زهد الصوفية في المال
قال المصنف: وقد بينا أنه كان أوائل الصوفية يخرجون من أموالهم زهدا فيها وذكرنا أنهم قصدوا بذلك الخير إلا أنهم غلطوا في هذا الفعل كما ذكرناه في مخالفتهم بذلك الشرع والعقل فأما متأخروهم فقد مالوا إلى الدنيا وجمع المال من أي وجه كان إيثارا للراحة وحبا للشهوات فمنهم من يقدر على الكسب ولا يعمل ويجلس في الرباط أو المسجد ويعتمد على صدقات الناس وقلبه معلق بطرق الباب ومعلوم أن الصدقة لا تحل لغني ولا لذي مرة سوى ولا يبالون من بعث إليهم فربما بعث الظالم والماكس فلم يردوه وقد وضعوا في ذلك بينهم كلمات منها تسمية ذلك بالفتوح ومنها أن رزقنا لا بد أن يصل إلينا ومنها أنه من الله فلا يرد عليه ولا نشكر سواه وهذا كله خلاف الشريعة وجهل بها وعكس ما كان السلف الصالح عليه فإن النبي ﷺ قال: [ الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ] وقد قال قاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه من أكل الشبهة
وكان الصالحون لا يقبلون عطاء ظالم ولا ممن في ماله شبهة وكثير من السلف لم يقبل صلة الإخوان عفافا وتنزها وعن أبي بكر المروزي قال: ذكرن لأبي عبد الله رجلا من المحدثين فقال: رحمه الله أي رجل كان لولا خلة واحدة ثم سكت ثم قال: ليس كل الخلال يكملها الرجل فقلت له: أليس كان صاحب سنة؟ فقال: لعمري لقد كتبت عنه وله خلة واحدة كان لا يبالي ممن أخذ
قال المصنف: ولقد بلغنا أن بعض الصوفية دخل على بعض الأمراء الظلمة فوعظه فأعطاه شيئا فقبله فقال الأمير: كلنا صيادون وإنما الشباك تختلف ثم أين هؤلاء من الأنفة من الميل للدنيا فإن النبي ﷺ قال: [ اليد العليا خير من اليد السفلى ] واليد العليا هي اليد المعطية هكذا فسره العلماء وهو الحقيقة وقد تأوله بعض القوم فقال: العليا هي الآخذة قال ابن قتيبة: ولا أرى هذا إلا تأويل قوم استطابوا السؤال
فصل
قال المصنف: ولقد كان أوائل الصوفية ينظرون في حصول الأموال من أي وجه ويفتشون عن مطاعمهم وسئل أحمد بن خنبل عن السري السقطي فقال: الشيخ المعروف بطيب المطعم وقال السري: صحبت جماعة إلى الغزو فاكترينا دارا فنصبت فيها تنورا فتورعوا أن يأكلوا من خبز ذلك التنور فأما من يرى ما قد تجدد من صوفية زماننا من كونهم لا يبالون من أين أخذوا فإنه يعجب ولقد دخلت بعض الأربطة فسألت عن شيخه فقيل لي قد مضى إلى الأمير فلان يهنئه بخلعة قد خلعت عليه وكان ذلك الأمير من كبار الظلمة فقلت ويحكم ما كفاكم أن فتحتم الدكن حتى تطوفون على رؤوسكم بالسلع يقعد أحدكم عن الكسب مع قدرته عليه معولا على الصدقات والصلات ثم لا يكفيه حتى يأخذ ممن كان ثم لا يكفيه حتى يدور على الظلمة فيستعطي منهم ويهنئهم بملبوس لا يحل وولاية لا عدل فيها والله إنكم أضر على الإسلام من كل مضر
فصل
قال المصنف وقد صار جماعة من أشياخهم يجمعون المال من الشبهات ثم ينقسمون فمنهم من يدعي الزهد مع كثرة المال وحرصه على الجمع وهذه الدعوى مضادة للحال ومنهم من يظهر الفقر مع جمعه المال وأكثر هؤلاء يضيقون على الفقراء بأخذهم الزكاة ولا يجوز لهم ذلك وقد كان أبو الحسن البسطامي شيخ رباط بن المجيان يلبس الصوف صيفا وشتاء وتقصده الناس يتبركون به فمات فخلف أربعة آلاف دينار
قال المصنف: وهذا فوق القبيح وقد صح عن النبي ﷺ أن رجلا من أهل الصفة مات فخلف دينارين فقال ﷺ: كيتان