→ جماع الصلح في المؤمنات | كتاب الأم - كتاب الجزية المؤلف: الشافعي |
إذا أراد الإمام أن يكتب كتاب صلح على الجزية كتب: بسم الله الرحمن الرحيم ← |
تفريع أمر نساء المهادنين |
[أخبرنا الربيع] قال: [قال الشافعي] رحمه الله تعالى: إذا جاءت المرأة الحرة من نساء أهل الهدنة مسلمة مهاجرة من دار الحرب إلى موضع الإمام من دار الإسلام أو دار الحرب فمن طلبها من ولي سوى زوجها منع منها بلا عوض، وإذا طلبها زوجها بنفسه أو طلبها غيره بوكالته منعها، وفيها قولان أحدهما يعطى العوض والعوض ما قال الله عز وجل: {فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا}.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ومثل ما أنفقوا يحتمل والله تعالى أعلم ما دفعوا بالصداق لا النفقة غيره، ولا الصداق كله إن كانوا لم يدفعوه.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: فإذا جاءت امرأة رجل قد نكحها بمائتين فأعطاها مائة ردت إليه مائة، وإن نكحها بمائة فأعطاها خمسين ردت إليه خمسون؛ لأنها لم تأخذ منه من الصداق إلا خمسين، وإن نكحها بمائة، ولم يعطها شيئا من الصداق لم ترد إليه شيئا؛ لأنه لم ينفق بالصداق شيئا، ولو أنفق من عرس وهدية وكرامة لم يعط من ذلك شيئا لأنه تطوع به، ولا ينظر في ذلك إلى مهر مثلها إن كان زادها عليه، أو نقصها منه؛ لأن الله عز وجل أمر بأن يعطوا مثل ما أنفقوا ويعطي الزوج هذا الصداق من سهم النبي ﷺ من الفيء والغنيمة دون ما سواه من المال؛ لأن رسول الله ﷺ قال: (ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم) يعني والله تعالى أعلم في مصلحتكم وبأن الأنفال كانت تكون عنه، وأن عمر روى أن (النبي ﷺ كان يجعل فضل ماله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله).
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: فإن ادعى الزوج صداقا وأنكره الإمام، أو جهله، فإن جاء الزوج بشاهدين من المسلمين أو شاهد حلف معه أعطاه، وإن لم يجد شاهدا إلا مشركا لم يعطه بشهادة مشرك وينبغي للإمام أن يسأل المرأة فإن أخبرته شيئا وأنكر الزوج، أو صدقته لم يقبله الإمام وكان على الإمام أن يسأل عن مهر مثلها في ناحيتها ويحلفه بأنه دفعه ثم يدفعه إليه وقل قوم إلا ومهورهم معروفة ممن معهم من المسلمين الأسرى والمستأمنين، أو الحاضرين لهم، أو المصالح عليهم لم يكن معهم مسلمون منها.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإن أعطاه المهر على واحد من هذه المعاني بلا بينة ثم أقام عنده شاهدا أنه أكثر مما أعطاه رجع عليه بالفضل الذي شهدت له به البينة، ولو أعطاه بهذه المعاني، أو ببينة ثم أقر عنده أنه أقل مما أعطاه رجع عليه بالفضل وحبسه فيه ولم يكن هذا نقضا لعهده، وإن لم يقدم زوجها، ولا رسوله بطلبها حتى مات فليس لورثته فيما أنفق من صداقها شيء؛ لأنه لو كان حيا فلم يطلبه إياه، وإنما جعل له ما أنفق إذا منع ردها إليه، وهو لا يقال