النهي عن الانفراد
وقد جاء النهي عن الانفراد الموجب للبعد عن العلم والجهاد للعدو أخبرنا ابن الحصين نا أبو علي بن المذهب نا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي ثنا أبو المغيرة ثنا معان بن رفاعة ثني علي بن زيد عن القاسم عن أبي أمامة قال: خرجنا مع رسول الله ﷺ في سرية من سراياه قال فمر رجل بغار فيه شيء من ماء قال فحدث نفسه بأن يقيم في ذلك الغار فيقوته ما كان فيه وفيه شيء من ماء ويصيب ما حوله من البقل ويتخلى عن الدنيا ثم قال: لو أني أتيت نبي الله ﷺ فذكرت له فإن أذن لي فعلت وإلا لم أفعل فأتاه فقال: يا نبي الله إني مررت بغار فيه ما يقوتني من الماء والبقل فحدثتني نفسي بأن أقيم فيه وأتخلى من الدنيا قال: فقال نبي الله ﷺ: [ إني لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية ولكني بعثت بالحنيفية السمحة والذي نفس محمد بيده لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها ولمقام أحدكم في الصف خير من صلاته ستين سنة ]
ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في التخشع ومطأطأة الرأس وإقامة الناموس
قال المصنف رحمه الله: إذا سكن الخوف القلب أوجب خشوع الظاهر ولا يملك صاحبه دفعه فتراه مطرقا متأدبا متذللا وقد كانوا يجتهدون في ستر ما يظهر منهم من ذلك وكان محمد بن سيرين يضحك بالنهار ويبكي بالليل ولسنا نأمر العالم بالانبساط بين العوام فإن ذلك يؤذيهم فقد روي عن علي رضي الله عنه: إذا ذكرتم العلم فاكظموا عليه ولا تخلطوه بضحك فتمجه القلوب ومثل هذا لا يسمى رياء لأن قلوب العوام تضيق عن التأويل للعالم إذا تفسح في المباح فينبغي أن يتلقاهم بالصمت والأدب وإنما المذموم تكلف التخشع والتباكي ومطأطأة الرأس ليرى الإنسان بعين الزهد والتهيؤ للمصافحة وتقبيل اليد وربما قيل له ادع لنا فيتهيأ للدعاء كأنه يستنزل الإجابة وقد ذكرنا عن إبراهيم النخعي أنه قيل له ادع لنا فكره ذلك واشتد عليه
وقد كان في الخائفين من جمله الخوف على شدة الذل والحياء فلم يرفع رأسه إلى السماء وليس هذا بفضيلة لأنه لا خشوع فوق خشوع رسول الله ﷺ
وفي صحيح مسلم من حديث أبي موسى قال: كان رسول الله ﷺ كثيرا ما يرفع رأسه إلى السماء وهذا دليل على استحباب النظر إلى السماء لأجل الاعتبار بآياتها وقد قال الله تعالى: { أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها } وقال: { قل انظروا ماذا في السموات والأرض } وفي هذا رد على المتصوفين فإن أحدهم يبقى سنين لا ينظر إلى السماء وقد ضم هؤلاء إلى ابتداعهم الرمز إلى التشبيه ولو علموا أن إطراقهم كرفعهم في باب الحياء من الله تعالى لم يفعلوا ذلك غير أن ما شغل إبليس إلا التلاعب بالجهلة فأما العلماء فهو بعيد عنهم شديد الخوف منهم لأنهم يعرفون جميع أمره ويحترزون من فنون مكره
أخبرنا محمد بن ناصر وعمر بن ظفر قالا أخبرنا محمد بن الحسن الباقلاني نا القاضي أبو العلاء الواسطي نا أبو نصر أحمد بن محمد نا أبو الخير أحمد بن محمد البزاز ثنا البخاري ثنا إسحاق ثنا محمد بن المفضل ثنا الوليد بن جميع عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: لم يكن أصحاب رسول الله ﷺ منحرفين ولا متماوتين وكانوا يتناشدون الشعر في مجالسهم ويذكرون أمر جاهليتهم فإذا أريد أحد منهم على شيء من أمر دينه دارت حماليق عينيه كأنه مجنون أخبرنا عبد الوهاب الحافظ ثنا جعفر بن أحمد نا عبد العزيز الحسن بن إسماعيل الضراب نا أبي ثنا أحمد بن مروان ثنا إبراهيم الحربي ثنا محمد بن الحارث عن المدايني عن محمد بن عبد الله القرشي عن أبيه قال: نظر عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى شاب قد نكس رأسه فقال له: يا هذا ارفع رأسك فإن الخشوع لا يزيد على ما في القلب فمن أظهر للناس خشوعا فوق ما في قلبه فإنما أظهر نفاقا على نفاق
