- حكمت روما بوساطة إمبراطورين في الفترة 161 - 169م وإمبراطورين أو أكثر في الفترة 283 - 395م. وحُكم كل من الجزء الشرقي (ش) والجزء الغربي (غ) من الإمبراطورية بوساطة إمبراطور مستقل في بعض الأحيان وفي أحيان أخرى بلغ عدد من حكم من الأباطرة أربعة.
ناضل العامة، خلال القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد، من أجل الحصول على حقوق سياسية. وكسبوا، نحو سنة 287 ق.م، حق تولي أي منصب عام أو ديني، وحازوا المساواة في ظل القانون. ولكن فروقًا واسعة، في الثروة والمكانة الاجتماعية، ظلت تفصل معظم العامة عن الأشراف.
وكانت روما، خلال ذلك الوقت، تحقق شيئًا فشيئًا هيمنة عسكرية على بقية شبه الجزيرة الإيطالية. ودخلت، في نحو سنة 493 ق.م، في تحالف مع العصبة اللاتينية، وهي اتحاد مدن اللاتيوم. وفي نحو 396 ق.م أصبحت روما أكبر مدينة في اللاتيوم، واستخدمت، بعد ذلك، موارد العصبة لخوض الحروب ضد جيرانها. وقدّمت إلى المدن التي فتحتها الحماية وبعض امتيازات المواطنة الرومانية. وبالمقابل زودت تلك المدن المفتوحة الجيش الروماني بالجنود.
وخلال القرن الرابع قبل الميلاد حققت روما انتصارات على الإترسكانيين. كما هزمت الغاليين الذين كانوا قد هاجموا إيطاليا من الشمال، وأحرقوا روما سنة 390 ق.م. وأخضعت روما العصبة اللاتينية وحلتها سنة 338 ق.م. كما أخضع الرومان، في سنة 290 ق.م السمنيين وهم شعب جبلي كان يعيش في جنوبي روما. ونحو سنة 275ق.م حكمت روما معظم شبه الجزيرة الإيطالية، بعد هزيمتها للمستعمرة الإغريقية تارنتوم، الواقعة في جنوبي إيطاليا، وللملك الإغريقي بيروس، حامي تارنتوم.
كانت روما، بعد الحرب البونية الثانية، قد بدأت في التوسع نحو الشرق. وعملت، في البداية، على حماية حلفائها على طول الساحل الشرقي لإيطاليا من غارات القراصنة. ولكن سرعان ما أصبحت روما متورطة في المنازعات التي كانت قائمة بين اليونان ومقدونيا. وكانت مقدونيا، التي تقع في شمالي اليونان، قد هزمت الإغريق في سنة 338 ق.م فظهرت بمثابة محرر لهؤلاء. ولكنها، في نحو 140 ق.م سيطرت على كل اليونان ومقدونيا معًا. وفي سنة 133 ق.م مات آتالوس الثالث ملك برجاموم، وهو حليف الرومان، وأوصى بمملكته لروما (التي تشكل الآن جزءًا من تركيا).
هناك سببان يساعدان على تفسير توسع روما وراء البحار. الأول هو إقامتها حلفًا من مدن في إيطاليا، زود الجيش بقوى بشرية ضخمة. أما السبب الثاني فهو أن اعتداد الرومان بقوتهم العسكرية ومؤسساتهم الحكومية ولد في نفوسهم ثقة كبيرة في تفوقهم وفي عدالة قضيتهم.
سببّت الصراعات بين القادة الاضطرابات في الجمهورية الرومانية خلال السنوات المائة الأخيرة من تاريخها، حيث ضعفت الجمهورية نتيجة للثورات التي قام بها حلفاء روما الإيطاليون، والحرب التي اندلعت في آسيا الصغرى، والاضطرابات في روما نفسها. وفي سنة 82 ق.م أصبح القائد الروماني، سولا لوسيوس كورنيليوس دكتاتورًا، ونجح في إعادة الاستقرار إلى الحكم، وقوَّّى مجلس الشيوخ بإضافته قادة جددًا. وانسحب سولآ سنة 79 ق.م من الساحة السياسية، ولكنه كان قد أعطى روما نموذجًا للحكم الفردي.