له ممنوع ردها إليه حتى يطلبها فيمنع ردها إليه. وإن قدم في طلبها فلم يطلبها إلى الإمام حتى مات كان هكذا، وكذلك لو لم يطلبها إلى الإمام حتى طلقها ثلاثا، أو ملكها أن تطلق نفسها ثلاثا فطلقت نفسها ثلاثا، أو تطليقة لم يبق له عليها من الطلاق غيرها لم يكن له عوض؛ لأنه قد قطع حقه فيها حتى لو أسلم وهي في عدة لم تكن له زوجة فلا يرد إليه المهر من امرأة قد قطع حقه فيها بكل حال، وكذلك لو خالعها قبل أن يرتفع إلى الإمام؛ لأنه لو أسلم ثبت الخلع وكانت بائنا منه لا يعطى من نفقته شيء من امرأة قطع أن تكون زوجة له بحال، ولو طلقها واحدة يملك الرجعة ثم طلب العوض لم نعطه حتى يراجعها فإن راجعها في العدة من يوم طلقها ثم طلبها أعطي العوض؛ لأنه لم يقطع حقه في العوض لا يكون قطعه حقه في العوض إلا بأن يحدث طلاقا لو كانت ساعتها تلك أسلمت وأسلم لم يكن له عليها رجعة، ولو كانت المرأة قدمت غير مسلمة كان هذا هكذا. قال: ولو قدمت مسلمة وجاء زوجها فلم يطلبها حتى ماتت لم يكن له عوض؛ لأنه إنما يعاوض بأن يمنعها وهي بحضرة الإمام، ولو كانت المسألة بحالها فلم تمت، ولكن غلبت على عقلها كان لزوجها العوض، ولو قدم الزوج مسلما وهي في العدة كان أحق بها، ولو قدم يطلبها مشركا ثم أسلم قبل أن تنقضي عدتها كانت زوجته ورجع عليه بالعوض فأخذ منه إن كان أخذه، ولو طلب العوض فأعطيه ثم لم يسلم حتى تنقضي عدتها ثم أسلم فله العوض؛ لأنها قد بانت منه بالإسلام في ملك النكاح، ولو نكحها بعد لم نرجع عليه بالعوض؛ لأنه إنما ملكها بعقد غيره؛ وإن قدمت امرأة من بلاد الإسلام، أو غيرها حيث ينفذ أمر الإمام ثم جاء زوجها يطلبها إلى الإمام لم يعط عوضا؛ لأنها لم تقدم عليه وواجب على كل من كانت بين ظهرانيه من المسلمين أن يمنعها زوجها ومتى ما صارت إلى دار الإمام فمنعها منه فله العوض ومتى طلبها زوجها وهي في دار الإمام فجاء زوجها فلم يرفعها إلى الإمام حتى تنحت عن دار الإمام لم يكن له عوض؛ لأنه يكون له العوض بأن تقيم في دار الإمام، ومتى طلبها بعد مدتها، أو مغيبها عن دار الإمام فلا عوض له. ولو قدمت مسلمة ثم ارتدت استتيبت فإن تابت وإلا قتلت فإن قدم زوجها بعد القتل، فقد فاتت، ولا عوض، وإن قدم قبل أن ترتد فارتدت وطلبها لم يعطها وأعطي العوض واستتيبت فإن تابت وإلا قتلت، وإن قدم وهي مرتدة قبل أن تقتل فطلبها أعطي العوض وقتلت مكانها، ومتى طلبها، فقد استوجب العوض؛ لأن على الإمام منعه منها، وإن قدمت وطلبها الزوج ثم قتلها رجل فعليه القصاص أو العقل ولزوجها العوض، وكذلك لو قدم، وفيها الحياة لم تمت، وإن كان يرى أنها في آخر رمق؛ لأنه يمنعها في هذه الأحوال إلا أن تكون جنى عليها جناية فصارت في حال لا تعيش فيها إلا كما تعيش الذبيحة فهي في حال الميتة فلا يعطى فيها عوضا، وإذا كان على الإمام منعه إياها في هذه الأحوال بأن تكون في حكم الحياة كان له العوض، ولا يستوجب العوض بحال إلا أن يطلبها إلى الإمام، أو وال يخلفه ببلده فإن طلبها إلى من دون الإمام من عامة، أو خاصة الإمام، أو وال ممن لم يوله الإمام هذا فهذا لا يكون له به العوض، ومتى وصل إلى الإمام طلبه بها، وإن لم يصل إليه فله العوض، وإن ماتت قبل أن تصل إلى الإمام ثم طلبها إليه فلا عوض له، وإن كانت القادمة مملوكة متزوجة رجلا حرا أو مملوكا أمر الإمام باختيار فراق الزوج إن كان مملوكا، وإن كان حرا فطلبها، أو مملوكا فلم تختر فراقه حتى قدم مسلما فهي على النكاح، وإن قدم كافرا فطلبها فمن قال: تعتق، ولا عوض لمولاها؛ لأنها ليست منهم فلا عوض لمولاها، ولا لزوجها كما لا يكون لزوج المرأة المأسورة فيهم من غيرهم عوض، ومن قال تعتق ويرد الإمام على سيدها قيمتها فلزوجها العوض إذا كان حرا، وإن كان مملوكا فلا عوض له إلا أن يجتمع طلبه وطلب السيد فيطلب هو امرأته بعقد النكاح والسيد المال مع طلبه، فإن انفرد أحدهما دون الآخر فلا عوض له. وإن كان هذا بيننا وبين أحد من أهل الكتاب فجاءتنا امرأة رجل منهم مشركة، أو امرأة غير كتابي، وهذا العقد بيننا وبينه فطلبها زوجها لم يكن لنا منعه منها إذا كان الزوج القادم أو محرما لها بوكالته إذا سألت ذلك، وإن كان الزوج القادم فطلبها زوجها وأسلمت أعطيناه العوض، وإن لم تسلم دفعناها إليه، ولو خرجت امرأة رجل منهم معتوهة منعنا زوجها منها حتى يذهب عنها، فإذا ذهب فإن قالت خرجت مسلمة وأنا أعقل ثم عرض لي، فقد وجب له العوض، وإن قالت خرجت معتوهة ثم ذهب هذا عني فأنا أسلم منعناها منه، وإن طلبها يومئذ أعطيناه العوض، وإن لم يطلبها فلا عوض له.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإن خرجت إلينا منهم زوجة رجل لم تبلغ، وإن عقلت فوصفت الإسلام منعناها منه بصفة الإسلام، ولا يعطى حتى تبلغ، فإذا بلغت وثبتت على الإسلام أعطيناه العوض إذا طلبها بعد بلوغها وثبوتها على الإسلام فإن لم يطلبها بعد ذلك لم يكن له عوض من قبل أنه لا يكمل إسلامها حتى تقتل على الردة إلا بعد البلوغ، ولو جاءتنا جارية لم تبلغ فوصفت الإسلام وجاء زوجها وطلبها فمنعناه منها فبلغت، ولم تصف الإسلام بعد البلوغ فتكون من الذين أمرنا إذا علمنا إيمانهن أن لا ندفعهن إلى أزواجهن فمتى وصفت الإسلام بعد وصفها الإسلام والبلوغ لم يكن له عوض، وكذلك إن بلغت معتوهة لم يكن له عوض. والقول الثاني: أن له العوض في كل حال منعناها منه بصفة الإسلام، وإن كانت صبية، وإذا جاء زوج المرأة يطلبها فلم يرتفع إلى الإمام حتى أسلم، وقد خرجت امرأته من العدة لم يكن له عوض، ولا على امرأته سبيل؛ لأنه لا يمنع من امرأته إذا أسلم إلا بانقضاء عدتها، ولو كانت في عدتها كانا على النكاح، وإنما يعطي العوض من يمنع امرأته، ولو قدم وهي في العدة ثم أسلم ثم طلبها إلى الإمام خلى بينه وبينها فإن لم يطلبها حتى ارتدت بعد إسلامه ثم طلب العوض لم يكن له؛ لأنه لما أسلم صار ممن لا يمنع امرأته فلا يكون له عوض؛ لأني أمنعها منه بالردة، فإن لحق