بومبي ( Pompeii )
بُوْمَبيْ مدينة قديمة في إيطاليا، اختفت بعد ثوران بركان فيزوف عام 79م. وظلت هذه المدينة مدفونةً تحت بقايا الحمم والرماد البركاني والأحجار مئات السنين. ولما أعيد اكتشاف بومبي في أوائل القرن الثامن عشر الميلادي عُرف الكثير عن تاريخها. وفي كل سنة تُعْطي الاكتشافاتُ في المنطقة حول بومبي بعض المعلومات الإضافية عن الفن القديم والعمارة بها، مما مكّن من التعرف على الحياة اليومية للرومان القدامى وعن أحوالهم وعاداتهم وأسلوب حياتهم.
الأيام الأولى:
لم تكن بومبي مدينةً مرموقةً، إلا أنها عرفت أكثر من المدن الرومانية الغنية بفضل بقاياها التي حفظت جيدًا. وتقع بومبي على هضبة خصيبة قديمة بالقرب من خليج نابولي. وتبعد أقل من 1,6 كم من قاع جبل فيزوف.لم يتمكن العلماء من التعرف بدقة على سكان بومبي الأصليين. فقد كانت هذه المنطقة في أوائل القرن السادس قبل الميلاد تحت نفوذ المستعمرات اليونانية القائمة على طول الساحل. ثم استوطنها أناس من الجبال يُطلق عليهم اسم السمنيين في بداية القرن الخامس قبل الميلاد. وظلت بومبي قرية قليلة الأهمية نسبيًا حتى القرن الثالث قبل الميلاد، وبعدها بقليل دخلت هذه البلدة فترة الازدهار من حيث البناء والاتســاع. وأصبحت بومبي جزءًا من المجتمع الروماني عام 91 قبل الميلاد.
وقد اتخذت بومبي شكلاً بيضيًا بلغ محيطه 3كم. وأحاط بها جدار كبير به سبعة أبواب. كما تقاطعت شوارعها بعضها مع بعض في زوايا قائمة ورصفت بكتل من الحُمم. ويرى المشاهد اليوم آثار طريق العجلات القديمة محفورة على أرصفتها. ويوجد ميدان فسيح به منصة في وسط هذه المدينة، وتحيط بالميدان مجموعة من المباني المهمة. كما يُوجد بهذه المدينة مسرح للتمثيل ومدرج كبير، وركن للمصارعين وكثير من المعابد وثلاثة حمامات عامة كبيرة.
وجذبت سماءُ بومبي الزرقاء الصافية الكثير من أغنياء الرومان، فبنوا فيها المساكن الكبيرة بالقرب من شواطئ البحر الأبيض المتوسط، حيث كانوا يستمتعون بمناخها المشمس الهادئ. فبنى أهل بومبي مساكنهم الخاصة هناك في جو ريفي محاط بكل وسائل الراحة التي توفرها الحياة المدنية. وتتكوَّن المساكن الكبيرة من قسمين: القسم الأول من بيت المالك وحدائقه، والقسم الآخر يكون عادة للفلاح، وبه حظائر البهائم والبساتين والحقول. وقد بُنيت معظمها على نمط البيت الروماني الأصيل بغرفه المجتمعة حول غرفة الاستقبال (حجرة استقبال الضيوف). كما يوجد بالمنازل السكنية في بومبي غالبًا متاجر على حافة الطريق. ويعتقد علماء الآثار أن معظم المباني بها أكثر من طابق واحد. كما شُيِّدت بعضُ الطوابق العليا من الخشب، وتبدو بارزةً وهي تطل على الشارع كما هو الحال في المنازل الفرنسية والإنجليزية في العصور الوسطى.
