الرئيسيةبحث

العقد الفريد/الجزء الأول/21


فضيلة العفو والترغيب فيه

كان للمأمون خادم وهو صاحب وضوئه فبينما هو يصب الماء على يديه إذ سقط الإناء من يده فاغتاظ المأمون عليه فقال: يا أمير المؤمنين إن الله يقول: " والكاظمين الغيظ ". قال: قد كظمت غيظي عنك. قال: " والعافين عن الناس ". قال: قد عفوت عنك. قال: " والله يحب المحسنين ". قال: اذهب فأنت حر. أمر عمر عبد العزيز بعقوبة رجل فقال له رجاء بن حيوة: يا أمير المؤمنين إن الله قد فعل ما تحب من الظفر فافعل ما يحبه من العفو. الأصمعي قال: عزم عبد الله بن علي على قتل بني أمية بالحجاز فقال له عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم: إذا أسرعت بالقتل في أكفائك فمن تباهي بسلطانك فاعف يعف الله عنك. دخل ابن خريم على المهدي وقد عتب على بعض أهل الشام وأراد أن يغزيهم جيشاً فقال: يا أمير المؤمنين عليك بالعفو عن الذنب والتجاوز عن المسيء فلأن تطيعك العرب طاعة محبة خير لك من أن تطيعك طاعة خوف. أمر المهدي بضرب عنق رجل فقام إليه ابن السماك فقال: إن هذا الرجل لا يجب عليه ضرب العنق قال: فما يجب عليه قال: تعفو عنه فإن كان من أجر كان لك دوني وإن كان وزر كان علي دونك. فخلى سبيله. كلم الشعبي ابن هبيرة في قوم حبسهم فقال: إن كنت حبستهم بباطل فالحق يطلقهم وإن كنت حبستهم بحق فالعفو يسعهم. العتبي قال: وقعت دماء بين حيين من قريش فأقبل أبو سفيان فما بقي أحد واضع رأسه غلا رفعه فقال: ما معشر قريش هل لكم في الحق أو فيما هو أفضل من الحق قالوا: وهل شيء أفضل من الحق قال: نعم العفو فتهادن القوم واصطلحوا. وقال هزيم بن أبي طحمة ليزيد بن عاتكة بعد ظفره بيزيد بن المهلب: ما ظلم أحد ظلمك ولا نصر نصرك فهل لك في الثالثة نقلها قال: وما هي قال ولا عفا عفوك. وقال المبارك بن فضالة: كنت عند أبي جعفر جالساً في السماط إذ أمر برجل أن يقتل فقلت: يا أمير المؤمنين قال رسول الله ﷺ: " إذا كان يوم القيامة نادى مناد بين يدي الله: ألا من كانت له عند الله يد فليتقدم فلا يتقدم إلا من عفا عن مذنب. فأمر بإطلاقه. وقال النبي ﷺ: " أقرب ما يكون العبد من غضب الله إذا غضب " وتقول العرب في أمثالها: ملكت فأسجح وارحم ترحم وكما تدين تدان ومن بر يوماً بر به. بعد الهمة وشرف النفس دخل نافع بن جبيرة بن مطعم على الوليد وعليه كساء غليظ وخفان جاسيان فسلم وجلس فلم يعرفه الوليد فقال لخادم بين يديه: سل هذا الشيخ من هو. فسأله فقال له: اعزب فعاد إلى الوليد فأخبره فقال: عد إليه واسأله فعاد إليه فقال له مثل ذلك. فضحك الوليد وقال له: من أنت قال: نافع بن جبير بن مطعم. وقال زياد بن ظبيان لابنه عبيد الله ألا أوصي بك الأمير زياداً قال: يا أبت إذا لم يكن للحي إلا وصية فالحي هو الميت. وقال معاوية لعمرو بن سعيد: إلى من أوصى بك أبوك قال: إن أبي أوصى إلي ولم يوص بي قال وبما أوصى إليك قال: أن لا يفقد إخوانه منه إلا وجهه. وقال مالك بن مسمع لعبيد الله بن زياد بن ظبيان: ما في كنانتي سهم أنا به أوثق مني بك قال: وإني لفي كنانتك! أما والله لئن كنت فيها قائماً لأطولنها ولئن كنت فيها قاعداً لأخرقنها. وقال يزيد بن المهلب: ما رأيت أشرف نفساً من الفرزدق هجاني ملكاً ومدحني سوقة. وقدم عبيد الله بن زياد بن ظبيان على عتاب بن ورقاء الرياحي - وهو والي خراسان - فأعطاه عشرين ألفاً فقال له: والله ما أحسنت فأحمدك ولا أسأت فألومك وإنك لأقرب البعداء وأحب البغضاء. وعبيد الله بن زياد بن ظبيان هذا هو القائل: والله ما ندمت على شيء قط ندمي على عبد الملك بن مروان إذ أتيته برأس مصعب بن الزبير فخر لله ساجداً أن لا أكون قد ضربت عنقه فأكون قد قتلت ملكين من ملوك العرب في يوم واحد. ومن أشرف الناس همة عقيل بن علفة المري. وكان أعرابياً يسكن البادية وكان تصهر إليه الخلفاء وخطب إليه عبد الملك بن مروان ابنته لأحد أولاده فقال له: جنبني هجناء ولدك. وقال عمر بن عبد العزيز لرجل من بني أمية كان له أخوال في بني مرة: قبح الله شبهاً غلب عليك من بني مرة. فبلغ ذلك عقيل بن علفة فأقبل إليه فقال له قبل أن يبتدئه بالسلام: بلغني يا أمير المؤمنين أنك غضبت على رجل من بني عمك له أخوال في بني مرة فقلت: قبح الله شبهاً غلب عليك من بني مرة وأنا أقول قبح الله ألأم الطرفين ثم انصرف. فقال عمر بن عبد العزيز: من رأى أعجب من هذا الشيخ الذي أقبل من البادية ليست له حاجة إلا شتمنا ثم انصرف فقال له رجل من بني مرة: والله يا أمير المؤمنين ما شتمك وما شتم إلا نفسه وقومه نحن والله ألأم الطرفين. أبو حاتم السجستاني عن محمد بن عبد الله العتبي قال: سمعت أبي يحدث عن أبي عمرو المري قال: كان بنو عقيل بن علفة بن مرة بن غطفان يتناقلون وينتجعون الغيث فسمع عقيل بن علفة بنتاً له ضحكت فشهقت في آخر ضحكها فاخترط السيف وحمل عليها وهو يقول: فرقت إني رجل فروق بضحكة آخرها شهيق وقال عقيل: إني وإن سيق إلي المهر ألف وعبدان وذود عشر أحب أصهاري إلي القبر وقال الأصمعي: كان عقيل بن علفة المري رجلاً غيوراً وكان يصهر إليه الخلفاء وإذا خرج يمتار خرج بابنته الجرباء معه. قال: فنزلوا ديراً من ديرة الشام يقال لها دير سعد فلما ارتحلوا قال عقيل: قضت وطراً من دير سعد وطالماً على عرض ناطحنه بالجماجم ثم قال لابنه: يا عملس أجز فقال: ثم قال لابنته: يا جرباء أجيزي فقالت: كأن الكرى سقاهم صرخدية عقاراً تمشى في المطا والقوائم قال: وما يدريك أنت ما نعت الخمر! فأخذ السيف وهوى نحوها فاستعانت بأخيها عملس فحال بينه وبينها. قال: فأراد أن يضربه. قال: فرماه بسهم فاختل فخذيه فبرك ومضوا وتركوه حتى إذا بلغو أدنى ماء للأعراب قالوا لهم: إنا أسقطنا جزروا فأدركوها وخذوا معكم الماء فإذا عقيل بارك وهو يقول: إن بني زملوني بالدم شنشنة أعرفها من أخزم من يلق أبطال الرجال يكلم والشنشنة: الطبيعة وأخزم: فحل معروف وهذا مثل للعرب ومن أعز الناس نفساً وأشرفهم همماً الأنصار وهم الأوس والخزرج ابنا قيلة لم يؤدوا إتاوة قط في الجاهلية إلى أحد من الملوك وكتب إليهم تبع يدعوهم إلى طاعته ويتوعدهم إن لم يفعلوا أن يغزوهم. فكتبوا إليه: العبد تبع كم يروم قتالنا ومكانه بالمنزل المتذلل إنا أناس لا ينام بأرضنا عض الرسول ببظر أم المرسل فغزاهم تبع أبو كرب فكانوا يقاتلونه نهاراً ويخرجون إليه القرى ليلاً فتذمم من قتالهم ورحل عنهم. ودخل الفرزدق على سليمان بن عبد الملك فقال له: من أنت وتجهم له كأنه لا يعرفه: فقال له الفرزدق: وما تعرفني يا أمير المؤمنين قال: لا قال: أنا من قوم منهم أوفى العرب أسود العرب وأجود العرب وأحلم العرب وأفرس العرب وأشعر العرب: قال: والله لتبينن ما قلت أو لأوجعن ظهرك ولأهدمن دارك قال: نعم يا أمير المؤمنين أما أوفى العرب فحاجب بن زرارة الذي رهن قوسه عن جميع العرب فوفى بها: وأما أسود العرب فقيس بن عاصم الذي وفد على رسول الله ﷺ فبسط له رداءه وقال: هذا سيد الوبر وأما أحلم العرب فعتاب بن ورقاء الرياحي وأما أفرس العرب فالحريش بن هلال السعدي أما أشعر العرب فأنذا بين يديك يا أمير المؤمنين فاغتم سليمان مما سمع من فخره ولم ينكره وقال: ارجع على عقبيك فما لك عندنا شيء من خير. فرجع الفرزدق وقال: أتيناك لا من حاجة عرضت لنا إليك ولا من قلة في مجاشع وقال الفرزدق في الفخر: بنو دارم قومي ترى حجزاتهم عتاقاً حواشيها رقاقاً نعالها وقال الأحوص في الفخر وهو أفخر بيت قالته العرب: ما من مصيبة نكبة أرمى بها ألا تشرفني وترفع شاني وإذا سألت عن الكرام وجدتني كالشمس لا تخفى بكل مكان وقال أبو عبيدة: اجتمعت وفود العرب عند النعمان بن المنذر فأخرج إليهم بردي محرق وقال: ليقم أعز العرب قبيلة فليلبسهما فقام عامر بن أحيمر السعدي فاتزر بأحدهما وارتدى بالآخر فقال له النعمان: بم أنت أعز العرب قال: العز والعدد من العرب في معد ثم في نزار ثم في تميم ثم في سعد ثم في كعب ثم في عوف ثم في بهدلة فمن أنكر هذا من العرب فلينافرني فسكت الناس. ثم قال النعمان: هذه حالك في قومك فكيف أنت في نفسك وأهل بيتك قال: أنا أبو عشرة وخال عشرة وعم عشرة وأما أنا في نفسي فهذا شاهدي ثم وضع قدمه في الأرض ثم قال: من أزالها من مكانها فله مائة من الإبل. فلم يقم إليه أحد فذهب بالبردين. ففيه يقول الفرزدق: فما ثم في سعد ولا آل مالك غلام إذا ما سيل لم يتبهدل لهم وهب النعمان بردي محرق بمجد معد والعديد المحصل وفي أهل هذا البيت من سعد بن زيد مناة كانت الإفاضة في الجاهلية. ومنهم بنو صفوان الذين ولا يريمون في التعريف موقفهم حتى يقال أجيزوا آل صفوانا ما تطلع الشمس إلا عند أولنا ولا تغيب إلا عند أخرانا وقال الفرزدق في مثل هذا المعنى: ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا وإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا وكانت هنيدة بنت صعصعة عمة الفرزدق تقول: من جاءت من نساء العرب بأربعة كأربعتي يحل لها أن تضع خمارها عندهم فصرمتى لها: أبي صعصعة وأخي غالب وخالي الأقرع بن حابس وزوجي الزبرقان بن بدر فسميت ذات الخمار. وممن شرفت نفسه وبعدت همته: طاهر بن الحسين الخراساني وذلك أنه لما قتل محمد بن زبيدة وخاف المأمون أن يغدر به امتنع عليه بخراسان ولم يظهره خلعه. وقال دعبل بن علي الخزاعي يفتخر بقتل طاهر بن الحسين محمداً لأنه كان مولى خزاعة ويقال إنه خزاعي: أيسومني المأمون خطة عاجز أوما رأى بالأمس رأس محمد توفي على روس الخلائق مثل ما توفي الجبال على رؤوس القردد إني من القوم الذين هم هم قتلوا أخاك وشرفوك بمقعد وقال طاهر بن الحسين: غضبت على الدنيا فأنهبت ما حوت وأعتبتها مني بإحدى المتالف قتلت أمير المؤمنين وإنما بقيت عناء بعده للخلائف وأصبحت في دار مقيما كما ترى كأني فيها من ملوك الطوائف وقد بقيت في أم رأس فتكة فإما لرشد أو لرأي مخالف فأجابه محمد بن يزيد بن مسلمة: عتبت على الدنيا فلا كنت راضيا فلا أعتبت إلا بإحدى المتالف فمن أنت أو ما أنت يا فقع قرقر إذا أنت منا لم تعلق بكانف فنحن بأيدينا هرقنا دماءنا كثول تهادى الموت عند التزاحف ستعلم ما تجني عليك وما جنت يداك