وفي الستينيات من القرن الأول قبل الميلاد بدأت روما بالتوسع ثانية فيما وراء البحار. وفتح القائد الروماني بومبي شرقي تركيا وسوريا وفلسطين. وعاد إلى روما بوصفه بطلاً شعبيًا، ولكن مجلس الشيوخ رفض الاعتراف بانتصاراته. ونتيجة لذلك شكل بومبي، سنة 60 ق.م، مع اثنين آخرين من القادة الرومان الآخرين، وهما يوليوس قيصر وماركوس كراسوس، تحالفًا سياسيًا دعي باسم الحكم الثلاثي الأول. ومات كراسوس في الحرب سنة 53 ق.م. وحاول القادة الرومان الآخرون تمزيق التحالف القائم بين العضوين الآخرين المتبقيين في الحكم الثلاثي.
فتح قيصر الغال، ما بين سنتي 58- 51 ق.م. وبذلك أضاف إلى العالم الروماني مناطق شاسعة غربي نهر الراين. وخشي بومبي ومجلس الشيوخ من قوة قيصر وطموحه، ولذلك طلبوا منه التنحي عن القيادة. ولكن قيصر زحف بقواته عبر روبيكون، وهو نهير يفصل إيطاليا عن بلاد الغال، واجتاح إيطاليا سنة 49 ق.م. ونجح قيصر، في الحرب الأهلية التي أعقبت ذلك، في هزيمة بومبي وأتباعه. وفي سنة 45 ق.م كان قيصر قد أصبح الحاكم الوحيد للعالم الروماني. وفي سنة 44 ق.م قامت مجموعة من الصفوة الأرستقراطيين، الذين كانوا يأملون في إحياء الجمهورية الرومانية، باغتيال قيصر.
اندلعت الحرب الأهلية ثانية بعد موت قيصر. ففي سنة 43 ق.م شكل أوكتافيان ـ وهو ابن قيصر بالتبني ووريثه ـ مع اثنين من ضباط الجيش وهما: مارك أنطوني وماركوس ليبيدوس، الحكم الثلاثي الثاني. ونجح أوكتافيان وأنطوني في هزيمة أعداء قيصر وأزاحا ليبيدوس جانبًا، ومن ثم دارت الحرب بين أوكتافيان وأنطوني للسيطرة على روما. التمس أنطوني الدعم من كليوباترا، ملكة مصر، ومن ثم وقعا في حب بعضهما. وفي سنة 31 ق.م هزم أوكتافيان قوات أنطوني وكليوباترا في معركة أكتيوم على مقربة من الساحل الغربي لليونان. وفي السنة التالية (30 ق.م.) فتح الرومان مصر وجعلوا منها ولاية رومانية.
أصبح أوكتافيان ـ بعد هزيمة أنطوني ـ قائد العالم الروماني بلا منازع. وفي سنة 27 ق.م أصبح أوكتافيان أول إمبراطور روماني، واتخذ اسم أوغسطس ويعني المعظم. وعلى الرغم من قوة أوغسطس إلا أنه تجنب لقب إمبراطور، وفضل أن يُدعى برنسبس وتعني المواطن الأول. ولكن 20 سنة من الحرب الأهلية كانت قد أدت إلى دمار الجمهورية. وبدا أن سلطة مركزية قوية هي وحدها فقط القادرة على حكم الإمبراطورية.
أسس أوغسطس مراكز دفاعية قوية على طول حدود الإمبراطورية الرومانية، وأبقى الولايات تحت سيطرته. وبدأ في تطوير هيئة الخدمة المدنية بتعيين إداريين أكفاء للمساعدة في حكم الإمبراطورية. ووصل ازدهار التجارة والفن والأدب إلى مستوى رفيع خلال ما يدعى بالعهد الأوغسطي.
مات أوغسطس في سنة 14م. وكان قد هيأ ابن زوجته، واسمه تيبريوس، ليخلفه في حكم الإمبراطورية. وبذلك مهد الطريق لحكم سلالة متتالية من الأباطرة. وكان منهم أفراد من أسرة أوغسطس، عرفوا باسم السلالة اليولية ـ الكلاودية، التي حكمت حتى سنة 68 م. وخلفتها السلالة الفلافية التي حكمت حتى سنة 96م ووصلت الإمبراطورية الرومانية إلى أوج قوتها وازدهارها خلال عهد الأنطونييّن الذي امتد من سنة 96 حتى 180م، وهم نيرفا وتراجان وهادريان وأنطونينوس بيوس وماركوس أوريليوس، الذين اشتهروا بحكمتهم ومقدرتهم.
