فلما وَرد على ابن زياد غَضَب عليه غَضباً شديداً وقال: انهزمت وأنت في ألفين عن أَربعين رجلا! قال له أسلم: والله لأن تَذُمَّني حيّا أحبًّ إليَّ من أن تَحمَدني مَيِّتاً.
وكان إذا خرج إلى السوق ومرَّ بالصبيان صاحُوا به: أبو بلال وراءك حتى شكا إلى ابن زياد فأمر الشّرط أن يكفّوا الناسَ عنه.
رد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه على شوذب الخارجي الهيثم بن عَدِيّ قال: أخبرنى عَوانة بن الحَكم عنِ محمد بن الزُّبير قال: بَعثني عمر بن عبد العزيز مع عَوْن بن عبد الله بن مَسْعود إلى شوْذَب الخارجيّ وأصحابه إذ خرجوا بالجزيرة وكتب معنا كتاباً فقَدِمنا عليهمِ ودَفعنا كتابَه إليهم فبَعثوا معنا رجلاً من بني شَيْبان ورجلاً فيه حَبشيّة يقال له شوْذَب.
فقدما معنا على عمرَ وهو بخِنَاصرة فصَعِدْنا إليه وكان في غُرْفة ومعه ابنه عبدُ الملك وحاجبُه مُزاحم فأخبرناه بمكان الخارجيين فقال عمر: فتِّشوهما لا يَكُن معهما حديد وأدخلوهما فلما دخلا قالا: السلامُ عليكم ثم جلسا فقال لهما عمر: أخْبراني ما الذي أخْرجكم عن حُكْمي هذا وما نَقِمْتم علي فتكلَّم الأسود منهما فقال: إنَّا والله ما نَقِمْنا عليك في سِيرتك وتَحَرِّيك العَدْل والإحسان إلى مَن وَليت ولكنَّ بيننا وبينك أمراً إن أعطيتَناه فنحن منك وأنت منَّا وإن مَنَعْتناه فلستَ منا ولسنا منك قال عمر: ما هوِ قالا: رأيناك خالفتَ أهلَ بيتك وسَمَّيتها مظالم وسلكت غيرَ طريقهم فإن زعمتَ أنك على هُدى وهم على ضلال فالْعَنهم وابرأ منهم فهذا الذي يَجمع بيننا وبينك أو يُفرِّق.
فتكلم عمر فَحَمِد الله وأثنى عليه ثم قال: إني قد علمتُ أو ظننتُ أنكم لم تَخْرجوا مخرجكم هذا لطلب الدنيا ومَتاعها ولكنَّكم أردتم الآخرة فأخطأتم سبيلَها وإني سائُلكما عن أمر فبالله اصْدقاني فيه مَبلغ عِلْمكما قالا: نعم قال: أخبراني عن أبي بكر وعُمر أليسا من أسلافكما ومَن تتولَّيان وتَشْهدان لهما بالنجاة قالا: اللهم نعم قال: فهل عَلِمْتما أنّ أبا بكر حين قُبض رسول الله ﷺ له فارتدّت العرب قاتلَهم فَسَفك الدِّماء وأخذ الأموال وسَبَى الذراري قالا: نعم قال فهل عَلمتم أنّ عمر قام بعد أبي بكر فردّ تلك السَّبايا إلى عشائرها قالا: نعم قال: فهل بَرِىء عمر من أبي بكر أو تَبْرءون أنتم من أحد منهما قالا: لا قال: فأخبراني عن أهل النَّهروان أَليْسوا من صالحي أسلافكم وممَّن تَشْهدون لهم بالنجاة قالا: نعم قال: فهلِ تَعلمون أنّ أهل الكوفة حين خرجوا كَفوا أيديَهم فلم يَسْفكوا دماً ولم يُخيفوا آمناَ ولم يأخذوا مالا قالا: نعم قال: فهل علمتم أن أهل البَصْرة حين خَرجوا مع مِسْعَر بن فُدَيك استعرضوا الناس يَقْتلونهم ولَفوا