مسألة في العتق |
[قال]: ومن أوصى بعتق عبده، ولا يحمله الثلث فأجاز له بعض الورثة وأبى بعض أن يجيز عتق منه ما حمل الثلث وحصة من أجاز وكان الولاء للذي أعتق لا للذي أجاز إن قال: أجزت لا أرد ما فعل الميت، ولا أبطله من قبل أنه لعله أن يكون لزمه عتقه في حياته، أو وجه ذكره مثل هذا، ومن أوصى له بثلث رقيق، وفيهم من يعتق عليه إذا ملكه فله الخيار في أن يقبل، أو يرد الوصية، فإن قبل عتق عليه من يعتق عليه إذا ملكه وقوم عليه ما بقي منه إن كان موسرا وكان له، ولاؤه، ويعتق على الرجل كل من ولد الرجل من أب وجد أب وجد أم إذا كان له والدا من جهة من الجهات، وإن بعد، وكذلك كل من كان ولد بأي جهة من الجهات، وإن بعد، ولا يعتق عليه أخ، ولا عم، ولا ذو قرابة غيرهم. ومن أوصى لصبي لم يبلغ بأبيه، أو جده كان للوصي أن يقبل الوصية؛ لأنه لا ضرر عليه في أن يعتق على الصبي وله، ولاؤه، وإن أوصى له ببعضه لم يكن للولي أن يقبل الوصية على الصبي، وإن قبل لم يقوم على الصبي وعتق منه ما ملك الصبي، وإنما يجوز له أمر الولي فيما زاد الصبي أو لم ينقص، أو فيما لا بد له منه. فأما ما ينقصه مما له منه بد فلا يجوز عليه، وهذا نقص له منه بد، وإذا كان العبد بين اثنين فأعطى أحدهما خمسين دينارا على أن يعتقه، أو يعتق نصيبه منه فأعتقه عتق عليه ورجع شريكه عليه بنصف الخمسين وأخذها ونصف قيمة العبد، وكان له، ولاؤه ورجع السيد على العبد بالخمسة والعشرين التي قبضها منه السيد، ولو كان السيد قال: إن سلمت لي هذه الخمسون فأنت حر لم يكن حرا وكان للشريك أن يأخذ منه نصف الخمسين؛ لأنه مال العبد وماله بينهما.
ومن قال: إذا مت فنصف غلامي حر فنصف غلامه حر، ولا يعتق عليه النصف الثاني، وإن حمل ذلك ثلثه؛ لأنه إذا مات، فقد انقطع ملكه عن ماله، وإنما كان له أن يأخذ من ماله ما كان حيا، فلما أوقع العتق في حال ليس هو فيها مالك لم يقع منه إلا ما أوقع، وإذا كنا في حياته لو أعتق نصف مملوك ونصفه لغيره، وهو معسر لم نعتقه عليه فهو بعد الموت لا يملك في حاله التي أعتق فيها، ولا يفيد ملكا بعده، ولو أعتقه فبت عتقه في مرضه عتق عليه كله؛ لأنه أعتق، وهو مالك للكل، أو الثلث، وإذا مات فحمل الثلث عتق كله وبدئ على التدبير والوصايا.
[قال الشافعي]: وإذا كان العبد بين رجلين، أو أكثر فأعتق أحدهم، وهو موسر وشركاؤه غيب عتق كله وقوم فدفع إلى وكلاء شركائه نصيبهم من العبد وكان حرا وله، ولاؤه فإن لم يكن لهم وكلاء وقف ذلك لهم على أيدي من يضمنه بالنظر من القاضي لهم، أو أقره على المعتق إن كان مليئا، ولا يخرجه من يديه إذا كان مليئا مأمونا إنما يخرجه إذا كان غير مأمون.
وإذا قال: الرجل لعبده: أنت حر على أن عليك مائة دينار، أو خدمة سنة، أو عمل كذا فقبل العبد العتق على هذا لزمه ذلك وكان دينا عليه، فإن مات قبل أن يخدم رجع عليه المولى بقيمة الخدمة في ماله إن كان له.
[قال الشافعي]: ولو قال: في هذا أقبل العتق، ولا أقبل ما جعلت علي لم يكن حرا، وهو كقولك أنت حر إن ضمنت مائة دينار، أو ضمنت كذا وكذا، ولو قال: أنت حر وعليك مائة دينار وأنت حر، ثم عليك مائة دينار أو خدمة فإن ألزمه العبد نفسه، أو لم يلزمه نفسه عتق في الحالين معا، ولم يلزمه منه شيء؛ لأنه أعتقه، ثم استأنف أن جعل عليه شيئا فجعله على رجل لا يملكه، ولم يعقد به شرطا فلا يلزمه إلا أن يتطوع بأن يضمنه له.