أخبرنا عبد الوهاب نا المبارك بن عبد الجبار نا علي بن أحمد الملطي ثنا أحمد بن محمد بن يوسف ثنا ابن صفوان نا أبو بكر القرشي ثني يعقوب بن إسماعيل قال: قال عبد الله أخبرنا المعتمر عن كهمس بن الحسين أن رجلا تنفس عند عمر بن الخطاب كأنه يتحازن فلكزه عمر أو قال لكمه
أخبرنا محمد بن ناصر نا جعفر بن أحمد نا الحسن بن علي التميمي نا أبو بكر مالك ثنا عبد الله بن أحمد ثني أبي ثنا أسود بن عامر نا أبو بكر عن عاصم بن كليب الجرمي قال: لقي أبي عبد الرحمن بن الأسود وهو يمشي وكان إذا مشى يمشي جنب الحائط متخشعا هكذا وأمال أبو بكر عنقه شيئا فقال أبي: مالك إذا مشيت مشيت إلى جنب الحائط؟ أما والله إن عمر إذا مشي لشديد الوطء على الأرض جهوري الصوت
أخبرنا محمد بن أبي طاهر نا أبو محمد الجوهري نا ابن حياة نا أبو الحسن بن معروف ثنا الحسين بن الفهم ثنا محمد بن سعد يرفعه إلى سليمان بن أبي خيثمة عن أبيه قال: قالت الشفا بنت عبد الله ورأت فتيانا يقصرون في المشي ويتكلمون رويدا فقالت: ما هذا؟ قالوا نساك قالت: كان والله عمر إذا تكلم أسمع وإذا مشي أسرع وإذا ضرب أوجع وهو الناسك حقا
قال المصنف رحمه الله: قلت وقد كان السلف يسترون أحوالهم ويتصنعون بترك التصنع وقد ذكرنا عن أيوب السختياني أنه كان في ثوبه بعض الطوي ليستر حاله وكان سفيان الثوري يقول: لا أعتد بما ظهر من عملي وقال لصاحب له ورآه يصلي: ما أجرأك تصلي والناس يرونك قال: حدثنا محمد بن ناصر ثنا عبد القادر بن يوسف نا ابن المذهب نا القطيعي ثنا عبد الله بن أحمد ثنا أبو عبد الله يعني السلمي ثنا بقية عن محمد بن زياد قال: مر أبو أمامة برجل ساجد فقال: يا لها من سجدة لو كانت في بيتك
أخبرنا أبو منصور القزاز نا أبو بكر بن ثابت نا الجوهري ثنا محمد بن العباس ثنا محمد بن القاسم الأنباري ثنا الحارث بن محمد ثنا يحيى بن أيوب ثنا شعيب بن حرب ثنا الحسين بن عمار قال رجل في مجلس الحسن بن عمارة: آه فجعل يتبصره ويقول: من هذا حتى ظننا أنه لو عرفه أمر به
أخبرنا إسماعيل بن أحمد المقري نا أحمد بن أحمد الحداد ثنا أبو نعيم الحافظ نا أبو عبد الله محمد بن جعفر ثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب ثنا أبو حاتم ثنا حرملة قال: سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول:
( ودع الذين إذا أتوك تنسكوا *** وإذا خلوا فهم ذئاب خفاف )
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز نا أحمد بن علي بن ثابت نا أبو عمر الحسن بن عثمان الواعظ نا جعفر بن محمد الواسطي نا الحسين بن عبد الله الأبرازي قال: سمعت إبراهيم بن سعيد يقول: كنت واقفا على رأس المأمون فقال لي: يا إبراهيم قلت: لبيك قال: عشرة من أعمال البر لا يصعد إلى الله والله لا يقبل منها شيء قلت: ما هي يا أمير المؤمنين؟ فقال: بكاء إبراهيم على المنبر وخشوع عبد الرحمن بن إسحاق وتقشف ابن سماعة وصلاة خيعويه بالليل وصلاة عباس الضحى وصيام ابن السندي الاثنين والخميس وحديث أبي رجاء وقصص الحاجبي وصدقة حفصويه وكتاب الشامي ليعلى بن قريش