باب الوصية للزوجة |
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم} الآية. وكان فرض الزوجة أن يوصي لها الزوج بمتاع إلى الحول، ولم أحفظ عن أحد خلافا أن المتاع النفقة والسكنى والكسوة إلى الحول وثبت لها السكنى فقال: {غير إخراج} ثم قال: {فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف} فدل القرآن على أنهن إن خرجن فلا جناح على الأزواج؛ لأنهن تركن ما فرض لهن ودل الكتاب العزيز إذا كان السكنى لها فرضا فتركت حقها فيه، ولم يجعل الله تعالى على الزوج حرجا أن من ترك حقه غير ممنوع له لم يخرج من الحق عليه. ثم حفظت عمن أرضى من أهل العلم أن نفقة المتوفى عنها زوجها وكسوتها حولا منسوخ بآية المواريث. قال الله عز وجل: {ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها، أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها، أو دين}.
[قال الشافعي]: ولم أعلم مخالفا فيما وصفت من نسخ نفقة المتوفى عنها وكسوتها سنة وأقل من سنة. ثم احتمل سكناها إذ كان مذكورا مع نفقتها بأنه يقع عليه اسم المتاع أن يكون منسوخا في السنة وأقل منها كما كانت النفقة والكسوة منسوختين في السنة وأقل منها واحتمل أن تكون نسخت في السنة وأثبتت في عدة المتوفى عنها حتى تنقضي عدتها بأصل هذه الآية وأن تكون داخلة في جملة المعتدات، فإن الله تبارك وتعالى يقول في المطلقات {لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} فلما فرض الله في المعتدة من الطلاق السكنى وكانت المعتدة من الوفاة في معناها احتملت أن يجعل لها السكنى؛ لأنها في معنى المعتدات. فإن كان هذا هكذا فالسكنى لها في كتاب الله عز وجل منصوص، أو في معنى من نص لها السكنى في فرض الكتاب، وإن لم يكن هكذا فالفرض في السكنى لها في السنة ثم فما أحفظ عمن حفظت عنه من أهل العلم أن للمتوفى عنها السكنى، ولا نفقة، فإن قال: قائل فأين السنة في سكنى المتوفى عنها زوجها؟ قيل: أخبرنا مالك عن سعد بن إسحاق عن كعب بن عجرة.
[قال الشافعي]: وما وصفت في متاع المتوفى عنها هو الأمر الذي تقوم به الحجة والله تعالى أعلم، وقد قال: بعض أهل العلم بالقرآن إن آية المواريث للوالدين والأقربين، وهذا ثابت للمرأة، وإنما نزل فرض ميراث المرأة والزوج بعد، وإن كان كما قال فقد أثبت لها الميراث كما أثبته لأهل الفرائض وليس في أن يكون ذلك بآخر ما أبطل حقها. وقال: بعض أهل العلم إن عدتها في الوفاة كانت ثلاثة قروء كعدة الطلاق ثم نسخت بقول الله عز وجل: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} فإن كان هذا هكذا، فقد بطلت عنها الأقراء وثبتت عليها العدة بأربعة أشهر وعشر منصوصة في كتاب الله عز وجل ثم في سنة رسول الله ﷺ فإن قال قائل: فأين هي في السنة؟ قيل: أخبرنا. حديث المغيرة عن حميد بن نافع قال الله عز وجل في عدة الطلاق {واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} فاحتملت الآية أن تكون في المطلقة لا تحيض خاصة؛ لأنها سياقها واحتملت أن تكون في المطلقة كل معتدة مطلقة تحيض ومتوفى عنها؛ لأنها جامعة ويحتمل أن يكون استئناف كلام على المعتدات. فإن قال: قائل فأي معانيها أولى بها؟ قيل والله تعالى أعلم. فأنا الذي يشبه فإنها تكون في كل معتدة ومستبرأة. فإن قال: ما دل على ما وصفت؟ قيل: قال الشافعي لما كانت العدة استبراء وتعبدا وكان وضع الحمل براءة من عدة الوفاة هادما للأربعة الأشهر والعشر كان هكذا في جميع العدد والاستبراء. والله أعلم مع أن المعقول أن وضع الحمل غاية براءة الرحم حتى لا يكون في النفس منه شيء، فقد يكون في النفس شيء في جميع العدد والاستبراء، وإن كان ذلك براءة في الظاهر، والله سبحانه وتعالى الموفق.