة أو ضيعة ونكاية. فإذا عاينت العدو فاضمم إليك أقاصيك وطلائعك وسراياك واجمع إليك مكيدتك وقوتك ثم لا تعاجلهم المناجزة ما لم يستكرهك قتال حتى تبصر عورة عدوك ومقالته وتعرف الأرض كلها كمعرفة أهلها بها فتصنع بعدوك كصنعه بك. ثم أذك أحراسك على عسكرك وتيقظ من البيات جهدك. ولا تؤتي بأسير ليس له عقد إلا ضربت عنقه لترهب بذلك عدو الله وعدوك. والله ولي أمرك ومن معك وولي النصر لكم على عدوكم والله المستعان. وأوصى عبد الملك بن مروان أميراً سيره إلى أرض الروم فقال: أنت تاجر الله لعباده فكن كالمضارب الكيس الذي إن وجد ربحاً تجر وإلا تحفظ برأس المال. ولا تطلب الغنيمة حتى تحرز السلامة وكن من احتيالك على عدوك أشد حذراً من احتيال عدوك عليك. وكان زياد يقول لقواده: تجنبوا اثنين لا تقاتلوا فيهما العدو: الشتاء وبطون الأودية. وأغزى الوليد بن عبد الملك جيشاً في الشتاء فغنموا وسلموا فقال لعباد: يا أبا حرب أين رأى زياد من رأينا فقال: يا أمير المؤمنين قد أخطأت وليس كل عورة تصاب. العتبي قال: جاشت الروم وغزوا المسلمين براً وبحراً فاستعمل معاوية على الصائفة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فلما كتب له عهده قال: ما أنت صانع بعهدي قال: أتخذه إماماً لا أعصيه. قال: اردد علي عهدي. ثم بعث إلى سفيان بن عوف الغامدي فكتب له عهده ثم قال له: ما أنت صانع بعهدي قال: أتخذه إماماً أمام الحزم فإن خالفه خالفته. فقال معاوية: هذا الذي لا يكفكف من عجلة ولا يدفع في ظهره من خور ولا يضرب على الأمور ضرب الجمل الثفال. وقال دريد الصمة لمالك بن عوف النصري قائد هوازن يوم حنين: يا مالك إنك قد أصبحت رئيس قومك وإن هذا يوم له ما بعده من الأيام. مالي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير ويعار الشاء قال: سقت مع الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم. قال: ولم ذاك قال: أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم. فأنقض به وقال: راعى ضأن والله وهل يرد المنهزم شيء إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك. ويحك إنك لم تصنع بتقديم البيضة بيضة هوزان إلى نحور الخيل شيئاً ارفعهم إلى متمنع بلادهم وعليا قومهم ثم الق الصباء على متون الخيل. فإن كانت لك لحق بك من وراءك وإن كانت عليك كنت قد أحرزت أهلك ومالك. قال: لا والله لا أفعل ذلك إنك قد كبرت وذهل عقلك. قال: دريد: هذا يوم لم أشهده ولم يفتني ثم أنشأ يقول: يا ليتني فيها جذع أخب فيها وأضع أقود وطفاء الزمع كأنها شاة صدع وكان قتيبة بن مسلم يقول لأصحابه: إذ غزوتم فأطيلوا الأظفار وقصروا الشعور والحظوا الناس شزراً وكلموهم رمزاً واطعنوهم وخزاً. وكان أبو مسلم يقول لقواده: أشعروا قلوبكم الجرأة فإنها من أسباب الظفر وأكثروا ذكر الضغائن وكان سعيد بن زيد يقول لبنيه: قصروا الأعنة واشحذوا الأسنة تأكلوا القريب ويرهبكم البعيد. وقال عيسى بن موسى: لما وجهني المنصور إلى المدينة لمحاربة ابني عبد الله بن الحسن وجعل يوصيني ويكثر قلت: يا أمير المؤمنين إلى متى توصيني: إني أنا ذاك الحسام الهندي أكلت جفني وفريت غمدي فكل ما تطلب عندي عندي المحاماة عن العشيرة ومنع المستجير قال عبد الملك بن مروان لجعيل بن علقمة الثعلبي: ما مبلغ عزكم قال: لم يطمع فينا ولم يؤمن منا. قال: فما مبلغ حفظكم قال: يدفع الرجل منا عمن استجار به من غير قومه كدفاعه عن نفسه. قال عبد الملك: مثلك من يصف قومه. وقال عبد الملك بن مروان لابن مطاع الغنزي: أخبرني عن مالك بن مسمع. قال له: لو غضب مالك لغضب معه مائة ألف سيف لا يسألونه في أي شيء غضب. قال عبد الملك: هذا والله السؤدد. قال: ولم يل قط مالك بن مسمع ولا أسماء بن خارجة شيئاً للسلطان. وكانت العرب تمتدح بالذب عن الجار فيقولون: فلان منيع الجار حامي الذمار. نعم حتى كان فيهم من يحمي الجراد إذا نزل في جواره فسمي مجير الجراد. وقال مروان بن أبي حفصة يمدح معن بن زائدة ويصف مفاخر بني شيبان ومنعهم لمن استجار بهم: هم يمنعون الجار حتى كأنما لجارهم بين السماكين منزل وقال آخر: هم يمنعون الجار حتى كأنه كثيبة زور بين خافيتي نسر وذكر أن معاوية ولى كثير بن شهاب المذحجي خراسان فاختان مالاً كثيراً ثم هرب فاستتر عند هانئ بن عروة المرادي: فبلغ ذلك معاوية فهدر دم هانئ. فخرج إلى معاوية فكان في جواره ثم حضر مجلسه وهو لا يعرفه فلما نهض الناس ثبت مكانه. فسأله معاوية عن أمره فقال: أنا هانئ بن عروة. فقال: إن هذا اليوم ليس باليوم الذي يقول فيه أبوك: أرجل جمتي وأجر ذيلي وتحمل شكتي أفق كميت وأمشي في سراة بني غطيف إذا ما ساءني أمر أبيت قال: أنا والله يا أمير المؤمنين اليوم أعز مني ذلك اليوم. فقال: بم ذلك قال: بالإسلام. قال: أين كثير بن شهاب قال: عندي وعندك يا أمير المؤمنين. قال: انظر إلى ما اختانه فخذ منه بعضاً وسوغه بعضاً وقد أمناه ووهبناه لك. الشيباني قال: لما نزل محمد بن أبي بكر مصر وصير إليه معاوية معاوية بن حديج الكندي تفرق عن محمد من كان معه فتغيب. فدل عليه فأخذه وضرب عنقه وبعث برأسه إلى وكان محمد بن جعفر بن أبي طالب معه فاستجار بأخواله من خثعم فغيبوه. وكان سيد خثعم يومئذ رجلاً في ظهره بزخ من كسر أصابه فكان إذا مشى ظن الجاهل أنه يتبختر في مشيته فذكر لمعاوية أنه عنده فقال له: أسلم إلينا هذا الرجل: فقال: ابن اختنا لجأ إلينا لنحقن دمه عنك يا أمير المؤمنين. قال: والله لا أدعه حتى تأتيني به. قال لا والله لا أتيك به. قال: كذبت. والله لتأتيني به إنك ما علمت لأوره. قال: أجل إني لأوره حين أقاتلك على ابن عمك لأحقن دمه وأقدم ابن عمي دونه تسفك دمه. فسكت عنه معاوية وخلى بينه وبينه. الشيباني قال: قال سعيد بن سلم: أهدر المهدي دم رجل من أهل الكوفة كان يسعى في فساد دولته وجعل لمن دله عليه أو جاءه به مائة ألف درهم.