☰ جدول المحتويات
الباب الثاني: في ذم البدع والمبتدعين
أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن محمد بن الحصين الشيباني قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن علي بن المذهب نا أبو بكر أحمد بن حمدان نا أبو عبد الله بن حنبل قال: أخبرني أبي ثنا يزيد عن إبراهيم بن سعد أخبرني أبي وأخبرنا أبو غالب محمد بن الحسن الماوردي وأبو سعد البغدادي قالا نا المطهر بن عبد الواحد نا أبو جعفر أحمد بن محمد المرزبان نا محمد بن إبراهيم الحروزي ثنا لوين ثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله ﷺ: [ من أحدث في أمرنا ما ليس فيه فهو رد ]
أخبرنا موهوب بن أحمد نا علي بن أحمد البسري ثنا محمد بن عبد الرحمن المخلص ثنا عبد الله بن محمد البغوي ثنا أحمد بن إبراهيم الموصلي وإسحاق بن إبراهيم المروزي قالا ثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت قال رسول الله ﷺ: [ من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ] قال البغوي وحدثنا عبد الأعلى بن حماد ثنا عبد العزيز عن عبد الواحد بن أبي عون عن سعد بن إبراهيم عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال: [ من فعل أمرا ليس عليه أمرنا فهو رد ] أخرجاه في الصحيحين
أخبرنا هبة الله بن محمد نا الحسن بن علي نا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد ثني أبي ثنا هشيم عن حصين بن عبد الرحمن ومغيرة الضبي عن مجاهد عن عبد الله بن عمر عن النبي ﷺ أنه قال: [ من رغب عن سنتي فليس مني ] - انفرد بإخراجه البخاري - أخبرنا ابن الحصين نا ابن المذهب نا أحمد بن جعفر نا عبد الله بن أحمد حدثني أبي ثنا الوليد بن مسلم ثنا ثور بن يزيد ثنا خالد بن معدان حدثني عبد الرحمن بن عمرو السلمي وحجر بن حجر قالا: أتينا العرباض بن سارية وهو ممن نزل فيه: { ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم } فقال عرباض: صلى بنا رسول الله ﷺ الصبح ذات يوم ثم أقبل علينا بوجهه فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا فقال: [ أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدا حبشيا فإنه من يعيش بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ]
قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح أخبرنا ابن الحصين نا ابن المذهب نا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد ثني أبي ثنا عبد الله بن الوليد ثنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل وعن ابن مسعود قال قال رسول الله ﷺ: [ أنا فرطكم على الحوض وليختلجن رجال دوني فأقول يا رب أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ] - أخرجاه في الصحيحين -
أخبرنا محمد بن أبي القاسم نا أحمد بن محمد نا أبو نعيم ثنا أحمد بن إسحاق ثنا عبد الله بن سليمان ثنا محمد بن يحيى ثنا محمد بن كثير عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني عن عبد الله بن محرز قال: يذهب الدين سنة سنة كما يذهب الحبل قوة قوة أخبرنا إسماعيل بن أحمد نا عمر بن عبد الله البقال نا أبو الحسين بن بشران ثنا عثمان بن أحمد الدقاق ثنا حنبل قال: حدثني أبو عبد الله يعني أحمد بن حنبل ثنا عبد الرزاق ثنا معمر قال: كان طاوس جالسا وعنده ابنه فجاء رجل من المعتزلة فتكلم في شيء فأدخل طاوس أصبعيه في أذنيه وقال: يا