عبد الله بن خبّاب بن الأرَتّ صاحب رسول الله ﷺ فقتلوه وقتلوا جاريتَه ثم قتلوا النّساء والأطفال حتى جعلوا يُلْقونهم في قُدُور الأقْط وهي تفور قالا: قد كان ذلك قال: فهل بَرِىء أهلُ الكوفة من أهل البصرة قالا: لا قال: فهل تَبرءُون أنتم من إحدى الفِئتين قالا: لا قال: أَفرأَيتم الدِّين إليس هو واحد أَم الدِّين اثنان قالا: بل واحدة قال: فهل يَسعكم منه شيء يُعْجِزني قالا: لا قال فكيف وَسِعكم أن تولَّيتم أبا بكر وعُمرِ وتولَّى كلُّ واحد منهما صاحبَه وتولَّيتم أهلَ الكوفة والبَصرة وتولَّى بعضُهم بعضاَ وقد اختلفوا في أعْظم الأشياء: الدِّماء والفُروج والأموال ولا يَسَعني إلا لَعْن أهل بَيْتي والتبرُؤ منهم أو رأيتَ لَعْنَ أهل الذُّنوب فَريضةً لا بدّ منها فإنْ كان ذلك فمتى عَهْدك بلَعْن فِرْعون وقد قال: أَنَا ربًّكم الأعلى قال: ما أذكُر أني لعنتُه قال: ويحك! أيسَعك أن لا تَلْعن فِرْعون وهو أخبث الخَلْق ولا يَسَعُني إلا أن ألعن أهلَ بَيْتي والبراءةُ منهم ويحكم! إنكم قَوْم جُهَّال أردتم أمراً فأخطأتموه فأنتم تَردّون على الناس ما قَبل منهم رسولُ الله ﷺ بَعثه اللهّ إليهم وهم عَبَدَة أوثان فدعاهم إلا أن يخلعوا الأوثان وأن يَشهدوا أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً عبدُه ورسولُه فمن قال ذلك حَقَن بذلك دَمَه وأحْرز مالَه ووَجبت حُرمَتُه وأَمِن به عند رسول الله ﷺ وكان إِسوة المُسلمين وكان حسابُه على الله أفلستم تَلقَون مَن خَلع الأوْثان ورَفَض الأديان وشَهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله تَسْتحلون دَمَه ومالَه وُيلْعن عندكم ومَن تَرَك ذلك وأباه من اليهود والنَّصارى وأهلِ الأديان فَتُحَرِّمون دَمَه ومالَه " ويأمن عندكم " فقال الأسود: ما سمعتُ كاليوم أحداَ أبين حُجّة ولا أقرب مَأْخذاً أمّا أنا فأشهد أنك على الحق وأني بَرِيءٌ ممن بَرِىء منك.
فقال عمر لصاحبه: يا أخا بني شَيْبان ما تقول أنت قال: ما أَحسَنَ ما قُلْتَ ووصفتَ غير أني لا أفتات على الناس بأمْر حتى أَلقاهم بما ذكرتَ وأنظر ما حُجّتهم قال: أنت وذاك.
فأقام الحَبشيّ مع عمر وأمر له بالعَطاء فلم يَلْبث أن مات ولَحِق الشَّيباني بأصحابه فقُتل معهم بعد وفاة عُمر " رضي الله عنه ".
وذُكر رجلٌ عند النبي ﷺ فَذَكروا فضلَه وشِدَة اجتهاده في العِبادة.
فبينما هم في ذِكْره حتى طَلَع عليهم الرجلُ فقالوا: يا رسولَ الله هو هذا فقال رسول الله ﷺ: أما إني أرى بين عَيْنيه سَفْعة من الشَّيطان فأقبل الرجلُ حتى وقف فسلّم عليهم فقال: هل حَدَّثتك نفسُك إذ طلعتَ علينا أنه ليس في القوم أحسن منك قال نعم ثم ذهب إلى المسجد فصفّ بين قَدَميه يصلِّي.
