→ صدقة الحي عن الميت | كتاب الأم - كتاب الوصايا المؤلف: الشافعي |
باب ما يجوز للوصي أن يصنعه في أموال اليتامى ← |
باب الأوصياء |
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ولا تجوز الوصية إلا إلى بالغ مسلم عدل، أو امرأة كذلك، ولا تجوز إلى عبد أجنبي، ولا عبد الموصي، ولا عبد الموصى له، ولا إلى أحد لم تتم فيه الحرية من مكاتب، ولا غيره، ولا تجوز وصية مسلم إلى مشرك فإن قال قائل فكيف لم تجز الوصية إلى من ذكرت أنها لا تجوز إليه؟ قيل: لا تعدو الوصية أن تكون كوكالة الرجل في الحق له فلسنا نرد على رجل وكل عبدا كافرا خائنا؛ لأنه أملك بماله ونجيز له أن يوكل بما يجوز له في ماله، ولا نخرج من يديه ما دفع إليه منه، ولا نجعل عليه فيه أمينا، ولا أعلم أحدا يجيز في الوصية ما يجيز في الوكالة من هذا وما أشبهه، فإذا صاروا إلى أن لا يجيزوا هذا في الوصية فلا وجه للوصية إلا بأن يكون الميت نظر لمن أوصى له بدين وتطوع من ولاية ولده فأسنده إليه بعد موته فلما خرج من ملك الميت فصار يملكه وارث، أو ذو دين، أو موصى له لا يملكه الميت، فإذا قضى عليهم فيما كان لهم بسببه قضاء يجوز أن يبتدئ الحاكم القضاء لهم به؛ لأنه نظر لهم أجزته وكان فيه معنى أن يكون من أسند ذلك إليه يعطف عليهم من الثقة بمودة للميت أو للموصى لهم، فإذا ولى حرا أو حرة عدلين أجزنا ذلك لهما بما وصفت من أن ذلك يصلح على الابتداء للحاكم أن يولي أحدهما، فإذا لم يول من هو في هذه الصفة بان لنا أن قد أخطأ عامدا، أو مجتهدا على غيره، ولا نجيز خطأه على غيره إذا بان ذلك لنا كما تجيز أمر الحاكم فيما احتمل أن يكون صوابا، ولا نجيزه فيما بان خطؤه ونجيز أمر الوالي فيما صنع نظرا ونرده فيما صنع من مال من يلي غير نظر ونجيز قول الرجل والمرأة في نفسه فيما أمكن أن يكون صدقا، ولا نجيزه فيما لا يمكن أن يكون صدقا وهكذا كل من شرطنا عليه في نظره أن يجوز بحال لم يجز في الحال التي يخالفها.
وإذا أوصى الرجل إلى من تجوز وصيته، ثم حدث للموصى إليه حال تخرجه من حد أن يكون كافيا لما أسند إليه، أو أمينا عليه أخرجت الوصية من يديه إذا لم يكن أمينا وأضم إليه إذا كان أمينا ضعيفا عن الكفاية قويا على الأمانة فإن ضعف عن الأمانة أخرج بكل حال وكلما صار من أبدل مكان وصي إلى تغير في أمانة، أو ضعف كان مثل الوصي يبدل مكانه كما يبدل مكان الوصي إذا تغيرت حاله، وإذا أوصى إلى رجلين فمات أحدهما، أو تغيرت حاله أبدل مكان الميت، أو المتغير رجل آخر؛ لأن الميت لم يرض قيام أحدهما دون الآخر، ولو أوصى رجل إلى رجل فمات الموصى إليه وأوصى بما أوصى به إلى رجل لم يكن وصي الوصي وصيا للميت الأول لأن الميت الأول لم يرض الموصى الآخر.
[قال الشافعي]: ولو قال أوصيت إلى فلان فإن حدث به حدث، فقد أوصيت إلى من أوصى إليه لم يجز ذلك؛ لأنه إنما أوصى بمال غيره وينبغي للقاضي أن ينظر فيمن أوصى إليه الوصي الميت فإن كان كافيا أمينا، ولم يجد آمن منه، أو مثله في الأمانة ممن يراه أمثل لتركة الميت من ذي قرابة الميت، أو مودة له، أو قرابة لتركته، أو مودة لهم ابتدأ لتوليته بتركة الميت، وإن وجد أكفأ وأملا ببعض هذه الأمور منه ولى الذي يراه أنفع لمن يوليه أمره إن شاء الله تعالى.
[قال الشافعي]: وإذا اختلف الوصيان، أو الموليان، أو الوصي، ولا مولى معه في المال قسم ما كان منه يقسم فجعل في أيديهما نصفين وأمر بالاحتفاظ بما لا يقسم منه معا.
وإذا أوصى الميت بإنكاح بناته إلى رجل فإن كان وليهن الذي لا أولى منه زوجهن بولاية النسب أو الولاء دون الوصية جاز، وإن لم يكن وليهن لم يكن له أن يزوجهن، وفي إجازة تزويج الوصي إبطال للأولياء إذا كان الأولياء أهل النسب، ولا يجوز أن يلي غير ذي نسب فإن قال قائل يجوز بوصية الميت أن يلي ما كان يلي الميت؟ فالميت لا ولاية له على حي فيكون يلي أحد بولاية الميت إذا مات صارت الولاية لأقرب الناس بالمزوجة من قبل أبيها بعده أحبت ذلك، أو كرهته، ولو جاز هذا لوصي الأب جاز لوصي الأخ والمولى ولكن لا يجوز لوصي فإن قيل: قد يوكل أبوها الرجل فيزوجها فيجوز؟ قيل: نعم ووليها من كان والولاية حينئذ للحي منهما والوكيل يقوم مقامه.
[قال الشافعي]: فإذا قال الرجل قد أوصيت إلى فلان بتركتي، أو قال: قد أوصيت إليه بمالي، أو قال: بما خلفت. [قال الربيع]: أنا أجيب فيها أقول: يكون وصيا بالمال، ولا يكون إليه من النكاح شيء إنما النكاح إلى العصبة الأقرب فالأقرب من المزوجة والله تعالى أعلم.