بني أدخل أصبعك في أذنيك حتى لا تسمع من قوله شيئا فإن هذا القلب ضعيف ثم قال: أي بني أسدد - فما زال يقول أسدد حتى قام الآخر - قال حنبل وحدثنا محمد بن داود ثنا عيسى بن علي الضبي قال: كان رجل معنا يختلف إلى إبراهيم فبلغ إبراهيم أنه قد دخل في الإرجاء فقال له إبراهيم إذا قمت من عندنا فلا تعد قال حنبل وحدثنا محمد بن داود الحدائي قال: قلت لسفيان بن عيينة: إن هذا يتكلم في القدر - يعني إبراهيم بن أبي يحيى - فقال سفيان: عرفوا الناس أمره وسلوا الله لي العافية قال حنبل وحدثنا سعدويه ثنا صالح المري قال: دخل رجل على ابن سيرين وأنا شاهد ففتح بابا من أبواب القدر فتكلم فيه فقال ابن سيرين: إما أن تقوم وإما أن نقوم أخبرنا المحمدان ابن ناصر وابن عبد الباقي قالا نا أحمد بن أحمد نا أبو نعيم الحافظ ثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا أبو بكر بن راشد ثنا إبراهيم بن سعيد بن عامر عن سلام بن أبي مطيع قال: قال رجل من أهل الأهواء لأيوب أكلمك بكلمة؟ قال: لا ولا نصف كلمة
قال ابن راشد وحدثنا أبو سعيد الأشج ثنا يحيى بن يمان عن مخلد بن حسين عن هشام بن حسان عن أيوب السختياني قال: ما ازداد صاحب بدعة اجتهادا إلا ازداد من الله تعالى بعدا
أخبرنا أبو البركات بن علي البزار نا الطرثيثي نا هبة الله بن الحصين نا عيسى بن علي نا البغوي نا أبو سعيد الأشج نا يحيى بن اليمان قال سمعت سفيان الثوري قال البدعة أحب إلى إبليس من المعصية المعصية يثاب منها والبدعة لا يثاب منها أخبرنا ابن أبي القاسم نا أحمد بن أحمد نا أبو النعيم الحافظ ثنا سليمان بن أحمد ثنا الحسين بن علي ثنا محمود بن غيلان ثنا مؤمل بن إسماعيل قال: مات عبد العزيز بن أبي داود وكنت في جنازته حتى وضع عند باب الصفا فصف الناس وجاء الثوري فقال الناس: جاء الثوري - فجاء حتى خرق الصفوف والناس ينظرون إليه فجاوز الجنازة ولم يصل عليه لأنه كان يرمي بالإرجاء
أخبرنا المبارك بن أحمد الأنصاري نا عبد الله بن أحمد السمرقندي نا أحمد بن أحمد بن روح النهرواني ثنا طلحة بن أحمد الصوفي ثنا محمد بن أحمد بن أبي مهزول قال سمعت أحمد بن عبد الله يقول: سمعت شعيب بن حرب يقول: سمعت سفيان الثوري يقول: من سمع من مبتدع لم ينفعه الله بما سمع ومن صافحه فقد نقض الإسلام عروة عروة أخبرنا محمد بن ناصر نا أحمد بن أحمد نا أحمد بن عبد الله الأصفهاني ثنا إسماعيل بن أحمد نا عبد الله بن محمد ثنا سعيد الكريري قال: مرض سليمان التيمي فبكى في مرضه بكاء شديدا فقيل له ما يبكيك؟ أتجزع من الموت قال: لا ولكني مررت على قدري فسلمت عليه فأخاف أن يحاسبني ربي عليه أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك ويحيى بن علي قالا: أخبرنا أبو محمد الصريفيني نا أبو بكر بن عبدان نا محمد بن الحسين البائع ثني أبي ثنا محمد بن بكر قال سمعت فضل بن عياض يقول: من جلس إلى صاحب بدعة فاحذروه
أخبرنا ابن عبد الباقي نا أحمد بن أحمد نا أبو نعيم ثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن النضر ثنا عبد الصمد بن يزيد قال: سمعت فضيل بن عياض يقول: من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله وأخرج نور الإسلام من قبله أخبرنا محمد بن عبد الباقي نا أحمد بن عبد الله الحافظ ثنا محمد بن علي ثنا عبد الصمد قال سمعت الفضيل يقول: إذا رأيت مبتدعا في طريق فخذ في طريق آخر ولا يرفع الصاحب البدعة إلى الله تعالى عمل ومن أعان صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام وسمعت رجلا يقول للفضيل من زوج كريمته من فاسق فقد قطع رحمها فقال له الفضيل: من زوج كريمته من مبتدع فقد قطع رحمها ومن جلس مع صاحب بدعة لم يعط الحكمة وإذا علم الله تعالى من رجل أنه مبغض لصاحب بدعة رجوت أن يغفر الله له سيآته
