☰ جدول المحتويات
ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في ترك النكاح
قال المصنف: النكاح مع خوف العنت واجب ومن غير خوف العنت سنة مؤكدة عند جمهور الفقهاء ومذهب أبي حنيفة وأحمد بن حنبل أنه حينئذ أفضل من جميع النوافل لأنه سبب في وجود الولد قال ﷺ: [ تناكحوا تناسلوا ] وقال رسول الله ﷺ: [ النكاح من سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني ] أخبرنا محمد بن أبي طاهر نا الجوهري نا أبو عمر بن حياة نا أحمد بن معروف ثنا الحسين بن الفهم ثنا محمد بن سعد نا سليمان بن داود الطيالسي نا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي وقاص قال: لقد رد رسول الله ﷺ على عثمان بن مظعون التبتل ولو أذن له في ذلك لاختصينا
قال ابن سعد وأخبرنا ابن عفان نا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك: [ أن نفرا من أصحاب رسول الله ﷺ سألوا أزواج النبي عليه السلام عن عمله في السر فأخبروهم فقال بعضهم لا آكل اللحم وقال بعضهم لا أتزوج النساء وقال بعضهم لا أنام الليل على فراش وقال بعضهم أصوم ولا أفطر فحمد الله النبي ﷺ وأثنى عليه ثم قال: ما بال أقوام قالوا كذا وكذا لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ]
قال ابن سعد وأخبرنا سعيد بن منصور نا أبو عوانة عن عطاء بن السايب عن سعيد بن عبيد قال: قال ابن عباس رضي الله عنه: « إن خير هذه الأمة كان أكثرها نساء » قال ابن سعد: وأخبرنا أحمد بن عبد الله بن قيس ثنا ميذل عن أبي رجاء الجزري عن عثمان بن خالد بن محمد بن مسلم قال: قال شداد بن أوس: زوجوني فإن رسول الله ﷺ أوصاني إن لا ألقى الله عزبا
وأخبرنا ابن الحصين نا ابن المذهب نا أحمد بن جعفر ثنا عبد الله بن أحمد ثني أبي ثنا عبد الرزاق نا محمد بن راشد عن مكحول عن رجل عن أبي ذر قال: دخل على رسول الله ﷺ رجل يقال له عكاف بن بشر التميمي الهلالي فقال له النبي ﷺ: [ يا عكاف هل لك من زوجة؟ قال: لا قال: ولا جارية؟ قال: لا قال: وأنت موسر بخير؟ قال: وأنا موسر قال: أنت إذا من إخوان الشياطين لو كنت من النصارى لكنت من رهبانهم إن سنتنا النكاح شراركم عزابكم وأراذل موتاكم عزابكم فما للشياطين من سلاح أبلغ في الصالحين من ترك النساء ] أخبرنا ابن الحصين نا ابن المذهب نا أحمد بن جعفر نا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثني أبي ثني أيوب بن النجار عن طيب بن محمد عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة قال: « لعن رسول الله ﷺ مخنثي الرجال الذين يتشبهون بالنساء والمرتجلات من النساء المتشبهات بالرجال والمتبتلين من الرجال الذين يقولون لا نتزوج والمتبتلات من النساء اللاتي يقلن ذلك » أخبرنا محمد بن ناصر نا عبد القادر بن محمد قال نا أبو بكر الخياط نا أبو الفتح بن أبي الفوارس نا أحمد بن جعفر الجيلي ثنا أحمد بن محمد بن عبد الخالق ثنا أبو بكر المروزي قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: ليس العزوبة من أمر الإسلام في شيء النبي ﷺ تزوج أربع عشرة امرأة ومات عن تسع ثم قال: لو كان بشر بن الحارث تزوج كان قد تم أمره كله لو ترك الناس النكاح لم يغزوا ولم يحجوا ولم يكن كذا ولم يكن كذا وقد كان النبي ﷺ يصبح وما عندهم شيء وكان يختار النكاح ويحث عليه وينهي عن التبتل فمن رغب عن فعل النبي ﷺ فهو على غير الحق
و يعقوب عليه السلام في حزنه قد تزوج وولد له والنبي ﷺ قال: [ حبب إلي النساء ] قلت: فإن إبراهيم بن آدم يحكى عنه بأنه قال لروعة صاحب عيال فما قدرت أن أتم الحديث حتى صاح بي وقال: وقعنا في بنيات الطريق انظر عافاك الله ما كان عليه نبينا محمد ﷺ وأصحابه ثم قال: لبكاء الصبي بين يدي أبيه يطلب منه خبزا أفضل من كذا وكذا إنى يلحق المتعبد المتعزب المتزوج
نقد مسالك الصوفية في تركهم النكاح
وقد لبس إبليس على كثير من الصوفية فمنعهم من النكاح فقدماؤهم تركوا ذلك تشاغلا بالتعبد ورأوا النكاح شاغلا عن طاعة الله تعالى وهؤلاء وإن كانت بهم حاجة إلى النكاح أو بهم نوع تشوق إليه فقد خاطروا بأبدانهم وأديانهم وإن لم يكن بهم حاجة إليه فأتتهم الفضيلة
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ أنه قال: [ وفي بضع أحدكم صدقة قالوا يأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ قالوا نعم قال: وكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر ] ثم قال: [ أفتحتسبون الشر ولا تحتسبون الخير؟ ] ومنهم من قال النكاح يوجب النفقة والكسب صعب وهذه حجة للترفه عن تعب الكسب
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: [ دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار أنفقته في الصدقة ودينار أنفقته على عيالك أفضلها الدينار الذي أنفقته على عيالك ] ومنهم من قال: النكاح يوجب الميل إلى الدنيا فروينا عن أبي سليمان الداراني أنه قال: إذا طلب الرجل الحديث أو سافر في طلب المعاش أو تزوج فقد ركن إلى الدنيا
قال المصنف رحمه الله: قلت وهذا كله مخالف للشرع وكيف لا يطلب الحديث والملائكى تضع أجنحتها لطلب العلم وكيف لا يطلب المعاش وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لأن أموت من سعي على رجلي أطلب كفاف وجهي أحب إلي من أن أموت غازيا في سبيل الله وكيف لا يتزوج وصاحب الشرع يقول: [ تناكحوا تناسلوا ] فما أرى هذه الأوضاع إلا على خلاف الشرع فأما جماعة من متأخري الصوفية فإنهم تركوا النكاح ليقال زاهد والعوام تعظم الصوفي إذا لم يكن له زوجة فيقولون ما عرف امرأة قط فهذه رهبانية تخالف شرعنا
قال أبو حامد: ينبغي أن لا يشغل المريد نفسه بالتزويج فإنه يشغله عن السلوك ويأنس بالزوجة ومن أنس بغير الله شغل عن الله تعالى
قال المصنف رحمه الله: وإني لأعجب من كلامه أتراه ما علم أن من قصد عفاف نفسه ووجود ولد أو عفاف زوجته فإنه لم يخرج عن جادة السلوك أو يرى الأنس الطبيعي بالزوجة ينافي أنس القلوب بطاعة الله تعالى والله تعالى قد من على الخلق بقوله: { خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة } وفي الحديث الصحيح عن جابر رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال له: [ هلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك ] وما كان بالذي ليدله على ما يقطع أنسه بالله تعالى أترى رسول الله ﷺ لما كان ينبسط إلى نسائه ويسابق عائشة رضي الله عنها أكان خارجا عن الأنس بالله هذه كلها جهالات بالعلم
محاذير ترك النكاح