اشتُهرت بومبي برواج تجارتها في النبيذ والزيت والدقيق. كما أنها كانت سوقًا للمنتجات الريفية الغنية، وكان لمينائها صلات واسعة بحوض البحر الأبيض المتوسط. وكانت تعد أيضًا مركزًا صناعيًّا متخصصًا في إنتاج بعض السلع التي اشتهرت بها مثل أحجار الطاحون، وصلصة السمك، والعطور، والأقمشة. وضمت المدينة ذوي الأملاك الأثرياء والتّجّار الأغنياء، والصُّنّاع، وأصحاب المحلات، والفنانين، والعبيد.
ثورة بركان فيزوف:
حطَّمت الزلازلُ التي وقعت في عام 62م أو 63م كلاً من بومبي، ونابولي، وهركولانيم. فسقطت التماثيل وتهشمت الأعمدة وهوت بعض المنازل. وبدأ بركان فيزوف ثورته في ذلك الوقت. وعلى أية حال لم يعتقد القوم أن هناك خطرًا محدقًا، فعمدوا إلى إصلاح مدنهم. إلا أنه في صيف 79م ثار بركان فيزوف فجأة وبعنف شديد. وتدفقت بقايا الحمم فعمت هركولانيم وملأت المدينة وميناءها.وتحملت بومبي وابلاً من أمطار الرماد والأحجار. وامتلأ الجو المُكْفهِر بالغاز السام والأبخرة. وقد صوَّر الكاتب الروماني بليني الأصغر في رسالة له، ما قاساه حينما قاد والدته إلى مكان آمن عبر الأبخرة والأحجار المتساقطة. كما قاد عمه الكاتب بليني الأكبر أسطولاً أنقذ به بعض الناس. ثم رسا ليراقب البركان ومات على الشاطئ.
أمكن العثور على ما يقرب من ألفي ضحية من سكان بومبي الذين بلغ عددهم نحو 20,000 نسمة. فبعض الضحايا قد حبسوا في منازلهم فأودى بحياتهم الرماد الساخن. واستنشق الآخرون الأبخرة السامّة فلقوا مصرعهم أثناء هروبهم. ووجد علماء الآثار قوالب الأجسام التي حفظت في الرماد المتحجر. ولما قاموا بصب الجبس داخل هذه القوالب أمكنهم معرفة التفاصيل الدقيقة للأفراد، حتى وصلوا إلى ملامح الأسى التي كانت بادية على الوجوه.
نجد بالإضافة إلى بقايا هذه الحمم وابلاً من الرماد الساخن المبلل الذي تناثر على بومبي. ولما جفت هذه الحمم وهذا الرماد، غطت كل المدينة. ولم يظهر منها بعد ذلك سوى أعالي الجدران والأعمدة التي بدت فوق ما تبقى منها. وقام بعض الذين نجوا بحفر الأرض بغية الحصول على مقتنياتهم الثمينة التي تركوها وراءهم حتى تمكنوا من أخذ تماثيلهم ورخامهم ونحاسهم. ومع ذلك فقد كشفت مجموعة الثورات البركانية المتلاحقة وعوامل التعرية عن الآثار الأخيرة لهذه المدينة.
ولم يهدم بركان فيزوف بومبي فحسب بل امتدت آثاره إلى المدن المجاورة مثل ستابيا وهركولانيم. ★ تَصَفح: هركولانيم. وأدّى إلى تغيير المعالم الجغرافية لإقليم كامبانيا حول بومبي. كما حوَّل مجرى نهر السارنو ورفع ساحل البحر لدرجة تعذرت معها معرفة موقع المدينة المدفونة. وظلت بومبي تحت الركام والرماد مدة تقرب من 1700 سنة.