قال المصنف: وقد روي بعض هذا الكلام مرفوعا وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله ﷺ: من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام وقال محمد بن النضر الحارثي: من أصغى بسمعه إلى صاحب بدعة نزعت منه العصمة ووكل إلى نفسه وقال إبراهيم سمعت أبا جعفر محمد بن عبد الله القابني يقول: سمعت علي بن عيسى يقول: سمعت محمد بن إسحاق يقول: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: قال صاحبنا - يعني الليث بن سعد - لو رأيت صاحب بدعة يمشي على الماء ما قبلته فقال الشافعي: إنه ما قصر لو رأيته يمشي على الهواء ما قبلته وعن بشر بن الحارث أنه قال: جاء موت هذا الذي يقال له المريسي وأنا في السوق فلولا أن الموضع ليس موضع سجود لسجدت شكرا - الحمد لله الذي أماته هكذا قولوا
قال المصنف: حدثت عن أبي بكر الخلال عن المروزي عن محمد بن سهل البخاري قال: كنا عند القرباني فجعل يذكر أهل البدع فقال له رجل لو حدثتنا كان أعجب إلينا فغضب وقال كلامي في أهل البدع أحب إلي من عبادة ستين سنة
ذم البدع والمبتدعين
فإن قال قائل قد مدحت السنة وذممت البدعة فما السنة وما البدعة فإنا نرى أن كل مبتدع في زعمنا يزعم أنه من أهل السنة ( فالجواب ) أن السنة في اللغة الطريق ولا ريب في أن أهل النقل والأثر المتبعين آثار رسول الله ﷺ وآثار أصحابه هم أهل السنة لأنهم على تلك الطريق التي لم يحدث فيها حادث: وإنما وقعت الحوادث والبدع بعد رسول الله ﷺ وأصحابه
والبدعة: عبارة عن فعل لم يكن فابتدع والأغلب في المبتدعات أنها تصادم الشريعة بالمخالفة وتوجب التعاطي عليها بزيادة أو نقصان فإن ابتدع شيء لا يخالف الشريعة ولا يوجب التعاطي عليها فقد كان جمهور السلف يكرهونه وكانوا ينفرون من كل مبتدع وإن كان جائزا حفظا للأصل وهو الاتباع وقد قال زيد بن ثابت لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما حين قالا له اجمع القرآن: كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله ﷺ؟
وأخبرنا محمد بن علي بن أبي عمر قال أخبرنا علي بن الحسين نا ابن شاذان نا أبو سهل نا أحمد البرني ثنا أبو حذيفة ثنا سفيان عن ابن عجلان عن عبد الله بن أبي سلمة أن سعد بن مالك سمع رجلا يقول: لبيك ذا المعارج فقال: ما كنا نقول هذا على عهد رسول الله ﷺ
وأخبرنا محمد بن أبي القاسم بإسناد يرفعه إلى أبي البحتري قال: أخبر رجل عبد الله بن مسعود أن قوما يجلسون في المسجد بعد المغرب فيهم رجل يقول كبروا الله كذا وكذا وسبحوا الله كذا وكذا واحمدوا الله كذا وكذا قال عبد الله: فإذا رأيتهم فعلوا ذلك فأتني فأخبرتي بمجلسهم فأتاهم فجلس فلما سمع ما يقولون قام فأتى ابن مسعود فجأة وكان رجلا حديدا فقال: أنا عبد الله بن مسعود والله الذي لا إله غيره لقد جئتم ببدعة ظلما ولقد فضلتم أصحاب محمد ﷺ علما فقال عمرو بن عتبة: أستغفر الله فقال عليكم بالطريق فالزموه ولئن أخذتم يمينا وشمالا لتضلن ضلالا بعيدا