بدار الحرب مرتدا فسأل العوض لم يعطه لما وصفت، ولو قدمت مسلمة ثم ارتدت ثم طلب منها الإسلام الأول ويمنع منها بالردة، وإن رجعت إلى الإسلام وهي في العدة فهو أحق بها وإن رجعت بعد مضي العدة والعصمة منقطعة بينهما فلا عوض وكل ما وصفت فيه العوض في قول من رأى أن يعطي العوض، وفيه قول ثان لا يعطى الزوج المشرك الذي جاءت زوجته مسلمة العوض، ولو شرط الإمام برد النساء كان الشرط منتقضا ومن قال هذا قال: إن (شرط رسول الله ﷺ لأهل الحديبية إذ دخل فيه أن يرد من جاءه منهم) وكان النساء منهم كان شرطا صحيحا فنسخه الله ثم رسوله لأهل الحديبية ورد عليهم فيما نسخ منه العوض ولما قضى الله ثم رسوله ﷺ أن لا ترد النساء لم يكن لأحد ردهن، ولا عليه عوض فيهن؛ لأن شرط من شرط رد النساء بعد نسخ الله عز وجل ثم رسوله لها باطل، ولا يعطى بالشرط الباطل شيء.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ومن قال: هذا لم يرد مملوكا بحال، ولا يعطيهم فيه عوضا وأشبههما أن لا يعطوا عوضا والآخر كما وصفت يعطون فيه العوض، ومن قال: هذا لا نرد إلى أزواج المشركين عوضا لم يأخذ للمسلمين فيما فات من أزواجهم عوضا، وليس لأحد أن يعقد هذا العقد إلا الخليفة، أو رجل بأمر الخليفة؛ لأنه يلي الأموال كلها فمن عقده غير خليفة فعقده مردود، وإن جاءت فيه امرأة، أو رجل لم يرد للمشركين، ولم يعطوا عوضا ونبذ إليهم، وإذا عقد الخليفة فمات، أو عزل واستخلف غيره فعليه أن يفي لهم بما عقد لهم الخليفة قبله، وكذلك على والي الأمر بعده إنفاذه إلى انقضاء المدة فإن انقضت المدة فمن قدم من رجل، أو امرأة لم يرده، ولم يعط عوضا وكانوا كأهل دار الحرب قدم علينا نساؤهم ورجالهم مسلمين فنقبلهم، ولا نعطي أحدا عوضا من امرأته في قول من أعطى العوض. فإن هادناهم على الترك سنة فقدمت علينا امرأة رجل منهم وكان الذين هادنونا من أهل الكتاب أو ممن دان دينهم قبل نزول الفرقان وأسلموا في دارهم أو أعطوا الجزية ثم جاءونا يطلبون رجالهم ونساءهم قيل: قد انقضت الهدنة وخير لكم دخولكم في الإسلام وهؤلاء رجالكم فإن أحبوا رجعوا، وإن أحبوا أقاموا، وإن أحبوا انصرفوا، ولو نقضوا العهد بيننا وبينهم لم يعطوا عوضا من امرأة رجل منهم، ولم يرد إليهم منهم مسلم وهكذا لو هادنا قوما هكذا وأتانا رجالهم فخلينا بين أوليائهم وبينهم ثم نقضوا العهد كان لنا إخراجهم من أيديهم وعلينا طلبهم حتى نخرجهم من أيديهم؛ لأنهم تركوا العهد بيننا وبينهم وسقط الشر. وهكذا لو هادنا من لا تؤخذ منه الجزية في كل ما وصفته إلا أنه ليس لنا أن نأخذ الجزية، وإذا هادنا قوما رددنا إليهم ما فات إلينا من بهائم أموالهم وأمتعتهم؛ لأنه ليس في البهائم حرمة يمنعن بها من أن نصيرها إلى مشرك، وكذلك المتاع، وإن صارت في يد بعضنا فعليه أن يصيرها إليهم، ولو استمتع بها واستهلكها كان كالغصب يلزمه لهم ما يلزم الغاصب من كراء إن كان لها وقيمة ما هلك منها في أكثر ما كانت قيمته.