→ قوله: (وأمرهم بطاعته، ونهاهم عن معصيته) | شرح العقيدة الطحاوية المؤلف: ابن أبي العز الحنفي |
قوله: (يهدي من يشاء، ويعصم ويعافي، فضلا. ويضل من يشاء، ويخذل ويبتلي، عدلا) ← |
قوله: (وكل شيء يجري بتقديره ومشيئته) |
وكل شيء يجري بتقديره ومشيئته، ومشيئته تنفذ، لا مشيئة للعباد، إلا ما شاء لهم، فما شاء لهم كان، وما لم يشأ لم يكن [1]
شرح: قال تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيما) [2] وقال تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [3] وقال تعالى: (وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) [4]، وقال تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ) [5].
وقال تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعا) [6] وقال تعالى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقا حَرَجا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ) [7]
وقال تعالى حكاية عن نوح عليه السلام إذ قال لقومه: (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) [8]
وقال تعالى: (مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [9]
إلى غير ذلك من الأدلة على أنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. وكيف يكون في ملكه ما لا يشاء! ومن أضل سبيلا وأكفر ممن يزعم أن الله شاء الإيمان من الكافر والكافر شاء الكفر فغلبت مشيئة الكافر مشيئة الله!! تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
فإن قيل: يشكل على هذا قوله تعالى: سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا ) [10] الآية وقوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) [11].
وقوله تعالى: (وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) [12] فقد ذمهم الله تعالى حيث جعلوا الشرك كائنا منهم بمشيئة الله، وكذلك ذم إبليس حيث أضاف الإغواء إلى الله تعالى إذ قال: (رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [13]
قيل: قد أجيب على هذا بأجوبة، من أحسنها: أنه أنكر عليهم ذلك لأنهم احتجوا بمشيئته على رضاه ومحبته، وقالوا: لو كره ذلك وسخطه لما شاءه، فجعلوا مشيئته دليل رضاه، فرد الله عليهم ذلك.
أو أنه أنكر عليهم اعتقادهم أن مشيئة الله دليل على أمره به.
أو أنه أنكر عليهم معارضته شرعه وأمره الذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه بقضائه وقدره، فجعلوا المشيئة العامة دافعة للأمر، فلم يذكروا المشيئة على جهة التوحيد، وإنما ذكروها معارضين بها لأمره، دافعين بها لشرعه، كفعل الزنادقة، والجهال إذا أمروا أو نهوا احتجوا بالقدر.
وقد احتج سارق على عمر رضي الله عنه بالقدر، فقال: وأنا أقطع يدك بقضاء الله وقدره.
يشهد لذلك قوله تعالى في الآية: (كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) [14].
فعلم أن مرادهم التكذيب، فهو من قبل الفعل، من أين له أن الله لم يقدره؟ أطلع الغيب؟ فإن قيل: فما يقولون في احتجاج آدم على موسى عليهما السلام بالقدر، اذ قال له: أتلومني على أمر قد كتبه الله علي قبل أن أخلق بأربعين عاما؟ وشهد النبي ﷺ أن آدم حج موسى، أي: غلب عليه بالحجة؟
قيل.: تتلقاه بالقبول والسمع والطاعة، لصحته عن رسول الله ﷺ، ولا تتلقاه بالرد والتكذيب لراوية، كما فعلت القدرية، ولا بالتأويلات الباردة.
بل الصحيح أن آدم لم يحتج بالقضاء والقدر على الذنب، وهو كان أعلم بربه وذنبه، بل آحاد بنيه من المؤمنين لا يحتج بالقدر، فإنه باطل.
وموسى عليه السلام كان أعلم بأبيه وبذنبه من أن يلوم آدم على ذنب قد تاب منه وتاب الله عليه واجتباه وهداه، وإنما وقع اللوم على المصيبة التي أخرجت أولاده من الجنة، فاحتج آدم بالقدر على المصيبة، لا على الخطيئة، فان القدر يحتج به عند المصائب، لا عند المعائب. وهذا المعنى أحسن ما قيل في الحديث.
فما قدر من المصائب يجب الاستسلام له، فإنه من تمام الرضى بالله ربا، وأما الذنوب فليس للعبد أن يذنب، وإذا أذنب فعليه أن يستغفر ويتوب. فيتوب من المعائب، ويصبرعلى المصائب.
قال تعالى: (فَاصبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) [15] وقال تعالى: (وَإِنْ تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئا) [16].
وأما قول إبليس ( رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي ) [17]، انما ذم على احتجاجه بالقدر، لا على اعترافه بالمقدر وإثباته له.
ألم تسمع قول نوح عليه السلام: (لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [18].
ولقد أحسن القائل:
فما شئت كان وإن لم أشأ | وما شئت إن لم تشأ لم يكن |
وعن وهب بن منبه، أنه قال: نظرت في القدر فتحيرت، ثم نظرت فيه فتحيرت، ووجدت أعلم الناس بالقدر أكفهم عنه، وأجهل الناس بالقدر أنطقهم به.
هامش
- ↑ [ يعني أن مشيئته تعالى وإرادته شاملة لكل ما يقع في هذا الكون من خير أو شر وهدى أو ضلال والآيات الدالة على ذلك كثيرة معروفة يمكن مراجعتها في الشرح وغيره... والمقصود بهذه الفقرة الرد على المعتزلة النافين لعموم مشيئته تعالى. لكن يجب أن يعلم أنه لا يلزم من ذلك أن الله تعالى يحب كل ما يقع فالحب غير الإرادة وإلا كان لا فرق عند الله تعالى بين الطائع والعاصي وهذا ما صرح به بعض كبار القائلين بوحدة الوجود من أن كلا من الطائع والعاصي مطيع لله في إرادته ومذهب السلف والفقهاء وأكثر المثبتين للقدر من أهل السنة وغيرهم على التفريق بين الإرادة والمحبة وإلى ذلك أشار صاحب قصيدة " بدء الأمالي " بقوله: مريد الخير والشر القبيح ولكن ليس يرضى بالمحال وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: " ثم قالت القدرية: هو لا يحب الكفر والفسوق والعصيان ولا يريد ذلك فيكون ما لم يشأ ويشاء ما لم يكن ". وقالت طائفة من ( المثبتة ): ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. وإذن قد أراد الكفر والفسوق والعصيان ولم يرده دينا أو أراده من الكافر ولم يرده من المؤمن فهو لذلك يحب الكفر والفسوق العصيان ولا يحبه دينا ويحبه من الكافر ولا يحبه من المؤمن. وكلا القولين خطأ مخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها فإنهم متفقون على أنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وأنه لا يكون شيء إلا بمشيئته ومجموعه على أنه لا يحب الفساد ولا يرضى لعباده الكفر وأن الكفار ( يبيتون ما لا يرضى من القول ) ( مجموع الفتاوى ( 6 / 115 - 116 ) وقد شرح ذلك العلامة ابن القيم في " شفاء العليل " ( ص 120 - 134 ) فراجعه فإنه مهم. ) [ النساء: 108] ]
- ↑ [ الإنسان: 30 ]
- ↑ [ التكوير: 29 ]
- ↑ [ الأنعام: 111 ]
- ↑ [ الأنعام: 112 ]
- ↑ [ يونس: 99 ]
- ↑ [ الأنعام: 125 ]
- ↑ [ هود: 34 ]
- ↑ [ الأنعام: 39 ]
- ↑ [ الأنعام: 148 ]
- ↑ [ النحل: 35 ]
- ↑ [ الزخرف: 20 ]
- ↑ [ الحجر: 39 ]
- ↑ [ الأنعام: 148 ]
- ↑ [ غافر: 55 ]
- ↑ [ آل عمران: 120 ]
- ↑ [ الحجر: 39 ]
- ↑ [ هود: 34 ]