[قال الشافعي]: وإذا أعتق الرجل شركا له في عبد فإنما أنظر إلى الحال التي أعتق فيها فإن كان موسرا ساعة أعتقه أعتقته وجعلت له ولاءه وضمنته نصيب شركائه وقومته بقيمته حين وقع العتق وجعلته حين وقع العتق حرا جنايته والجناية عليه وشهادته وحدوده وجميع أحكامه أحكام حر، وإن لم يدفع القيمة، ولم يرتفع إلى القاضي إلا بعد سنة، أو أكثر، وإن كانت قيمته يوم أعتقه مائة دينار، ثم نقصت، ثم لم يرافعه إلى الحاكم حتى تصير عشرة أو زادت حتى تصير ألفا فسواء وقيمته مائة، وإن كانت المعتقة أمة فولدت أولادا بعد العتق فالقيمة قيمة الأم يوم وقع العتق حاملا كانت، أو غير حامل، ولا قيمة لما حدث من الحمل، ولا من الولادة بعد العتق؛ لأنهم أولاد حرة.
ولو كان العبد بين رجلين فأعتقه أحدهما وأعتقه الثاني بعد عتق الأول فعتقه باطل. وهذا إذا كان الأول موسرا فله ولاؤه وعليه قيمته، وإن كان معسرا فعتق الثاني جائز والولاء بينهما، وإن أعتقاه جميعا معا لم يتقدم أحدهما صاحبه في العتق كان حرا ولهما، ولاؤه وهكذا إن وليا رجلا عتقه فأعتقه كان حرا وكان، ولاؤه بينهما، ولو قال: أحدهما لصاحبه إذا أعتقت فهو حر فأعتقه صاحبه كان حرا حين قال: المعتق، ولا يكون حرا لو قال: إذا أعتقتك فأنت حر؛ لأنه أوقع العتق بعد كمال الأول وكان كمن قال إذا أعتقته فهو حر، ولا ألتفت إلى القول الآخر، وإذا كان العبد بين شريكين فأعتقه أحدهما، وهو معسر فنصيبه حر وللمعتق نصف ماله وللذي لم يعتق نصفه، ولو كان موسرا كان حرا وضمن لشريكه نصف قيمته وكان مال العبد بينهما، ولا مال للعبد إنما ماله لمالكه إن شاء أن يأخذه أخذه وعتقه غير هبة ماله.
[قال الشافعي]: وهو غير ماله، وهو يقع عليه العتق، ولا يقع على ماله، ولو قال: رجل لغلامه أنت حر ولماله أنت حر كان الغلام حرا، ولم يكن المال حرا ما كان المال من حيوان أو غيره لا يقع العتق إلا على بنى آدم.
وإذا أعتق الرجل عبدا بينه وبين رجل وله من المال ما يعتق عليه ثلاثة أرباعه، أو أقل، أو أكثر إلا أن الكل لا يخرج عتق عليه ما احتمل ماله منه وكان له من، ولائه بقدر ما عتق منه ويرق منه ما بقي وسواء فيما وصفت العبد بين المسلمين، أو المسلم والنصراني وسواء أيهما أعتقه وسواء كان العبد مسلما أو نصرانيا، فإذا أعتقه النصراني، وهو موسر فهو حر كله وله ولاؤه، وهو فيه مثل المسلم إلا أنه لا يرثه لاختلاف الدينين كما لا يرث ابنه فإن أسلم بعد، ثم مات المولى المعتق ورثه، ولا يبعد النصراني أن يكون مالكا معتقا فعتق المالك جائز. وقد قال: رسول الله ﷺ (الولاء لمن أعتق)، ولا يكون مالكا لمسلم، فلو أعتقه لم يجز عتقه، فأما مالك معتق يجوز عتقه، ولا يكون له، ولاؤه فلم أسمع بهذا، وهذا خلاف السنة.
وإذا ملك الرجل أباه، أو أمه بميراث عتقا عليه، وإذا ملك بعضهما عتق منهما ما ملك، ولم يكن عليه أن يقوما عليه؛ لأن الملك لزمه وليس له دفعه؛ لأنه ليس له دفع الميراث؛ لأن حكم الله عز وجل أنه نقل ميراث الموتى إلى الأحياء الوارثين. ولكنه لو أوصى له، أو وهب له، أو تصدق به عليه، أو ملكه بأي ملك ما شاء غير الميراث عتق عليه، وإن ملك بعضهما بغير ميراث كان عليه أن يقوما عليه، ولو اشترى بعضهما؛ لأنه قد كان له دفع هذا الملك كله، ولم يكن عليه قبوله، ولم يكن مالكا له إلا بأن يشاء فكان اختياره الملك ملك ما له قيمة، والعتق يلزم العبد أحب أو كره.
ولو أعتق الرجل شقصا له في عبد قوم عليه فقال: عند القيمة إنه آبق، أو سارق كلف البينة. فإن جاء بها قوم كذلك، وإن أقر له شريكه قوم كذلك، وإن لم يقر له شريكه أحلف، فإن حلف قوم بريا من الإباق والسرقة. فإن نكل عن اليمين رددنا اليمين على المعتق فإن حلف قومناه آبقا سارقا، وإن نكل قومناه صحيحا.