من ليس للإمام أن يغزو به بحال |
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: غزا رسول الله ﷺ فغزا معه بعض من يعرف نفاقه فانخزل يوم أحد عنه بثلثمائة ثم شهدوا معه يوم الخندق فتكلموا بما حكى الله عز وجل من قولهم {ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا} ثم غزا النبي ﷺ بني المصطلق فشهدها معه عدد فتكلموا بما حكى الله تعالى من قولهم {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل} وغير ذلك مما حكى الله عز وجل من نفاقهم ثم غزا غزوة تبوك فشهدها معه قوم منهم نفروا به ليلة العقبة ليقتلوه فوقاه الله عز وجل شرهم وتخلف آخرون منهم فيمن بحضرته ثم أنزل الله عز وجل في غزاة تبوك أو منصرفه عنها، ولم يكن في تبوك قتال من أخبارهم فقال {ولو أرادوا الخروج لاعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين}.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: فأظهر الله عز وجل لرسوله ﷺ أسرارهم وخبر السماعين لهم وابتغاءهم أن يفتنوا من معه بالكذب والإرجاف والتخذيل لهم فأخبره أنه كره انبعاثهم فثبطهم إذ كانوا على هذه النية كان فيها ما دل على أن الله عز وجل أمر أن يمنع من عرف بما عرفوا به من أن يغزو مع المسلمين؛ لأنه ضرر عليهم ثم زاد في تأكيد بيان ذلك بقوله {فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله} قرأ الربيع إلى الخالفين.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: فمن شهر بمثل ما وصف الله تعالى المنافقين لم يحل للإمام أن يدعه يغزو معه، ولم يكن لو غزا معه أن يسهم له، ولا يرضخ؛ لأنه ممن منع الله عز وجل أن يغزو مع المسلمين لطلبته فتنتهم وتخذيله إياهم وأن فيهم من يستمع له بالغفلة والقرابة والصداقة وأن هذا قد يكون أضر عليهم من كثير من عدوهم. [قال]: ولما نزل هذا على رسول الله ﷺ لم يكن ليخرج بهم أبدا، وإذا حرم الله عز وجل أن يخرج بهم فلا سهم لهم لو شهدوا القتال، ولا رضخ، ولا شيء؛ لأنه لم يحرم أن يخرج بأحد غيرهم فأما من كان على غير ما وصف الله عز وجل من هؤلاء أو بعضه، ولم يكن يحمد حاله أو ظن ذلك به، وهو ممن لا يطاع ولا يضر ما وصف الله تعالى عن هؤلاء الذين وصف الله عز وجل بشيء من أحكام الإسلام إلا ما منعه الله عز وجل لأن رسول الله ﷺ أقرهم على أحكام الإسلام بعد الآية، وإنما منعوا الغزو مع المسلمين للمعنى الذي وصف الله عز وجل من ضررهم وصلاة النبي ﷺ لم يمنع رسول الله ﷺ أحدا أن يصلي عليهم بخلاف صلاته صلاة غيره.
[قال الشافعي]: وإن كان مشرك يغزو مع المسلمين وكان معه في الغزو من يطيعه من مسلم، أو مشرك وكانت عليه دلائل الهزيمة والحرص على غلبة المسلمين وتفريق جماعتهم لم يجز أن يغزو به، وإن غزا به لم يرضخ له؛ لأن هذا إذا كان في المنافقين مع استتارهم بالإسلام كان في المكتشفين في الشرك مثله فيهم، أو أكثر إذا كانت أفعالهم كأفعالهم، أو أكثر، ومن كان من المشركين على خلاف هذه الصفة فكانت فيه منفعة للمسلمين بدلالة على عورة عدو، أو طريق، أو ضيعة، أو نصيحة للمسلمين فلا بأس أن يغزى به وأحب إلي أن لا يعطى من الفيء شيئا ويستأجر إجارة من مال لا مالك له بعينه، وهو غير سهم النبي ﷺ فإن أغفل ذلك أعطي من سهم النبي ﷺ (ورد النبي ﷺ يوم بدر مشركا) قيل نعيم فأسلم ولعله رده رجاء إسلامه وذلك واسع للإمام أن يرد المشرك فيمنعه الغزو ويأذن له، وكذلك الضعيف من المسلمين. ويأذن له ورد النبي ﷺ من جهة إباحة الرد والدليل على ذلك والله أعلم أنه قد غزا بيهود بني قينقاع بعد بدر وشهد صفوان بن أمية معه حنينا بعد الفتح وصفوان مشرك. [قال]: ونساء المشركين في هذا وصبيانهم كرجالهم لا يحرم أن يشهدوا القتال وأحب إلي لو لم يعطوا، وإن شهدوا القتال فلا يبين أن يرضخ لهم إلا أن تكون منهم منفعة للمسلمين فيرضخ لهم بشيء ليس كما يرضخ لعبد مسلم أو لامرأة، ولا صبي مسلمين وأحب إلي لو لم يشهدوا الحرب إن لم تكن بهم منفعة؛ لأنا إنما أجزنا شهود النساء مع المسلمين والصبيان في الحرب رجاء النصرة بهم لما أوجب الله تعالى لأهل الإيمان وليس ذلك في المشركين.