جورباتشوف، ميخائيل سرجيفتش ( Gorbachev, Mikhail Sergeyevich )
ميخائيل جورباتشوف |
وفي 19 أغسطس عام 1991م قامت مجموعة من كبار الشيوعيين القياديين السوفيَّيت، بتنظيم انقلاب ضده، وقاموا بإزاحته من منصبه واعتقاله في منزله، إلا أن الانقلاب سريعًا مافشل في وجه المقاومة الواسعة. وفي 21 أغسطس استعاد جورباتشوف منصبه، وبعد فترة وجيزة من ذلك أعلنت معظم جمهوريات الاتحاد السوفييتي الخمس عشرة الاستقلال مع استعدادها للدخول مع الجمهوريات السوفييتية الأخرى في كونفيدرالية ملزمة إلزامًا ضعيفًا. ثم أعلنت لتوانيا وإستونيا ولاتفيا استقلالها التام من الاتحاد السوفييتي. وجاهد جورباتشوف لمنع تجزئة الاتحاد السوفييتي وانحلاله الكامل. وفي 8 ديسمبر 1991م، أعلنت روسيا وأوكرانيا وروسيا البيضاء استقلالها عن الاتحاد السوفييتي، وشكلت كومنولث الدول المستقلة، وسرعان ما انضمت إليها كل الدول عدا جورجيا (انضمت لاحقًا في أكتوبر 1993م). وفي 25 ديسمبر قدم جورباتشوف استقالته وانهار الاتحاد السوفييتي.
السياسات الداخلية:
تولّى جورباتشوف الرئاسة في وقت أخذ فيه اقتصاد البلاد في الانهيار. وأعلن أن هناك أزمة خطيرة تواجه البلاد، مما يتحتم إجراء تغييرات جوهرية للسيطرة عليها. ومن أهم الإجراءات إعادة بناء الاقتصاد لتحديثه وزيادة إنتاجيته. واقترح تغييرات عديدة للتحول من النظام الشيوعي الذي تسيطر الحكومة فيه على الاقتصاد سيطرة كاملة، إلى نظام أقل مركزية مع الحد من السيطرة الحكومية.قدم جورباتشوف أيضًا عدة اقتراحات لتغيير الأنشطة السياسية والاجتماعية السوفييتية وجعلها أكثر انفتاحًا وديمقراطية. كما نادى بالحد من سلطة الحزب الشيوعي ـ الذي كان يسيطر على النظام السياسي في البلاد ـ وزيادة سلطة الأجهزة المنتجة. وعُرف برنامجه للإصلاح الاقتصادي والسياسي بالبروسترويكا (إعادة التنظيم) وعرفت دعوته للانفتاح بالجلاسنوست.
وتم اعتماد أهم اقتراحات جورباتشوف الإصلاحية عام 1988م و 1990م، إلا أن المسؤولين الذين كانوا يقاومون التغييرات التي قد تحد من سلطاتهم وامتيازاتهم، حاولوا إعاقة تطبيق تلك الإصلاحات. ومن ناحية أخرى كان هناك من بين المسؤولين والمواطنين السوفيَّيت من يطالب بديمقراطية أكثر مما اقترحه جورباتشوف. كما احتج أعضاء المجموعات العرقية في بعض الجمهوريات السوفييَّتية مطالبين بتوسيع الحكم الذاتي أو الاستقلال عن الاتحاد السوفييَّتي. وشكل هذا الاحتجاج، الذي تحوّل أحيانًا إلى عنف، مشكلة كبيرة لجورباتشوف، ولا سيما أن المشكلات الاقتصادية الحادة التي تواجه الاتحاد السوفييتّي (سابقًا) كانت مستمرة رغم إصلاحاته الاقتصادية. وقد ألقى كثير من المواطنين السوفييت اللوم على جورباتشوف واعتبروه مسؤولاً عن الصعوبات التي واجهتهم.
كان لإصلاحات جورباتشوف الداخلية أثرٌ خارج الاتحاد السوفييَّتي. فقد ازدادت مطالبة شعوب أقطار شرق أوروبا الشيوعية بمزيد من الحرية وإنهاء حكم أحزابهم الشيوعية، مما أدّى إلى تغييرات كبيرة في أوروبا الشرقية.
السياسات الخارجية:
عمل جورباتشوف على تحسين العلاقات السوفيتية مع الدول الغربية، والحد من التوتر والصدامات في العالم، والحد من التسلح. وفي عام 1987م قام جورباتشوف بتوقيع معاهدة مع الرئيس الأمريكي رونالد ريجان للتخلص من الصواريخ متوسطة المدى في البلدين، عرفت بمعاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى. وفي عام 1991م قام جورباتشوف والرئيس الأمريكي جورج بوش بإحالة معاهدة للشروع في نزع السلاح (ستارت 1) إلى المشرع الوطني في كل من بلديهما. وفي عامي 1988م و1989م قام جورباتشوف بسحب جميع القوات السوفييَّتية من أفغانستان التي كانت تحارب فيها منذ عام 1979م مساندة للحكومة الشيوعية في أفغانستان، رغم مقاومة الشعب الأفغاني.بواكير حياته وانخراطه في السياسة:
ولد جورباتشوف في قرية برفولنوي بالقرب من مدينة ستافروبول، لوالدين ريفيين يعملان في الزراعة. التحق بجامعة الدولة في موسكو عام 1950م، وبالحزب الشيوعي عام 1952م، ثم تخرج عام 1955م بدرجة في القانون، وبدأ عمله في تنظيم تابع للحزب الشيوعي في ستافروبول.تدرَّج جورباتشوف في الوظائف حتى صار رئيسًا للجنة الإقليمية للحزب الشيوعي في ستافروبول عام 1970م. ولفت انتباه بعض كبار القادة السوفييَّت بما فيهم يوري أندروبوف. وصار جورباتشوف عضوًا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي عام 1971م. وفي عام 1978م تم استدعاؤه إلى موسكو وعُيّن سكرتيرًا للحزب للشؤون الزراعية.
وفي عام 1980م نال العضوية الكاملة في المكتب السياسي، وهو الهيئة الرئيسية التي تضع سياسات الحزب الشيوعي السوفييتي. وفي عام 1982م صار أندروبوف، صديق جورباتشوف رئيسًا للحزب الشيوعي. وكان رئيس الحزب في ذلك الوقت من أقوى القادة السوفيَّيت. قام أندروبوف بترقية جورباتشوف، وعهد إليه بسياسة البلاد الاقتصادية. توفي أندروبوف عام 1984م وخلفه، لوقت قصير، كونستانتين تشيرنينكو. وبعد وفاته في مارس 1985م اختير جورباتشوف رئيسًا للحزب. وفي أكتوبر 1988م صار رئيسًا للجنة التنفيذية الدائمة لمجلس السوفيَّيت الأعلى، وكان في ذلك الوقت منصبًا رسميًا إلى حد كبير. إلا أنّ جورباتشوف دعّم من سلطات المنصب وصار يُعرف برئاسة مجلس السوفيَّيت الأعلى.
وفي مارس 1990م تم ابتداع منصب جديد هو رئيس جمهوريات الاتحاد السوفييَّتي، وأوكلت إليه رئاسة الحكومة الفيدرالية، واختير جورباتشوف لهذا المنصب الذي استولى على سلطات رئيس الحزب الشيوعي كأقوى منصب في البلاد. وبقي جورباتشوف رئيسًا للحزب، إلا أنه استقال من الحزب عام 1991م بعد الانقلاب الفاشل. وبعد فترة وجيزة من ذلك أمر البرلمان السوفييتي بتعليق نشاطات الحزب الشيوعي. وفي أعقاب تكوين كومنولث الدول المستقلة في ديسمبر 1991م، استقال جورباتشوف من منصب الرئاسة وأصبح الاتحاد السوفييتي أثرًا بعد عين.