أنبأنا أبو بكر بن أبي طاهر عن أبي محمد الجوهري عن أبي عمر بن أبي حياة ثنا أحمد بن معروف ثنا الحسين بن فهم ثنا محمد بن سعد ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ثنا ابن عوف قال: كنا عند إبراهيم النخعي فجاء رجل فقال: يا أبا عمران ادع الله أن يشفيني فرأيت أنه أكرهه كراهية شديدة حتى عرفنا كراهية ذلك في وجهه وذكر إبراهيم السنة فرغب فيها وذكر ما أحدثه الناس فكرهه وقال فيه: أخبرنا المحمدان: ابن ناصر وابن عبد الباقي نا أحمد نا أبو نعيم سمعت محمد بن إبراهيم يقول: سمعت محمد بن ريان يقول: سمعت ذا النون - وجاءه أصحاب الحديث فسألوه عن الخطرات والوساوس - فقال: لا أتكلم في شيء من هذا فإن هذا محدث سلوني عن شيء في الصلاة أو الحديث ورأى ذو النون علي خفا أحمر فقال: انزع هذا يا بني فإنه شهرة ما لبسه رسول الله ﷺ إنما لبس أسودين ساذجين
لزوم طريق أهل السنة
قال الشيخ أبو الفرج رحمه الله: قد بينا أن القوم كانوا يحذرون من كل بدعة وإن لم يكن بها بأس لئلا يحدثوا ما لم يكن وقد جرت محدثات لا تصادم الشريعة ولا يتعاطى عليها فلم يروا بفعلها بأسا كما روى أن الناس كانوا يصلون في رمضان وحدانا وكان الرجل يصلي فيصلي بصلاته الجماعة فجمعهم عمر بن الخطاب على أبي بن كعب رضي الله عنهما فلما خرج فرآهم قال: نعمت البدعة هذه - لأن صلاة الجماعة مشروعة وإنما قال الحسن في القصص: نعمت البدعة كم من أخ يستفاد ودعوة مستجابة لأن الوعظ مشروع ومتى أسند المحدث إلى أصل مشروع لم يذم
فأما إذا كانت البدعة كالمتمم فقد اعتقد نقص الشريعة وإن كانت مضادة فهي أعظم فقد بان بما ذكرنا أن أهل السنة هم المتبعون وأن أهل البدعة هم المظهرون شيئا لم يكن قبل ولا مستند له ولهذا استتروا ببدعتهم ولم يكتم أهل السنة مذهبهم فكلمتهم ظاهرة مشهور والعاقبة لهم أخبرنا هبة الله بن محمد نا الحسن بن علي التميمي نا أحمد بن جعفر ثنا عبد الله بن أحمد قال ثني أبي ثنا يعلى بن عبيد ثنا إسماعيل عن قيس عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: لا يزال نا سمن أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون - في الصحيحين:
أخبرنا هبة الله الحسن بن علي نا ابن الملك ثنا عبد الله بن أحمد ثني أبي قال ثنا يوسف ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان قال: قال رسول الله ﷺ: [ لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك ] انفرد به مسلم وقد روى هذا المعنى عن النبي ﷺ معاوية وجابر بن عبد الله وقرة أخبرنا الروخي النورجي والأزدي قالا نا الحراجي ثنا المحبوبي ثنا الترمذي قال: قال محمد بن إسماعيل قال علي بن المديني: هم أصحاب الحديث
انقسام أهل البدع
في بيان انقسام أهل البدع أخبرنا عبد الملك الكروخي نا أبو عامر الأزدي وأبو بكر النورجي قالا نا الحراجي ثنا المحبوبي ثنا الترمذي ثنا الحسين بن حريث ثنا الفضل بن موسى عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: [ تفرقت اليهود عن إحدى وسبعين فرقة أو ثنتين وسبعين والنصارى مثل ذلك وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ] - قال الترمذي: هذا حديث صحيح
