→ قوله: ( لا تبلغه الأوهام، ولا تدركه الأفهام ) | شرح العقيدة الطحاوية المؤلف: ابن أبي العز الحنفي |
قوله: (حي لا يموت قيوم لا ينام) ← |
قوله: (ولا يشبهه الأنام) |
ولا يشبهه الأنام [1]
شرح: هذا رد لقول المشبهة، الذين يشبهون الخالق بالمخلوق، سبحانه وتعالى، قال عز وجل: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [2]
وليس المراد نفي الصفات كما يقول أهل البدع فمن كلام أبي حنيفة رحمه الله في الفقه الأكبر: لا يشبه شيئا من خلقه ولا يشبهه شيء من خلقه.
ثم قال بعد ذلك: وصفاته كلها خلاف صفات المخلوقين، يعلم لا كعلمنا، ويقدر لا كقدرتنا، ويرى لا كرؤيتنا. انتهى.
وقال نعيم بن حماد: من شبه الله بشيء من خلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه. وقال اسحاق بن راهويه: من وصف الله فشبه صفاته بصفات أحد من خلق الله فهو كافر بالله العظيم.
وقال: علامة جهم وأصحابه، دعواهم على أهل السنة والجماعة ما أولعوا به من الكذب -: أنهم مشبهة، بل هم المعطلة.
وكذلك قال خلق كثير من أئمة السلف: علامة الجهمية تسميتهم أهل السنة مشبهة، فإنه ما من أحد من نفاة شيء من الأسماء والصفات إلا يسمي المثبت لها مشبها، فمن أنكر أسماء الله بالكلية من غالية الزنادقة، القرامطة والفلاسفة، وقال: أن الله لا يقال له: عالم ولا قادر-: يزعم أن من سماه بذلك فهو مشبه، لأن الاشتراك في الإسم يوجب الاشتباه في معناه، ومن أثبت الاسم وقال: هو مجاز، كغالية الجهمية، يزعم أن من قال: أن الله عالم حقيقة، قادر حقيقة -: فهو مشبه، ومن أنكر الصفات وقال: أن الله ليس له علم ولا قدرة ولا كلام ولا محبة ولا إرادة - قال لمن أثبت الصفات: أنه مشبه، وأنه: مجسم.
ولهذا كتب نفاة الصفات، من الجهمية والمعتزلة والرافضة ونحوهم، كلها مشحونة بتسمية مثبتة الصفات مشبهة ومجسمة، ويقولون في كتبهم: إن من جملة المجسمة قوما يقال لهم: المالكية، ينسبون إلى رجل يقال له: مالك بن أنس، وقوما يقال لهم الشافعية، ينسبون الى رجل يقال له: محمد بن ادريس!! حتى الذين يفسرون القرآن منهم، كعبد الجبار، و الزمخشري، وغيرهما، يسمون كل من أثبت شيئا من الصفات وقال بالرؤية - مشبها، وهذا الاستعمال قد غلب عند المتأخرين من غالب الطوائف.
ولكن المشهور من استعمال هذا اللفظ عند علماء السنة المشهورين: أنهم لا يريدون بنفي التشبيه نفي الصفات، ولا يصفون به كل من أثبت الصفات. بل مرادهم أنه لا يشبه المخلوق في أسمائه وصفاته وأفعاله، كما تقدم من كلام أبي حنيفة رحمه الله أنه تعالى يعلم لا كعلمنا، ويقدر لا كقدرتنا، ويرى لا كرؤيتنا.
وهذا معنى قوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [3] فنفى المثل وأثبت الصفة.
وسيأتي في كلام الشيخ اثبات الصفات، تنبيها على أنه ليس نفي التشبيه مستلزما لنفي الصفات.
ومما يوضح هذا: أن العلم الالهي لا يجوز أن يستدل فيه بقياس تمثيلي يستوي فيه الأصل والفرع، ولا بقياس شمولي يستوي أفراده، فإن الله سبحانه ليس كمثله شيء، فلا يجوز أن يمثل بغيره، ولا يجوز أن يدخل هو وغيره تحت قضية كلية يستوي أفرادها.
ولهذا لما سلكت طوائف من المتفلسفة والمتكلمة مثل هذه الأقيسة في المطالب الالهية - لم يصلوا بها إلى اليقين، بل تناقضت أدلتهم، وغلب عليهم بعد التناهي الحيرة والإضطراب، لما يرونه من فساد أدلتهم أو تكافيها.
ولكن يستعمل في ذلك قياس الأولى، سواء كان تمثيلا أو شمولا، كما قال تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى) [4]
مثل أن يعلم أن كل كمال للممكن أو للمحدث، لا نقص فيه بوجه من الوجوه، وهو ما كان كمالا للوجود غير مستلزم للعدم بوجه -: فالواجب القديم أولى به.
وكل كمال لا نقص فيه بوجه من الوجوه، ثبت نوعه للمخلوق والمربوب المدبر-: فإنما استفاده من خالقه وربه ومدبره، وهو أحق به منه. وأن كل نقص وعيب في نفسه، وهو ما تضمن سلب هذا الكمال، اذا وجب نفيه عن شيء من أنواع المخلوقات والممكنات والمحدثات -: فإنه يجب نفيه عن الرب تعالى بطريق الاولى.
ومن أعجب العجب: أن من غلاة نفاة الصفات الذين يستدلون بهذه الآية الكريمة على نفي الصفات والأسماء، ويقولون: واجب الوجود لا يكون كذا ولا يكون كذا - ثم يقولون: أصل الفلسفة هي التشبيه بالإله على قدر الطاقة، ويجعلون هذا غاية الحكمة ونهاية الكمال الإنساني، ويوافقهم على ذلك بعض من يطلق هذه العبارة.
ويروى عن النبي ﷺ أنه قال: تخلقوا بأخلاق الله، فإذا كانوا ينفون الصفات، فبأي شيء يتخلق العبد على زعمهم ؟!
وكما أنه لا يشبه شيئا من مخلوقاته تعالى ، لا يشبهه شيء من مخلوقاته، لكن المخالف في هذا النصارى والحلولية والاتحادية لعنهم الله تعالى.
ونفي مشابهة شيء من مخلوقاته له، مستلزم لنفي مشابهته لشيء من مخلوقاته.
فلذلك اكتفى الشيخ رحمه الله بقوله ولا يشبهه الأنام. والأنام: الناس، وقيل، كل ذي روح، وقيل: الثقلان.
وظاهر قوله تعالى: (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ) [5] - يشهد للأول أكثر من الباقي. والله أعلم.
هامش
- ↑ [ فيه رد لقول المشبهة الذين يشبهون الخالق بالمخلوق سبحانه وتعالى قال عز وجل: ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) [ الشورى: 11 ]. وليس المراد نفي الصفات كما يقول أهل البدع فمن كلام أبي حنيفة رحمه الله في " الفقه الأكبر ": لا يشبه شيئا من خلقه ولا يشبهه شيء من خلقه. ثم قال بعد ذلك: وصفاته كلها خلاف صفات المخلوقين يعلم لا كعلمنا ويقدر لا كقدرتنا ويرى لا كرؤيتنا. انتهى. ]
- ↑ [ الشورى: 11 ]
- ↑ [ الشورى: 11 ]
- ↑ [ النحل: 60 ]
- ↑ [ الرحمن: 10 ]