فقال النبي ﷺ: أيكم يقومُ إليه فيقتله فقال أبو بكر: أنا يا رسول اللهّ.
فقام إليه فَوَجده يًصلَي فهابه فانصرف فقال: ما صنعتَ قال وجدتُه يصلِّي يا رسول الله فهِبتُه.
فقال النبي ﷺ: أيكم يَقُوم إليه فيقتله قال عمر: أنا يا رسولَ الله.
فقام إليه فوجده يصلِّي فهابه فانصرف فقال: يا رسولَ الله وجدتُه يصلِّي فهِبتُه.
فقال رسول الله ﷺ: أيكم يقوم إليه فيقْتُلَه فقال عليٌّ: أنا يا رسول الله قال: أنت له إن أدركته.
فقام إليه فوجده قد انصرف.
فقال النبي عليه الصلاة والسلام: هذا أول قَرْنٍ يَطلًعُ في أُمتي لو قتلتموه ما اختلف بعده اثنان إنّ بني إسرائيل افترقت على اثنتين وسبعين فرقة وإنّ هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقةً واحدة وهي الجماعة.
إنما قيل لهم رافضة لأنهم رفضوا أبا بكر وعمر ولم يَرْفُضهما أحد من أهل الأهواء غيرهم والشيعة دونهم وهم الذين يُفضِّلون عليًّا على عثمان ويَتَوَلَّون أبا بكر وعمر.
فأما الرافضة فلها غُلوّ شديد في عليّ ذهب بعضُهم مَذهب النَّصارى في المسيح وهم السَّبئية أصحاب عبد الله بن سبأ عليهم لعنةُ اللهّ وفيهم يقول السَّيد الحميري: قَوْمٌ غَلوْا في علّيِ لا أبالهمُ وأُجْشَمُوا أنفُساً في حُبِّه تَعَبَا قالوا هو اللهّ جَلِّ الله خالقُنا من أن يكون ابن شيء أو يكون أَبا وقد أَحْرقهم عليّ رضي الله عنه بالنَّار.
ومن الروافض: المُغيرة بن سعد مولى بَجِيلة.
قال الأعمش: دخلتُ على المُغيرة بن سعد فسألته عن فَضائل عليّ فقال: إنك لا تَحْتملها قلتُ: بلى.
فَذَكر آدم صلواتُ الله عليه فقال: عليٌّ خير منه ثم ذكر مَن دونه من الأنبياء فقال عليٌّ خير منهم حتى انتهى إلى محمد ﷺ فقال: عليّ مثلُه فقلت: كذبت عليك لعنة الله قال: قد أَعلمتُك أَنك لا تحتملها.
ومن الروافض: مَن يزعُم أنّ علياً رضي الله عنه في السَّحاب فإذا أطلَّت عليهم سحابة قالوا: السلامُ عليك يا أبا الحَسن.
وقد ذكرهم الشاعر فقال: بَرِئتُ من الخوارجِ لستُ منهم مِن الغَزّال منهم وابن باب ولكنّي أُحِبُّ بكلّ قَلْبي وأعْلم أنَّ ذاك من الصواب رسولَ الله والصِّدِّيقَ حَقًّا به أرجو غداً حُسن الثَّواب وهؤلاء من الرافضة يقال لهم: المَنصورية.
وهم أصحاب أبي منصور الكِسْف وإنما سُمِّي الكِسْف لأنه كان يتأوَّل قي قول الله عزَّ وجلً: " وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ سَاقِطاً يَقُولوا سَحَابٌ مَرْكُوم " فالكِسْفُ عليٌّ وهو في السحاب.
وكان المُغيرة بن سعد من السَّبئية الذين أحْرقهم علي رضيِ الله تعالى عنه بالنار وكان يقول: لو شاء عليّ لأحيا عاداً وثمودَ وقروناً بين ذلك كثيراَ.
" وقد " خرج " على " خالد بن عبد الله فقتل خالد وصلبه بواسط عند قنطرة العاشر.
ومن الروافض كُثَيِّر عَزَّة الشاعر.
ولما حضرته الوفاة دعا ابنةَ أَخٍ له فقال: يا بِنتَ أخي إنَ عمَّك كان يُحب هذا الرَّجلَ فأَحبَيه - يعني عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه - فقالت: نَصِيحتك يا عمّ مردودة عليك أحبًّه واللهّ خلافَ الحبِّ الذي أحْببتَه أنت فقال لها: بَرِئت منك وأنشد يقول: بَرِئتُ إلى الإله من ابن أَرْوَى ومن قول الخوارج أجمعينَا ومن عُمرٍ برئتُ ومن عَتيق غداةَ دُعي أميرَ المؤمنينا والروافض كلها تؤمن بالرَّجعة وتقول: لا تقوم الساعةُ حتى يخرجِ المهديُّ وهو محمد بن عليِّ فيملؤُها عَدْلا كما مُلِئتْ جَوْراً ويُحيى لهم موتاهم فيرْجعون إلى الدنيا ويكون الناسُ أمةً واحدة.
وفي ذلك يقول الشاعر: أَلا إنَّ الأئمة من قُريش وُلاةَ العَدْل أربعةٌ سَواءُ عليّ والثلاثةُ مِن بَنيه همُ الأسباط ليس بهمِ خَفاء فَسِبْطٌ سِبطُ إيمانٍ وبِرٍّ وسِبْط غَيًبته كرْبلاء أراد بالأسباط الثلاثة: الحسن والحسين ومحمد بن الحنفيَّة وهو المهديّ الذي يخرُج في آخر الزمان.
ومن الروافض: السيّد الحِمْيري وكان يُلقَى له وسائد في مسجد الكوفة يَجلس عليها وكان يؤمن بالرَّجعة وفي ذلك يقول: إذا ما المرْءُ شابَ له قَذال وعَلِّلهُ اْلمَواشِطُ بالْخِضابِ فقد ذهبتْ بَشاشتهُ وأودَى فَقُم بأَبيك فابكِ على الشَباب فليسَ بعائدٍ ما فاتَ منهُ إلى أحدٍ إلى يوم المآب إلى يومٍ يؤوب الناسُ فيه إلى دُنياهُمِ قبل الحساب لأنَّ الله خَبَّر عن رِجالٍ حَيُوا من بعد دَسٍّ في التُّراب وقال يرثيِ أخاه: يابن أمِّي فدَتْكَ نفسي ومالي كنتَ رُكني ومَفْزعي وَجَمالي ولَعَمْرِي لئن تركْتُك مَيْتاً رَهْنَ رَمْس ضَنْكٍ عليك مُهالَ لوشيكاً ألقاك حياً صحيحاً سامِعاً مُبْصَراً على خير حال قد بُعثتم من القُبور فَأبْتُم بعد ما رَفَت العِظامَ البَوالي أو كَسَبْعين وافداً مع مُوسى عاينُوا هائلاً من الأهْوال حين رامُوا من خُبثهم رُؤية الله وأنىَّ برُؤية المتعالي فرَماهم بصَعْقة أحْرقتهم ثم أحياهُم شديدُ المحال دخل رجل من الْحِسْبانيّة على المأمون فقال: لثُمامة بن أشرس كلِّمه فقال له: ما تقول وما مَذْهبك فقال: أقول إنّ الأشياء كلّها على التوهُّم والْحِسْبان وإنما يُدْرٍك منها الناسُ على قَدْر عقولهم ولا حتَّى في الحقيقة.