قال المصنف: وقد ذكرنا هذا الحديث في الباب الذي قبله وفيه: [ كلهم في النار إلا ملة واحدة قالوا من هي يا رسول الله؟ قال ما أنا عليه وأصحابي ] أخبرنا ابن الحسين نا ابن المذهب نا أحمد بن جعفر نا عبد الله بن أحمد قال: ثني أبي ثنا حسن ثنا ابن لهيعة خالد بن زيد عن سعيد بن أبي هلال عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: [ إن بني إسرائيل تفرقت إحدى وسبعين فرقة فهلكت سبعون فرقة وخلصت فرقة واحدة وإن أمتي ستفترق على اثنين وسبعين فرقة يهلك إحدى وسبعون وتخلص فرقة قالوا يا رسول الله ما تلك الفرقة؟ قال الجماعة ]
قال الشيخ أبو الفرج رحمه الله: فإن قيل وهل هذه الفرق معروفة؟ فالجواب إنا نعرف الافتراق وأصول الفرق وإن كل طائفة من الفرق قد انقسمت إلى فرق وإن لم نحط بأسماء تلك الفرق ومذاهبها وقد ظهر لنا من أصول الفرق الحرورية والقدرية والجهمية والمرجئة والرافضة والجبرية وقد قال بعض أهل العلم: أصل الفرق الضالة هذه الفرق الستة وقد انقسمت كل فرقة منها على اثنتي عشرة فرقة فصارت اثنتين وسبعين فرقة
وانقسمت الحرورية اثنتي عشرة فرقة: فأولهم الأزرقية قالوا: لا نعلم أحدا مؤمنا وكفروا أهل القبلة إلا من دان بقولهم والأباضية قالوا: من أخذ بقولنا فهو مؤمن ومن أعرض عنه فهو منافق والثعلبية قالوا: إن الله لم يقض ولم يقدر والحازمية قالوا: ما ندري ما الإيمان الخلق كلهم [ معذورون ] والخلفية زعموا أن من ترك الجهاد من ذكر وأنثى فقد كفر والمكرمية قالوا: ليس لأحد أن يمس أحدا لأنه لا يعرف الطاهر من النجس ولا أن يؤاكله حتى يتوب ويغتسل والكنزية قالوا: لا ينبغي لأحد أن يعطي ماله أحدا لأنه ربما لم يكن مستحقا بل يكنزه في الأرض حتى يظهر أهل الحق والشمراخية قالوا: لا بأس بمس النساء الأجانب لأنهن رياحين والأخنسية قالوا: لا يلحق الميت بعد موته خير ولا شر والمحكمية قالوا: إن من حاكم إلى مخلوق فهو كافر والمعتزلة من الحرورية قالوا: اشتبه علينا أمر علي ومعاوية فنحن نتبرأ من الفريقين والميمونية قالوا: لا إمام إلا برضا أهل محبتنا
وانقسمت القدرية اثنتي عشرة فرقة: الأحمرية وهي التي زعمت أن شرط العدل من الله أن يملك عباده أمورهم ويحول بينهم وبين معاصيهم والثنوية وهي التي زعمت أن الخير من الله والشر من إبليس والمعتزلة هم الذين قالوا بخلق القرآن وجحدوا الرؤية والكيسانية هم الذين قالوا لا ندري هذه الأفعال من الله أم من العباد ولا نعلم أيثاب الناس بعد الموت أو يعاقبون والشيطانية قالوا إن الله لم يخلق شيطانا والشريكية قالوا إن السيئات كلها مقدرة إلا الكفر والوهمية قالوا ليس لأفعال الخلق وكلامهم ذات ولا للحسنة والسيئة ذات والراوندية قالوا: كل كتاب أنزل من الله فالعمل به حق ناسخا كان أو منسوخا والبترية زعموا أن من عصى ثم تاب لم تقبل توبته والناكثية زعموا أن من نكث بيعة رسول الله ﷺ فلا إثم عليه والقاسطية فضلوا طلب الدنيا على الزهد فيها والنظامية تبعوا إبراهيم النظام في قوله من زعم أن الله شيء فهو كافر
وانقسمت الجهمية اثنتي عشرة فرقة: المعطلة زعموا أن كل ما يقع عليه وهم الإنسان فهو مخلوق ومن ادعى أن الله يرى فهو كافر والمريسية قالوا: أكثر صفات الله مخلوقة والملتزمة جعلوا الباري سبحانه وتعالى في كل مكان والواردية قالوا: لا يدخل النار من عرف ربه ومن دخلها لم يخرج منها أبدا الزنادقة قالوا: ليس لأحد أن يثبت لنفسه ربا لأن الإثبات لا يكون إلا بعد إدراك الحواس وما يدرك فليس بإله وما لا يدرك لا يثبت والحرقية زعموا أن الكافر تحرقه النار مرة واحدة ثم يبقى محترقا أبدا لا يجد حر النار والمخلوقية زعموا أن القرآن مخلوق والفانية زعموا أن الجنة والنار تفنيان ومنهم من قال إنهما لم تخلقا والمغيرية جحدوا الرسل فقالوا إنما هم حكام والواقفية قالوا: لا نقول إن القرآن مخلوق ولا غير مخلوق والقبرية ينكرون عذاب القبر والشفاعة واللفظية قالوا لفظنا بالقرآن مخلوق