وبالمقارنة فإن الإمبراطورية الرومانية لم تتوسع كثيرًا بعد حكم أوغسطس. وفي عام 43م غزا الإمبراطور كلوديوس بريطانيا. واستولى تراجان على داسيا (التي هي الآن جزء من المجر ورومانيا) عام 106م. وشجع الموقف العسكري الثابت للإمبراطورية الرومانيين على الاستثمار في الأراضي. وازدهرت بعض المزارع الصغيرة والضيعات الكبيرة، وساعدت الطرق الرومانية على إيجاد اتصالات ممتازة، وشجع الأباطرة الرومانيون تأسيس مدن صغيرة وكبيرة جديدة في الأماكن النائية. وأصبحت الخدمة المدنية تنعم بمهارات متزايدة خاصة فيما يتعلق بالأعمال التي تجري بين يوم وآخر في الإمبراطورية. وكان حكام الأقاليم يعملون في العادة لفترات طويلة ولذلك فقد تعرفوا بصورة حسنة على الأقاليم التي كانت تحت حكمهم.
أخذت سلطة الأباطرة الرومان تزداد قوة يومًا بعد يوم. وكان أمر الإمبراطور يطغى على أي قانون يصدره مجلس الشيوخ. وأصبح الرومان يعبدون الإمبراطور بعد موته وكأنه إله. وكانت عبادة الإمبراطور تقدم قاعدة مشتركة للولاء بين شعوب الإمبراطورية الذين كانوا لولا ذلك يعتنقون أديانًا أخرى وتقاليد مختلفة.
ظهرت في القسم الشرقي من الإمبراطورية الرومانية ديانة جديدة ترتكز على تعاليم المسيح. وبرغم أن الرومان كما يزعمون، حاكموا المسيح بتهمة الخيانة، سنة 30م، إلا أن اتباعه نشروا النصرانية في شتى أرجاء الإمبراطورية. وفي البداية لم تعر الحكومة الرومانية النصرانية إلا اهتمامًا ضئيلاً. وكانت اضطهادات النصارى نتيجة خصومات محلية أكثر منها نتيجة أوامر من روما.
إنّ اتساع الإمبراطورية الرومانية الكبير هو الذي عجل بانهيارها. إذ لم يعد باستطاعة السلطة المركزية في روما الإبقاء على وحدة الإمبراطورية. هذا إضافة إلى أن الصراعات من أجل السلطة، بين القادة الرومان، قد أضعفت الدفاعات الإمبراطورية بشكل خطير للغاية. فهاجم القوط، وهم شعب جرماني، الأراضي الرومانية مرات عديدة خلال القرن الثالث الميلادي، كما اجتاح الفرس بلاد الرافدين وسوريا.
وعانى النصارى اضطهادًا كبيرًا في بداية القرن الثالث الميلادي، لاتهام الرومان لهم بأنهم أساس كل المصائب الواقعة بهم آنذاك لكفرهم بآلهة الرومان. وفي 303م حظر ديوكليشيان النصرانية.
كان قسطنطين الأول الكبير، قد اختير إمبراطورًا على الولايات الرومانية الغربية في سنة 306م. وكان النظام الذي وضعه ديوكليشيان والذي يقوم على الاشتراك في السلطة والتعاقب قد انهار بسرعة بسبب تنافس عدد كبير من الرجال على العرش. وفي سنة 312م نجح قسطنطين في هزيمة منافسه الرئيسي وقد زعم أنه رأى حلمًا يعده بالنصر، إذا قاتل تحت علامة الصليب. وفي سنة 313م أجاز قسطنطين وليقينيوس، لإمبراطور الولايات الشرقية، حرية العبادة للنصارى وحكم قسطنطين وليقينيوس حتى سنة 324م، حين هزم قسطنطين شريكه الإمبراطور في الحرب. وفي سنة 330م نقل قسطنطين ـ الذي أصبح يعرف فيما بعد باسم الكبير ـ عاصمته إلى بيزنطة، وأعاد تسمية المدينة بالقسطنطينية.