واعلم إنه إذا دام ترك النكاح على شبان الصوفية أخرجهم إلى ثلاثة أنواع: النوع الأول بحبس الماء فإن المرء إذا طال احتقانه تصاعد إلى الدماغ منه منيه قال أبو بكر محمد بن زكريا الرازي: أعرف قوما كانوا كثيري المني فلما منعوا أنفسهم من الجماع لضرب من التفلسف بردت أبدانهم وعسرت حركاتهم ووقعت عليهم الكآبة بلا سبب وعرضت لهم أعراض الماليخوليا وقلت شهواتهم وهضمهم قال: ورأيت رجلا ترك الجماع ففقد شهوة الطعام وصار إن أكل القليل ولم يستمره وتقايأه فلما عاد إلى عادته من الجماع سكنت عنه هذه الأعراض سريعا
النوع الثاني: الفرار إلى المتروك فإن منهم خلقا كثيرا صابروا على ترك الجماع فاجتمع الماء فأقلقوا جعوا فلامسوا النساء ولابسوا من الدنيا أضعاف ما فروا منه فكانوا كمن أطال الجوع ثم أكل ما ترك في ومن الصبر النوع الثالث: الانحراف إلى صحبة الصبيان فإن قوما منهم أيسوا من النكاح فأقلقهم ما اجتمع عندهم فصاروا يرتاحون إلى صحبة المرد
فصل
وقد لبس على قوم منهم تزوجوا وقالوا إنا لا ننكح شهوة فإن أرادوا أن الأغلب في طلب النكاح إرادة السنة جاز وإن زعموا أنه لا شهوة لهم في نفس النكاح فمحال ظاهر
فصل
وقد حمل الجهل أقواما فجبوا أنفسهم وزعموا أنهم فعلوا ذلك حياء من الله تعالى وهذه غاية الحماقة لأن الله تعالى شرف الذكر على الأنثى بهذه الآلة وخلفها لتكون سببا للتناسل والذي يجب نفسه يقول بلسان الحال الصواب ضد هذا ثم قطعهم الآلة لا تزيل شهوة النكاح من النفس فما حصل لهم مقصودهم
ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في ترك طلب الأولاد
أخبرنا المحمدان بن ناصر وابن عبد الباقي قالا أخبرنا حمد بن أحمد نا أبو نعيم أحمد بن عبد الله ثنا إسحاق بن أحمد ثنا إبراهيم بن يوسف ثنا أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: الذي يريد الولد أحمق لا للدنيا ولا للآخرة إن أراد أن يأكل أو ينام أو يجامع نغص عليه وإن أراد أن يتعبد شغله
قال المصنف رحمه الله: قلت وهذا غلط عظيم وبيانه أنه لما كان مراد الله تعالى من إيجاد الدنيا اتصال دوامها إلى أن ينقضي أجلها وكان الآدمي غير ممتد البقاء فيها إلا إلى أمد يسير أخلف الله تعالى منه مثله فحثه على سببه في ذلك تارة من حيث الطبع بإيقاد نار الشهوة وتارة من باب الشرع بقوله تعالى: { وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم } وقول الرسول ﷺ: [ تناكحوا تناسلوا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة ولو بالسقط ] وقد طلب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الأولاد فقال تعالى حكاية عنهم: { رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء } { رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي } إلى غير ذلك من الآيات وتسبب الصالحون إلى وجودهم ورب جماع حدث منه ولد مثل الشافعي وأحمد بن حنبل فكان خيرا من عبادة ألف سنة وقد جاءت الأخبار بإثابة المباضعة والإنفاق على الأولاد والعيال ومن يموت له ولد ومن يخلف ولدا بعده فمن أعرض عن طلب الأولاد والتزوج فقد خالف المسنون والأفضل وحرم أجرا جسيما ومن فعل ذلك فإنما يطلب الراحة أخبرنا عمر بن ظفر نا جعفر بن أحمد السراج نا أبو القاسم الأزجي ثنا ابن جهضم ثنا الخلدي قال سمعت الجنيد يقول: الأولاد عقوبة شهوة الحلال فما ظنكم بعقوبة شهوة الحرام؟
قال المصنف رحمه الله: وهذا غلط فإن تسمية المباح عقوبة لا يحسن لأنه لا يباح شيء ثم يكون ما تجدد منه عقوبة ولا يندب إلى شيء إلا وحاصله مثوبة