فقام إِليه ثُمامة فَلَطَمه لطمةً سوَدت وَجْهه فقال: يا أميرَ المؤمنين يفعل بي مثلَ هذا في مجلسك! فقال له ثُمامة: وما فعلتُ بك قال: لَطَمْتني قال: ولعلَّ إنما دَهَنتُك بالبان ثم أنشأ يقول: ولعلَّ ما أبصرتَ من بِيض الطًّيور هو الغُراب وعَساك حين قَعدتَ قم تَ وحين جئتَ هو الذّهاب وعَسى البنفسج زِئْبقاً وعسى البَهار هو السَّذاب وعَساك تأكل مِن خَرَا ك وأنتَ تَحْسبه الكَباب ومن حديث ابن أبي شَيْبة أن عبد الله بن شدِّاد قال: قال لي عبد الله بن عبَّاس: لأخبرنَّك بأعجب شيء: قَرَع اليومَ علي البابَ رجلٌ لما وضعتُ ثيابي للظَّهيرة فقلتُ: ما أتى به في مثل هذا الحين إلا أمرٌ مهمّ أدخله.
فلما دخل قال: متى يُبعث ذلك الرجل قلت: أي رجل قال: عليّ بن أبي طالب قلتُ: لا يُبعث حتىِ يَبعث الله مَن في القبور قال: وإنك لتقول بقول هذه الجَهلة! قلت: أَخْرِجُوه عني لعنه الله.
ومن الروافض الكَيْسانية قلتُ: وهم أصحاب المُختار بن أبي عُبيد ويقولون إنّ اسمه كَيْسان.
ومن الرافضة الحُسينية وهم أصحاب إبراهيم بن الاشتر وكانوا يطوفون بالليل في أزقة الكوفة وينادون: يا ثاراتِ الحًسين فقيل لهم: الحُسينية.
ومن الرافضة الغُرابية: سمِّيت بذلك لقولهم: عليّ أشبه بالنبي من الغُراب بالغراب.
ومن الرافضة: الزَّيْدِية وهم أصحاب زيد بن عليّ المقتول بخُراسان وهم أقلُّ الرافضة غُلُوًّا مالك بن مُعاوية قال: قال لي الشّعبيِ وذَكَرْنا الرافضة: يا مالك لو أردتُ أن يُعطوني رقابَهم عَبيداً وأن يَمْلئوا بيتي ذَهَباَ عليً على أن أكْذِبَ لهم على علّيِ كِذْبَةً واحدةً لَقَبِلوا ولكني والله لا أَكْذِب عليه أبداً يا مالك إني دَرسْتُ الأهواءَ كلَّها فلم أَرَ قوماً أحمقَ من الرافضة فلو كانوا من الدوابّ لكانوا حميراً أو كانوا من الطير لكانوا رَخَماً.
ثم قال: أحذِّرك الأهواءَ المُضلة شرُّها الرافضة فإنها يهود هذه الأمة يُبغضون الإسلام كما يُبغض اليهودُ النَّصرِانية ولم يدْخلوا في الإسلام رغبةً ولا رَهْبة من الله ولكن مَقْتاً لأهل الإسلام وبَغْياَ عليهم وقد أحرَقهم عليًّ بن أبي طالب رضي الله عنه بالنار ونفاهم إلى البُلْدان منهم: عبد الله بن سبأ نفاه إلى ساباط وعبد الله بن سباب نفاه إلى الجازر وأبو الكَرَوَّس وذلك أن مِحْنة الرافضة محنة اليهود قالت اليهود: لا يكون المُلك إلا في آل داود وقالت الرافضة: لا يكون المُلك إلا في آل عليّ بن أبي طالب وقالت اليهود: لا يكون جِهاد في سبيل الله حتى يَخْرج المَسيح المُنتظر ويُنادي منادٍ من السماء وقالت الرافضة: لا جِهادَ في سبيل الله حتى يخرُج المَهديُّ ويَنْزل سَبَب من السماء واليَهود يُؤخِّرون صلاةَ المَغرِب حتى تَشتبك النّجوم وكذلك الرافضة واليَهود لا تَرى الطَّلاق الثلاثَ شيئاَ وكذا الرَّافضة واليهود لا تَرى على النساء عدة وكذلك الرافضة واليهود تستحل دم كل مسلم وكذلك الرافضة واليهود حرفوا التوراة وكذلك الرافضة حرفت القران واليهود تُبْغض جبريلَ وتقول: هو عَدوُّنا من الملائكة وكذلك الرافضة تقول: غَلط جبريلُ في الوَحْي إلى محمد بترك عليّ بن أبي طالب واليهود لا تأكُل لَحم الجَزُور وكذلك الرافضة.
ولليهود والئصارى فَضِيلة على الرافضة في خَصْلتين سُئِل اليهود مَن خَيْر أهل مِلّتكم فقالوا: أصحابُ موسى وسُئِلت النصارى فقالوا: أصحابً عيسى وسُئِلت الرِافضة: مَن شرّ أهل مِلّتكم فقالوا: أصحابُ محمّد أمَرهم اللهّ بالاستغفار لهم فشَتَموهم فالسيفُ مَسْلول عليهم إلى يوم القيامةِ لا تَثبُت لهم قدم ولا تَقومُ لهم راية ولا تُجمع لهم كِلمة دَعْوَتُهم مَدْحورة وكَلِمتهم مِختلفة وجَمْعهم مُفرَّق كلما أَوْقدُوا ناراً للحرب أطْفأها الله.
وذُكرت الرّافضةُ يوماً عند الشًعْبِيّ فقال: لقد بغَّضُوا إلينا حديثَ عليّ بن أبي طالب.
وقال الشّعبيّ: ما شَبَّهتُ تأويلَ الرِوافض في القرآن إلا بتأويل رَجل مَضْعوف من بني مَخْزوم من أهل مكّة وجدتُه قاعداَ بفِناء الكَعْبة فقال يا شعبيّ: ما عِنْدك في تأويل هذا البَيْت فإن بَني تَميم يَغْلطون فيه ويزعمون أنه إنما قيل في رجل منهم وهو قولُ الشاعر: بَيْتاً زُرَارةُ مًحْتَبِ بِفِنائه ومُجاشع وأَبو الفَوارس نَهْشلُ فقلت له: وما عِندَك أنت فيه قال: البيتُ هو هذا البيت وأشار بيده إلى الكَعْبة وزُرارةُ الحجر زُرِّر حول البيت فقلت له: فَمُجاشع قال: زَمزم جَشِعت بالماء قلت: فأَبُو الفوارس قال: هو أبو قُبيس جَبل مكَّة قلت: فَنَهْشل ففكّر فيه طويلا ثم قال: أَصبتُه هو مِصْباح الكعبة طويلٌ أَسود وهو النَّهشل.
قولهم في الشيعة قال أبو عُثمان عمرو بِن بَحر الجاحظ: أخبرني رجلٌ من رُؤساء التجّار قال: كان معنا في السَّفينة شيخٌ شرس الأخلاق طويلُ الِإطْراق وكان إذا ذُكِر له الشِّيعةُ غَضِب واربدّ وجهُه وزَوى من جاجبَيْه فقلتُ له يوماً: يَرْحمك الله ما الذي تَكْرهه من الشِّيعة فإني رأيتُك إذا ذُكِروا غَضِبْتَ وقُبضتَ قال: ما أَكْره منهم إلا هذه الشِّين في أوّل اسمهم فإني لم أجِدْها قطُّ إلا في كلَّ شرّ وشُؤْم وشَيْطان وشَغب وشَقَاء وشَنَار وشَرَر وشَين وشَوْك وشَكْوى وشَهْوة وشَتْم وشُح.
