مسألة إعطاء الجزية على سكنى بلد ودخوله |
[قال الشافعي]: قال الله تبارك وتعالى {إنما المشركون نجس} الآية قال فسمعت بعض أهل العلم يقول المسجد الحرام الحرم.
[قال الشافعي]: وبلغني أن رسول الله ﷺ قال: (لا ينبغي لمسلم أن يؤدي الخراج، ولا لمشرك أن يدخل الحرم) قال: وسمعت عددا من أهل العلم بالمغازي يروون أنه كان في رسالة النبي ﷺ (لا يجتمع مسلم ومشرك في الحرم بعد عامهم هذا) فإن سأل أحد ممن تؤخذ منه الجزية أن يعطيها ويجري عليه الحكم على أن يترك يدخل الحرم بحال فليس للإمام أن يقبل منه على ذلك شيئا، ولا أن يدع مشركا يطأ الحرم بحال من الحالات طبيبا كان أو صانعا بنيانا، أو غيره لتحريم الله عز وجل دخول المشركين المسجد الحرام وبعده تحريم رسوله ذلك وإن سأل من تؤخذ منه الجزية أن يعطيها ويجري عليه الحكم على أن يسكن الحجاز لم يكن ذلك له والحجاز مكة والمدينة واليمامة ومخالفيها كلها؛ لأن تركهم بسكنى الحجاز منسوخ، وقد كان النبي ﷺ استثنى على أهل خيبر حين عاملهم فقال: (أقركم ما أقركم الله) ثم أمر رسول الله ﷺ بإجلائهم من الحجاز، ولا يجوز صلح ذمي على أن يسكن الحجاز بحال.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وأحب إلي أن لا يدخل الحجاز مشرك بحال لما وصفت من أمر النبي ﷺ.
قال: ولا يبين لي أن يحرم أن يمر ذمي بالحجاز مارا لا يقيم ببلد منها أكثر من ثلاث ليال وذلك مقام مسافر؛ لأنه قد يحتمل أمر النبي ﷺ بإجلائهم عنها أن لا يسكنوها ويحتمل لو ثبت عنه (لا يبقين دينان بأرض العرب) لا يبقين دينان مقيمان، ولولا أن عمر ولى الخراج أهل الذمة لما ثبت عنده من أن أمر رسول الله ﷺ محتمل ما رأى عمر من أن أجل من قدم من أهل الذمة تاجرا ثلاث لا يقيم فيها بعد ذلك لرأيت أن لا يصالحوا بدخولها بكل حال.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ولا يتخذ ذمي شيئا من الحجاز دارا، ولا يصالح على دخولها إلا مجتازا إن صولح أخبرنا يحيى بن سليم عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: فإذا أذن لهم أن يدخلوا الحجاز فذهب لهم بها مال، أو عرض بها شغل قيل لهم: وكلوا بها من شئتم من المسلمين وأخرجوا، ولا يقيمون بها أكثر من ثلاث، وأما مكة فلا يدخل الحرم أحد منهم بحال أبدا كان لهم بها مال، أو لم يكن، وإن غفل عن رجل منهم فدخلها فمرض أخرج مريضا، أو مات أخرج ميتا، ولم يدفن بها وإن مات منهم ميت بغير مكة دفن حيث يموت، أو مرض فكان لا يطيق أن يحمل إلا بتلف عليه، أو زيادة في مرضه ترك حتى يطيق الحمل ثم يحمل قال، وإن صالح الإمام أحدا من أهل الذمة على شيء يأخذه في السنة منهم مما قلت لا يجوز الصلح عليه على أن يدفعوا إليه شيئا فيقبض ما حل عليهم فلا يرد منه شيئا؛ لأنه قد وفى له بما كان بينه وبينه، وإن علم بعد مضي نصف السنة نبذه إليهم مكانه وأعلم أن صلحهم لا يجوز وقال: إن رضيتم صلحا يجوز جددته لكم، وإن لم ترضوه أخذت منكم ما وجب عليكم، وهو نصف ما صالحتكم عليه في السنة؛ لأنه قد تم لكم ونبذت إليكم، وإن كانوا صالحوا على أن سلفوه شيئا لسنتين رد عليهم ما صالحوه عليه إلا قدر ما استحق بمقامهم ونبذ إليهم، ولم أعلم أحدا أجلى أحدا من أهل الذمة من اليمن وقد كانت بها ذمة وليست بحجاز فلا يجليهم أحد من اليمن، ولا بأس أن يصالحهم على مقامهم باليمن. فأما سائر البلدان ما خلا الحجاز فلا بأس أن يصالحوا على المقام بها، فإذا وقع لذمي حق بالحجاز وكل به، ولم أحب أن يدخلها بحال، ولا يدخلها لمنفعة لأهلها، ولا غير ذلك من أسباب الدخول كتجارة يعطي منها شيئا، ولا كراء يكريه مسلم، ولا غيره فإن أمر بإجلائه من موضع، فقد يمنع من الموضع الذي أجلي منه، وهذا إذا فعل فليس في النفس منه شيء، وإذا كان هذا هكذا فلا يتبين أن يمنعوا ركوب بحر الحجاز ويمنعون المقام في سواحله، وكذلك إن كانت في بحر الحجاز جزائر وجبال تسكن منعوا سكناها؛ لأنها من أرض الحجاز، وإذا دخل الحجاز منهم رجل في هذه الحالة فإن كان تقدم إليه أدب وأخرج، وإن لم يكن تقدم إليه لم يؤدب وأخرج، وإن عاد أدب، وإن مات منهم ميت في هذه الحال بمكة أخرج منها وأخرج من الحرم فدفن في الحل، ولا يدفن في الحرم بحال؛ لأن الله عز وجل قضى أن لا يقرب مشرك المسجد الحرام، ولو أنتن أخرج من الحرم ولو دفن بها نبش ما لم ينقطع، وإن مات بالحجاز دفن بها، وإن مرض في الحرم أخرج فإن مرض بالحجاز يمهل بالإخراج حتى يكون محتملا للسفر فإن احتمله أخرج قال: وقد وصفت مقدمهم بالتجارات بالحجاز فيما يؤخذ منهم وأسأل الله التوفيق وأحب إلي أن لا يتركوا بالحجاز بحال لتجارة ولا غيرها.