فلا تفخر بقتل الخلائف وقد بقيت في أم رأسك فتكة سنخرجها منه بأسمر راعف وقال عبد الله بن طاهر: مدمن الإغضاء موصول ومديم العتب مملول أقصري عما لهجت به ففراغي عنك مشغول سائلي عمن تسائلني قد يرد الخير مسئول أنا من تعرف نسبته سلفي الغر بالبهاليل سل بهم تنبيك نجدتهم مشرفيات مصاقيل كل عضب مشرب علقا وغرار الحد مفلول مصعب جدي نقيب بني هاشم والأمر مجبول وحسين رأس دعوتهم بعده الحق مقبول وأبي من لا كفاء له من يسامي مجده قولوا صاحب الرأي الذي حصلت رأيه القوم المحاصيل حل منهم بالذرى شرفاً دونه عز وتبجيل نفصح الأنباء عنه إذا أسكت الأنباء مجهول سل به الجبار يوم غدا حوله الجرد الأبابيل وهبوا لله أنفسهم لا معازيل ولا ميل ملك تجتاح صولته ونداه الدهر مبذول نزعت منه تمائمه وهو مرهوب ومأمول وتره يسعى إليه به ودم يجنيه مطلول فأجابه محمد بن يزيد بن مسلمة وكان من أصحابه وآثرهم عنده ثم اعتذر إليه وزعم أنه لم يدعه إلى إجابته إلا قوله: من يسامي مجده قولوا فأمر له بمائة ألف وزاده أثرة ومنزلة: لا يرعك القال والقيل كل ما بلغت تضليل ما هوى لي كنت أعرفه بهوى غيرك موصول أيخون العهد ذو ثقة لا يخون العهد متبول حملتني كل لائمة كل ما حملت محمول واحكمي ما شئت واحتكمي فحرامي لك تحليل وبدت يوم الوداع لنا غادة كالشمس عطبول تتعاطى شد مئزرها ونطاق الخصر محلول شملنا إذ ذاك مجتمع وجناح البين مشكول ثم ولت كي تودعنا كحلها بالدمع مغسول أيها البادي بطيته ما لأغلاطك تحصيل قد تأولت على جهة ولنا ويحك تأويل إن دليلاك يوم غدا بك في الحين لضليل قاتل المخلوع مقتول ودم القاتل مطلول قد يخون الرمح عامله وسنان الرمح مصقول وينال الوتر طالبه بعد ما تسلو المثاكيل بأخي المخلوع طلت يداً لم يكن في باعها طول وبنعماه التي كفرت جالت الخيل الأبابيل إن خير القول أصدقه حين تصطك الأقاويل مراسلات الملوك العتبي عن أبيه قال: أهدى ملك اليمن عشر جزائر إلى مكة وأمر أن ينحرها أعز قريشي. فقدمت وأبو سفيان عروس بهند بنت عتبة فقال له: أيها الرجل لا يشغلنك النساء عن هذه المكرمة التي لعلها أن تفوتك فقال لها: يا هذه دعي زوجك وما يختاره لنفسه والله ما نحرها غيري إلا نحرته. فكانت في عقلها حتى خرج أبو سفيان في اليوم السابع فنحرها. زهير عن أبي الجويرية الجرمي قال: كتب قيصر إلى معاوية: أخبرني عما لا قبلة له وعمن لا أب له وعمن لا عشيرة له وعمن سار به قبره وعن ثلاثة أشياء لم تخلق في رحم وعن شيء ونصف شيء ولا شيء وابعث إلي في هذه القارورة ببزر كل شيء فبعث معاوية بالكتاب والقارورة إلى ابن عباس. فقال ابن عباس: أما مالا قبلة قبله له فالكعبة وأما من لا أب له فعيسى وأما من لا عشيرة له فآدم وأما من سار به قبره فيونس وأما ثلاثة أشياء لم تخلق في رحم: فكبش إبراهيم وناقة ثمود وحية موسى وأما شيء فالرجل له عقل يعمل بعقله وأما نصف شيء فالرجل ليس له عقل ويعمل برأي ذوي العقول وأما لا شيء فالذي ليس له عقل يعمل به ولا يستعين بعقل غيره وملأ القارورة ماء وقال: هذا بزر كل شيء: فبعث به إلى معاوية فبعث به معاوية إلى قيصر. فلما وصل إليه الكتاب والقارورة قال: ما خرج هذا إلا من أهل بيت النبوة. نعيم بن حماد قال: بعث ملك الهند إلى عمر بن عبد العزيز كتاباً فيه: من ملك الأملاك الذي هو ابن ألف ملك والذي تحته ابنه ألف ملك والذي مربطه ألف فيل والذي له نهران ينبتان العود والألوة والجوز والكافور والذي يوجد ريحه على مسيرة اثني عشر ميلاً إلى ملك العرب الذي لا يشرك بالله شيئاً أما بعد فإني قد بعثت إليك بهدية وما بهدية ولكنها تحية وأحببت أن تبعث إلي رجلاً يعلمني ويفهمني الإسلام والسلام يعني الهدية الكتاب. الرياشي قال: لما هدم الوليد كنيسة دمشق كتب إليه ملك الروم: إنك هدمت الكنيسة التي رأى أبوك تركها فإن كان صواباً فقد أخطأ أبوك وإن كان خطأ فما عذرك فكتب إليه: " وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلاً آتينا حكماً وعلماً ". وكتب ملك الروم إلى عبد الملك بن مروان: أكلت لحم الجمل الذي هرب عليه أبوك من المدينة لأغزينك جنوداً مائة ألف ومائة ألف. فكتب عبد الملك إلى الحجاج أن يبعث إلى عبد الله بن الحسن ويتوعده ويكتب إليه بما يقول ففعل فقال عبد الله بن الحسن: إن الله عزل وجل لوحاً محفوظاً يلحظه كل يوم ثلثمائة لحظة ليس منها لحظة إلا يحيي فيها ويميت ويعز ويذل ويفعل ما يشاء وإني لأرجو أن يكفينيك منها بلحظة واحدة. فكتب به الحجاج إلى عبد الملك بن مروان وكتب به عبد الملك إلى ملك الروم فلما قرأه قال: ما خرج هذا إلا من كلام النبوة. بعث ملك الهند إلى هارون الرشيد بسيوف قلعية وكلاب سيورية وثياب من ثياب الهند فلما أتته الرسل بالهدية أمر الأتراك فصفوا صفين ولبسوا الجديد حتى لا يرى منهم إلا الحدق وأذن للرسل فدخلوا عليه فقال لهم: ما جئتم به قالوا: هذه أشرف كسوة بلدنا فأمر هارون القطاع بأن يقطع منها جلالاً وبراقع كثيرة لخيله فصلب الرسل على وجوههم وتذمموا من ذلك ونكسوا رؤوسهم ثم قال لهم الحاجب: ما عندكم غير هذا قالوا له: هذه سيوف قلعية لا نظير لها. فدعا هارون بالصمصامة سيف عمرو بن معد يكرب فقطعت به السيوف بين يديه سيفاً سيفاً كما يقط الفجل من غير أن تنثني له شفرة ثم عرض عليهم حد السيف فإذا لا فل فيه فصلب القوم على وجوههم ثم قيل لهم: ما عندكم غير هذا قالوا: هذه كلاب سيورية لا يلقاها سبع إلا عقرته فقال لهم هارون: فإن عند سبعا فإن عقرته فهي كما ذكرتم ثم أمر بالأسد فأخرج إليهم: فلما نظروا إليه هالهم وقالوا: فنرسلها عليه وكانت الأكلب ثلاثة فأرسلت عليه فمزقته فأعجب بها هارون وقال لهم: تمنوا في هذه الكلاب ما شئتم من طرائف بلدنا قالوا: ما نتمنى إلا السيف الذي قطعت به سيوفنا قال لهم: ما كنا لنبخل عليكم ولكنه لا يجوز في ديننا أن نهاديكم بالسلاح ولكن تمنوا غير ذلك ما شئتم قالوا: ما نتمنى إلا السيف قال: لا سبيل إليه ثم أمر لهم بتحف كثيرة وأحسن جائزتهم. أبو جعفر البغدادي قال: لما انقبض طاهر بن الحسين بخراسان عن المأمون وأخذ حذره أدب له المأمون وصيفاً بأحسن الآداب وعلمه فنون العلم ثم أهداه إليه مع ألطاف كثيرة من طرائف العراق وقد واطأه على أن يسمه وأعطاه سم ساعة ووعده على ذلك بأموال كثيرة. فلما انتهى إلى خراسان وأوصل إلى طاهر الهدية قبل الهدية وأمر بإنزال الوصيف في دار وأجرى عليه ما يحتاج إليه من التوسعة في النزالة وتركه أشهراً. فلما برم الوصيف بمكانه كتب إليه: يا سيدي إن كنت تقبلني فاقبلني وإلا فردني إلى أمير المؤمنين فأرسل إليه وأوصله إلى نفسه. فلما انتهى إلى باب المجلس الذي كان فيه أمره بالوقوف عند باب المجلس وقد جلس على لبد أبيض وقرع رأسه وبين يديه مصحف منشور وسيف مسلول فقال: قد قبلنا ما بعث به أمير المؤمنين غيرك فإنا لا نقبلك وقد صرفناك إلى أمير المؤمنين ولي عندي جواب أكتبه إلا ما ترى من حالي فأبلغ أمير المؤمنين السلام وأعلمه بالحال التي رأيتني فيها. فلما قدم الوصيف على المأمون وكلمه بما كان من أميره ووصف له الحال التي رآه فيها شاور وزراءه في ذلك وسألهم عن معناه فلم يعلمه واحد منهم فقال المأمون: لكني قد فهمت معناه: أما تقريعه رأسه وجلوس على اللبد الأبيض فهو يخبرنا أنه عبد ذليل وأما المصحف المنشور فإنه يذكرنا بالعهود التي له علينا وأما السيف المسلول فإنه يقول: إن نكثت تلك العهود فهذا يحكم بيني وبينك أغلقوا عنا باب ذكره ولا تهيجوه في شيء مما هو فيه. فلم يهجه المأمون حتى مات طاهر بن الحسين وقام عبد الله بن طار بن الحسين مكانه فكان أخف الناس على المأمون. وكتب طاهر بن الحسين إلى المأمون في إطلاق بن السندي من حبسه وكان عامله على مصر فعزله عنها وحبسه فأطلقه له وكتب إليه: أخي أنت ومولاي فما ترضاه أرضاه وما تهوى من الأمر فإني أنا أهواه لك الله على ذاك لك الله لك الله قال أبو عمر أحمد بن محمد بن عَبد ربِّه: قد مضى قولًنا في مُخاطبة الملوك ومقاماتهم وما تفنَّنوا فيه من بديع حِكَمهم والتزلّف إليهم بحسن التوصل ولطيف المعاني وبارع مَنطقهم واختلاف مذاهبهم ونحن قائلون بحمد الله وتوفيقه في العلم والأدب فإنهما القُطبان اللذان عليها مَدار الدين والدنيا وفَرْقُ ما بين الإنسان وسائر الحيوان وما بين الطَّبيعة المَلَكية والطبيعة البهيمية. وهما مادَّة العقل وسراج البدن ونُور القَلب وعماد الرُّوح وقد جَعل الله بلطيف قُدْرته وعظيم سُلطانه بعضَ الأشياء عَمَداً لبعض ومُتولِّدًا من بعض فإجالة الوَهم فيما تُدْركه الحواسّ تَبعث خواطر الذِّكر وخواطر الذكر تنبه رؤية الفِكْر وروية الفِكْر تثير مكامِن الإرادة والإرادة تُحْكم أسباب العمل فكلُّ شيء يقوم في العقل وُيمثل في الوهم يكون ذِكْرِا ثم فِكْرا ثم إرادة ثم عملا. والعقل متقبل للعِلْم لا يعمل في غير ذلك شيئاَ. والعلم علمان: علم حُمِل وعلم استُعمل فما حُمل منه ضرّ وما استُعمل نَفع. والدليل على أن العقل إنما يعمل في تقبل العُلوم كالبصر في تقبل الألوان والسمع في تقبل الأصوات أن العاقل إذا لم يُعلَّم شيئا كان كمن لا عقل له والطِّفل الصغير لو لم تعرِّفه أدبا وتُلقنه كتابا كان كأبله البهائم وأضلِّ الدواب فإن زَعم زاعمِ فقال: إنا نجد عاقلا قليلَ العِلم: فهو يَستعمل عقله في قلّة علمه فيكون أشدَ رأياَ وأنبه فِطنةً وأحسنَ مواردَ ومَصادِرَ من الكثير العِلم مع قَلّة العَقْل فإنَّ حُجَّتنا عليه ما قد ذكرناه من حَمْل العِلْم واستعماله فقليل العِلْم يستعمله العَقل خَيرٌ من كثيره يحفظه القلب. قيل للمُهلِّب: بِمَ أدركتَ ما أدركتَ قال: بالعِلم قيل له: فإن غيرك قد عَلم أكثر مما عَلِمتَ ولم يُدرك ما أدركت قال: ذلك عِلم حُمِل وهذا علم استُعْمل. وقد قالت الحكماء: العِلمُ قائد والعَقل سائق والنَّفس ذَوْد فإذا كان قائد بلا سائق هلكت " الماشية " وإن كان سائق بلا قائد أخذتْ يميناً وشمالا وإذا اجتمعا أنابت طَوْعاً أو كَرْهاً. فنون العلم قال سهل بن هارون يوماً وهو عند المأمون: مِن أصناف العلم مالا ينبغي للمُسلمين أن يَرْغبوا فيه وقد يُرغب عن بعض العِلم كما يُرغب عن