☰ جدول المحتويات
مجاهدة النفس
في هؤلاء من قويت مجاهدته مدة ثم ضعفت فدعته نفسه إلى الفاحشة فامتنع حينئذ من صحبة المرد
أخبرتنا شهدة الكاتبة عن عمر بن يوسف الباقلاني قال: قال أبو حمزة قلت لمحمد بن العلاء الدمشقي وكان سيد الصوفية وقد رأيته يماشي غلاما وضيئا مدة ثم فارقه فقلت له لم هجرت ذلك الفتى الذي كنت أراه معك بعد أن كنت له مواصلا وإليه مائلا فقال والله لقد فارقته عن غير قلا ولا ملل قلت ولم فعلت ذلك؟ قال: رأيت قلبي يدعوني إلى أمر إذا خلوت به وقرب مني لو أتيته سقطت من عين الله تعالى فهجرته لذلك تنزيها لله تعالى ولنفسي من مصارع الفتن
التوبة وإطالة البكاء
ومنهم من تاب وأطال البكاء عن إطلاق نظرة أخبرنا المحمدان بن ناصر وابن عبد الباقي بإسناد عن عبيد الله قال سمعت أخي أبا عبد الله محمد بن محمد يقول: سمعت خيرا النساج يقول: كنت مع أمية بن الصامت الصوفي إذ نظر إلى غلام فقرأ: { وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير } ثم قال: وأين الفرار من سجن الله وقد حصنه بملائكة غلاظ شداد تبارك الله فما أعظم ما امتحنني به من نظري إلى هذا الغلام ما شبهت نظري إليه إلا بنار وقعت على قصب في يوم ريح فما أبقت ولا تركت ثم قال: أستغفر الله من بلاء جنته عيناي على قلبي لقد خفت ألا أنجو من معرته ولا أتخلص من اثمه ولو وافيت القيامة بعمل سبعين صديقا ثم بكى حتى كاد يقضي نحبه فسمعته يقول في بكائه يا طرف لأشغلنك بالبكاء عن النظر إلى البلاء
المرض من شدة المحبة
ومنهم من تلاعب به المرض من شدة المحبة أخبرتنا شهدة الكاتبة بإسناد عن أبي حمزة الصوفي قال: كان عبد الله بن موسى من رؤساء الصوفية ووجوههم فنظر إلى غلام حسن في بعض الأسواق فبلى به وكاد يذهب عقله عليه صبابة وحبا وكان يقف كل يوم في طريقه حتى يراه إذا أقبل وإذا انصرف فطال به البلاء وأقعده عن الحركة الضنا وكان لا يقدر أن يمشي خطوة فأتيته يوما لأعوده فقلت يا أبا محمد ما قصتك وما هذا الأمر الذي بلغ بك ما أرى فقال: أمور امتحنني الله بها فلم أصبر على البلاء فيها ولم يكن لي بها طاقة ورب ذنب يستصغره الإنسان هو عند الله أعظم من كبير وحقيق بمن تعرض للنظر الحرام أن تطول به الأسقام ثم بكى قلت ما يبكيك؟ قال أخاف أن يطول في النار شقائي فانصرفت عنه وأنا راحم له لما رأيت به من سوء الحال
قال أبو حمزة ونظر محمد بن عبد الله بن الأشعث الدمشقي وكان من خيار عباد الله إلى غلام جميل فغشي عليه فحمل إلى منزله واعتاده السقم حتى أقعد من رجليه وكان لا يقوم عليهما زمانا طويلا فكنا نأتيه نعوده ونسأله عن حاله وأمره وكان لا يخبرنا بقصته ولا سبب مرضه وكان الناس يتحدثون بحديث نظره فبلغ ذلك الغلام فأتاه عائدا فهش إليه وتحرك وضحك في وجهه واستبشر برؤيته فما زال يعوده حتى قام على رجليه وعاد إلى حالته فسأله الغلام يوما أن يسير معه إلى منزله فأبى أن يفعل ذلك فسألني أن أسأله أن يتحول إليه فسألته فأبى أن يفعل فقلت للشيخ وما الذي تكره من ذلك فقال: لست بمعصوم من البلاء ولا آمن من الفتنة وأخاف أن يقع علي من الشيطان محنة فتجري بيني وبينه معصية فأكون من الخاسرين
قتل النفس خوف الوقوع في الفاحشة
وفيهم من همت نفسه إلى الفاحشة فقتل نفسه حدثني أبو عبد الله الحسين بن محمد الدامغاني قال: كان ببلاد فارس صوفي كبير فابتلي بحدث فلم يملك نفسه إن دعته فاحشة فراقب الله تعالى ثم ندم على هذه الهمة وكان منزله في مكان عال ووراء منزله بحر من الماء فلما أخذته الندامة صعد السطح ورمى نفسه إلى الماء وتلى قوله تعالى: { فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم } فغرق في البحر