قارورة من الزجاج الأزرق وجدت في بومبي بإيطاليا، وتبين أن عملية نفخ الزجاج كانت عملية فنية متقدمة في المدينة القديمة. |
أرضية من الفسيفساء تبين المهارة الفنية لفناني بومبي. ويصور هذا الرسم الفسيفسائي كلبًا مطوقًا مربوطًا. |
منضدة نحاسية صنعت أرجلها على شكل أرجل وأقدام أسد، وهي تبين المهارة الفنية لفناني بومبي. |
الحفريات:
لم تدخل هذه المدينة المدفونة طي النسيان. فقد نقَّب الفلاحون الذين بقوا على قيد الحياة عن الكنوز الدفينة. ولم يكونوا يقومون بعمليات الحفر علانية، بل تسللوا عبر السراديب المؤدِّية إلى المستودعات والمنازل. واكتشف العمال الذين حفروا في باطن الأرض خلال القرن السادس عشر الميلادي، بغية تحويل مجرى نهر السارنو، بعض أجزاء من المدرج والمنصة والمعبد. لكنهم لم يهتموا بهذه الاكتشافات.وفي عام 1748م، عثر أحد الفلاحين على حائط مدفون أثناء حفره في كرم. واسترعى هذا الاكتشاف انتباه السلطات في إيطاليا، وسرعان ما هُرِع الناس إلى القيام بعمليات حفر في هذه المنطقة. وكان الحفَّارون يأملون في بادىء الأمر أن يكتشفوا أشياء يثرون بها متاحف ملوك الصقليين.
واستمرت عمليات التنقيب عن المباني المهمة مثل المنصة والمدرج والمسرح والبيوت الكبيرة ما يقرب من المائة عام، وبعد سنة 1860م ترأس جوسيب فيورلِّي عمليات الحفر، فوضع أساسًا لأول نظام للكشف عن المدينة بأسرها صفًا بعد صف. وفي مستهل القرن العشرين قرر علماء الآثار عدم نقل الكنوز من المدينة، بل عملوا على الاحتفاظ بها هنالك، كما قرروا إعادة بناء المباني لتعود إلى حالتها الأصلية بقدر المستطاع. وبذلت الحكومة الإيطالية أموالا طائلة لهذا العمل.
البقايا:
تم الآن الكشف عما يقرب من ثلاثة أرباع بومبي. إذ يرى الزائرون المباني كما كانت منذ ألفي سنة تقريبًا. وقد يسيرون داخل البيوت وخارجها وفي الممرات الضيقة الصاعدة والهابطة كما كان يعمل أهل بومبي من قبل. وقد يشاهدون أيضًا بقايا الميدان العام القديم وحوله كثير من المباني. كما يشاهدون معبد جوبيتر (كبير الآلهة عند قدماء الرومان) الذي كان قد أضحى خرابًا عند ثوران البركان. وقد يتجولون في الصالات العامة الرومانية القديمة، ويعجبون بمعابد أبولو (إله الجمال) وفورتونا أوغسطا (إلاهة الحظ) كما ورد في أساطيرهم القديمة.وقد اكتشف العمال جزءًا كبيرًا من حائط المدينة. إلا أن الفاجعة الكبرى (ثورة البركان) حدثت أثناء إعداد العدة لإجراء انتخابات محلية. فلقد شوهدت بعض الشعارات الانتخابية على حوائط المنازل وفُقدت بعدها الكثير من الأشياء الثمينة. ويعتقد المؤرخون أن أهل بومبي حملوا معهم الكثير من الأمتعة حينما ولوَّا هاربين من المدينة. فلقد عثر العمال على الحُلي من أساور، وأقراط، وفصوص الماس، والعملة النقدية. كما اكتشفوا أيضًا المحتويات المنزلية مثل التماثيل الفضية، والنحاسية، والعاجية وبعض الأدوات المصنوعة من المعادن والزجاج. وأعيد إلى النور كثير من الكنوز المنزلية بالقرب من بوسكوريل، وهي مدينة قريبة من نابولي. كما عُرض الكثير من محتويات بومبي في المتحف القومي في نابولي، وهي التي تبعد عن بومبي نحو 21كم.
★ تَصَفح أيضًا: فيزوف.