بَعض الحلال فقال المأمون: قد يُسمِّي بعضُ الناسِ الشيءَ عِلماً وليس بعلمِ فإن كان هذا أردتَ فوَجْهُه الذي ذَكرتُ ولو قلتَ أيضاَ: إِنّ العلم لا يُدْرَك غوْرُه ولا يُسْبر قَعْره ولا تُبلغ غايتهُ ولا تُستقىَ أُصوله ولا تَنْضَبط أجزاؤُه صدقتَ فإن كان الأمر كذلك فابدأ بالأهمِّ فالأهمّ والأوكد فالأوكد وبالفَرْض قبل النَّفل يكن ذلك عَدْلا قصداً ومذْهباً جَمِيلاَ. وقد قال بعضُ الحُكماء: لستً أَطلب العلْم طمعاً في غايته والوقوف على نِهايته ولكن التماسَ مالا يسع جَهلُه فهذا وَجهٌ لما ذكرت. وقال آخرون: عِلْم المُلوك والنَّسب والخَبَر وعِلمُ أصحاب الحُروب درْس كُتبِ الأيَّام والسِّير وعِلم التجَّار الكِتاب والحساب فأما أن يُسمَّى الشيء عِلماً وًينهى عنه من غير أن يُسأل عما هو أنفع منه فلا. وقال محمد بن إدريس رضي الله عنه: العِلم علمان: عِلم الأبدان وعِلم الأديان. وقال عبد الله بن مُسلم بن قُتيبة: من أراد أن يكون عالماً فليطلب فنًا واحداً ومن أراد أن يكون أديباً فَلْيتسع في العلوم. وقال أبو يوسُف القاضي: ثلاثة لا يَسلمون من ثلاثة: مَن طلب الدِّين بالفلسفة لمِ يَسلم من الزَّنْدَقَة ومَن طلب " المالَ " بالكِيمياء لم يَسلم من الفَقْر ومن طلب غرائبَ الحديث لم يَسلم من الكذب. وقال ابن سِيرين رحمه اللهّ تعالى: العِلْم أكثرُ من أن يُحاط به فخُذوا من كلِّ شيء أحسنه. وقال ابن عبّاس رضي الله عنهما: كَفَاك من عِلم الدِّين أن تَعرف مالا يسع جهلُه وكفاك من عِلم الأدب أن تَرْوِي الشاهد والمَثل قال الشاعر: وما من كاتب إلا ستبقى كِتابتهُ وإن فنيت يدَاه فلا تكتب بكفِّك غير شيء يَسرّك في القِيامة أن تَراه وقالوا: مَن أكثر من النَّحْو حَمّقه ومن أكثر من الشعر بذَّله ومن أكثر من الفِقه شرَفه. وقال أبو نُواس الحسن بن هانئ: كم من حَديث مُعْجِب عندي لكا لو قد نبذتَ به إليك لسركا ممَّا تَخَيَّره الرواة مُهذّب كالدُّرِّ مُنتظماً بِنحْرٍ فَلَّكَا أَتتبع العُلماءَ أكتبُ عنهمُ كيما أُحدِّثَ من لقيتُ فَيَضْحكا الحض على طلب العلم قال النبي ﷺ: لا يزال الرجلُ عالماً ما طَلب العِلم فإذا ظَنَّ أنه قد عَلِم فقد جَهل. وقال عليه الصلاةُ والسلام: الناسُ عالمٌ ومُتعلِّم وسائرهم هَمَج. وعنه ﷺ: إنّ الملائكة لتَضَع أجنحتَها لطالب العِلم رِضاً بما يَطلب وَلمِدَاد جَرت به أقلامُ العُلماء خيرٌ من دماء الشّهداء في سبيل الله. وقال داود لابنه سُليمان عليهما السلام: لفَّ العِلْم حولَ عُنقك واكتُبه في ألواح قَلبك. وقال أيضاً: اجعل العِلْم مالَكَ والأدب حِلْيتك. وقيل لأبي عمرو بن العَلاء: هل يَحْسُن بالشَيخ أن يتعلًم قال: إن كان يَحسن به أن يعيش فإنه يحسن به أن يتعلم. وقال عُرْوة بن الزُّبير رحمه اللهّ تعالى " لبنيه ": يا بنيَّ اطلبوا العِلم فإن تكونوا صِغار " قوم " لا يُحتاج إليكم فعسى أن تكونوا كبارَ قوم آخرين لا يستغني عنكم. وقال ملك الْهِند لولده وكان له أربعون ولداً: يا بني أكثِروا من النظر في الكتب وازدادوا في كل يوم حرفاً فإن ثلاثةً لا يَستوْحشون في غُربة: الفقِيه العالم والبَطَل الشجاع والحُلوُ اللسان الكثير مخارج الرأي. وقال المُهَلّب لبَنِيه: إياكم أن تجلسوا في الأسواق إلا عند زَرَّاد أو وَرَّاق أراد الزرَّاد للحرب والورَّاق للعلم. وقال الشاعر: نِعْمَ الأنيسُ إذا خلوْتَ كِتَابُ تَلْهو به إن خانَكَ الأحبابُ لا مُفْشِياً سرّا إذا استودعتَه وتُفاد منهُ حكمةٌ وصَوَابُ وقال " آخر ": ولكلِّ طالب لذّة مُتنزَه وألذُّ نُزهة عالمٍ في كُتْبهِ ومَرَّ رجل بعبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر وهو جالس في المَقْبرة وبيده كتاب فقال له: ما أَجلسك هاهنا قال: إنه لا أوْعظَ " مِن " قبر ولا أَمتع من كتاب. وقال رُؤْبة بن العجَّاج: قال لي النسِّابة البَكْري: يا رُؤبة لعلك من قوم إن سَكَتُّ عنهم لم يَسأَلوني وإن حَدَّثتُهم لم يَفْهموني قلتُ: إني أرجو أن لا أكون كذلك. قال: فما آفة العلم ونَكَده وهُجْنته قلت: تُخبرني قال: آفتُه النسيان ونَكَده الكذب وهُجْنته نشره عند غير أهله. وقال عبد اللهّ بن عبَّاس رضوان الله عليهما: مَنْهومان لا يَشبعان: طالِب علم وطالب دنيا. وقال: ذَلَلتُ طالباً فعَزَزْتُ مطلوباً. وقال رجل لأبي هُريرة: أُريد أن أطلب العِلْم وأخاف أن أضيِّعه قال: كفاك بترك طَلَب العِلم إضاعةً له. وقال عبد اللهّ بن مسعود: إن الرجل لا يُولد عالماً وإنما العِلم بالتعلّم. وأخذه الشاعر فقال: تَعَلم فليسَ المرء يُولد عالماً وليس أخو عِلم كمن هو جاهلُ ولآخر: ولآخر: ولم أر فرعاً طال إلا بأصْلهِ ولم أرَ بَدْءَ العِلم إِلا تَعَلّما وقال آخر. العِلْم يُحْي قُلوبَ الميِّتِين كما تَحْيا البلادُ إذا ما مَسَّها المَطَرُ والعِلم يَجْلو العَمَى عن قَلْب صاحِبه كما يُجَلِّي سوادَ الظُّلْمة القمَر وقال بعضً الحكماء: اقصِد من أصناف العِلم إلى ما هو أشهى لنفسك وأخفُّ على قَلبك فإنّ نفاذَك فيه على حَسب شَهوَتك له وسُهولتِه عليك.

