الرئيسيةبحث

منهاج السنة النبوية/6



والفلاسفة يتناقضون فإنهم يثبتون للأول غاية ويثبتون العلل الغائية في إبداعه وهذا يستلزم الإرادة

وإذا فسروا الغاية بمجرد العلم وجعلوا العلم مجرد الذات كان هذا في غاية الفساد والتناقض فإنا نعلم بالضرورة أن الإرادة ليست مجرد العلم وأن العلم ليس هو مجرد العالم لكن هذا من تناقض هؤلاء الفلاسفة في هذا الباب فإنهم يجعلون المعاني المتعددة معنى واحدا فيجعلون العلم هو القدرة وهو الإرادة ويجعلون الصفة هي نفس الموصوف كما يجعلون العلم هو نفس العالم والقادر هو القدرة والإرادة هي المريد والعشق هو العاشق

وهذا قد صرح به فضلاؤهم وحتى المنتصرون لهم مثل ابن رشد الحفيد الذي رد على أبي حامد الغزالي في تهافت التهافت وأمثاله

وأيضا فلو قدر وجود ذات مجردة عن المشيئة والاختيار فيمتنع أن يكون العالم صادرا عن موجب بالذات بهذا التفسير لأن الموجب بالذات بهذا الاعتبار يستلزم موجبه ومقتضاه فلو كان مبدع العالم موجبا بالذات بهذا التفسير لزم أن لا يحدث في العالم شيء وهو خلاف المشاهدة فقولهم بالموجب بالذات يستلزم نفي صفاته ونفي أفعاله ونفي حدوث شيء من العالم وهذا كله معلوم البطلان

وأبطل من ذلك أنهم جعلوه واحدا بسيطا وقالوا إنه لا يصدر عنه إلا واحد ثم احتالوا في صدور الكثرة عنه بحيل تدل على عظيم حيرتهم وجهلهم بهذا الباب كقولهم إن الصادر الأول هو العقل الأول وهو موجود واجب بغيره ممكن بنفسه ففيه ثلاث جهات فصدر عنه باعتبار وجوبه عقل آخر وباعتبار وجوده نفس وباعتبار إمكانه فلك وربما قالوا وباعتبار وجوده صورة الفلك وباعتبار إمكانه مادته وهم متنازعون في النفس الفلكية هل هي جوهر مفارق له أم عرض قائم به

ولهذا أطنب الناس في بيان فساد كلامهم وذلك أن هذا الواحد الذي فرضوه لا يتصور وجوده إلا في الأذهان لا في الأعيان ثم قولهم الواحد لا يصدر عنه إلا واحد قضية كلية وهم لو علموا ثبوتها في بعض الصور لم يلزم أن تكون كلية إلا بقياس التمثيل فكيف وهم لا يعلمون واحدا صدر عنه شيء

وما يمثلون به من صدور التسخين عن النار والتبريد عن الماء باطل فإن تلك الآثار لا تصدر إلا عن شيئين فاعل وقابل والأول تعالى كل ما سواه صادر عنه ليس هناك قابل موجود

وإن قالوا الماهيات الثابتة في الخارج الغنية عن الفاعل هي القابل كان هذا باطلا من وجوه

منها أن هذا بناء على أصلهم الفاسد وهو إثبات ماهيات موجودة في الخارج مغايرة للأعيان الموجودة وهذا باطل قطعا وما يذكرونه من أن المثلث يتصور قبل أن يعلم وجوده لا يدل على ثبوت المثلث في الخارج بل يدل على ثبوته في الذهن ولا ريب في حصول الفرق بين ما في الأذهان وما في الأعيان ومن هنا كثر غلطهم فإنهم تصوروا أمورا في الأذهان فظنوا ثبوتها في الأعيان كالعقول والماهيات الكلية والهيولي ونحو ذلك

ومنها أن الماهيات هي بحسب ما يوجد فكل ما وجد له عندهم ماهية كما يقوله من يقول إن المعدوم شيء من المعتزلة والشيعة فلا يجوز قصر الموجودات على أمور لتوهم أنه لا ماهية تقبل الوجود غيرها ومنها أن يقال الماهيات الممكنة في نفسها لا نهاية لها

ومنها أن يقال الواحد المشهود الذي تصدر عنه الآثار له قوابل موجودة والباري تعالى هو المبدع لوجود كل ما سواه فلا يعلم أمر صادر عن ممكن إلا عن شيئين فصاعدا مع أنه قد يكون هناك مانع يمنع التأثير وليس في الموجودات ما يصدر عنه وحده شيء إلا الله تعالى

فقولهم الواحد لا يصدر عنه إلا واحد قضية كلية إن أدرجوا فيها ما سوى الله فذاك لا يصدر عنه وحده شيء وإن لم يريدوا بها إلا الله وحده فهذا محل النزاع وموضع الدليل فكيف يكون المدلول عليه هو الدليل وذلك الواحد لا يعلمون حقيقته ولا كيفية الصدور عنه

وأيضا فالواحد الذي يثبتونه هو وجود مجرد عن الصفات الثبوتية عن بعضهم كابن سينا وأتباعه أو عن الثبوتيه والسلبية عند بعضهم وهذا لا حقيقة له في الخارج بل يمتنع تحققه في الخارج وإنما هو أمر يقدر في الأذهان كما تقدر الممتنعات ولهذا كان ما ذكره ابن سينا في هذا الباب مما نازعه فيه ابن رشد وغيره من الفلاسفة وقالوا إن هذا ليس هو قول أئمة الفلاسفة وإنما ابن سينا وأمثاله أحدثوه ولهذا لم يعتمد عليه أبو البركات صاحب المعتبرة وهو من أقرب هؤلاء إلى اتباع الحجة الصحيحة بحسب نظره والعدول عن تقليد سلفهم مع أن أصل آمرهم وحكمتهم أن العقليات لا تقليد فيها

وأيضا فإذا لم يصدر عنه إلا واحد كما يقولونه في العقل الأول فذلك الصادر الأول إن كان واحدا من كل وجه لزم أن لا يصدر عنه إلا واحد وهلم جرا وإن كان فيه كثرة ما بوجه من الوجوه والكثرة وجودية كان قد صدر عن الأول أكثر من واحد وإن كانت عدمية لم يصدر عنها وجود فلا يصدر عن الصادر الأول واحد

وأما احتجاجهم على ذلك بقولهم لو صدر عنه شيئان لكان مصدر هذا غير مصدر ذلك ولزم التركيب

فيقال أولا ليس الصدور عن الباري كصدور الحرارة عن النار بل هو فاعل بالمشيئته والاختيار ولو قدر تعدد المصدر فهو تعدد أمور إضافية وتعدد الإضافات والسلوب ثابتة له بالاتفاق ولو فرض أنه تعدد صفات فهذا يستلزم القول بثبوت الصفات وهذا حق

وقولهم إن هذا تركيب والتركيب ممتنع قد بينا فساده بوجوه كثيرة في غير هذا الموضع وبينا أن لفظ التركيب والافتقار والجزء والغير ألفاظ مشتركة مجملة وأنها لا تلزم بالمعنى الذي دل الدليل على نفيه وإنما تلزم بالمعنى الذي لا ينفيه الدليل بل يثبته الدليل

والمقصود هنا أن الموجب بالذات إذا فسر بهذا فهو باطل وأما إذا فسر الموجب بالذات بأنه الذي يوجب مفعوله بمشيئته وقدرته لم يكن هذا المعنى منافيا لكونه فاعلا بالاختيار بل يكون فاعلا بالاختيار موجبا بذاته التي هي فاعل قادر مختار وهو موجب بمشيئته وقدرته

وإذا تبين أن الموجب بالذات يحتمل معنيين أحدهما لا ينافى كونه فاعلا بمشيئته وقدرته والآخر ينافي كونه فاعلا بمشيئته وقدرته فمن قال القادر لا يفعل إلا على وجه الجواز كما يقوله من يقوله من القدرية والجهمي يجعل الفعل بالاختيار منافيا للإيجاب لا يجامعه بوجه من الوجوه ويقولون إن القادر المختار لا يكون قادرا مختارا إلا إذا فعل على وجه الجواز لا على وجه الوجوب والجمهور من أهل السنة وغيرهم يقولون القادر هو الذي إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل لكنه إذا شاء أن يفعل مع قدرته لزم وجود فعله فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فإنه قادر على ما يشاء ومع القدرة التامة والمشيئة الجازمة يجب وجود الفعل

ولهذا صارت الأقوال ثلاثة

فالفلاسفة يقولون بالموجب بالذات المجردة عن الصفات أو الموصوف بالصفات الذي يجب أن يقارنه موجبه المعين أزلا وأبدا

والقدرية من المعتزلة وغيرهم من الجهمية ومن وافقهم من غيرهم يقولون بالفاعل المختار الذي يفعل على وجه الجواز لا على وجه الوجوب

ثم منهم من يقول يفعل لا بإرادة بل المريد عندهم هو الفاعل العالم ومنهم من يقول بحدوث الإرادة وما يحدثه من إرادة أو فعل فهو يحدثه بمجرد القدرة فإن القادر عندهم يرجح بلا مرجح ثم القدرية من هؤلاء يقولون يريد ما لا يكون ويكون ما لا يريد وقد يشاء ما لا يكون ويكون مالا يشاء بخلاف المجبرة والجمهور من أهل السنة وغيرهم المثبتين للقدر والصفات يقولون إنه فاعل بالاختيار وإذا شاء شيئا كان وإرادته وقدرته من لوازم ذاته سواء قالوا بإرادة واحدة قديمة أو بإرادات متعاقبة أو بإرادات قديمة تستوجب حدوث إرادات أخر فعلى كل قول من هذه الأقوال الثلاثة يجب عندهم وجود مراده

وإذا فسر الإيجاب بالذات بهذا المعنى كان النزاع لفظيا فالدليل الذي ذكرناه يمكن تصوره بلفظ الموجب بالذات ولفظ العلة والمعلول ولفظ المؤثر والأثر ولفظ الفاعل المختار وهو بجميع هذه العبارات يبين امتناع قدم شئ من العالم ووجوب حدوث كل ما سوى الله

وهنا أمر آخر وهو أن الناس تنازعوا في الفاعل المختار هل يجب أن تكون إرادته قبل الفعل ويمتنع مقارنتها له أم يجب مقارنة إرادته التي هي القصد للفعل وما يتقدم الفعل يكون عزما لا قصدا أم يجوز كل من الأمرين على ثلاثة أقوال

ونحن قد بينا وجوب حدوث كل ما سوى الله على كل قول من الأقوال الثلاثة قول من يوجب المقارنة وقول من يقول بأن المقارنة ممتنعة وقول من يجوز الأمرين وكذلك تنازعوا في القدرة هل يجب مقارنتها للمقدور ويمتنع تقديمها أم يجب تقدمها على المقدور ويمتنع مقارنتها أم تتصف بالتقدم والمقارنة على ثلاثة أقوال أيضا

وفصل الخطاب أن الإرادة الجازمة مع القدرة التامة مستلزمة للفعل ومقارنة له فلا يكون الفعل بمجرد قدرة متقدمة غير مقارنة ولا بمجرد إرادة متقدمة غير مقارنة بل لا بد عند وجود الأثر من وجود المؤثر التام ولا يكون الفعل بفاعل معدوم حين الفعل ولا بقدرة معدومة حين الفعل ولا بإرادة معدومة حين الفعل وقبل الفعل لا تجتمع الإرادة الجازمة والقدرة التامة فإن ذلك مستلزم للفعل فلا يوجد إلا مع الفعل لكن قد يوجد قبل الفعل قدرة بلا إرادة وإرادة بلا قدرة كما قد يوجد عزم على أن يفعل فإذا حضر وقت الفعل قوي العزم فصار قصدا فتكون الإرادة حين الفعل أكمل مما كانت قبله وكذلك القدرة حين الفعل أكمل مما كانت قبله