قال أبو عثمان: فما ثَبت لِشيعيّ بعدها قائمة.
باب من كلام المتكلمين
دخل المُوبَذ على هشام بن الحكم واْلمُوبَذ هو عالم الفُرس فقال له: يا هشام: حولَ الدنيا شيء قال: لا قال: فإن اخرجتُ يدي فثَمِّ شيءٌ يَرُدُها قال هشام: ليس ثَمَّ شيءٌ يرُدّها ولا شيء تُخْرِج يدك فيه قال: فكيف أعلَم هذا قال له يا مُوبَذُ أنا وأنت على طَرَف الدنيا فقلت لك يا مُوبَذً.
إني لا أرى شيئاً فقلتَ لي: ولم لا ترِى فقلت لك: ليس هاهنا ظلامٌ يمنعني قلت لي أنتَ: يا هشام إِني لا أرى شيئاَ فقلت لك: ولم لا ترى قلتَ: ليس ضياء أنظر به فهل تكافأت المِلَّتان في التناقض قال: نعم قال: فإذا تكافأَتا في التناقض لم تتكافآ في الإبطال أن ليس شيء فأشار الموبَذُ بيده أن أصبت ".
قال رجلٌ لبعض ولاة بني العباس: أنا أجعل هِشام بن الحَكم يقول في عليّ رضيِ الله عنه إنه ظالم " فقال: إن فعلت ذلك فلك كذا وكذا ثم أحْضر هشام " فقال له نشدتُك اللهّ أبا محمَد أما تَعلم أن عليًّا نازع العباس عند أبي بكر قال: نعم قال: فمَن الظالم منهما فكَرِه أن يقول: العبّاس فَيُواقع سُخْط الخليفة أو يقول: عليْ فيَنْقض أصلَه قال: ما منهما ظالم قال: فكيف يَتنازع اثنان في شيء لا يكون أحدُهما ظالماً قال: قد تَنازع المَلَكان عند داود عليه السلام وما فيهما ظالم ولكن ليُنبِّها داود على الخَطِيئة وكذلك هذان أرادا تَنْبيه أبي بكر من خَطِيئته فأُسْكت الرجل وأمر الخليفةُ لهشام بِصِلة عظيمة.
" دخلَ إبراهيمُ النَّظَّام على أبي الهُذَيل العَلاف وقد أَسنَّ وَبَعًد عهدُه بالمُناظرة وإبراهيمُ حَدَث السنّ فقال: أخبرني عن قراركم: أن يكون جَوْهراً مخافة أن يكون حِسْما فهل قَرَّرْتم أن لا يكون جوهراً مخافةَ أن يكون عرضاً والعَرض أضعفُ من الجوهر.
فَبَصَق أبو الهُذَيل في وجهه فقال له إبراهيم: قبحك الله من شَيْخ! ما أضعف حُجِّتك وأسفه حِلْمك.
قال: لَقِي جَهْم رجلاً من اليونانيين فقال له: هل لك أن تُكلِّمني وأكلَمك عن مَعْبودك هذا أرأيته قطَّ قال: لا قال: فلمستَه قال: لا قال: فذُقته قال: لا قال: فمن أين عَرفتَه وأنت لم تُدْركه بحسّ من حواسّك الخَمْس وإنما عقلك معبر عنها فلا يدرك إلا ما أوصلَتْ إليه من جميع المَعْلومات.
قال: فَتلجلج جَهْم ساعةً ثم استدرك فعكس المسألة عليه فقال له: ما تًقِرّ أنّ لك رُوحا قال: نعم قال: فهل رأيتَه أو ذُقْتَه أو سَمِعْته أو شَممتَه أو لَمستَه قال: لا قال: فكيف علمتَ أنّ لك رُوحا فأقَرّ له اليُونانيّ.
باب في الحياء
قال النبي ﷺ الحَياء خَيْرٌ كلُّه.