فضيلة العلم

حَدَّثنا أيوب بن سُليمان قال حَدَّثنا عامر بن مُعاوية عن أحمد بن عِمْران الأخنس عن الوليد بن صالح الهاشميّ عن عبد الله بن عبد الرحمن الكُوفي عن أبي مِخْنف عن كُميل النِّخعيّ قال: أخذ بيدي عليٌّ بن أبي طالب كَرَّم الله وجهه فخرج بي إلى ناحية الجبَّانة فلما أسحر تنفّس الصُّعداء ثم قال: يا كُميل إنّ هذه القلوب أوْعِيَة فخيْرها أوعاها فاحفظ عنِّي ما أقول لك: الناس ثلاثة: عالم ربَّاني ومتعلَّم على سبيل نَجَاة وهَمَج رَعَاع أَتْباع كلّ ناعق مع كلِّ ريح يَميلون لم يَسْتضيئوا بنُور العِلْم وِلم يَلْجأوا إلى رًكْن وَثيق. يا كميل: العِلم يحْرُسك وأنت تحرُس المال والمال تَنْقصه النّفقة والعِلم يزكو على الإنفاق ومَنفعة المال تزول بزواله. يا كميل: محبَّة العلْم دين يُدان به يَكِسب الإنسان الطاعةَ في حياته وجَميل الأحدوثة بعد وَفاته. والعِلم حاكم والمال محكوم عليه. يا كميل: مات خُزَّان المال وهم أحياء والعًلماء باقُون ما بَقي الدهر أعيانهمُ مَفْقودة وأمثالهم في القلوب مَوْجودة. ها إنّ هاهُنا لعِلْماً جما - وأشار بيده إلى صَدْره - لو وَجدت له حَمَلة بلى أَجد لَقِناً غير مَأمون يستَعمل " آلة " الدَّين للدُّنيا ويَسْتظهر بِنعَم اللهّ على عِباده وبحُجَجه على أَوْليائه أو مُنقاداً لحملَة الحق ولا بَصِيرة له في أحنائه يَنْقدحٍ الشكّ في قَلْبه لأوَّل عارض من شبهة لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء " أو مَنهوماً باللذّة سَلِسَ القياد للشهوة أو مُغرماً بالجمع والادخار " ليسا من رُعاة الدين " في شيء " أقربُ شبهاً بهما الأنعامُ السائمة كذلك يموت العلم بموت حامِلِيه اللهم بلَى لا تخلو الأرضُ من قائم بحجة الله إما ظاهراً مشهوراً وإما خائفاً مَغموراَ لئلاّ تبطل حًجج الله وبيّناته وكم ذا وأين أولئك " والله " الأقلُّون عدداَ والأعْظمون " عند الله " قدراً بهم يحفظ الله حُجَجَه " وبيِّناته " حتى يُودعوها نُظراءَهم ويَزْرعوها في قلوب أشباههم هَجمَ بهم العِلم على حَقِيقة الإيمان حتى باشَرُوا رُوح اليقين فاستَلانوا ما آستَخْشن المترفون وأنِسوا بما آستَوْحش منه الجاهلون وصَحبوا الدنيا بأبدانٍ أرواحُها مًعَلَّقة بالرَّفيق الأعلى. يا كُميل: أولئك خُلفاء الله في أَرضه والدُعاة إلى دِينه آه آه شَوْقاً إليهم انصرف " يا كميل " إذا شئت. قِيل للخَلِيل بن أحمد: أيهما أفضل العِلم أو المال قال: العِلم. قيل له: فما بالُ العُلماء يَزْدحمون على أبواب الملوك والملوك لا يَزْدحمون على أبواب العُلماء قال: ذلك لِمَعْرفة العًلماء بحق المُلوك وجَهْلِ الملوك بحق العلماء. وقال النبي ﷺ: فَضْل العِلم خيْر من فَضْل العبادة. وقال عليه الصلاةُ والسلام: إن قَليلَ العَمل مع العِلْم كثير كما أنّ كَثيرَه مع الجهل قليل. وقال عليه الصلاةُ والسلام: يَحمل هذا العِلم من كل خَلَف عُدُولُه يَنْفون عنهُ تحريف القائلين وآنتحالَ اْلْمُبْطلين وتَأْويل الجاهلين. وقال الأحْنَف بن قيس: كاد العُلماء أنت يكونوا أرْباباً وكلُّ عزّ لم يُوكَد بعِلْم فإلى ذُلّ ما يَصِير. وقال أبو الأسْوَد الدُّؤليّ: الملوك حُكّام على الدُنيا والعُلماء حُكام على الملوك وقال أبو قِلابة: مَثَل العُلماء في الأرض مَثَل النجوم في السماء مَن تَركها ضَلّ ومَن غابت عنه تَحَيَّر. وقال سُفيان بن عُيينة: إنما العالم مثلُ السِّراج مَنِ جاءَه اقتبس من عِلْمه ولا يَنْقًصه شيئاً كما لا يَنْقًص القابِس من نُور السّرَاج شيئاَ. وفي بعض الأحاديث: إنّ الله لا يَقتل نَفْس التّقيِّ العالم جُوعاً. وقيل للحَسَن بن أبي الْحَسن البَصْريّ: ِ لمَ صارت الْحِرْفة مَقْرونة مِع العِلْم والثروة مَقْرونة مع الجهْل فقال: ليس كما قُلتم ولكِنْ طَلَبتم قليلاَ في قَلِيل فأعجزكم: طَلبتم المالَ وهو قليل " في الناس " في أهل العِلمْ! وهُم قَلِيل " في الناس " ولو نَظرتم إلى من احترق مِن أهل الجَهْل لوَجدتموهم أَكثر. وقال الله تبارك وتعالى: إنما يخشى الله من عباده العلماء " و " وَمَا يَعْقِلُها إلا العاِلمُون ". مَنْ مَنعَ الحِكْمَة أَرْبابَها أَصْبح في الحُكْم لهم ظاِلمَا وواضعُ الحِكْمة في غَيْرهم يكون في الحُكْم لها غاشِما سَمِعت يوماً مثلاً سائراً وكنتُ في الشعر له ناظِما: لا خير في آْلمَرْءِ إذَا ما غَدَا لا طالباً عِلماً ولا عَاِلمَا وقيل لبَعض العُلماء: كيف رأيتَ العِلم قال: إَذا اغتممتُ سَلوتي وإذا سَلَوت لذاًتي. وأنشد لسابق البرْبريّ: العِلم زَيْن وتَشْريفٌ لصاحبه والجَهْل والنَّوك مَقْرُونان في قَرَنِ ولغيره: وإذَا طَلَبت العِلِم فاعْلَم أنَّه حِمْل فأَبْصر أيَّ شيء تَحْمِلُ وإذَا علمتَ بأنّه مُتَفاضِلٌ فاشْغل فؤادَك بالذي هو أَفضل الأصمعيّ قال: أوّل العِلَم الصَّمْت والثاني الاستماع والثالث اْلْحِفْظ والرابع العَمَل والخامس نَشْرُه. ويُقال: العالم والمُتَعَلِّم شريكان والباقي هَمَج. وأُنشِد: وقال مُعاذ بن جَبَل: تعلّموا العِلم فإنّ تَعَلَّمه حسنة وطَلَبه عِبَادة وبَذْلَه لأهله قُرْبة والعِلم مَنار سَبيل أهل الجنّة والأنيسُ في الوَحْشة والصاحب في الغُربة والمُحَدِّث في الخَلْوة والدًليلُ على السًرّاء والضّرّاء والزَّبن عند الإخلاء والسِّلاح على الأعداء. يَرْفع اللهّ به قوماً فيجعلُهم قادةً أَئمة تُقتَفى آثارهم ويقتدى بفعالهم. والعِلم حياة القَلْب من الجهل ومِصْباح الأبصار من الظَّلمةِ وقوَّة الأبدان من الضّعف يبلغ بالعَبد مَنازلَ الأخيار والدَّرجات العُلا في الدُّنيا والآخرة الفِكْر فيه يَعدِل الصِّيامَ ومُذاكرتُه القِيامَ وبه تُوصَل الأرْحام ويُعرَف الحلال من الحرام. ولابن طَبَاطَبا العَلويّ: " حَسُود مريض القَلْب يُخْفِي أَنِينَه ويُضْحِي كئيب البال عِنْدي حزينَهُ يَلومُ على أنْ رُحتُ في العِلم طالبَا أُجَمِّع من عِنْدِ الرِّجال فُنُونهُ فأمْلك أبكارَ الكلام وعُونَه وأَحْفظ مِمَّا أَسْتَفِيد عُيُونه وَيزْعُم أنّ العِلم لا يَجْلب الغِنَى ويُحْسن بالجهل الذميم ظُنُونه فَيَا لائمي دَعْنِي أُغَالِ بِقِيمَتِي فَقِيمة كلِّ الناس ما يحْسِنُونه " قِيل لمحتد بن عبد الله بن عُمَر رضي الله عنه: ما هذا العِلم الذي بنتَ به عن العالَم قال: كنتُ إذا أخذتُ كتاباً جَعَلْته مِدْرَعة. وقيل لرقبَةَ بن مَصْقَلة: ما أكثر شَكك قال: مُحَاماةً عن اليقين. وسأَل شُعبةُ أيوبَ السِّختيانيِّ عن حديث فقال: أَشُكّ فيه. فقال: شَكّك أَحبُّ إليَّ من يقيني. وقال أيُّوب: إنّ مِن أصحابي مَن أرتجي بركة دُعائه ولا أقبَل حديثَه. وقالت الحكماء: عَلِّم عِلْمك مَن يَجهل وتعلّم مِمَّن يعلم فإذا فَعَلت ذلك حَفِظتَ ما عَلِمتَ وعَلمْتَ ما جَهلت. وسأَل إبراهيم النَّخعيُّ عامراً الشَّعبيَّ عن مَسألة فقال: لا أَدرِي فقال: هذا والله العاِلم سُئِل عمّا لا يَدْرِي فقال: لا أَدرِي. وقال مالك بن أَنس: إذا تَرك العالم لا أدري أُصِيبت مَقاتلة. وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: مَن سُئلَ عما لا يَدري فقال: لا أدري فقد أَحرَزَ نِصْفَ العِلم. وقالوا: العِلْم ثلاثة: حَدِيث مُسْند وآية مُحْكمة ولا أَدْرِي. فجَعلوا لا أَدري مِن العِلم إذْ كان وقال الخَلِيل بن أحمد: إنك لا تَعْرف خَطأ مُعَلّمك حتى تَجْلِس عند غيره. وكان الخليلُ قد غَلبت عليه الإباضية حتى جالسَ أيُّوب وقالوا: عَوَاقبُ المَكَاره محمودة. وقالوا: الخَير كلُّه فيما أُكْرِهَت النفوسُ عليه.

انتحال العلم

قال بعض " الحكماء ": لا يَنبَغي لأحد أن يَنتحَل العِلم فإنّ الله عزِّ وجَلَّ يقول: " ومَا أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْم إلا قَلِيلاً ". وقال عز وجلّ: " وَفَوْقَ كُلّ ذِي عِلْمٍ عَلِيم ". وقد ذُكر عن موسى بن عِمْران عليه السلام أنّه لما كلّمه الله تعالى تَكليَماَ ودَرَس التَّوارةَ وحَفِظها حَدَّثته نفسُه: أنّ الله لم يَخلق خَلقاً أعلم منه. فهَوّن الله عليه نفسَه بالْخِضْر عليه السلام. وقال مُقاتل بن سُليمان وقد دَخَلْته أبهة العِلم: سَلُوني عمّا تحت العَرْش إلى أَسفل الُثرى. فقام إليه رجلٌ من القوم فقال: ما نسأَلك عما تحت العرش ولا أسفل الثرّى ولكن نسأَلك عَمَّا كان في الأرض وذَكَرَه الله في كتابه أَخْبرني عن كَلْب أَهل الكَهْف ما كان لونُه فأَفحمه. وقال قَتَادة: ما سمعت شيئاً قطُّ إلا حَفِظْتُه ولا حَفِظت شيئاً قَط فَنَسيته ثم قال: يا غلام هَاتِ نعلي فقال: هُما في رِجْليك فَفَضحه اللهّ. وأَنشد أبو عَمْرو بنُ العلاء في هذا المعنِى: مَنْ تَحَلَّى بغير ما هو فيهِ فضَحَتْهُ شواهدُ الامتحانِ مَنْ تَحَلَّى بغَير ما هو فيهِ شانَ ما في يَدَيْه ما يَدَّعيهِ وإذَا قلَّلَ الدعاوَى لما في ه أَضافُوا إليه ما ليسَ فيه ومَمَكّ الفَتَى سيظهر للنا س وإن كان دائباً يُخْفِيه يَحْسب الذي ادَعَى ماعَدَاه أنه عالمٌ بما يَفْتَرِيهِ وقالَ شَبِيب بن شَيْبة لفتى من دَوْس: لا تُنازع مَن فوقك ولا تَقُل إلا بعِلْم ولا تَتَعاطَ ما لم تَبْلُ ولا يخالف لسانُكَ ما في قلبك ولا قولُكَ فِعْلَك ولا تَدَع الأمرَ إذا أَقبل ولا تَطلبهُ إذا أَدْبر ". وقال قَتَادة: حَفِظْتُ ما لم يَحفَظْ أَحَد وأنسيتُ ما لم يَنْسَ أَحَدٌ حَفِظت القرآن في سَبعة أشهر وقَبَضت على لِحْيَتي وأنا أُريد قَطع ما تحت يدي فقطعتُ ما فوقها. ومَرَّ الشَّعبيّ بالسُّدِّيّ وهو يفسر القرآن فقال: لو كان هذا الساعةَ نشوانَ يُضرب على استه بالطَّبل أما كان خَيْراً له وقال بعض المنتحلين: يُجَهِّلني قَوْمي وفي عَقْد مئزَري تَمَنَّون أمثالاً لهم مُحكم العِلْمٍ وما عَنَّ لي من غامِض العِلم غامض مَدَى الدَّهر إلا كنتُ منه على فهْم وعَلِمْتُ حَتَّى ما أُسائِل عالماً عَنْ عِلْم واحدةٍ لكيْ أَزْدَادَها شرائط العلم وما يصلح له وقالوا: لا يكون العالم عالماً حتى تكونَ فيه ثلاثُ خِصال: لا يَحْتَقر مَن دونه ولا يَحْسد مَن فوقه ولا يأخذ على