أخذت الإمبراطورية الرومانية الغربية تضعف بشكل مطرد ؛ فقد هاجم الواندال، والقوط الغربيون، وشعوب جرمانية أخرى، كلاً من أسبانيا والغال وشمالي إفريقيا. ونهب القوط الغربيون مدينة روما سنة 410م. ويُؤرخ سقوط الإمبراطورية الرومانية غالبًا بسنة 476م. حيث عَزَل، في تلك السنة الزعيم الجرماني أدواسر آخر حاكم للإمبراطورية الرومانية الغربية، وهو رومولوس أوغستولوس، عن العرش. وكان الزعماء الجرمان قد بدأوا، قبل ذلك بتقسيم الإمبراطورية الرومانية إلى ممالك عديدة. وظلت الإمبراطورية الرومانية الشرقية باقية وممثلة للإمبراطورية البيزنطية، حتى استولى الأتراك العثمانيون على القسطنطينية في سنة 1453م.
نقلت الإمبراطورية الرومانية نظامها الاجتماعي والاقتصادي إلى القرون الوسطى، وهي فترة التاريخ الأوروبي الممتدة من القرن الخامس الميلادي حتى القرن السادس عشر. وفي غضون القرون الوسطى حلت كنيسة الروم الكاثوليك محل الإمبراطورية الرومانية بوصفها القوة الموحدة في أوروبا. وكانت الكنيسة قد صاغت بنيتها الإدارية على غرار هيئة الإمبراطورية الرومانية، واستعملت اللغة اللاتينية كما حافظت على كلاسيكيات الأدب اللاتيني.
روما القديمة |
جاء القسم الأكبر من معلوماتنا عن روما القديمة، من سجلات رومانية مكتوبة تشتمل على وثائق مثل المدونات القانونية والمعاهدات ومراسيم الأباطرة ومجلس الشيوخ الروماني. وهناك سجلات مكتوبة أخرى تتمثل في روائع الأدب اللاتيني. وكذلك في عدد كبير من الأعمال التي كتب مؤلفوها عن أحداث عاشوها. وتشتمل مثل هذه الأعمال على رسائل وخطب شيشرون ورسائل بلينيوس الأصغر. وكتب يوليوس قيصر عن فتحه بلاد الغال في كتابه تعليقات على الحرب الغالية. ويقدم المؤرخون الرومان الروايات التي ترتبط بعدد من الأحداث التي بسطها كتاب آخرون. فقد تحدث ليفيوس عن تطور روما منذ أصولها الأسطورية إلى عصره، وهو العصر الأوغسطي. كما وصف تاكيتوس فترة من التاريخ الروماني تمتد من الإمبراطور تيبريوس إلى الإمبراطور دومتيان. وكتب سويتونيوس سير الحكام من يوليوس قيصر إلى دومتيان.
كما أن المشاهد المنحوتة على النصب التذكارية تصور أحداثًا من التاريخ الروماني. فعمود تراجان، مثلاً، وعمود ماركوس أوريليوس، الموجودان في روما، يحكيان قصة الحملات العسكرية التي قام بها هذان الإمبراطوران.
كذلك فإن أنقاض المدن الرومانية تقدم لنا معلومات ذات قيمة كبيرة، فقد دُفنت كل من بومبي وهركيولانيم عندما ثار بركان فيزوف في 79م، وكلتا المدينتين في جنوب إيطاليا. وقد أظهرت الحفريات التي تمت الكثير من نواحي الحياة التي كانت عليها المدن الإيطالية في العصر الروماني.
تجدد الاهتمام بدراسة حضارة روما القديمة خلال عصر النهضة، وهي حركة ثقافية كبرى، امتدت عبر أوروبا منذ بداية القرن الرابع عشر حتى سنة 1600م. بدأ عصر النهضة في إيطاليا، عندما أعاد العلماء الكشف عن أعمال المؤلفين الإغريق والرومان القدامى. وفي العصور الحديثة فإن أول مؤلَّف تاريخي بارز عن روما كان للمؤرخ البريطاني إدوارد جبون، وهو بعنوان تاريخ انحطاط الإمبراطورية الرومانية وسقوطها. ظهر ما بين عامي 1776 و 1788م، وهو يتألف من ستة أجزاء. كما قام المؤرخ الألماني ثيودور مومسن ببعض الدراسات المهمة حول التشريع والتاريخ الروماني وكان لكتابه: تاريخ روما، الذي ظهر بين عامي 1854 و 1856م، تأثير على كل الدراسات التي تلته عن روما القديمة.