قال المصنف رحمه الله: انظر إلى إبليس كيف درج هذا المسكين من رؤية هذا الأمرد وإلى إدمان النظر إليه إلى أن مكن المحبة من قلبه إلى أن حرضه على الفاحشة فلما رأى استعصامه حسن له بالجهل قتل نفسه « ولعله هم بالفاحشة ولم يعزم والهمة معفو عنها لقوله عليه السلام: [ عني لأمتي عما حدثت به نفوسها ] ثم إنه ندم على همته والندم توبة فأراه إبليس أن من تمام الندم قتل نفسه كما فعل بنو إسرائيل فأولئك أمروا بذلك بقوله تعالى: { فاقتلوا أنفسكم } ونحن نهينا عنه بقوله تعالى: { ولا تقتلوا أنفسكم } فلقد أتى بكبيرة عظيمة وفي الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: [ من تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ]
فصل
وفيهم من فرق بينه وبين حبيبه فقتل حبيبه بلغني عن بعض الصوفية أنه كان في رباط عندنا ببغداد ومعه صبي في البيت الذي هو فيه فشنعوا عليه وفرقوا بينهما فدخل الصوفي إلى الصبي ومعه سكين فقتله وجلس عنده يبكي فجاء أهل الرباط فرأوه فسألوه عن الحال فأقر بقتل الصبي فرفعوه إلى صاحب الشرطة فأقر فجاء والد الصبي يبكي فجلس الصوفي يبكي ويقول له بالله عليك إلا ما أقدتني به فقال الآن قد عفوت عنك: فقام الصوفي إلى قبر الصبي فجعل يبكي عليه ثم لم يزل يحج عن الصبي ويهدي له الثواب
مقاربة الفتنة والوقوع فيها
ومن هؤلاء من قارب الفتنة فوقع فيها ولم تنفعه دعوى الصبر والمجاهدة والحديث بإسناد عن إدريس بن إدريس قال: حضرت بمصر قوما من الصوفية ولهم غلام أمرد يغنيهم قال: فغلب على رجل منهم أمره فلم يدر ما يصنع فقال: يا هذا قل لا إله إلا الله فقال الغلام لا إله إلا الله فقال: أقبل الفم الذي قال لا إله إلا الله ( القسم السادس ) قوم لم يقصدوا صحبة المردان وإنما يتوب الصبي ويتزهد ويصحبهم على طريق الإرادة فلبس إبليس عليهم ويقول لا تمنعوه من الخير ثم يتكرر نظرهم إليه لا عن قصد فيثير في القلب الفتنة إلى ان ينال الشيطان منهم قدر ما يمكنه وربما وثقوا بدينهم فاستفزهم الشيطان فرماهم إلى أقصى المعاصي كما فعل ببرصيصا
قال المصنف رحمه الله: وقد ذكرنا قصته في أول الكتاب وغلطهم من جهة تعرضهم بالفتن وصحبة من لا يؤمن الفتنة في صحبته
( القسم السابع ) قوم علموا أن صحبة المردان والنظر إليهم لا يجوز غير أنهم لم يصبروا عن ذلك والحديث بإسناد عن الرازي يقول: قال يوسف بن الحسين: كل ما رأيتموني أفعله فافعلوه إلا صحبة الأحداث فإنها أفتن الفتن ولقد عاهدت ربي أكثر من مائة مرة أن لا أصحب حدثا ففسخها علي حسن الخدود وقوام القدود وغنج العيون وما سألني الله معهم عن معصية وأنشد صريع الغواني في معنى ذلك شعرا:
( إن ورد الخدود والحدق النجل وما في الثغور من أقحوان
واعوجاج الأصداع في ظاهر الخدوما في الصدور من رمان
تركتني بين الغواني صريعا فلهذا أدعى صريع الغواني )
قال المصنف رحمه الله: قلت هذا الرجل قد فضح نفسه في شيء ستره الله عليه وأخبر أنه كلما رأى فتنة نقض التوبة فأين عزائم التصوف في حمل النفس على المشاق ثم ظن بجهله أن المعصية هي الفاحشة فقط ولو كان له علم لعلم أن صحبتهم والنظر إليهم معصية فانظر إلى الجهل كيف يصنع بأربابه
والحديث بإسناد عن محمد بن عمر أنه قال: حكي لي عن أبي مسلم الخمشوعي أنه نظر إلى غلام جميل فأطال ثم قال: سبحان الله ما أهجم طرفي عن مكروه نفسه وأدمنه على سخط سيده وأغراه بما قد نهي عنه وأبهجه بالأمر الذي قد حزر عنه لقد نظرت إلى هذا نظرا لا أحسب إلا أنه سيفضحني عند جميع من عرفني في عرصات القيامة ولقد تركني نظري هذا وأنا أستحي من الله تعالى وإن غفر لي ثم صعق وبإسناد عن أبي بكر محمد بن عبد يقول: سمعت أبا الحسين النوري يقول: رأيت غلاما جميلا ببغداد فنظرت إليه ثم أردت أن أردد النظر فقلت له تلبسون النعال الصرارة وتمشون في الطرقات فقال أحسنت الحشر بالعلم