وانقسمت المرجئة اثنتي عشرة فرقة: التاركية قالوا ليس لله تعالى على خلقه فريضة سوى الإيمان به فمن آمن به وعرفه فليفعل ما شاء والسائبية قالوا: إن الله تعالى سيب حلقه ليعملوا ما شاءوا والراجية قالوا: لا نسمي الطائع طائعا ولا العاصي عاصيا لأنا لا ندري ما له عند الله والشاكية قالوا: إن الطاعات ليست من الإيمان والبيهسية قالوا: الإيمان علم ومن لا يعلم الحق من الباطل والحلال من الحرام فهو كافر والمنقوصية قالوا الإيمان لا يزيد ولا ينقص والمستثنية نفوا الاستثناء في الإيمان والمشبهة يقولون لله بصر كبصري ويد كيدي والحشوية جعلوا حكم الأحاديث كلها واحدا فعندهم إن تارك النفل كتارك الفرض والظاهرية وهم الذبن نفوا القياس والبدعية أول من ابتدع الأحداث في هذه الأمة
وانقسمت الرافضة اثنتي عشرة فرقة: العلوية قالوا: إن الرسالة كانت إلى علي وإن جبريل أخطأ والأمرية قالوا: إن عليا شريك محمد ﷺ في أمره والشيعة قالوا: إن عليا رضي الله عنه وصي رسول الله ﷺ ووليه من بعده وإن من الأمة كفرت بمبايعة غيره والإسحاقية قالوا: إن النبوة متصلة إلى يوم القيامة وكل من يعلم علم أهل البيت فهو نبي والناووسية قالوا: إن عليا أفضل الأمة فمن فضل غيره عليه فقد كفر والإمامية قالوا: لا يمكن أن تكون الدنيا بغير إمام من ولد الحسين وإن الإمام يعلمه جبرائيل فإذا مات بدل مكانه مثله واليزيدية قالوا: إن ولد الحسين كلهم أئمة في الصلوات فمتى وجد منهم أحد لم تجز الصلاة خلف غيره برهم وفاجرهم
والعباسية زعموا أن العباس كان أولى بالخلافة من غيره والمتناسخة قالوا: إن الأرواح تتناسخ فمتى كان محسنا خرجت روحه فدخلت في خلق تسعد بعيشه ومن كان مسيئا دخلت روحه في خلق تشقي بعيشه والرجعية زعموا أن عليا وأصحابه يرجعون إلى الدنيا وينتقمون من أعدائهم واللاعنية الذين يلعنون عثمان وطلحة والزبير ومعاوية وأبا موسى وعائشة وغيرهم رضي الله عنهم والمتربصة تشبهوا بزي النساك ونصبوا في كل عصر رجلا ينسبون الأمر إليه يزعمون أنه مهدي هذه الأمة فإذا مات نصبوا رجلا آخر
وانقسمت الجبرية اثنتي عشرة فرقة فمنهم: المضطربة قالوا لا فعل للآدمي بل الله تعالى يفعل الكل والأفعالية قالوا: لنا أفعال ولكن لا استطاعة لنا فيها وإنما نحن كالبهائم نقاد بالحبل والمفروغية قالوا كل الأشياء قد خلقت والآن لا يخلق شيء والنجارية زعمت أن الله يعذب الناس على فعله لا على فعلهم والمتانية قالوا: عليك بما خطر بقلبك فافعل ما توسمت به الخير والكسبية قالوا: لا يكسب العبد ثوابا ولا عقابا والسابقية قالوا: من شاء فليعمل ومن شاء لا يعمل فإن السعيد لا تضره ذنوبه والشقي لا ينفعه بره والحبية قالوا: من شرب كأس محبة الله تعالى سقطت عنه الأركان والقيام بها والخوفية قالوا: إن من أحب الله سبحانه وتعالى لم يسعه أن يخافه لأن الحبيب لا يخاف حبيبه والفكرية قالوا: إن من ازداد علما سقط عنه بقدر ذلك من العبادة والخسية قالوا: الدنيا بين العباد سواء لا تفاضل بينهم فيما ورثهم أبوهم آدم والمعية قالوا: منا الفعل ولنا الاستطاعة