العِلم ثَمَناً. وقالوا: رأسُ العِلم الخوْف " من " الله تعالى. وقيل للشَّعبي: أَفْتني أيُّها العالم فقال: إنّما العاِلم مَن اتَّقى الله. وقال الحسن: يكون الرجلُ عالماً ولا يكون عابداً ويكون عابداً ولا يكون عاقلاَ. وكان مُسلم بن يسار عالماً عابداً عاقلاً. وقالوا: ما قُرِن شيء إلى شيء أفضل من حِلْم إلى عِلم ومن عَفْو إلى قُدْرَة. وقالوا: من تمام آلة العاِلم أن يكون شديدَ اْلْهَيْبة رَزِين المَجْلس وَقُوراً صَمُوتاً بطيء الالتفات قليلَ الإشارات ساكنَ الحَرَكات لا يَصخَب ولا يَغْضب ولا يُبْهَر في كلامه ولا يَمسح عُثْنونه عند كلامه في كلّ حين فإنّ هذه كلّها من آفات العِيّ. وقال الشاعر: ومَدَح خالدُ بن صَفْوان رجلاً فقال: كان بديع المَنْطق جَزْل الألفاظ عربيّ اللسان قليلَ الحَرَكات حَسنَ الإشارات حُلْوَ الشمائل. كثير الطَّلاوَة صَمُوتاً وَقُوراً يهنأ الجرب ويُدَاوي الدَبر ويُقِلَّ " " الحزّ ويُطبِّق المَفْصِل لم يكن بالزَمِر المُروءة ولا الهَذِر المنطبق مَتبوعاً غيرَ تابع. كأنّهُ عَلَم في رأسه نارُ وقال عبد اللهّ بن المُبارك في مالك بن أنس رضي الله عنه: يَأتَي الجوابَ فما يُراجَع هَيْبَةً فالسَّائلون نَوَاكِسُ الأذْقان هَدْي الوَقار وعِزُّ سُلطان التُّقى فهو المَهيب وليسَ ذَا سُلْطان وقال عبد الله بن المبارك فيه أيضاَ: صَمُوت إذا ما الصَّمْتُ زَيَنَ أَهلَه وفَتَاقُ أبكار الكلام المُخَتَّم وَعَى ما وَعَى القرانُ من كلِّ حِكمة وسِيطَت له الآدابُ باللَّحْم والدَّم ودخل رجلٌ علىِ عبد الملك بن مَرْوان وكان لا يَسأَله عن شيء إلاّ وَجد عنده منه عِلماً فقال لهُ: أَنىَ لك هذا فقال: لم أَمْنع قَطّ يا أَميرَ المؤمنين علماً أفيده ولم أَحتقر علماً أَستفيده وكنتُ إذَا لَقيت الرَّجُلَ أَخذتُ منه وأَعطيتُهُ. وقالوا: لو أَنّ أَهلَ العلم صانُوا علِمَهم لَسَادُوا أهلَ الدًّنيا لكن وَضَعُوه غيرَ مَوْضعه فقَصَّر في حفظ العلم واستعماله قال عبد الله بن مَسْعود: تعَلَّموا فإذا عَلِمْتم فاعمَلوا. وقال مالكُ بن دِينار: العاِلم إذا لم يَعْمل بعِلمه زَلَّت مَوْعظته عن القَلْب كما يَزل الماء عن الصفا. وقالوا: لولا العَمَل لم يُطلب العِلم ولولا العِلم لم يُطلب العَمَل. وقال الطائيًّ: ولم يَحْمدوا مِن عاِلمٍ غيرِ عامل ولم يَحْمدوا مِن عاملٍ غير عالم وقال عمر بن الخطّاب رضوان الله عليه: أيها الناس تعلَّمُوا كتابَ الله تُعْرَفوا به واْعْمَلوا به تكونوا من أهله. وقالوا: الكلمة إذا خرجتْ من القلب وقعتْ في القلب وإذا خرجتْ من اللّسان لم تُجَاوز الآذان. وَرَوَى زِيَاد عن مالك قال: كًنْ عالماً أو مًتَعلّماً " أو مُسْتمعا " وإيَّاك والرابعة فإنها مَهلكة ولا تكونُ عالماً حتى تكون عاملاً ولا تكون مؤمناً حتى تكون تقيَّاً. وكان الشَّعبي والزُّهري يقولان: ما سَمِعْنا حديثاً قَطُّ وسأَلْنا إعادَته. رفع العلم وقولهم فيه قال عبد الله بن مسعود: تَعلَّمُوا العِلم قبل أن يُرفِع. وقال النبي ﷺ: إنَّ الله لا يَقْبض العِلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يَقْبضه بقَبْض العُلماء. وقال عبد الله بن عبَّاس رضوان الله عليهما لما وُورِيَ زيدُ بن ثابت في قبره: مَن سرَّه أن يرى كيف يُقبض العلم فهكذا يُقبض.

تحامل الجاهل على العالم

قال النبي ﷺ: وَيْل لعالم أمْرٍ من جاهله. وقالوا: إذا أردتَ أن تُفْحم عالماً فأحْضره جاهلاً. وقالوا: لا تُناظر جاهلاً. وقالوا: لا تُناظر جاهلاً ولا لجوجاً فإنه يجعل المُناظرة ذريعة إلى التعلّم بغير شكر. وقال النبي ﷺ: آرحموا عزيزاً ذلّ اْرحموا غنيّاً افتقر آرحموا عالماً ضاع بين وجاء كَيْسان إلى الخليل بن أَحمد يَسأله عن شيء ففكَّر فيه الخليلُ ليُجيبه فلما استفتح الكلام قال له: لا أَدري ما تقول فأنشأ الخليل يقول: لو كنتَ تَعْلم ما أقولً عَذَرْتَتي أو كنتُ أَجْهل ما تقولُ عذلْتُكا لكن جَهِلْت مَقالتي فعَذلْتَني وعلمتُ أنك جاهل فعَذَرْتُكا وقال حَبِيب: وعاذِلٍ عذلتُه في عَذْله فظَنَّ أنيِّ جاهلٌ مِن جَهْلِه ما غبن المَغْبُونَ مثل عَقْلِه مَن لكَ يوماً بأخيك كُلِّهِ تبجيل العلماء وتعظيمهم الشِّعبي قال: رَكب زيدُ بن ثابت فأَخذ عبد الله بن عبَّاس بركابه فقال: لا تَفعل بابن عَمَّ رسول الله صلى الله عليه فقال: هكذا أُمِرْنا أن نَفعل بعُلمائنا. قال زيد: أرني يدك فلما أَخرَج يدَه قبَّلها وقال: هكذا أًمرنا أن نَفعَل بابن عمِّ نبِّينا. وقالو: خِدْمة العاِلم عبادة. وقال عليُّ بن أبي طالب رضوان الله عليه: من حق العاِلم عليكَ إذا أتيتَه أن تُسَلِّم عليه خاصَّة وعلى القوم عامَّة وتَجْلس قُدَامه ولا تشِر بيدك ولا تَغْمِز بعَيْليْك ولا تَقُل: قال فلان خلافَ قولك ولا تأخذ بثَوْبه ولا تُلحَّ عليه في السؤال فإنما هو بمنزلة النَخلة المرطبة التيِ لا يزال يَسْقط عليك منها شيء. وقالوا: إذا جلستَ إلى العاِلم فَسَلْ تَفَقُّهاَ ولا تَسَلْ تعَنَتاً.