الرئيسيةبحث

كتاب الأم/كتاب الأطعمة/جماع ما يحل من الطعام والشراب ويحرم

جماع ما يحل من الطعام والشراب ويحرم

[قال الشافعي]: رحمه الله: أصل المأكول والمشروب إذا لم يكن لمالك من الآدميين. أو أحله مالكه من الآدميين، حلال إلا ما حرم الله عز وجل في كتابه، أو على لسان نبيه ﷺ. فإن ما حرم رسول الله ﷺ لزم في كتاب الله عز وجل، أن يحرم ويحرم ما لم يختلف المسلمون في تحريمه، وكان في معنى كتاب أو سنة أو إجماع، فإن قال قائل: فما الحجة في أن كل ما كان مباح الأصل يحرم بمالكه حتى يأذن فيه مالكه؟ فالحجة فيه أن الله عز وجل قال {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} وقال تبارك وتعالى {وآتوا اليتامى أموالهم} الآية. وقال {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} إلى قوله {هنيئا مريئا} مع آي كثيرة في كتاب الله عز وجل، حظر فيها أموال الناس إلا بطيب أنفسهم، إلا بما فرض في كتاب الله عز وجل ثم سنة نبيه ﷺ وجاءت به حجة.

قال: أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي ﷺ أنه قال (لا يحلبن أحدكم ماشية أخيه بغير إذنه، أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر؟) فأبان الله في كتابه أن ما كان ملكا لآدمي لم يحل بحال إلا بإذنه. وأبانه رسول الله ﷺ فجعل الحلال حلالا بوجه، حراما بوجه آخر، وأبانته السنة، فإذا منع الله عز وجل مال المرأة إلا بطيب نفسها، واسم المال يقع على القليل والكثير، ففي ذلك معنى سنة رسول الله ﷺ في اللبن الذي تخف مؤنته على مالكه، ويستخلف في اليوم مرة أو مرتين، فحرم الأقل إلا بإذن مالكه كان الأكثر مثل الأقل أو أعظم تحريما بقدر عظمه، على ما هو أصغر منه من مال المسلم. ومثل هذا ما فرض الله عز وجل من المواريث بعد موت مالك المال، فلما لم يكن لقريب أن يرث المال الذي قد صار مالكه غير مالك إلا بما ملك، كان لان يأخذ مال حي بغير طيب نفسه، أو ميت بغير ما جعل الله له، أبعد.

[قال الشافعي]: فالأموال محرمة بمالكها، ممنوعة إلا بما فرض الله عز وجل في كتابه، وبينه على لسان نبيه ﷺ وبسنة رسوله، فلزم خلقه بفرضه، طاعة رسوله ﷺ فإنه يجمع معنيين مما لله عز وجل، طاعة بما أوجب في أموال الأحرار المسلمين، طابت أنفسهم بذلك أو لم تطب، من الزكاة وما لزمهم بإحداثهم وإحداث غيرهم ممن سن رسول الله ﷺ على من سن منهم أخذه من أموالهم، والمعنى الثاني يبين أن ما أمر به رسول الله ﷺ فلازم بفرض الله عز وجل فذلك مثل الدية على قاتل الخطأ، فيكون على عاقلته الدية وإن لم تطب بها أنفسهم، وغير ذلك مما هو موضوع في مواضعه من الزكاة والديات، ولولا الاستغناء بعلم العامة بما وصفنا في هذا لاوضحنا من تفسيره أكثر مما كتبنا إن شاء الله تعالى، فمن أمر لرجل بزرع أو تمر أو ماشية أو غير ذلك من ماله، لم يكن له أخذ شيء منه إلا بإذنه، لأن هذا مما لم يأت فيه كتاب ولا سنة ثابتة بإباحته، فهو ممنوع بمالكه إلا بإذنه، والله أعلم، وقد قيل من مر بحائط، فله أن يأكل، ولا يتخذ خبنة، وروي فيه حديث، لو كان يثبت مثله عندنا، لم نخالفه. والكتاب والحديث الثابت، أنه لا يجوز أكل مال أحد إلا بإذنه. ولو اضطر رجل فخاف الموت ثم مر بطعام لرجل، لم أر بأسا أن يأكل منه، ما يرد من جوعه، ويغرم له ثمنه، ولم أر للرجل أن يمنعه في تلك الحال، فضلا من طعام عنده، وخفت أن يضيق ذلك عليه، ويكون أعان على قتله، إذا خاف عليه بالمنع القتل.