→ الأصل فيمن تؤخذ الجزية منه ومن لا تؤخذ | كتاب الأم - كتاب الجزية المؤلف: الشافعي |
تفريع من تؤخذ منه الجزية من أهل الأوثان ← |
من يلحق بأهل الكتاب |
[قال الشافعي]: انتوت قبائل من العرب قبل أن يبعث الله رسوله محمدا ﷺ وينزل عليه الفرقان فدانت دين أهل الكتاب وقارب بعض أهل الكتاب العرب من أهل اليمن فدان بعضهم دينهم وكان من أنزل الله عز وجل فرض قتاله من أهل الأوثان حتى يسلم مخالفا دين من وصفته دان دين أهل الكتاب قبل نزول الفرقان على نبي الله ﷺ لتمسك أهل الأوثان بدين آبائهم (فأخذ رسول الله ﷺ الجزية من أكيدر دومة)، وهو رجل يقال من غسان أو من كندة (وأخذ رسول الله ﷺ الجزية من ذمة أهل اليمن وعامتهم عرب ومن أهل نجران، وفيهم عرب) فدل ذلك على ما وصفت من أن الإسلام لم يكن وهم أهل أوثان بل دائنين دين أهل الكتاب مخالفين دين أهل الأوثان وكان في هذا دليل على أن الجزية ليست على النسب إنما هي على الدين وكان أهل الكتاب المشهور عند العامة أهل التوراة من اليهود والإنجيل من النصارى وكانوا من بني إسرائيل وأحطنا بأن الله عز وجل أنزل كتبا غير التوراة والإنجيل والفرقان قال الله عز وجل: {أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى} فأخبر أن لإبراهيم صحفا وقال: تبارك وتعالى {وإنه لفي زبر الأولين}.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: فكانت المجوس يدينون غير دين أهل الأوثان ويخالفون أهل الكتاب من اليهود والنصارى في بعض دينهم وكان أهل الكتاب اليهود والنصارى يختلفون في بعض دينهم وكان المجوس بطرف من الأرض لا يعرف السلف من أهل الحجاز من دينهم ما يعرفون من دين النصارى واليهود حتى عرفوه وكانوا والله تعالى أعلم أهل كتاب يجمعهم اسم أنهم أهل كتاب مع اليهود والنصارى. أخبرنا ابن عيينة عن أبي سعد سعيد بن المرزبان عن نصر بن عاصم قال: قال فروة بن نوفل الأشجعي علام تؤخذ الجزية من المجوس وليسوا بأهل كتاب؟ فقام إليه المستورد فأخذ بلبه وقال: يا عدو الله تطعن على أبي بكر وعلى أمير المؤمنين يعني عليا، وقد أخذوا منهم الجزية فذهب به إلى القصر فخرج علي عليهما فقال: ألبدا فجلسا في ظل القصر فقال: علي رضي الله تعالى عنه أنا أعلم الناس بالمجوس كان لهم علم يعلمونه وكتاب يدرسونه، وإنما ملكهم سكر فوقع على ابنته، أو أخته فاطلع عليه بعض أهل مملكته فلما صحا خاف أن يقيموا عليه الحد فامتنع منهم فدعا أهل مملكته فلما أتوه قال: تعلمون دينا خيرا من دين آدم؟ وقد كان آدم ينكح بنيه بناته وأنا على دين آدم ما يرغب بكم عن دينه؟ فتابعوه وقاتلوا الذين خالفوه حتى قتلوهم فأصبحوا، وقد أسرى على كتابهم فرفع من بين أظهرهم وذهب العلم الذي في صدورهم فهم أهل كتاب، وقد أخذ رسول الله ﷺ وأبو بكر وعمر منهم الجزية.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وما روي عن علي من هذا دليل على ما وصفت أن المجوس أهل كتاب ودليل أن عليا كرم الله وجهه ما خبر أن رسول الله ﷺ يأخذ الجزية منهم إلا وهم أهل كتاب، ولا من بعده، فلو كان يجوز أخذ الجزية من غير أهل الكتاب لقال: علي الجزية تؤخذ منهم كانوا أهل كتاب، أو لم يكونوا أهله، ولم أعلم ممن سلف من المسلمين أحدا أجاز أن تؤخذ الجزية من غير أهل الكتاب أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو أنه سمع بجالة يقول: ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله ﷺ أخذها من مجوس أهل هجر.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وحديث بجالة متصل ثابت؛ لأنه أدرك عمر وكان رجلا في زمانه كاتبا لعماله وحديث نصر بن عاصم عن علي عن النبي ﷺ متصل وبه يأخذ، وقد روي من حديث الحجاز حديثان منقطعان بأخذ الجزية من المجوس أخبرنا مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عمر بن الخطاب ذكر له المجوس فقال: ما أدري كيف أصنع في أمرهم فقال: له عبد الرحمن بن عوف أشهد لسمعت رسول الله ﷺ يقول (سنوا بهم سنة أهل الكتاب).
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: إن كان ثابتا فنفتي في أخذ الجزية؛ لأنهم أهل كتاب لا أنه يقال إذا قال (سنوا بهم سنة أهل الكتاب) والله تعالى أعلم في أن تنكح نساؤهم وتؤكل ذبائحهم قال: ولو أراد جميع المشركين غير أهل الكتاب لقال والله تعالى أعلم سنوا بجميع المشركين سنة أهل الكتاب، ولكن لما قال: سنوا بهم، فقد خصهم، وإذا خصهم فغيرهم مخالف، ولا يخالفهم إلا غير أهل الكتاب أخبرنا مالك عن ابن شهاب أنه بلغه (أن رسول الله ﷺ أخذ الجزية من مجوس البحرين) وأن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه أخذها من البربر.
[قال الشافعي]: رحمه الله ولا يجوز أن يسأل عمر عن المجوس ويقول ما أدري كيف أصنع بهم، وهو يجوز عنده أن تؤخذ الجزية من جميع المشركين لا يسأل عما يعلم أنه جائز له، ولكنه سأل عن المجوس إذ لم يعرف من كتابهم ما عرف من كتاب اليهود والنصارى حتى أخبر عن النبي ﷺ بأخذه الجزية وأمره بأخذ الجزية منهم فيتبعه، وفي كل ما حكيت ما يدل على أنه لا يسعه أخذ الجزية من غير أهل الكتاب.