وبهذا كان العبد قادرا قبل الفعل القدرة المشروطة في الأمر التي بها يفارق العاجز كما قوله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم سورة التغابن 16 وقوله ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا سورة آل عمران 97 وقوله فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا سورة المجادلة 4 فإن هذه الاستطاعة لو لم تكن إلا مقارنة للفعل لم يجب الحج على من لم يحج ولا وجب على من لم يتق الله أن يتقي الله ولكان كل من لم يصم الشهرين المتتابعين غير مستطيع للصيام وهذا كله خلاف هذه النصوص وخلاف إجماع المسلمين

فمن نفى هذه القدرة من المثبتين للقدر وزعم أن الاستطاعة لا تكون إلا مع الفعل فقد بالغ في مناقضة القدرية الذين يقولون لا تكون الاستطاعة إلا قبل الفعل

فإن هؤلاء أخطأوا حيث زعموا ذلك وقالوا إن كل ما يقدر به العبد على الإيمان والطاعة فقد سوى الله فيه بين المؤمن والكافر بل سوى بينهما في كل ما يمكن أن يعطيه للعبد مما به يؤمن ويطيع

وهذا القول فاسد قطعا فإنه لو كانا متساويين في جميع أسباب الفعل لكان اختصاص أحدهما بالفعل دون الآخر ترجيحا لأحد المتماثلين على الآخر من غير مرجح وهذا هو أصل هؤلاء القدرية الذين يقولون إن الفاعل القادر يرجح أحد طرفي مقدورية على الآخر بلا مرجح وهذا باطل وإن وافقهم عليه بعض المثبتين للقدر

وإما المثبتون للقدر المخالفون لهم في هذا الأصل فمنهم طائفة إذا تكلموا في مسائل القدر وخلق أفعال العباد قالوا إن القادر لا يرجح احد مقدورية على الآخر إلا بمرجح لكن إذا تكلموا في مسائل فعل الله وحدوث العالم والفرق بين الموجب والمختار ومناظرة الدهرية تجد كثيرا منهم يناظرهم مناظرة من قال من القدرية والجهمية المجبرة بأن الفاعل المختار يرجح أحد مقدورية بلا مرجح

وبهذا ظهر اضطرابهم في هذه الأصول الكبار التي يدورون فيها بين أصول القدرية والجهمية المجبرة المعطلة لحقيقة الأمر والنهي والوعد والوعيد ولصفة الله في خلقه وأمره وبين أصول الفلاسفة الدهريه المشركين

وإن كانوا من الصابئين فهم من الصابئين المشركين لا من الصابئين الحنفاء الذين أثنى عليهم القرآن فإن أولئك يعبدون الكواكب ويبنون لها الهياكل ويتخذون فيها الأصنام وهذا دين المشركين وهو دين أهل مقدونية وغيرها من مدائن هؤلاء الفلاسفة الصابئة المشركين

والإسكندر الذي وزر له أرسطو هو الإسكندر بن فيلبس المقدوني الذي تؤرخ له اليهود والنصارى وكان قبل المسيح عليه السلام بثلاثمائة عام ليس هو ذا القرنين المذكور في القرآن فإن هذا كان متقدما عليه وهو من الحنفاء وذاك هو ووزيره أرسطو كفار يقولون بالسحر والشرك

ولهذا كانت الإسماعيلية أخذت ما يقوله هؤلاء في العقل والنفس وما تقوله المجوس من النور والظلمة فركبوا من ذلك ومن التشيع وعبروا عن ذلك بالسابق والتالي كما قد بسط في موضعه

وأصل المشركين والمعطلة باطل وكذلك أصل المجوس والقدرية تخرج بعض الحوادث عن خلق الله وقدرته ويجعلون له شريكا في الملك

وهؤلاء الدهرية شر منهم في ذلك فإن قولهم يستلزم إخراج جميع الحوادث عن خلق الله وقدرته وإثبات شركاء كثيرين له في الملك بل يستلزم تعطيل الصانع بالكلية ولهذا كان معلمهم الأول أرسطو وأتباعه إنما يثبتون الأول الذي يسمونه العلة الأولى بالاستدلال بحركة الفلك فإنهم قالوا هي اختيارية شوقية فلا بد أن يكون لها محرك منفصل عنها وزعموا أن المتحرك بالإرادة لا بد له من محرك منفصل عنه وإن كان هذا قولا لا دليل عليه بل هو باطل

قالوا والمحرك لها يحركها كما يحرك الإمام المقتدي به للمأموم المقتدي وقد يشبهونها بحركة المعشوق للعاشق فإن المحبوب المراد يتحرك إليه المحب المريد من غير حركة من المحبوب قالوا وذلك العشق هو عشق التشبه بالأول

وهكذا وافقه متأخروهم كالفارابي وابن سينا وأمثالهما وهؤلاء كلهم يقولون إن سبب الحوادث في العالم إنما هو حركات الأفلاك وحركات الأفلاك حادثة عن تصورات حادثة وإرادات حادثة شيئا بعد شيء وإن كانت تابعة لتصور كلي وإرادة كلية كالرجل الذي يريد القصد إلى بلد معين مثل مكة مثلا فهذه إرادة كلية تتبع تصورا كليا ثم إنه لا بد أن يتجدد له تصورات لما يقطعه من المسافات وإرادات لقطع تلك المسافات فهكذا حركة الفلك عندهم لكن مراده الكلي هو التشبه بالأول ولهذا قالوا الفلسفة هي التشبه بالأول بحسب الإمكان

فإذا كان الأمر كذلك عندهم فمعلوم أن العلة الغائية المنفصلة عن المعلول لا تكون هي العلة الفاعلة وإذا كان الفلك ممكنا متحركا بإرادته واختياره فلا بد من مبدع له أبدعه كله بذاته وصفاته وأفعاله كالإنسان ولا بد لهذه التصورات والإرادات والحركات الحادثة أن تنتهي إلى واجب بنفسه قديم تكون صادرة عنه سواء قيل إنها صادرة بوسط أو بغير وسط

وهؤلاء لم يثبوا شيئا من ذلك بل لم يثبتوا إلا علة غائية للحركة

فكان حقيقة قولهم أن جميع الحوادث من العالم العلوي والسفلى ليس لها فاعل يحدثها أصلا بل ولا لما يستلزم هذه الحوادث والعناصر وكل من أجزاء العالم مستلزم للحوادث

ومن المعلوم في بدائه العقول أن الممكن المفتقر إلى غيره ممتنع وجوده بدون واجب الوجود وأن الحوادث يمتنع وجودها بدون محدث ومتأخروهم كابن سينا وأمثاله يسلمون أن العالم كله ممكن بنفسه ليس بواجب بنفسه ومن نازع في ذلك من غلاتهم فقوله معلوم الفساد بوجوه كثيرة فإن الفقر والحاجة لازمان لكل جزء من أجزاء العالم لا يقوم منه شيء إلا بشيء منفصل عنه

وواجب الوجود مستغن عنه بنفسه لا يفتقر إلى غيره بوجه من الوجوه وليس في العالم شيء يكون هو وحده محدثا لشيء من الحوادث وكل من الأفلاك له حركة تخصه ليست حركته عن حركة الأعلى حتى يقال أن الأعلى هو المحدث لجميع الحركات ولا في الوجود شيء حادث عن سبب بعينه لا عن حركة الشمس ولا القمر ولا الأفلاك ولا العقل الفعال ولا شيء مما يظن بل أي جزء من العالم اعتبرته وجدته لا يستقل بإحداث شيء ووجدته إذا كان له أثر في شيء كالسخونة التي تكون للشمس مثلا فله مشاركون في ذلك الشيء بعينه كالفاكهة التي للشمس مثلا أثر في إنضاجها ثم إيباسها وتغيير ألوانها ونحو ذلك لا يكون إلا بمشاركة من الماء والهواء والتربة وغير ذلك من الأسباب ثم كل من هذه الأسباب لا يتميز أثره عن أثر الآخر بل هما متلازمان

فإذا قالوا العقل الفعال للفعل خلع عليه صورة عند استعداده وبالامتزاج قبل الصورة مثلا كالطين الذي يحدث فيه عن امتزاج الماء والتراب أثر ملازم لهذا الامتزاج لا يمكن وجود أحدهما دون الآخر فإذا كان المؤثر فيهما اثنين لزم أن يكونا متلازمين لامتناع وجود أثر أحدهما دون الآخر ويمتنع اثنان متلازمان كل منهما واجب الوجود لأن واجب الوجود لا يكون وجوده مشروطا بوجود غيره ولا تأثيره مشروطا بتأثير غيره إذ لو كان كذلك لكان مفتقرا إلى غيره فلا يكون واجبا بنفسه غنيا عما سواه فكل ما افتقر إلى غيره في نفسه أو شيء من صفاته أو أفعاله لا يكون مستغنيا بنفسه بل يكون مفتقرا إلى غيره ومن كان فقيرا إلى غيره ولو بوجه لم يكن غناه ثابتا له بنفسه

وقد علم بالاضطرار أنه لا بد من وجود غنى بنفسه عما سواه من كل وجه فإن الموجود إما ممكن وإما واجب والممكن لا بد له من واجب فثبت وجود الواجب على التقديرين

وكذلك يقال للوجود إما محدث وإما قديم والمحدث لا بد له من قديم فثبت وجود القديم على التقديرين

وكذلك يقال إما فقير وإما غني والفقير لا بد له من غنى فثبت وجود الغنى على التقديرين

وكذلك يقال الموجود إما قيوم وإما غير قيوم وغير القيوم لا بد له من قيوم فثبت وجود القيوم على التقديرين

وكذلك يقال إما مخلوق وإما غير مخلوق والمخلوق لا بد له من خالق غير المخلوق فثبت وجود الموجود الذي ليس بمخلوق على التقديرين

ثم ذلك الموجود الواجب بنفسه القديم الغني بنفسه القيوم الخالق الذي ليس بمخلوق يمتنع أن يكون مفتقرا إلى غيره بجهة من الجهات فإنه إن افتقر إلى مفعوله ومفعوله مفتقر إليه لزم الدور في المؤثرات وإن افتقر إلى غيره وذلك الغير مفتقر إلى غيره لزم التسلسل في المؤثرات وكل من هذين معلوم البطلان بصريح العقل واتفاق العقلاء

فإن امتنع أن يكون فاعلا لنفسه فهو يمتنع أن يكون فاعلا لفاعل بنفسه بطريق الأولى وسواء عبر بلفظ الفاعل أو الصانع أو الخالق أو العلة أو المبدأ أو المؤثر فالدليل يصح بجميع هذه العبارات

وكذلك يمتنع تقدير مفعولات ليس فيها فاعل غير مفعول وهو تقدير آثار ليس فيها مؤثر وتقدير ممكنات ليس فيها واجب بنفسه فإن كل واحد من ذلك ممكن فقير ومجموعها مفتقر إلى كل من آحادها فهو أيضا فقير ممكن وكلما زادت السلسلة زاد الفقر والاحتياج وهو في الحقيقة تقدير معدومات لا تتناهى فإن كثرتها لا تخرجها عن كونها معدومات فيمتنع أن يكون فيها موجود وهذا كله مبسوط في موضعه

والمقصود هنا أنه لا بد من وجود الموجود الغني القديم الواجب بنفسه الغني عما سواه من كل وجه بحيث لا يكون مفتقرا إلى غيره بوجه من الوجوه وكل ما في العالم فهو مفتقر إلى غيره والفقر ظاهر في كل جزء من العالم لمن تدبره لا يحدث شيئا بنفسه ألبتة بل لا يستغنى بنفسه ألبتة فيمتنع أن يكون واجب الوجود

فلا بد أن يكون الواجب القيوم الغني مباينا للعالم ويجب أن يثبت له كل كمال ممكن الوجود لا نقص فيه فإنه إن لم يتصف به لكان الكمال إما ممتنعا عليه وهو محال لأن التقدير أنه ممكن الوجود ولأن الممكنات متصفة بكمالات عظيمة والخالق أحق بالكمال من المخلوق والقديم أحق به من الحادث والواجب أحق به من الممكن لأنه أكمل وجودا منه والأكمل أحق بالكمال من غير الأكمل ولأن كمال المخلوق من الخالق فخالق الكمال أحق بالكمال وهم يقولون كمال المعلول من كمال العلة وإذا لم يكن الكمال ممتنعا عليه فلا بد أن يكون واجبا له إذ لو كان ممكنا غير واجب ولا ممتنع لافتقر في ثبوته له إلى غيره وما كان كذلك لم يكن واجب الوجود بنفسه فما أمكن له من الكمال فهو واجب له

ويمتنع أن يكون مفعوله مقارنا له أزليا معه لوجوه

أحدها أن مفعوله مستلزم للحوادث لا ينفك عنها وما يستلزم الحوادث يمتنع أن يكون معلولا لعلة تامة أزلية فإن معلول العلة التامة الأزلية لا يتأخر منه شيء ولو تأخر منه شيء لكانت علة بالقوة لا بالفعل ولافتقرت في كونها فاعلة له إلى شيء منفصل عنها وذلك ممتنع فوجب أن يكون مفعولا له لا يكون عنه إلا شيئا بعد شيء فكل ما هو مفعول له فهو حادث بعد أن لم يكن ولأن كونه مقارنا له في الأزل يمنع كونه مفعولا له فإن كون الشيء مفعولا مقارنا ممتنع عقلا ولا يعقل في الموجودات شيء معين هو علة تامة لمعلول مباين له أصلا بل كل ما يقال إنه علة إما أن يكون تأثيره متوقفا على غيره فلا تكون تامة وإما أن لا يكون مباينا له على رأي من يقول العلم علة للعالمية عند من يثبت الأحوال وإلا فجمهور الناس يقولون العلم هو العالمية

وأما إذا قيل الذات موجبة للصفات أو علة لها فليس لها في الحقيقة فعل ولا تأثير أصلا

وإما إذا قدر شيء مؤثر في غيره وقدر أنهما متقارنان متساويان لم يسبق أحدهما الآخر سبقا زمانيا فهذا لا يعقل أصلا

وأيضا فكونه متقدما على غيره من كل وجه صفة كمال إذ المتقدم على غيره من كل وجه أكمل ممن يتقدم من وجه دون وجه

وإذا قيل الفعل أو تقدير الفعل لا يجوز أن يكون له ابتداء أو غير ذلك كالحركة أو الزمان

قيل إن كان هذا باطلا فقد اندفع وإن كان صحيحا فالمثبت إنما هو الكمال الممكن الوجود

وحينئذ فإذا كان النوع دائما فالممكن والأكمل هو التقدم على كل فرد من الأفراد بحيث لا يكون في أجزاء العالم شيء يقارنه بوجه من الوجوه وأما دوام الفعل فهو أيضا من الكمال فإن الفعل إذا كان صفة كمال فداوحه دوام الكمال وإن لم يكن صفة كمال لم يجب دوامه فعلى التقديرين لا يكون شيء من العالم قديما معه والكلام على هذا مبسوط في غير هذا الموضع

وإنما كان المقصود هنا التنبيه على مآخذ المسلمين في مسألة التعليل فالمجوزون للتعليل يقولون الذي دل عليه الشرع والعقل أن كل ما سوى الله محدث كائن بعد أن لم يكن وأما كون الرب لم يزل معطلا عن الفعل ثم فعل فهذا ليس في الشرع ولا في العقل ما يثبته بل كلاهما يدل على نقيضه

وإذا عرف الفرق بين نوع الحوادث وبين أعيانها وعلم الفرق بين قول المسلمين وأهل الملل وأساطين الفلاسفة الذين يقولون بحدوث كل واحد واحد من العالم العلوي والسفلي وبين قول أرسطو وأتباعه الذين يقولون بقدم الأفلاك والعناصر تبين ما في هذا الباب من الخطأ والصواب وهو من أجل المعارف وأعلى العلوم فهذا جواب من يقول بالتعليل لمن احتج عليه بالتسلسل في الآثار

وأما حجة الاستكمال فقالوا الممتنع أن يكون الرب تعالى مفتقرا إلى غيره أو أن يكون ناقصا في الأزل عن كمال يمكن وجوده في الأزل كالحياة والعلم وإذا كان هو القادر الفاعل لكل شيء لم يكن محتاجا إلى غيره بوجه من الوجوه بل العلل المفعولة هي مقدورة ومرادة له والله تعالى يلهم عباده الدعاء ويجيبهم ويلهمهم التوبة ويفرح بتوبتهم إذا تابوا ويلهمهم العمل ويثيبهم إذا عملوا ولا يقال إن المخلوق أثر في الخالق أو جعله فاعلا للإجابة والإثابه والفرح بتوبتهم فإنه سبحانه هو الخالق لذلك كله له الملك وله الحمد شريك له في شيء من ذلك ولا يفتقر فيه إلى غيره والحوادث التي لا يمكن وجودها إلا متعاقبة لا يكون عدمها في الأزل نقصا

قالوا وأما قولهم هذا يستلزم قيام الحوادث به

فيقال أولا هذا قول من هم من أكبر شيوخ المعتزلة والشيعة كهشام بن الحكم وأبي الحسين البصري ومن تبعهما وهو لازم لسائرهم والشيعة المتأخرون أتباع المعتزلة البصريين في هذا الباب هم والمعتزلة البصريون يقولون إنه صار مدركا بعد أن لم يكن لأن الإدراك عندهم كالسمع والبصر إنما يتعلق بالموجود وهم يقولون صار مريدا بعد أن لم يكن وأما البغداديون فإنهم وإن أنكروا الإدراك والإرادة فهم يقولون صار فاعلا بعد أن لم يكن قالوا وهذا قول بتجدد أحكام له وأحوال

ولهذا قيل إن هذه المسألة تلزم سائر الطوائف حتى الفلاسفة وقد قال بها من أساطينهم الأولين وفضلائهم المتأخرين غير واحد ويقال إن الأساطين الذين كانوا قبل أرسطو أو كثير منهم كانوا يقولون بها وقال بها أبو البركات صاحب المعتبر وغيره وهو قول طوائف من أهل الكلام من المرجئة والشيعة والكرامية وغيرهم كأبي معاذ التومني والهشامين

وأما جمهور أهل السنة والحديث فإنهم يقولون بها أو بمعناها وإن كان منهم من لا يختار إلا أن يطلق الألفاظ الشرعية ومنهم من يعبر عن المعنى الشرعي بالعبارات الدالة عليه مثل حرب الكرماني ونقله عن الأئمة ومثل عثمان بن سعيد الدارمي ونقله عن أهل السنة ومثل البخاري صاحب الصحيح وأبي بكر بن خزيمة الملقب إمام الأئمة ومثل أبي عبدالله بن حامد وأبي اسماعيل الأنصارى الملقب بشيخ الإسلام ومن لا يحصي عدده إلا الله

والمعتزلة كانوا ينكرون أن يقوم بذات الله صفة أو فعل وعبروا عن ذلك بأنه لا تقوم به الأعراض والحوادث فوافقهم أبو محمد عبدالله ابن سعيد بن كلاب على نفى ما يتعلق بمشيئته وقدرته وخالفهم في نفي الصفات ولم يسمها أعراضا ووافقه على ذلك الحارث المحاسبي ويقال إنه رجع عن ذلك وبسبب مذهب ابن كلاب هجرة الإمام أحمد بن حنبل وقيل إنه تاب منه

وصار النزاع في هذا الأصل بين طوائف الفقهاء فما من طائفة من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد إلا وفيهم من يقول بقول ابن كلاب في هذا الأصل كأبي الحسن والتميمي والقاضي أبي بكر والقاضي أبي يعلى وأبي المعالي الجويني وابن عقيل وابن الزاغوني وفيهم من يقول بقول جمهور أهل الحديث كالخلال وصاحبه أبي بكر عبد العزيز وأبي عبد الله بن حامد وأبي عبد الله بن منده وأبي اسماعيل الأنصاري وأبي نصر السجزى وأبي بكر محمد بن اسحق بن خزيمة وأتباعه

وجماع القول في ذلك أن الباري تعالى هل يقوم به ما يتعلق بمشيئته وقدرته كالأفعال الاختيارية على هذين القولين

قال المثبتون لذلك وللتعليل نحن نقول لمن أنكر ذلك من المعتزلة والشيعة ونحوهم أنتم تقولون إن الرب كان معطلا في الأزل لا يتكلم ولا يفعل شيئا ثم أحدث الكلام والفعل بلا سبب حادث أصلا فلزم ترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر بلا مرجح وبهذا استطالت عليكم الفلاسفة وخالفتهم أئمة أهل الملل وأئمة الفلاسفة في ذلك وظننتم أنكم أقمتم الدليل على حدوث العالم بهذا حيث ظننتم أن ما لا يخلو عن نوع الحوادث يكون حادثا لامتناع حوادث لا نهاية لها

وهذا الأصل ليس معكم به كتاب ولا سنة ولا أثر عن الصحابة والتابعين بل الكتاب والسنة والآثار عن الصحابة والقرابة وأتباعهم بخلاف ذلك والنص والعقل دل على أن كل ما سوى الله تعالى مخلوق حادث كائن بعد أن لم يكن ولكن لا يلزم من حدوث كل فرد فرد مع كون الحوادث متعاقبة حدوث النوع فلا يلزم من ذلك أنه لم يزل الفاعل المتكلم معطلا عن الفعل والكلام ثم حدث ذلك بلا سبب كما لم يلزم مثل ذلك في المستقبل فإن كل فرد فرد من المستقبلات المنقضية فإن وليس النوع فانيا كما قال تعالى أكلها دائم وظلها سورة الرعد 35 وقال إن هذا لرزقنا ما له من نفاد سورة ص 54 فالدائم الذي لا ينفد أي لا ينقضي هو النوع وإلا فكل فرد من أفراده نافد منقض ليس بدائم

وذلك أن الحكم الذي توصف به الأفراد إذا كان لمعنى موجود في الجملة وصفت به الجملة مثل وصف كل فرد بوجود أو إمكان أو بعدم فإنه يستلزم وصف الجملة بالوجود والإمكان والعدم لأن طبيعة الجميع هي طبيعة كل واحد واحد وليس المجموع إلا الآحاد الممكنة أو الموجودة أو المعدومة وأما إذا كان ما وصف به الأفراد لا يكون صفة للجملة لم يلزم أن يكون حكم الجملة حكم الأفراد كما في أجزاء البيت والإنسان والشجرة فإنه ليس كل منها بيتا ولا إنسانا ولا شجرة وأجزاء الطويل والعريض والدائم والممتد لا يلزم أن يكون كل منها طويلا وعريضا ودائما وممتدا

وكذلك إذا وصف كل واحد واحد من المتعاقبات بفناء أو حدوث لم يلزم أن يكون النوع منقطعا أو حادثا بعد أن لم يكن لأن حدوثه معناه أنه وجد بعد أن لم يكن كما أن فناءه معناه أنه عدم بعد وجوده وكونه عدم بعد وجوده أو وجد بعد عدمه أمر يرجع إلى وجوده وعدمه لا إلى نفس الطبيعة الثابتة للمجموع كما في الأفراد الموجودة أو المعدومة أو الممكنة فليس إذا كان هذا المعين لا يدوم يلزم أن يكون نوعه لا يدوم لأن الدوام تعاقب الأفراد وهذا أمر يختص به المجموع لا يوصف به الواحد وإذا حصل للمجموع بالاجتماع حكم يخالف به حكم الأفراد لم يجب مساواة المجموع للأفراد في أحكامه

وبالجملة فما يوصف به الأفراد قد توصف به الجملة وقد لا توصف به فلا يلزم من حدوث الفرد حدوث النوع إلا إذا ثبت أن هذه الجملة موصوفة بصفة هذه الأفراد

وضابط ذلك أنه إن كان بإنضمام هذا الفرد إلى هذا الفرد يتغير ذلك الحكم الذي لذلك الفرد لم يكن حكم المجموع حكم الأفراد وإن لم يتغير ذلك الحكم الذي لذلك الفرد كان حكم المجموع حكم أفراده

مثال الأول أنا إذا ضممنا هذا الجزء إلى هذا الجزء صار المجموع أكثر وأطول وأعظم من كل فرد فلا يكون في مثل هذا حكم المجموع حكم الأفراد فإذا قيل إن هذا اليوم طويل لم يلزم أن يكون جزؤه طويلا وكذلك إذا قيل هذا الشخص أو الجسم طويل أو ممتد أو قيل إن هذه الصلاة طويلة أو قيل إن هذا النعيم دائم لم يلزم أن يكون كل جزء منه دائما

قال الله تعالى أكلها دائم وظلها سورة الرعد 35 وليس كل جزء من أجزاء الأكل دائما وكذلك في الحديث الصحيح قوله ﷺ أحب العمل إلى الله أدومه وقول عائشة رضي الله عنها وكان عمله ديمة فإذا كان عمل المرء دائما لم يلزم أن يكون كل جزء منه دائما وكذلك إذا قيل هذا المجموع عشر أوقية أو نش أو إستار لم يلزم أن يكون كل جزء من أجزائه عشر أوقية ولا نشا ولا إستارا لأن المجموع حصل بانضمام الأجزاء بعضها إلى بعض والاجتماع ليس موجودا للأفراد

وهذا بخلاف ما إذا قيل كل جزء من الأجزاء معدوم أو موجود أو ممكن أو واجب أو ممتنع فإنه يجب في المجموع أن يكون معدوما أو موجودا أو ممكنا أو واجبا أو ممتنعا وكذلك إذا قلت كل واحد من الزنج أسود فإنه يجب أن يكون معدوما أو وجودا أو ممكنا أو واجبا أو ممتنعا وكذلك إذا قلت كل واحد من الزنج أسود فإنه يجب أن يكون المجموع سودا لأن اقتران الموجود بالموجود لا يخرجه عن كونه موجودا واقتران المعدوم بالمعدوم لا يخرجه عن العدم واقتران الممكن لذاته والممتنع لذاته بنظيره لا يخرجه عن كونه ممكنا لذاته وممتنعا لذاته، بخلاف ما لا يكون ممتنعا لذاته إلا إذا انفرد وهو بالاقتران يصير ممكنا كالعلم مع الحياة فإنه وحده ممتنع ومع الحياة ممكن وكذلك أحد الضدين هو وحده ممكن ومع الآخر ممتنع اجتماعهما فالمتلازمان يمتنع انفراد أحدهما والمتضادان يمتنع اجتماعهما

وبهذا يتبين الفرق بين دوام الآثار الحادثة الفانية واتصالها وبين وجود علل ومعلولات ممكنة لا نهاية لها فإن من الناس من سوى بين القسمين في الامتناع كما يقوله كثير من أهل الكلام ومن الناس من توهم أن التأثير واحد في الإمكان والامتناع ثم لم يتبين له امتناع علل ومعلولات لا تتناهى وظن أن هذا موضع مشكل لا يقوم على امتناعه حجة وإن لم يكن قولا لأحد كما ذكر ذلك الآمدى في رموز الكنوز والأبهرى ومن اتبعهما

والفرق بين النوعين حاصل فإن الحادث المعين إذا ضم إلى الحادث المعين حصل من الدوام والامتداد وبقاء النوع ما لم يكن حاصلا للأفراد فإذا كان المجموع طويلا ومديدا ودائما وكثيرا وعظيما لم يلزم أن يكون كل فرد طويلا ومديدا ودائما وكثيرا وعظيما وأما العلل والمعلولات المتسلسلة فكل منهما ممكن وبانضمامه إلى الآخر لا يخرج عن الإمكان وكل منهما معدوم وبانضمامه إلى الآخر لا يخرج

عن العدم فاجتماع المعدومات الممكنة لا يجعلها موجودة بل ما فيها من الافتقار إلى الفاعل حاصل عند اجتماعها أعظم من حصوله عند افتراقها وقد بسط الكلام على هذا في غير هذا الموضع

وعمدة من يقول بامتناع ما لا نهاية له من الحوادث إنما هي دليل التطبيق والموازنة والمسامتة المقتضى تفاوت الجملتين ثم يقولون والتفاوت فيما لا يتناهى محال مثال ذلك أن يقدروا الحوادث من زمن الهجرة إلى مالا يتناهى في المستقبل أو الماضي والحوادث من زمن الطوفان إلى مالا يتناهى أيضا ثم يوازنون الجملتين فيقولون إن تساوتا لزم أن يكون الزائد كالناقص وهذا ممتنع فإن إحداهما زائدة على الأخرى بما بين الطوفان والهجرة وإن تفاضلتا لزم أن يكون فيما لا يتناهى تفاضل وهو ممتنع

والذين نازعوهم من أهل الحديث والكلام والفلسفة منعوا هذه المقدمة وقالوا لا نسلم أن حصول مثل هذا التفاضل في ذلك ممتنع بل نحن نعلم أنه من الطوفان إلى مالا نهاية له في المستقبل أعظم من الهجرة إلى مالا نهاية له في المستقبل وكذلك من الهجرة إلى مالا بداية له في الماضي أعظم من الطوفان إلى مالا بداية له في الماضي وإن كان كل منهما لا بداية له فإن مالا نهاية له من هذا الطرف وهذا الطرف ليس أمرا محصورا محدودا موجودا حتى يقال هما متماثلان في المقدار فكيف يكون أحدهما أكثر بل كونه لا يتناهى معناه أنه يوجد شيئا بعد شيء دائما فليس هو مجتمعا محصورا

والاشتراك في عدم التباهى لا يقتضى التساوى في المقدار إلا إذا كان كل ما يقال عليه إنه لا يتناهى له قدر محدود وهذا باطل فإن ما لا يتناهى ليس له حد محدود ولا مقدار معين بل هو بمنزلة العدد المضعف فكما أن اشتراك الواحد والعشرة والمائة والألف في التضعيف الذي لا يتناهى لا يقتضى تساوى مقاديرها فكذلك هذا

وأيضا فإن هذين هما متناهيان من أحد الطرفين وهو الطرف المستقبل وغير متناهيين من الطرف الآخر وهو الماضي

وحينئذ فقول القائل يلزم التفاضل فيما لا يتناهى غلط فإنه إنما حصل في المستقبل وهو الذي يلينا وهو متناه ثم هما لا يتناهيان من الطرف الذي لا يلينا وهو الأزل وهما متفاضلان من الطرف الذي يلينا وهو طرف الأبد

فلا يصح أن يقال وقع التفاوت فيما لا يتناهى إذ هذا يشعر بأن التفاوت حصل في الجانب الذي لا آخر له وليس الأمر كذلك بل إنما حصل التفاضل من الجانب المنتهى الذي له آخر فإنه لم ينقض

ثم للناس في هذا جوابان أحدهما قول من يقول ما مضى من الحوادث فقد عدم وما لم يحدث لم يكن فالتطبيق في مثل هذا أمر يقدر في الذهن لا حقيقة له في الخارج كتضعيف الأعداد فإن تضعيف الواحد أقل من تضعيف العشرة وتضعيف العشرة أقل من تضعيف المائة وكل ذلك لا نهاية له لكن ليس هو أمرا موجودا في الخارج

ومن قال هذا فإنه يقول إنما يمتنع اجتماع ما لا يتناهى إذا كان مجتمعا في الوجود سواء كانت أجزاؤه متصلة كالأجسام أو كانت منفصلة كنفوس الأدميين ويقول كل ما اجتمع في الوجود فإنه يكون متناهيا ومنهم من يقول المتناهى هو المجتمع المتعلق بعضه ببعض بحيث يكون له ترتيب وضعي كالأجسام أو طبيعي كالعلل وأما ما لا يتعلق بعضه ببعض كالنفوس فلا يجب هذا فيها فهذان قولان

وأما القائلون بامتناع مالا يتناهى وإن عدم بعد وجوده فمنهم من قال به في الماضي والمستقبل كقول جهم وأبي الهذيل ومنهم من فرق بين الماضي والمستقبل وهو قول كثير من أهل الكلام ومن وافقهم قالوا لأنك إذا قلت لا أعطيك درهما إلا أعطيك بعده درهما كان هذا ممكنا ولو قلت لا أعطيك درهما حتى أعطيك قبله درهما كان هذا ممتنعا وعلى هذا اعتمد أبو المعالي في إرشاده وأمثاله من النظار

وهذا التمثيل والموازنة ليست صحيحة بل الموازنة الصحيحة أن تقول ما أعطيتك درهما إلا أعطيتك قبله درهما فتجعل ماضيا قبل ماض كما جعلت هناك مستقبلا بعد مستقبل

وأما قول القائل لا أعطيك حتى أعطيك فهو نفي للمستقبل حتى يحصل مثله في المستقبل ويكون قبله فقد نفى المستقبل حتى يوجد المستقبل وهذا ممتنع لم ينف الماضي حتى يكون قبله ماض فإن هذا ممكن والعطاء المستقبل ابتداؤه من المعطى والمستقبل الذي له ابتداء وانتهاء لا يكون قبله مالا نهاية له فإن وجود مالا نهاية له فيما يتناهى ممتنع

فهذه الأقوال الأربعة للناس فيما لا يتناهى

والتسلسل نوعان تسلسل في المؤثرات كالتسلسل في العلل والمعلولات وهو التسلسل في الفاعلين والمفعولات فهذا ممتنع باتفاق العقلاء

ومن هذا الباب تسلسل الفاعلين والخالقين والمحدثين مثل أن يقول هذا المحدث له محدث وللمحدث محدث آخر إلى ما لا يتناهى فهذا مما اتفق العقلاء فيما أعلم على امتناعه لأن كل محدث لا يوجد بنفسه فهو معدوم باعتبار نفسه وهو ممكن باعتبار نفسه فإذا قدر من ذلك مالا يتناهى لم تصر الجملة موجودة واجبة بنفسها فإن انضمام المحدث إلى المحدث والمعدوم إلى المعدوم والممكن إلى الممكن لا يخرجه عن كونه مفتقرا إلى الفاعل له بل كثرة ذلك تزيد حاجتها وافتقارها إلى الفاعل وافتقار المحدثين الممكنين أعظم من افتقار أحدهما كما أن عدم الاثنين أعظم من عدم أحدهما فالتسلسل في هذا والكثرة لا تخرجه عن الافتقار والحاجة بل تزيده حاجة وافتقارا

فلو قدر من الحوادث والمعدومات والممكنات ما لا نهاية له وقدر أن بعض ذلك معلول لبعض أو لم يقدر ذلك فلا يوجد شيء من ذلك إلا بفاعل صانع لها خارج عن هذه الطبيعة المشتركة المستلزمة للافتقار والاحتياج فلا يكون فاعلها معدوما ولا محدثا ولا ممكنا يقبل الوجود والعدم بل لا يكون إلا موجودا بنفسه واجب الوجود لا يقبل العدم قديما ليس بمحدث فإن كل ما ليس كذلك فإنه مفتقر إلى من يخلقه وإلا لم يوجد

وأما التسلسل في الآثار كوجود حادث بعد حادث فهذا فيه الأقوال الثلاثة المتقدمة إما منعه في الماضي والمستقبل كقول جهم وأبي الهذيل وإما منعه في الماضي فقط كقول كثير من أهل الكلام وإما تجويزه فيهما كقول أكثر أهل الحديث والفلاسفة وهذا مبسوط في غير هذا الموضع

وكذلك الدور نوعان دور قبلي وهو أنه لا يكون هذا إلا بعد هذا ولا هذا إلا بعد هذا وهذا ممتنع باتفاق العقلاء وأما الدور المعي الاقتراني مثل المتلازمين اللذين يكونان في زمان واحد كالأبوة والبنوة وعلو أحد الشيئين على الآخر مع سفول الآخر وتيامن هذا عن ذاك مع تياسر الآخر عنه ونحو ذلك من الأمور المتلازمة التي لا توجد إلا معا فهذا الدور ممكن وإذا لم يكن واحد منهما فاعلا للآخر ولا تمام للفاعل بل كان الفاعل لهما غيرهما جاز ذلك

وأما إذا كان أحدهما فاعلا للآخر أو من تمام كون الفاعل فاعلا صار من الدور الممتنع

ولهذا امتنع ربان مستقلان أو متعاونان أما المستقلان فلأن استقلال أحدهما بالعالم يوجب أن يكون الآخر لم يشركه فيه فإذا كان الآخر مستقلا لزم أن يكون كل منهما فعله وكل منهما لم يفعله وهو جمع بين النقيضين

وأما المتعاونان فإن قيل إن كلا منهما قادر على الاستقلال حال كون الآخر مستقلا به لزم القدرة على اجتماع النقيضين وهو ممتنع

فإنه حال قدرة أحدهما على الاستقلال يمتنع قدرة الآخر على الاستقلال ولا يكونان في حال واحدة كل منهما قادر على الاستقلال فإن ذلك يقتضي وجوده مرتين في حال واحدة لكن الممكن أن يقدر هذا إذا لم يكن الآخر فاعلا وبالعكس فقدرة كل منهما مشروطة بعدم فعل الآخر معه ففي حال فعل كل واحد منهما يمتنع قدرة الآخر

وإن قيل إن المتعاونين لا يقدران في حال واحدة على الاستقلال كما هو الممكن الموجود في المتعاونين من المخلوقين كان هذا باطلا أيضا كما سيأتي

والمقصود أنهما إن كانا قادرين على الاستقلال أمكن أن يفعل هذا مقدوره وهذا مقدوره فيلزم اجتماع النقيضين وإلا لزم أن تكون قدرة أحدهما مشروطة بتمكين الآخر له وهذا ممتنع كما سيأتي

وأيضا فيمكن أن يريد أحدهما ضد مراد الآخر فيريد هذا تحريك جسم وهذا تسكينه واجتماع الضدين ممتنع وإن لم يمكن أحدهما إرادة الفعل إلا بشرط موافقة الآخر له كان عاجزا وحده ولم يصر قادرا إلا بموافقة الآخر

وكذا إذا قدر أنه ليس واحد منهما قادرا على الاستقلال بل لا يقدر إلا بمعاونه الآخر كما في المخلوقين أو قيل يمكن كل منهما الاستقلال بشرط تخلية الآخر بينه وبين الفعل ففي جميع هذه الأقسام يلزم أن تكون قدرة كل منهما لا تحصل إلا بإقدار الآخر له وهذا ممتنع فإنه من جنس الدور في المؤثرات في الفاعلين والعلل الفاعلة فإن ما به يتم كون الفاعل فاعلا يمتنع فيه الدور كما يمتنع في ذات الفاعل والقدرة شرط في الفعل فلا يكون الفاعل فاعلا إلا بالقدرة فإذا كانت قدرة هذا لا تحصل إلا بقدرة ذاك وقدرة ذاك لا تحصل إلا بقدرة هذا كان هذا دورا ممتنعا

كما أن ذات ذاك إذا لم تحصل إلا بهذا وذات هذا لم تحصل إلا بذات ذاك كان هذا دورا ممتنعا إذا كان كل منهما هو الفاعل للآخر بخلاف ما إذا كان ملازما له أو شرطا فيه والفاعل غيرهما فإن هذا جائز كما ذكر في الأبوة والبنوة

وكذلك الواحد الذي يريد أحد الضدين بشرط أن لا يريد الضد الآخر فإن هذا لا يقدح في كونه قادرا وأما إذا كان لا يقدر حتى يعينه الآخر على القدرة أو حتى يخليه فلا يمنعه من الفعل فإن ذلك يقدح في كونه وحده قادرا

وهذه المعاني قد بسطت في غير هذا الموضع لكن لما كان الكلام في التسلسل والدور كثيرا ما يذكر في هذه المواضع المشكلة المتعلقة بما يذكر من الدلائل في توحيد الله وصفاته وأفعاله وكثير من الناس قد لا يهتدى للفروق الثابتة بين الأمور المتشابهة حتى يظن فيما هو دليل صحيح أنه ليس دليلا صحيحا أو يظن ما ليس بدليل دليلا أو يحار ويقف ويشتبه الأمر عليه أو يسمع كلاما طويلا مشكلا لا يفهم معناه أو يتكلم بما لا يتصور حقيقته نبهنا على ذلك هنا تنبيها لطيفا إذ هذا ليس موضع بسطه

والناس لأجل هذا دخلوا في أمور كثيرة فالذين قالوا القرآن مخلوق وإن الله لا يرى في الأخرة من المعتزلة والشيعة وغيرهم إنما أوقعهم ظنهم أن التسلسل نوع واحد فالتزموا لأجل ذلك أن الخالق لم يكن متكلما ولا متصرفا بنفسه حتى أحدث كلاما منفصلا عنه وجعلوا خلق كلامه كخلق السماوات والأرض فلما طالبهم الناس بأن الحادث لا بد له من سبب حادث وقعوا في المكابرة وقالوا يمكن القادر أن يرجح أحد المثلين بلا مرجح كما في الجائع مع الرغيفين والهارب مع الطريقين

وجمهور العقلاء قالوا نعلم بالاضطرار أنه إن لم يوجد المرجح التام لأحد المثلين امتنع الرجحان وإلا فمع التساوي من كل وجه يمتنع الرجحان

والفلاسفة جعلوا هذا حجة في قدم العالم فقالوا الحدوث بلا سبب حادث ممتنع فيلزم أن يكون قديما صادرا عن موجب بالذات

وكانوا أضل من المعتزلة من وجوه متعددة مثل كون قولهم يستلزم أن لا يحدث شيء ومن جهة أن قولهم يتضمن أن الممكنات لا فاعل لها فإن الفعل بدون الإحداث غير معقول ومن جهة أن في قلوبهم من وصف الله تعالى بالنقائص في ذاته وصفاته وأفعاله ما يطول وصفه ومن جهة أن العالم مستلزم للحوادث ضرورة لأن الحوادث مشهودة فإما أن تكون لازمة له أو حادثة فيه والموجب بالذات المستلزم لمعلوله لا يحدث عنه شيء فيلزم أن لا يكون للحوادث فاعل بحال وهم يجوزون حوادث لا تتناهى كما يوافقهم عليه جمهور أهل الحديث والسنة وحينئذ فلا يمتنع أن يكون كل شيء من العالم حادثا والله تعالى لم يزل موصوفا بصفات الكمال لم يزل متكلما إذا شاء قادرا على الفعل وليس شيء من الفعل والمفعول إلا حادثا معينا إذ كل فعل معين يجب أن يكون مسبوقا بعدمه وإلا فالفاعل إن قدر موجبا بذاته لزمه مفعوله ولم يحدث عنه شيء هو مكابرة للحس وإن قدر غير موجب بذاته لم يقارنه شيء من المفعولات وإن كان دائم الفعل إذ كان نوع الفعل من لوازم ذاته

وأما الأفعال والمفعولات المعينة فليست لازمة للذات بل كل منها معلق بما قبله لامتناع اجتماع الحوادث في زمان واحد فالفعل الذي لا يكون إلا حادثا يمتنع أن يجمع في زمان واحد فضلا عن أن يكون كل من أجزائه أزليا بل يوجد شيئا فشيئا

وأما الفعل الذي لا يكون إلا قديما فهذا أولا ممتنع لذاته فإن الفعل والمفعول المعين المقارن للفاعل ممتنع فلا يحدث به شيء من الحوادث لأن الفعل القديم إذا قدر أنه فعل تام لزمه مفعوله

وهذه المواضع قد بسطنا الكلام عليها في غير هذا الموضع وبينا نزاع الناس في كل واحد واحد منها وإنما كان القصد هنا التنبيه على أصل مسألة التعليل فإن هذا المبتدع أخد يشنع على أهل السنة فذكر مسائل لا يذكر حقيقتها ولا أدلتها وينقلها على الوجه الفاسد

وما ينقله عن أهل السنة خطأ أو كذب عليهم أو على كثير منهم وما قدر انه صدق فيه عن بعضهم فقولهم فيه خير من قوله فإن غالب شناعته على الأشعرية ومن وافقهم والأشعرية خير من المعتزلة والرافضة عند كل من يدري ما يقول ويتقي الله فيما يقول

وإذا قيل إن في كلامهم وكلام من قد وافقهم أحيانا من أصحاب الأئمة الأربعة وغيرهم ما هو ضعيف فكثير من ذلك الضعيف إنما تلقوه من المعتزلة فهم أصل الخطأ في هذا الباب وبعض ذلك أخطاؤا فيه لإفراط المعتزلة في الخطأ فقابلوهم مقابلة انحرفوا فيها كالجيش الذي يقاتل الكفار فربما حصل منه إفراط وعدوان وهذا مبسوط في موضعه قال هؤلاء للمعتزلة والشيعة ولما كان هذا الدليل عمدتكم استطال عليكم الفلاسفة الدهرية كابن سينا وأمثاله وهذا الدليل مناف في الحقيقة لحدوث العالم لا مستلزم له فإنه إذا كان هذا الحادث لا بد له من سبب حادث وكان هذا الدليل مستلزما لحدوث الحادث بلا سبب لزم أن لا يكون الله أحدث شيئا فإذا جوزنا ترجيح أحد طرفي الممكن بلا مرجح أنسد طريق إثبات الصانع الذي سلكتموه

وقالوا أيضا للمعتزلة والشيعة أنتم مع هذا عللتم أفعال الله تعالى بعلل حادثة فيقال لكم هل توجبون للحوادث سببا حادثا أم لا فإن قلتم نعم لزم تسلسل الحوادث وبطل ما ذكرتموه

وإن لم توجبوا ذلك قيل لكم وكذلك ليس لها غاية حادثة بعدها فإن المعقول أن الفاعل المحدث لا بد لفعله من سبب ولا بد له من غاية فإذا قلتم لا سبب لإحداثه قيل لكم ولا غاية مطلوبة له بالفعل

فإن قلتم لا يعقل فاعل لا يريد حكمة إلا وهو عابث قيل لكم ولا نعقل فاعلا يحدث شيئا بغير سبب حادث أصلا بل هذا أشد امتناعا في العقل من ذاك فلماذا أثبتم الغاية ونفيتم السبب الحادث وقيل لكم أيضا الذي يعقل من الفاعل أن يفعل لغاية تعود إليه وأما فاعل يفعل لغاية تعود إلى غيره فهذا غير معقول

وإذا كان قول الشيعة المتبعين للمعتزلة في حكمة الله تعالى فقد يقال قول من يقول إنه يفعل لمحض المشيئة بلا علة خير من هذا القول فإن هذا سلم من التسلسل وسلم من كونه يفعل لحكمة منفصلة عنه والمعتزلة تسلم له امتناع التسلسل فعلم أن قول هؤلاء خير من قول هذا المنكر عليهم

وأما من قال بالتعليل من أهل السنة والحديث كما تقدم فذاك سلم من هذا وهذا وقد كتبت في مسألة التعليل مصنفا مستقلا بنفسه لما سئلت عنها وليس هذا موضع بسطه

والمقصود هنا التنبيه على أن أقوال أهل السنة خير من أقوال الشيعة وأنه إن كان قول بعض أهل السنة ضعيفا فقول الشيعة أضعف منه

فصل

وأما قول الرافضي: وجوزوا عليه فعل القبيح والإخلال بالواجب

فيقال له

ليس في طوائف المسلمين من يقول إن الله تعالى يفعل قبيحا أو يخل بواجب ولكن المعتزلة ونحوهم ومن وافقهم من الشيعة النافين للقدر يوجبون على الله من جنس ما يوجبون على العباد ويحرمون عليه ما يحرمونه على العباد ويضعون له شريعة بقياسه على خلقه فهم مشبهة الأفعال

وأما المثبتون للقدر من أهل السنة والشيعة فمتفقون على أن الله تعالى لا يقاس بخلقه في أفعاله كما لا يقاس بهم في ذاته وصفاته فليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله وليس ما وجب على أحدنا وجب مثله على الله تعالى ولا ما حرم على أحدنا حرم مثله على الله تعالى ولا منا قبح منا قبح من الله ولا ما حسن من الله تعالى حسن من أحدنا وليس لأحد منا أن يوجب على الله تعالى شيئا ولا يحرم عليه شيئا

فهذا أصل قولهم الذي اتفقوا عليه واتفقوا على أن الله تعالى إذا وعد عباده بشيء كان وقوعه واجبا بحكم وعده فإن الصادق في خبره الذي لا يخلف الميعاد واتفقوا على أنه لا يعذب أنبياءه ولا عباده الصالحين بل يدخلهم الجنة كما أخبر

لكن تنازعوا في مسألتين

إحداهما أن العباد هل يعلمون بعقولهم حسن بعض الأفعال ويعلمون أن الله متصف بفعله ويعلمون قبح بعض الأفعال ويعلمون أن الله منزه عنه على قولين معروفين

أحدهما أن العقل لا يعلم به حسن فعل ولا قبحه أما في خلق الله فلأن القبيح منه ممتنع لذاته وأما في حق العباد فلأن الحسن والقبح لا يثبت إلا بالشرع وهذا قول الأشعري وأتباعه وكثير من الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وهؤلاء لا ينازعون في الحسن والقبيح إذا فسر بمعنى الملائم والمنافى أنه قد يعلم بالعقل وكذلك لا ينازعون أولا ينازع أكثرهم أو كثير منهم في أنه إذا عنى به كون الشيء صفة كمال أو صفة نقص أنه يعلم بالعقل

والقول الثاني أن العقل قد يعلم به حسن كثير من الأفعال وقبحها في حق الله وحق عباده وهذا مع أنه قول المعتزلة فهو قول الكرامية وغيرهم من الطوائف وهو قول جمهور الحنفية وكثير من أصحاب مالك والشافعي وأحمد كأبي بكر الأبهري وغيره من أصحاب ماللك وأبي الحسن التميمي وأبي الخطاب الكلوذاني من أصحاب أحمد وذكر أن هذا القول قول أكثر أهل العلم وهو قول أبي علي بن أبي هريرة وأبي بكر القفال وغيرهما من أصحاب الشافعي وهو قول طوائف من أئمة أهل الحديث

وعدو القول الأول من أقوال أهل البدع كما ذكر ذلك أبو نصر السجزى في رسالته المعروفة في السنة وذكره صاحبه أبو القاسم سعد بن علي الزنجاني في شرح قصيدته المعروفة في السنة

وفي المسألة قول ثالث اختاره الرازي في آخر مصنفاته وهو القول بالتحسين والتقبيح العقليين في أفعال العباد دون أفعال الله تعالى

وقد تنازع أئمة الطوائف في الأعيان قبل ورود السمع فقالت الحنفية وكثير من الشافعية والحنبلية إنها على الإباحة مثل ابن سريج وأبي إسحاق المروزي وأبي الحسن التميمي وأبي الخطاب

وقال طوائف إنها على الحظر كأبي علي بن أبي هريرة وابن حامد والقاضي أبي يعلى وعبد الرحمن الحلواني وغيرهم

مع أن أكثر الناس يقولون إن القولين لا يصحان إلا على قولنا بأن العقل يحسن ويقبح وإلا فمن قال إنه لا يعرف بالعقل حكم امتنع أن يصفها قبل الشرع بحظر أو إباحة كما قال ذلك الأشعري وأبو الحسن الجزري وأبو بكر الصيرفي وأبو الوفاء بن عقيل وغيرهم

المسألة الثانية تنازعوا هل يوصف الله تعالى بأنه أوجب على نفسه وحرم على نفسه أولا معنى للوجوب إلا إخباره بوقوعه ولا للتحريم إلا إخباره بعدم وقوعه فقالت طائفة بالقول الثاني وهو قول من يطلق أن الله لا يجب عليه شيء ولا يحرم عليه شيء

وقال طائفة بل هو أوجب على نفسه وحرم على نفسه كما نطق بذلك الكتاب والسنة في مثل قوله تعالى كتب ربكم على نفسه الرحمة سورة الأنعام 54 وقوله وكان حقا علينا نصر المؤمنين سورة الروم 47 وقوله في الحديث الإلهي الصحيح يا عبادي أني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما

وأما أن العباد يوجبون عليه ويحرمون عليه فممتنع عند أهل السنة كلهم ومن قال إنه أوجب على نفسه أو حرم على نفسه فهذا الوجوب والتحريم يعلم عندهم بالسمع وهل يعلم بالعقل على قولين لأهل السنة

وإذا كانت هذه الأقوال كلها معروفة لأهل السنة بل لأهل المذهب الواحد منهم كمذهب أحمد وغيره من الأئمة فمن قال من أهل السنة إن الله لا يجب عليه شيء ولا يحرم عليه شيء امتنع عنده أن يكون مخلا بواجب أو فاعلا لقبيح ومن قال إنه أوجب على نفسه أو حرم على نفسه فهم متفقون على أنه لا يخل بما كتبه على نفسه ولا يفعل ما حرمه على نفسه

فتبين أنه ليس في أهل السنة من يقول إنه يخل بواجب أو يفعل قبيحا لكن هذا المبتدع سلك مسلك أمثاله فحكى عن أهل السنة أنهم يجوزون عليه تعالى الإخلال بالواجب وفعل القبيح

وهذا حكاه بطريق الإلزام لإحدى الطائفتين الذين يقولون لا يجب عليه شيء فله أن يخل بكل شيء فقال هؤلاء يقولون إنه يخل بالواجب أي ما هو عندي واجب وكذلك هؤلاء يقولون لا يقبح منه شيء فقال إنهم جوزوا عليه فعل القبيح أي فعل ما هو قبيح عندهم أو فعل ما هو قبيح من أفعال العباد فهذا نقل عنهم بطريق الإلزام الذي اعتقدوه وأيضا فأهل السنة يؤمنون بالقدر وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وأن الهدى بفضل منه والقدرية يقولون إنه يجب عليه أن يفعل بكل عبد ما يظنونه هم واجبا عليه ويحرم عليه ضد ذلك فيوجبون عليه أشياء ويحرمون عليه أشياء وهو لم يوجبها على نفسه ولا علم وجوبها بشرع ولا عقل ثم يحكون عن من لم يوجبها أنه يقول إن الله يخل بالواجب وهذا تلبيس في نقل المذهب وتحريف له

وأصل قول هؤلاء القدرية تشبيه الله بخلقه في الأفعال فيجعلون ما حسن منه حسن من العبد وما قبح من العبد قبح منه وهذا تمثيل باطل

فصل

وأما قوله: وذهبوا إلى أنه لا يفعل لغرض بل كل أفعاله لا لغرض من الأغراض ولا لحكمة ألبتة

فيقال له

أما تعليل أفعاله وأحكامه بالحكمة ففيه قولان مشهوران لأهل السنة والنزاع في كل مذهب من المذاهب الأربعة والغالب عليهم عند الكلام في الفقه وغيره التعليل وأما في الأصول فمنهم من يصرح بالتعليل ومنهم من يأباه وجمهور أهل السنة على إثبات الحكمة والتعيل في أفعاله وأحكامه

وأما لفظ الغرض فالمعتزلة تصرح به وهم من القائلين بإمامة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وأما الفقهاء ونحوهم فهذا اللفظ يشعر عندهم بنوع من النقص إما ظلم وإما حاجة فإن كثيرا من الناس إذا قال فلان له غرض في هذا أو فعل هذا لغرضه أرادوا أنه فعله لهواه ومراده المذموم والله منزه عن ذلك فعبر أهل السنة بلفظ الحكمة والرحمة والإرادة ونحو ذلك مما جاء به النص وطائفة من المثبتين للقدر من المعتزلة يعبرون بلفظ الغرض أيضا ويقولون إنه يفعل لغرض كما يوجد ذلك في كلام طائفة من المنتسبين إلى السنة

وأما قوله إنه يفعل الظلم والعبث

فليس في أهل الإسلام من يقول إن الله يفعل ما هو ظلم منه ولا عبث منه تعالى الله عن ذلك بل الذين يقولون إنه خالق كل شيء من أهل السنة والشيعة يقولون إنه خلق أفعال عباده فإنها من جملة الإشياء ومن المخلوقات ما هو مضر لبعض الناس ومن ذلك الأفعال التي هي ظلم من فاعلها وإن لم تكن ظلما من خالقها كما أنه إذا خلق فعل العبد الذي هو صوم لم يكن هو صائما وإذا خلق فعله الذي هو طواف لم يكن هو طائفا وإذا خلق فعله الذي هو ركوع وسجود لم يكن هو راكعا ولا ساجدا وإذا خلق جوعه وعطشه لم يكن جائعا ولا عطشانا فالله تعالى إذا خلق في محل صفة أو فعلا لم يتصف هو بتلك الصفة ولا ذلك الفعل إذ لو كان كذلك لاتصف بكل ما خلقه من الأعراض

ولكن هذا الموضع زلت فيه الجهمية من المعتزلة ومن اتبعهم من الشيعة الذين يقولون ليس لله كلام إلا ما خلقه في غيره وليس له فعل إلا ما كان منفصلا عنه فلا يقوم به عندهم لا فعل ولا قول وجعلوا كلامه الذي يكلم به ملائكته وعباده والذي كلم به موسى والذي أنزله على عباده هو ما خلقه في غيره

فيقال لهم الصفة إذا قامت بمحل عاد حكمها على ذلك المحل لا على غيره فإذا خلق حركة في محل كان ذلك المحل هو المتحرك بها لم يكن المتحرك بها هو الخالق لها وكذلك إذا خلق لونا أو ريحا أو علما أو قدرة في محل كان ذلك المحل هو المتلون بذلك اللون المتروح بتلك الريح العالم بذلك العلم القادر بتلك القدرة فكذلك إذا خلق كلاما في محل كان ذلك المحل هو المتكلم بذلك الكلام وكان ذلك الكلام كلاما لذلك المحل لا لخالقه فيكون الكلام الذي سمعه موسى وهو قوله إنني أنا الله سورة طه 14 كلام الشجرة لا كلام الله لو كان ذلك مخلوقا

واحتجت المعتزلة وأتباعهم الشيعة على ذلك بالأفعال فقالت كما أنه عادل محسن بعدل وإحسان يقوم بغيره فكذلك هو متكلم بكلام يقوم بغيره وكان هذا حجة على من سلم الأفعال لهم كالأشعري ونحوه فإنه ليس عنده فعل يقوم به بل يقول الخلق هو المخلوق لا غيره وهو قول طائفة من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وهو أول قولي القاضي أبي يعلى

لكن جمهور الناس يقولون الخلق غير المخلوق وهذا مذهب الحنفية وهو الذي ذكره البغوي عن أهل السنة والذي ذكره أبو بكر الكلاباذي عن الصوفية في كتاب التعرف لمذهب أهل التصوف وهو قول أئمة أصحاب أحمد كأبي بكر عبد العزيز وابن حامد وابن شاقلا وغيرهم وهو آخر قولي القاضي أبي يعلى واختيار أكثر أصحابه كأبي الحسين ابنه وغير هؤلاء وإنما اختار القول الآخر طائفة منهم كابن عقيل ونحوه

ولما كان هذا قول الأشعري ونحوه وهو مع سائر أهل السنة يقولون إن الله خالق أفعال العباد لزمه أن يقول إن أفعال العباد فعل لله تعالى إذ كان فعله عنده هو مفعوله فجعل أفعال العباد فعلا لله ولم يقل هي فعلهم في المشهور عنه إلا على وجه المجاز بل قال هي كسبهم وفسر الكسب بأنه ما يحصل في محل القدرة المحدثة مقرونا بها ووافقه على ذلك طائفة من الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي وأحمد

وأكثر الناس طعنوا في هذا الكلام وقالوا عجائب الكلام ثلاثة طفرة النظام وأحوال أبي هاشم وكسب الأشعري وأنشد في ذلك

مما يقال ولا حقيقة تحته ... معقولة تدنو إلى الأفهام

الكسب عند الأشعري والحال عند البهشمي وطفرة النظام

وأما سائر أهل السنة فيقولون إن أفعال العباد فعل لهم حقيقة وهو أحد القولين للأشعري ويقول جمهورهم الذين يفرقون بين الخلق والمخلوق إنها مخلوقة لله ومفعولة له ليست هي نفس فعله وخلقه الذي هو صفته القائمة به

فهذه الشناعات التي يذكرها هؤلاء لا تتوجه على قول جمهور أهل السنة وإنما ترد على طائفة من المثبتة كالأشعري وغيره

فقوله عن أهل السنة إنهم يقولون إنه يفعل الظلم والعبث إن أراد ما هو منه ظلم وعبث فهذا منه فرية عليهم وإن قاله بطريق الإلزام فهم لا يسلمون له أنه ظلم ولهم في تفسير الظلم نزاع قد تقدم تفسيره وإن أراد ما هو ظلم وعبث من العبد فهذا لا محذور في كون الله يخلقه وجمهورهم لا يقولون إن هذا الظلم والعبث فعل الله بل يقولون إنه فعل العبد لكنه مخلوق لله كما أن قدرة العبد وسمعه وبصره مخلوق لله تعالى وليس هو سمع الحق ولا بصره ولا قدرته

فصل

وأما قوله عنهم إنهم يقولون إنه لا يفعل ما هو الأصلح

لعباده بل ما هو الفساد لأن فعل المعاصي وأنواع الكفر وجميع أنواع الفساد الواقعة في العالم مسندة إليه تعالى الله عن ذلك

يقال هذا الكلام وإن قاله طائفة من متكلمي أهل الإثبات فهو قول طائفة من متكلمي الشيعة أيضا وأئمة أهل السنة وجمهورهم لا يقولون ما ذكر بل الذي يقولونه إن الله خالق كل شيء وربه ومليكه وإنه لا يخرج عن ملكه وخلقه وقدرته شيء وقد دخل في ذلك جميع أفعال الحيوان فهو خالق لعبادات الملائكة والمؤمنين وسائر حركات العباد

والقدرية ينفون عن ملكه خيار ما في ملكه وهو طاعة الملائكة والأنبياء والمؤمنين فيقولون لم يخلقها الله تعالى ولا يقدر على أن يستعمل العبد فيها ولا يلهمه إياها ولا يقدر أن يجعل من لم يفعلها فاعلا لها

وقد قال الخليل عليه السلام ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك سورة البقرة 128 فطلب من الله أن يجعله مسلما لله ومن ذريته أمة مسلمة له وهو صريح في أن الله تعالى يجعل الفاعل فاعلا وقال رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي سورة إبراهيم 40 فقد طلب من الله تعالى أن يجعله مقيم الصلاة فعلم أن الله هو الذي يجعل المصلي مصليا وقد أخبر عن الجلود والجوارح إخبار مصدق لها أنها قالت أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء سورة فصلت 21 فعلم أنه ينطق جميع الناطقين

وأما كونه لا يفعل ما هو الأصلح لعباده أو لا يراعي مصالح العباد فهذا مما اختلف فيه الناس

فذهبت طائفة من المثبتين للقدر إلى ذلك وقالوا خلقه وأمره متعلق بمحض المشيئة لا يتوقف على مصلحة وهذا قول الجهم

وذهب جمهور العلماء إلى أنه إنما أمر العباد بما فيه صلاحهم ونهاهم عما فيه فسادهم وأن فعل المأمور به مصلحة عامة لمن فعله وأن إرساله الرسل مصلحة عامة وإن كان فيه ضرر على بعض الناس لمعصيته فإن الله كتب في كتاب فهو عنده موضوع فوق العرش إن رحمتي تغلب غضبي وفي رواية إن رحمتي سبقت عضبي أخرجاه في الصحيحين عن النبي ﷺ فهم يقولون فعل المأمور به وترك المنهى عنه مصلحة لكل فاعل وتارك وأما نفس الأمر وإرسال الرسل فمصلحة عامة للعباد وإن تضمن شرا لبعضهم وهكذا سائر ما يقدره الله تغلب فيه المصلحة والرحمة والمنفعة وإن كان في ضمن ذلك ضرر لبعض الناس فلله في ذلك حكمة أخرى

وهذا قول أكثر الفقهاء وأهل الحديث والتصوف وطوائف من أهل الكلام غير المعتزلة مثل الكرامية وغيرهم وهؤلاء يقولون وإن كان في بعض ما يخلقه ما فيه ضرر لبعض الناس أو هو سبب ضرر كالذنوب فلا بد في كل ذلك من حكمة ومصلحة لأجلها خلقها الله وقد غلبت رحمته غضبه وهذه المسائل مبسوطة في غير هذا الموضع

وهو لم يذكر إلا مجرد حكاية الأقوال فبينا ما في ذلك النقل من الصواب والخطأ فإن هذا الذي نقله ليس من كلام شيوخه الرافضة بل هو من كلام المعتزلة كأصحاب أبي علي وأبي هاشم وأبي الحسين البصري وغيرهم

وهؤلاء ذكروا ذلك ردا على الأشعرية خصوصا فإن الأشعرية وبعض المثبتين للقدر وافقوا الجهم بن صفوان في أصل قوله في الجبر وإن نازعوه في بعض ذلك نزاعا لفظيا أتوا بما لا يعقل لكن لا يوافقونه على قوله في نفي الصفات بل يثبتون الصفات فلهذا بالغوا في مخالفة المعتزلة في مسائل القدر حتى نسبوا إلى الجبر وأنكروا الطبائع والقوى التي في الحيوان أن يكون لها تأثير أو سبب في الحوادث أو يقال فعل بها وأنكروا أن يكون للمخلوقات حكمة وعلة

ولهذا قيل إنهم أنكروا أن يكون الله يفعل لجلب منفعة لعباده أو دفع مضرة وهم لا يقولون إنه لا يفعل مصلحة ما فإن هذا مكابرة بل يقولون إن ذلك ليس بواجب عليه وليس بلازم وقوعه منه ويقولون إنه لا يفعل شيئا لأجل شيء ولا بشيء وإنما اقترن هذا بهذا لإرادته لكليهما فهو يفعل أحدهما مع صاحبه لا به ولا لأجله والاقتران بينهما مما جرت به عادته لا لكون أحدهما سببا للآخر ولا حكمة له ويقولون إنه ليس في القرآن في خلقه وأمره لام تعليل وقد وافقهم على ذلك طائفة من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم مع أن أكثر الفقهاء الذين يوافقونهم على هذا في كتب الكلام يقولون بضد ذلك في مسائل الفقه والتفسير والحديث وأدلة الفقه وكلامهم في أصول الفقه تارة يوافق هؤلاء وتارة يوافق هؤلاء

لكن جمهور أهل السنة من هؤلاء الطوائف وغيرهم يثبتون القدر ويثبتون الحكمة إيضا والرحمة وأن لفعله غاية محبوبة وعاقبة محمودة وهذه مسألة عظيمة جدا قد بسطت في غير هذا الموضع

ففي الجملة لم تثبت المعتزلة والشيعة نوعا من الحكمة والرحمة إلا وقد أثبت أئمة أهل السنة ما هو أكمل من ذلك وأجل منه مع إثباتهم قدرة الله التامة ومشيئته النافذة وخلقه العام

هؤلاء لا يثبتون هذا ومتكلمو الشيعة المتقدمون كالهشامين وغيرهما كانوا يثبتون القدر كما يثبته غيرهم وكذلك الزيدية منهم من يثبته ومنهم من ينفيه فالشيعة في القدر على قولين كما أن المثبتين لخلافة الخلفاء الثلاثة في القدر على قولين

فلا يوجد لأهل السنة قول ضعيف إلا وفي الشيعة من يقوله ويقول ما هو أضعف منه ولا يوجد للشيعة قول قوي إلا وفي أهل السنة من يقوله ويقول ما هو أقوى منه ولا يتصور أن يوجد للشيعة قول قوي لم يقله أحد من أهل السنة فثبت أن أهل السنة أولى بكل خير منهم كما أن المسلمين أولى بكل خير من اليهود والنصارى

فصل

وأما قوله إنهم يقولون إن المطيع لا يستحق ثوابا والعاصي لا يستحق عقابا بل قد يعذب المطيع طول عمره المبالغ في امتثال أوامره كالنبي ويثيب العاصي طول عمره بأنواع المعاصي وأبلغها كإبليس وفرعون

فهذا فرية على أهل السنة ليس فيهم من يقول إن الله يعذب نبيا ولا مطيعا ولا من يقول إن الله يثيب إبليس وفرعون بل ولا يثيب عاصيا على معصيته لكن يقولون إنه يجوز أن يعفو عن المذنب من المؤمنين وأنه يخرج أهل الكبائر من النار فلا يخلد فيها أحدا من أهل التوحيد ويخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان والإمامية توافقهم على ذلك

وأما الاستحقاق فهم يقولون إن العبد لا يستحق بنفسه على الله شيئا وليس له أن يوجب على ربه شيئا لا لنفسه ولا لغيره ويقولون إنه لا بد أن يثيب المطيعين كما وعد فإنه صادق في وعده لا يخلف الميعاد فنحن نعلم أن الثواب يقع لإخباره لنا بذلك وأما إيجابه ذلك على نفسه وإمكان معرفة ذلك بالعقل فهذا فيه نزاع بين أهل السنة كما تقدم التنبيه عليه

فقول القائل إنهم يقولون إن المطيع لا يستحق ثوابا إن أراد أنه هو لا يوجب بنفسه على ربه ثوابا ولا أوجيه غيره من المخلوقين فهكذا تقول أهل السنة وإن أراد أن هذا الثواب ليس أمرا ثابتا معلوما وحقا واقعا فقد أخطأ وإن أراد أنه هو سبحانه وتعالى لا يحقه بخبره فقد أخطأ على أهل السنة وإن أراد أنه لم يحقه بمعنى أنه لم يوجبه على نفسه ويجعله حقا على نفسه كتبه على نفسه فهذا فيه نزاع قد تقدم

وهو بعد أن وعد بالثواب أو أوجب مع ذلك على نفسه الثواب يمتنع منه خلاف خبره وخلاف حكمه الذي كتبه على نفسه وخلاف موجب أسمائه الحسنى وصفاته العلي

ولكن لو قدر أنه عذب من يشاء لم يكن لأحد منعه كما قال تعالى قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا سورة المائدة 1وهو سبحانه لو ناقش من ناقشه من خلقه يعذبه كما ثبت في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال من نوقش الحساب عذب قالت قلت يا رسول الله أليس الله يقول فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحساب حسابا يسيرا سورة الانشقاق 7 8 فقال ذلك العرض ومن نوقش الحساب عذب وفي الصحيح عنه ﷺ أنه قال لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل وفي الحديث الذي رواه أبو داود وغيره لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم ولو رحمهم لكانت رحمته لهم خيرا لهم من أعمالهم وهذا قد يقال لأجل المناقشة في الحساب والتقصير في حقيقة الطاعة وهو قول من يجعل الظلم مقدورا غير واقع وقد يقال بأن الظلم لا حقيقة له وأنه مهما قدر من الممكنات لم يكن ظلما والتحقيق أنه إذا قدر أن الله فعل ذلك فلا يفعله إلا بحق لا يفعله وهو ظالم لكن إذا لم يفعله فقد يكون ظلما يتعالى الله عنه

فصل

وأما ما نقله عنهم أنهم يقولون إن الأنبياء غير معصومين فهذا الإطلاق نقل باطل عنهم

فإنهم متفقون على أن الأنبياء معصومون فيما يبلغونه عن الله تعالى وهذا هو مقصود الرسالة فإن الرسول هو الذي يبلغ عن الله أمره ونهيه وخبره وهم معصومون في تبليغ الرسالة باتفاق المسلمين بحيث لا يجوز أن يستقر في ذلك شيء من الخطأ

وتنازعوا هل يجوز أن يسبق على لسانه ما يستدركه الله تعالى ويبينه له بحيث لا يقره على الخطأ كما نقل أنه ألقى على لسانه ﷺ تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى ثم إن الله تعالى نسخ ما ألقاه الشيطان وأحكم آياته فمنهم من لم يجوز ذلك ومنهم من جوزه إذ لا محذور فيه فإن الله تعالى ينسخ ما يلقى الشيطان ويحكم الله آياته والله عليم حكيم ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد سورة الحج 53

وأما قوله بل قد يقع منهم الخطأ فيقال له هم متفقون على أنهم لا يقرون علي خطأ في الدين أصلا ولا على فسوق ولا كذب ففي الجملة كل ما يقدح في نبوتهم وتبليغهم عن الله فهم متفقون على تنزيههم عنه وعامة الجمهور الذين يجوزون عليهم الصغائر يقولون إنهم معصومون من الإقرار عليها فلا يصدر عنهم ما يضرهم

كما جاء في الأثر كان داود بعد التوبة خيرا منه قبل الخطيئة والله يحب التوابين ويحب المتطهرين سورة البقرة 222 وإن العبد ليفعل السيئة فيدخل بها الجنة

وأما النسيان والسهو في الصلاة فذلك واقع منهم وفي وقوعه حكمة استنان المسلمين بهم كما روى في موطأ مالك إنما أنسى أو أنسى لأسن وقد قال ﷺ إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني أخرجاه في الصحيحين ولما صلى بهم خمسا فلما سلم قالوا له يا رسول الله أزيد في الصلاة قال وما ذاك قالوا صليت خمسا فقال الحديث

وأما الرافضة فأشبهوا النصارى فإن الله تعالى أمر الناس بطاعة الرسل فيما أمروا به وتصديقهم فيما أخبروا به ونهى الخلق عن الغلو والإشراك بالله فبدلت النصارى دين الله فغلوا في المسيح فأشركوا به وبدلوا دينه فعصوه وعظموه فصاروا عصاة بمعصيته وبالغوا فيه خارجين عن أصلي الدين وهما الإقرار لله بالوحدانية ولرسله بالرسالة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فالغلو أخرجهم عن التوحيد حتى قالوا بالتثليث والاتحاد وأخرجهم عن طاعة الرسول وتصديقه حيث أمرهم أن يعبدوا الله ربه وربهم فكذبوه في قوله إن الله ربه ربهم وعصوه فيما أمرهم به وكذلك الرافضة غلوا في الرسل بل في الأئمة حتى اتخذوهم أربابا من دون الله فتركوا عبادة الله وحده لا شريك له التي أمرهم بها الرسل وكذبوا الرسل فيما أخبر به من توبة الأنبياء واستغفارهم فتجدهم يعطلون المساجد التي أمر الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه فلا يصلون فيها جمعة ولا جماعة وليس لها عندهم كبير حرمة وإن صلوا فيها صلوا فيها وحدانا ويعظمون المشاهد المبنية على القبور فيعكفون عليها مشابهة للمشركين ويحجون إليها كما يحج الحاج إلى البيت العتيق ومنهم من يجعل الحج إليها أعظم من الحج إلى الكعبة بل يسبون من لا يستغني بالحج إليها عن الحج الذي فرضه الله على عباده ومن لا يستغنى بها عن الجمعة والجماعة

وهذا من جنس دين النصارى والمشركين الذين يفضلون عبادة الأوثان على عبادة الرحمن وقد ثبت في الصحاح عن النبي ﷺ أنه قال لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما فعلوا وقال قبل أن يموت بخمس إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنها كم عن ذلك رواه مسلم وقال إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد رواه الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه وقال اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد رواه مالك في الموطأ وقد صنف شيخهم ابن النعمان المعروف عندهم بالمفيد وهو شيخ الموسوي والطوسي كتابا سماه مناسك المشاهد جعل قبور المخلوقين تحج كما تحج الكعبة البيت الحرام الذي جعله الله قياما للناس وهو أول بيت وضع للناس فلا يطاف إلا به ولا يصلى إلا إليه ولم يأمر الله إلا بحجه

وقد علم بالاضطرار من دين الإسلام أن النبي ﷺ لم يأمر بما ذكروه من أمر المشاهد ولا شرع لأمته مناسك عند قبور الأنبياء والصالحين بل هذا من دين المشركين الذين قال الله فيهم وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا سورة نوح 23 قال ابن عباس وغيره هؤلاء كانوا قوما صالحين في قوم نوح لما ماتوا عكفوا على قبورهم فطال عليهم الأمد فصوروا تماثيلهم ثم عبدوهم

وقد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره عن أبي الهياج الأسدي قال قال لي علي بن أبي طالب ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ﷺ أن لا أدع قبرا مشرفا إلا سويته ولا تمثالا إلا طمسته فقرن بين طمس التماثيل وتسوية القبور المشرفة لأن كليهما ذريعة إلى الشرك كما في الصحيحين أن أم سلمة وأم حبيبة ذكرتا النبي ﷺ كنيسة رأينها بأرض الحبشة وذكرتا من حسنها وتصاوير فيها فقال إن أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك التصاوير أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة

والله أمر في كتابه بعمارة المساجد ولم يذكر المشاهد فالرافضة بدلوا دين الله فعمروا المشاهد وعطلوا المساجد مضاهاة للمشركين ومخالفة للمؤمنين

قال تعالى قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد سورة الأعراف 29 لم يقل عند كل مشهد وقال ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين سورة التوبة 17 18 ولم يقل إنما يعمر مشاهد الله بل عمار المشاهد يخشون بها غير الله ويرجون غير الله وقال تعالى وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا سورة الجن 18 ولم يقل وأن المشاهد لله وقال ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا سورة الحج 40 ولم يقل ومشاهد وقال في بيوت اذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والأصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة سورة النور 36 3وأيضا فقد علم بالنقل المتواتر بل علم بالاضطرار من دين الإسلام أن رسول الله ﷺ شرع لأمته عمارة المساجد بالصلوات والاجتماع للصلوات الخمس ولصلاة الجمعة والعيدين وغير ذلك وأنه لم يشرع لأمته أن يبنوا على قبر نبي ولا رجل صالح لا من أهل البيت ولا غيرهم لا مسجدا ولا مشهدا ولم يكن على عهده ﷺ في الإسلام مشهد مبني على قبر وكذلك على عهد خلفائه الراشدين وأصحابه الثلاثة وعلي بن أبي طالب ومعاوية لم يكن على عهدهم مشهد مبني لا على قبر نبي ولا غيره لا على قبر إبراهيم الخليل ولا على غيره بل لما قدم المسلمون إلى الشام غير مرة ومعهم عمر بن الخطاب وعثمان ابن عفان وعلي بن أبي طالب وغيرهم ثم لما قدم عمر لفتح بيت المقدس ثم لما قدم لوضع الجزية على أهل الذمة ومشارطتهم ثم لما قدم إلى سرغ ففي جميع هذه المرات لم يكن أحدهم يقصد السفر إلى قبر الخليل ولا كان هناك مشهد بل كان هناك البناء المبني على المغارة وكان مسدودا بلا باب له مثل حجرة النبي ﷺ

ثم لم يزل الأمر هكذا في خلافة بني أمية وبني العباس إلى أن ملك النصاري تلك البلاد في أواخر المائة الخامسة فبنوا ذلك البناء واتخذوه كنيسة ونقبوا باب البناء فلهذا تجد الباب منقوبا لا مبنيا ثم لما استنقذ المسلمون منهم تلك الأرض اتخذها من اتخذها مسجدا

منهاج السنة النبوية
1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57