الحَياء شُعْبة من الإيمان.
وقال عليه السلام: إنّ اللهّ تَبارك وتعالى يحبّ الحيّ الحَليمَ المُتَعفِّف ويَكره البَذِىء السأّل المُلْحُف.
وقال عَوْن بن عبد الله: الحياءُ والحِلْم والصَّمتُ من الإيمان.
وقال ابن عمر: الحياء والإيمان مَقْرونان جميعاً فإِذا رُفِع أحدهما ارتفع الآخر معه.
وقال: مَكْتوب في التوراة: إذا لم تَسْتح فاصنع ما تَشاء.
وقال: أحيُوا الحياء بمُجالسة من يُسْتحيا منه.
وذكر أعرابيٌ رجلاً حيا فقال: لا ترَاه الدهرَ إلا وكأنّه لا غِنى به عنك وإن كنتَ إليه أحوجَ وإن أذْنبتَ غَفر وكأنّه المُذنب وإن أسأت إليه أحسن وكأنه المُسيء.
لليلى الأخيلية: فتًى هو أحْيا منِ فَتاة حَيِيَّة وأشجعً من لَيْثٍ بخِفَّان خادِر ولابن قيس أيضاَ: تخَالهم للحلم صُما عن الخَنَا وخُرْساً عن الفَحشَاءِ عند التَهاجُر ومَرْضى إذا لوقُوا حَياءً وعَفّة وعند الحِفاظ كالليوث الخوادر وقال الشعبي: تَعاشر الناس فيما بينهم زماناً بالدِّين والتَقوى ثم رُفِع ذلك فتعاشروا بالحَياء والتذمُّم ثم رُفع ذلك فما يَتعاشر الناس إلا بالرغبة والرَّهبة وسيجىء ما هو شرمن ذلك.
وقيل: الحياء يزيد في النُّبل.
ولبعضهم: فلا وأبيكَ ما في العَيْش خيرٌ ولا الدُّنيا إذا ذَهب الحياءُ وقال آخر: إذا رُزِق الفتى وجهاً وَقاحاً تَقلَّب في الأمور كما يشاءُ ورُث قَبيحةٍ ما حالَ بيني وبين رُكُوبها إلا الحَياء وقال عليّ بن أبي طالب كرَّم الله وجهَه: قُرنت الهيبةُ بالخَيْبة والحياءُ بالحِرْمان.
وقد قيل: ارفع حياءَكَ فيما جئتَ طالبَه إنّ لحياءَ مع الحِرمان مَقرونُ وفي المثل: كثرة الحياء من التخنث.
قال الحسن: من استتر بالحياء لبس الجهل سرباله فقطّعوا سرابيل الحياء فإنه مَن رَقّ وجهه رق عِلْمه.
وَصَف رجل الحياء عند الأحنف فقال: إن الحياء " لَيَتّتُم " لمقدار من المقادير فما زاد على ذلك فسمِّه بما أحببت.
وقال بعضهم: إن الحياء مع الحرمان مُقْترن كذاك قال أميرُ المؤمنين عَلي واعلم بأن من التخنيث أكثره فارفعه في طلب الحاجات والأمَلَ وللشماخ: أجاملُ أقواماً حياءً وقد أرى صدورهم بادٍ عَلَيَّ مِراضُها ولابن أبي حازم: حياءٌ وإسلام وتقْوى وأنَّني كريم ومِثْلي قد يَضرُ ويَنفع وقال آخر: إذا حُرم المرء الحياءَ فإنهُ بكلّ قبيح كان منه جديرُ له قِحة في كل أمر وسِره مُباح وجدواه جفاً وغرور يَرى الشَّتْم مَدْحاً والدناءة رِفْعة وللسَّمْع منه في العِظات نُفور فرجِّ الفتى ما دام حيَّا فإنّهُ إلى خيِر حالات اْلمُنِيب يَصِير "