ذكر تلبيسه على الطبائعيين
قال المصنف: لما رأى إبليس قلة موافقته على جحد الصانع لكون العقول شاهدة بأنه لا بد للمصنوع من صانع حسن لأقوام أن هذه المخلوقات فعل الطبيعة وقال ما من شيء يخلق إلا من اجتماع الطبائع الأربع فيه فدل على أنها الفاعلة وجواب هذا نقول اجتماع الطبائع على وجودها لا على فعلها ثم قد ثبت أن الطبائع لا تفعل إلا باجتماعها وامتزاجها وذلك يخالف طبيعتها فدل على أنها مقهورة وقد سلموا أنها ليست بحية ولا عالمة ولا قادرة ومعلوم أن الفعل المنسق المنتظم لا يكون إلا من عالم حكيم فكيف يفعل من ليس عالما وليس قادرا فإن قالوا ولو كان الفاعل حكيما لم يقع في بنائه خلل ولا وجدت هذه الحيوانات المضرة فعلم أنه بالطبع
قلنا ينقلب هذا عليكم بما صدر منه من الأمور المنتظمة المحكمة التي لا يجوز أن يصدر مثلها عن طبع فأما الخلل المشار إليه فيمكن أن يكون للابتلاء والردع والعقوبة أو في طيه منافع لا نعلمها ثم أين فعل الطبيعة من شمس تطلع في نيسان على أنواع من الحبوب فترطب الحصرم والخلالة وتنشف البرة وتيبسها ولو فعلت طبعا لأيبست الكل أو رطبته فلم يبق إلا أن الفاعل المختار استعملها بالمشيئة في يبس هذه للادخار والنضج في هذه للتناول والعجب أن الذي أوصل إليها اليبس في أكنة لا يلقى جرمها والذي رطبها يلقى جرمها ثم إنها تبيض ورد الخشخاش وتحمر الشقائق وتحمض الرمان وتحلي العنب والماء واحد وقد أشار المولى إلى هذا بقوله ( تسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل )