الرئيسيةبحث

منهاج السنة النبوية/21



وفي صحيح مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال سيكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف برىء ومن أنكر سلم ولكن رضي وتابع قالوا أفلا نقاتلهم قال لا ماصلوا فقد نهى رسول الله ﷺ عن قتالهم مع إخباره أنهم يأتون أمورا منكرة فدل على أنه لا يجوز الإنكار عليهم بالسيف كما يراه من يقاتل ولاة الأمر من الخوارج والزيدية والمعتزلة وطائفة من الفقهاء وغيرهم

وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال لنا رسول الله ﷺ إنكم سترون بعدي أثرة وأمورا تنكرونها قالوا فما تأمرنا يا رسول الله قال تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم

فقد أخبر النبي ﷺ أن الامراء يظلمون ويفعلون أمورا منكرة ومع هذا فأمرنا أن نؤتيهم الحق الذي لهم ونسأل الله الحق الذي لنا ولم يأذن في أخذ الحق بالقتال ولم يرخص في ترك الحق الذي لهم

وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات إلا مات ميتة جاهلية وفي لفظ فإنه من خرج من السلطان شبرا فمات مات ميتة جاهلية واللفظ للبخاري وقد تقدم قوله ﷺ لما ذكر أنهم لا يهتدون بهديه ولا يستنون بسنته قال حذيفة كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك قال تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع فهذا أمر بالطاعة مع ظلم الأمير

وتقدم قوله ﷺ من ولى عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا عن طاعة وهذا نهي عن الخروج عن السلطان وإن عصى

وتقدم حديث عبادة بايعنا رسول الله ﷺ على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله قال إلا إن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان وفي رواية وأن نقول أو نقوم بالحق حيث ما كنا لا نخاف في الله لومة لائم فهذا أمر بالطاعة مع استئثار ولي الأمر وذلك ظلم منه ونهى عن منازعة الأمر أهله وذلك نهي عن الخروج عليه لأن أهله هم أولو الأمر الذين أمر بطاعتهم وهم الذين لهم سلطان يأمرون به وليس المراد من يستحق أن يولى ولا سلطان له ولا المتولى العادل لأنه قد ذكر أنهم يستأثرون فدل على أنه نهى عن منازعة ولي الأمر وإن كان مستأثرا وهذا باب واسع

الوجه الرابع أنا إذا قدرنا أنه يشترط العدل في كل متول فلا يطاع إلا من كان ذا عدل لا من كان ظالما فمعلوم أن اشترط العدل في الولاة ليس بأعظم من اشتراطه في الشهود فإن الشاهد قد يخبر بما لا يعلم فإن لم يكن ذا عدل لم يعرف صدقه فيما أخبر به وأما ولي الأمر فهو يأمر بأمر يعلم حكمه من غيره فيعلم هل هو طاعة لله أو معصية ولهذا قال تعالى إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا سورة الحجرات 6 فأمر بالتبين إذا جاء الفاسق بنبأ ومعلوم أن الظلم لا يمنع من فعل الطاعة ولا من الأمر بها

وهذا مما يوافق عليه الإمامية فإنهم لا يقولون بتخليد أهل الكبائر في النار فالفسق عندهم لا يحبط الحسنات كلها بخلاف من خالف في ذلك من الزيدية والمعتزلة والخوارج الذين يقولون إن الفسق يحبط الحسنات كلها ولو حبطت حسناته كلها لحبط إيمانه ولو حبط إيمانه لكان كافرا مرتدا فوجب قتله

ونصوص الكتاب والسنة والإجماع تدل على أن الزاني والسارق والقاذف لا يقتل بل يقام عليه الحد فدل على أنه ليس بمرتد

وكذلك قوله تعالى وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما الأية سورة الحجرات 9 يدل على وجود الإيمان والأخوة مع الاقتتال والبغي وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال من كانت عنده لأخيه مظلمة من عرض أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون درهم ولا دينار إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فطرحت عليه ثم ألقي في النار أخرجاه في الصحيحين فثبت أن الظالم يكون له حسنات فيستوفي المظلوم منها حقه

وكذلك ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال ما تعدون المفلس فيكم قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا دينار قال المفلس من يأتي يوم القيامة وله حسنات أمثال الجبال وقد شتم هذا وأخذ مال هذا وسفك دم هذا وقذف هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإذا فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار رواه مسلم

وقد قال تعالى إن الحسنات يذهبن السيئات سورة هود 114 فدل ذلك على أنه في حال إساءته يفعل حسنات تمحو إساءاته وإلا لو كانت السيئات قد زالت قبل ذلك بتوبة ونحوها لم تكن الحسنات قد أذهبتها وليس هذا موضع بسط ذلك

والمقصود هنا أن الله جعل الفسق مانعا من قبل النبأ والفسق ليس مانعا من فعل كل حسنة وإذا كان كذلك وقد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أنه لا يستشهد إلا ذوو العدل ثم يكفي في ذلك الظاهر فإذا اشترط العدل في الولاية فلأن يكفي في ذلك الظاهر أولى

فعلم أنه لا يشترط في الولاية من العلم والعدالة أكثر مما يشترط في الشهادة يبين ذلك أن الإمامية وجميع الناس يجوزون أن يكون نواب الإمام غير معصومين وأن لا يكون الإمام عالما بعصمتهم بدليل أن النبي ﷺ قد ولى الوليد بن عقبة بن أبي معيط ثم أخبره بمحاربة الذين أرسله إليهم فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين سورة الحجرات 6 وعلي رضي الله عنه كان كثير من نوابه يخونه وفيهم من هرب عنه وله مع نوابه سير معلومة فعلم أنه ليس في كون الإمام معصوما ما يمنع اعتبار الظاهر ووجود مثل هذه المفاسد وأن اشتراط العصمة في الأئمة شرط ليس بمقدور ولا مأمور ولم يحصل به منفعة لا في الدين ولا في الدنيا مثل كثير من النساك الذين يشترطون في الشيخ أن يعلم أمورا لا يكاد يعلمها أحد من البشر فيصفون الشيخ بصفات من جنس صفات المعصوم عند الإمامية ثم منتهى هؤلاء اتباع شيخ جاهل أو ظالم واتباع هؤلاء لمتول ظالم أو جاهل مثل الذي جاع وقال لا يأكل من طعام البلد حتى يحصل له مثل طعام أهل الجنة فخرج إلى البرية فصار لا يحصل له إلا علف البهائم فبينا هو يدعو إلى مثل طعام الجنة انتهى أمره إلى علف الدواب كالكلأ النابت في المباحات وهكذا من غلا في الزهد والورع حتى خرج عن حد العدل الشرعي ينتهي أمره إلى الرغبة الفاسدة وانتهاك المحارم كما قد رؤي ذلك وجرب

فصل

قال الرافضي وذهب الجميع منهم إلى القول بالقياس والأخذ بالرأي فأدخلوا في دين الله ما ليس منه وحرفوا أحكام الشريعة وأحدثوا مذاهب أربعة لم تكن في زمن النبي ﷺ ولا زمن صحابته وأهملوا أقاويل الصحابة مع أنهم نصوا على ترك القياس وقالوا أول من قاس إبليس

فيقال الجواب عن هذا من وجوه

أحدها أن دعواه على جميع أهل السنة المثبتين لإمامة الخلفاء الثلاثة أنهم يقولون بالقياس دعوى باطلة فقد عرف فيهم طوائف لا يقولون بالقياس كالمعتزلة البغداديين وكالظاهرية كداود وابن حزم وغيرهما وطائفة من أهل الحديث والصوفية

وأيضا ففي الشيعة من يقول بالقياس كالزيدية فصار النزاع فيه بين الشيعة كما هو بين أهل السنة والجماعة

الثاني أن يقال القياس ولو قيل إنه ضعيف هو خير من تقليد من لم يبلغ في العلم مبلغ المجتهدين فإن كل من له علم وإنصاف يعلم أن مثل مالك والليث بن سعد والأوزاعي وأبي حنيفة والثوري وابن أبي ليلى ومثل الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور أعلم وأفقه من العسكريين وأمثالهما

وأيضا فهؤلاء خير من المنتظر الذي لا يعلم ما يقول فإن الواحد من هؤلاء إن كان عنده نص منقول عن النبي ﷺ فلا ريب أنلا النص الثابت عن النبي مقدم على القياس بلا ريب وإن لم يكن عنده نص ولم يقل بالقياس كان جاهلا فالقياس الذي يفيد الظن خير من الجهل الذي لا علم معه ولا ظن فإن قال هؤلاء كل ما يقولونه هو ثابت عن النبي ﷺ كان هذا أضعف من قول من قال كل ما يقوله المجتهد فإنه قول النبي ﷺ فإن هذا يقوله طائفة من أهل الرأي وقولهم أقرب من قول الرافضة فإن قول أولئك كذب صريح

وأيضا فهذا كقول من يقول عمل أهل المدينة متلقى عن الصحابة وقول الصحابة متلقى عن النبي ﷺ وقول من يقول ما قاله الصحابة في غير مجاري القياس فإنه لا يقوله إلا توقيفا عن النبي ﷺ وقول من يقول قول المجتهد أو الشيخ العارف هو إلهام من الله ووحي يجب اتباعه

فإن قال هؤلاء تنازعوا

قيل وأولئك تنازعوا فلا يمكن أن يدعى دعوى باطلة إلا أمكن معارضتهم بمثلها أو بخير منها ولا يقولون حقا إلا كان في أهل السنة والجماعة من يقول مثل ذلك الحق أو ما هو خير منه فإن البدعة مع السنة كالكفر مع الإيمان وقد قال تعالى ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا سورة الفرقان 33

الثالث أن يقال الذين أدخلوا في دين الله ما ليس منه وحرفوا أحكام الشريعة ليسوا في طائفة أكثر منهم في الرافضة فإنهم أدخلوا في دين الله من الكذب على رسول الله ﷺ ما لم يكذبه غيرهم وردوا من الصدق ما لم يرده غيرهم وحرفوا القرآن تحريفا لم يحرفه غيرهم مثل قولهم إن قوله تعالى إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون سورة المائدة 55 نزلت في علي لما تصدق بخاتمه في الصلاة

وقوله تعالى مرج البحرين سورة الرحمن 19 علي وفاطمة يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان سورة الرحمن 22 الحسن والحسين وكل شيء أحصيناه في إمام مبين سورة يس 12 علي بن أبي طالب إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وعمران سورة آل عمران 33 هم آل أبي طالب وإسم أبي طالب عمران فقاتلوا أئمة الكفر سورة التوبة 12 طلحة والزبير والشجرة الملعونة في القرآن سورة الإسراء 64هم بنو أمية إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة سورة البقرة 67 عائشة ولئن أشركت ليحبطن عملك سورة الزمر 65 لئن اشركت بين أبي بكر وعلي في الولاية

وكل هذا وأمثاله وجدته في كتبهم ثم من هذا دخلت الإسماعيليه والنصيرية في تأويل الواجبات والمحرمات فهم أئمة التأويل الذي هو تحريف الكلم عن مواضعه ومن تدبر ما عندهم وجد فيه من الكذب في المنقولات والتكذيب بالحق منها والتحريف لمعانيها ما لا يوجد في صنف من المسلمين فهم قطعا أدخلوا في دين الله ما ليس منه أكثر من كل أحد وحرفوا كتابه تحريفا لم يصل غيرهم إلى قريب منه

الوجه الرابع قوله وأحدثوا مذاهب أربعة لم تكن في زمن النبي ﷺ ولا زمن صحابته وأهملوا أقاويل الصحابة

فيقال له متى كان مخالفة الصحابة والعدول عن أقاويلهم منكرا عند الإمامية وهؤلاء متفقون على محبة الصحابة وموالاتهم وتفضيلهم على سائر القرون وعلى أن إجماعهم حجة وعلى أنه ليس لهم الخروج عن إجماعهم بل عامة الأئمة المجتهدين يصرحون بأنه ليس لنا أن نخرج عن أقاويل الصحابة فكيف يطعن عليهم بمخالفة الصحابة من يقول إن إجماع الصحابة ليس بحجة وينسبهم إلى الكفر والظلم

فإن كان إجماع الصحابة حجة فهو حجة على الطائفتين وإن لم يكن حجة فلا يحتج به عليهم

وإن قال أهل السنة يجعلونه حجة وقد خالفوه

قيل أما أهل السنة فلا يتصور أن يتفقوا على مخالفة إجماع الصحابة وأما الإمامية فلا ريب أنهم متفقون على مخالفة إجماع العترة النبوية مع مخالفة إجماع الصحابة فإنه لم يكن في العترة النبوية بنو هاشم على عهد النبي ﷺ وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم من يقول بإمامة الاثني عشر ولا بعصمة أحد بعد النبي ﷺ ولا بكفر الخلفاء الثلاثة بل ولا من يطعن في إمامتهم بل ولا من ينكر الصفات ولا من يكذب بالقدر

فالإمامية بلا ريب متفقون على مخالفة إجماع العترة النبوية مع مخالفتهم لإجماع الصحابة فكيف ينكرون على من لم يخالف لا إجماع الصحابة ولا إجماع العترة

الوجه الخامس أن قوله أحدثوا مذاهب أربعة لم تكن على عهد رسول الله ﷺ إن أراد بذلك أنهم اتفقوا على أن يحدثوا هذه المذاهب مع مخالفة الصحابة فهذا كذب عليهم فإن هؤلاء الأئمة لم يكونوا في عصر واحد بل أبو حنيفة توفي سنة خمسين ومائة ومالك سنة تسع وسبعين ومائة والشافعي سنة أربع ومائتين وأحمدبن حنبل سنة إحدى وأربعين ومائتين وليس في هؤلاء من يقلد الآخر ولا من يأمر باتباع الناس له بل كل منهم يدعو إلى متابعة الكتاب والسنة وإذا قال غيره قولا يخالف الكتاب والسنة عنده رده ولا يوجب على الناس تقليده

وإن قلت إن أصحاب هذه المذاهب اتبعهم الناس فهذا لم يحصل بموطأة بل اتفق أن قوما اتبعوا هذا وقوما اتبعوا هذا كالحجاج الذين طلبوا من يدلهم على الطريق فرأى قوم هذا دليلا خبيرا فاتبعوه وكذلك الآخرون

وإذا كان كذلك لم يكن في ذلك اتفاق أهل السنة على باطل بل كل قوم منهم ينكرون ما عند غيرهم من الخطأ فلم يتفقوا على أن الشخص المعين عليه أن يقبل من كل هؤلاء ما قاله بل جمهورهم لا يأمرون العامي بتقليد شخص معين غير النبي ﷺ في كل ما يقوله

والله تعالى قد ضمن العصمة للأمة فمن تمام العصمة أن يجعل عددا من العلماء إن أخطأ الواحد منهم في شيء كان الآخر قد أصاب فيه حتى لا يضيع الحق ولهذا لما كان في قول بعضهم من الخطأ مسائل كبعض المسائل التي اوردها كان الصواب في قول الآخر فلم يتفق أهل السنة على ضلالة أصلا وأما خطأ بعضهم في بعض الدين فقد قدمنا غير مرة أن هذا لا يضر كخطأ بعض المسلمين وأما الشيعة فكل ما خالفوا فيه أهل السنة كلهم فهم مخطئون فيه كما أخطأ اليهود والنصارى في كل ما خالفوا فيه المسلمين

الوجه السادس أن يقال قوله إن هذه المذاهب لم تكن في زمن النبي ﷺ ولا الصحابة إن أراد أن الأقوال التي لهم لم تنقل عن النبي ﷺ ولا عن الصحابة بل تركوا قول النبي ﷺ والصحابة وابتدعوا خلاف ذلك فهذا كذب عليهم فإنهم لم يتفقوا على مخالفة الصحابة بل هم وسائر أهل السنة متبعون للصحابة في أقوالهم وإن قدر أن بعض أهل السنة خالف الصحابة لعدم علمه بأقاويلهم فالباقون يوافقونهم ويثبتون خطأ من يخالفهم وإن أراد أن نفس أصحابها لم يكونوا في ذلك الزمان فهذا لا محذور فيه فمن المعلوم أن كل قرن يأتي يكون بعد القرن الأول

الوجه السابع قوله وأهملوا أقاويل الصحابة كذب منه بل كتب أرباب المذاهب مشحونة بنقل أقاويل الصحابة والاستدلال بها وإن كان عند كل طائفة منها ما ليس عند الأخرى وإن قال أردت بذلك أنهم لا يقولون مذهب أبي بكر وعمر ونحو ذلك فسبب ذلك أن الواحد من هؤلاء جمع الآثار وما استنبطه منها فأضيف ذلك إليه كما تضاف كتب الحديث إلى من جمعها كالبخاري ومسلم وأبي داود وكما تضاف القراءات إلى من اختارها كنافع وابن كثير

وغالب ما يقوله هؤلاء منقول عمن قبلهم وفي قول بعضهم ما ليس منقولا عمن قبله لكنه استنبطه من تلك الاصول ثم قد جاء بعده من تعقب أقواله فبين منها ما كان خطأ عنده كل ذلك حفظا لهذا الدين حتى يكون أهله كما وصفهم الله به يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر سورة التوبة 71 فمتى وقع من أحدهم منكر خطأ أو عمدا أنكره عليه غيره

وليس العلماء بأكثر من الأنبياء وقد قال تعالى وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما سورة الأنبياء

وثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال لأصحابه عام الخندق لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فأدركتهم صلاة العصر في الطريق فقال بعضهم لم يرد منا تفويت الصلاة فصلوا في الطريق وقال بعضهم لا نصلي إلا في بني قريظة فصلوا العصر بعد ما غربت الشمس فما عنف واحدة من الطائفتين فهذا دليل على أن المجتهدين يتنازعون في فهم كلام رسول الله ﷺ وليس كل واحد منهم آثما

الوجه الثامن أن أهل السنة لم يقل أحد منهم إن إجماع الأئمة الأربعة حجة معصومة ولا قال إن الحق منحصر فيها وإن ما خرج عنها باطل بل إذا قال من ليس من أتباع الأئمة كسفيان الثوري والأوزعي والليث بن سعد ومن قبلهم ومن بعدهم من المجتهدين قولا يخالف قول الأئمة الأربعة رد ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله وكان القول الراجح هو القول الذي قام عليه الدليل

الوجه التاسع قوله الصحابة نصوا على ترك القياس يقال له الجمهور الذين يثبتون القياس قالوا قد ثبت عن الصحابة أنهم قالوا بالرأي واجتهاد الرأي وقاسوا كما ثبت عنهم ذم ما ذموه من القياس قالوا وكلا القولين صحيح فالمذموم القياس المعارض للنص كقياس الذين قالوا إنما البيع مثل الربا وقياس إبليس الذي عارض به أمر الله له بالسجود لآدم وقياس المشركين الذين قالوا أتأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتله الله قال الله تعالى وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون سورة الأنعام 12وكذلك القياس الذي لا يكون الفرع فيه مشاركا للأصل في مناط الحكم فالقياس يذم إما لفوات شرطه وهو عدم المساواة في مناط الحكم وإما لوجود مانعه وهوالنص الذي يجب تقديمه عليه وإن كانا متلازمين في نفس الأمر فلا يفوت الشرط إلا والمانع موجود ولا يوجد المانع إلا والشرط مفقود

فأما القياس الذي يستوي فيه الأصل والفرع في مناط الحكم ولم يعارضه ما هو أرجح منه فهذا هو القياس الذي يتبع

ولا ريب أن القياس فيه فاسد وكثير من الفقهاء قاسوا أقيسة فاسدة بعضها باطل بالنص وبعضها مما أتفق السلف على بطلانه لكن بطلان كثير من القياس لا يقتضي بطلان جميعه كما أن وجود الكذب في كثير من الحديث لا يوجب كذب جميعه

ومدار القياس على أن الصورتين يستويان في موجب الحكم ومقتضاه فمتى كان كذلك كان القياس صحيحا لا شك ولكن قد يظن القايس ما ليس مناط الحكم مناطا فيغلط ولهذا كان عمدة القياس عند القايسين على بيان تأثير المشترك الذي يسمونه جواب سؤال المطالبة وهو أن يقال لا نسلم أن علة الحكم في الأصل هو الوصف المشترك بين الأصل والفرع حتى يلحق هذا الفرع به فإن القياس لا تثبت صحته حتى تكون الصورتان مشتركتين في المشترك المستلزم للحكم إما في العلة نفسها وإما في دليل العلة تارة بإبداء الجامع وتارة بإلغاء الفارق فإذا عرف أنه ليس بين الصورتين فرق يؤثر علم استواؤهما في الحكم وإن لم يعلم عين الجامع

وهم يثبتون قياس الطرد وهو إثبات مثل حكم الأصل في الفرع لاشتراكهما في مناط الحكم

وقياس العكس وهو نفي حكم الأصل عن الفرع لافتراقهما في مناط الحكم فهذا يفرق بينهما لأن العلة المثبتة للحكم في الأصل

منتفية في الفرع وذاك يجمع بينهما لوجود العلة المثبتة في الفرع وهذه الأمور مبسوطة في غير هذا الموضع

فصل

قال الرافضي وذهبوا بسبب ذلك إلى أمور شنيعة كإباحة البنت المخلوقة من الزنا وسقوط الحد عمن نكح أمه أو أخته أو بنته مع علمه بالتحريم والنسب بواسطة عقد يعقده وهو يعلم بطلانه وعمن لف على ذكره خرقه وزنى بأمه أو بنته وعن اللائط مع أنه أفحش من الزنا وأقبح وإلحاق نسب المشرقية بالمغربي فإذا زوج الرجل ابنته وهي في المشرق برجل هو وأبوها في المغرب ولم يفترقا ليلا ولا نهارا حتى مضت مدة ستة أشهر فولدت البنت في المشرق التحق الولد بالرجل وهو وأبوها في المغرب مع أنه لا يمكنه الوصول إليها إلا بعد سنين متعددة بل لو حبسه السلطان من حين العقد وقيده وجعل عليه حفظة مدة خمسين سنة ثم وصل إلى بلد المرأة فرأى جماعة كثيرة من أولادها وأولاد أولادها إلى عدة بطون التحقوا كلهم بالرجل الذي لم يقرب هذه المرأة ولا غيرها ألبتة وإباحة النبيذ مع مشاركته الخمر في الإسكار والوضوء به والصلاة في جلد الكلب وعلى العذرة اليابسة

وحكى بعض الفقهاء لبعض الملوك وعنده بعض فقهاء الحنفية صفة صلاة الحنفي فدخل دارا مغصوبة وتوضأ بالنبيذ وكبر وقرأ بالفارسية من غير نية وقرأ مدهامتان سورة الرحمن 64 لا غير بالفارسية ثم طأطأ رأسه من غير طمأنينة وسجد كذلك ورفع رأسه بقدر حد السيف ثم سجد وقام ففعل كذلك ثانية ثم أحدث في مقام التسليم فتبرأ الملك وكان حنفيا من هذا المذهب

وأباحوا المغصوب لو غير الغاصب الصفة فقالوا لو أن سارقا دخل بدار شخص له فيه دواب ورحى وطعام فطحن السارق الطعام بالدواب والأرحية ملك ذلك الطحين بذلك فلو جاء المالك ونازعه كان المالك ظالما والسارق مظلوما فلو تقاتلا فإن قتل المالك كان هدرا وإن قتل السارق كان شهيدا

وأوجبوا الحد على الزانى إذا كذب الشهود وأسقطوه إذا صدقهم فأسقط الحد مع إجتماع الإقرار والبينة وهذا ذريعة إلى إسقاط حدود الله تعالى فإن كل من شهد عليه بالزنا فصدق الشهود يسقط عنه الحد وإباحة أكل الكلب واللواط بالعبيد وإباحة الملاهي كالشطرنج والغناء وغير ذلك من المسائل التي لا يحتملها هذا المختصر

والجواب من وجوه

أحدها أنه في هذه المسائل ما هو كذب على جميع أهل السنة وأما سائرها فليس في هذه المسائل مسألة إلا وجمهور أهل السنة على خلافها وإن كان قد قالها بعضهم فإن كان قوله خطأ فالصواب مع غيره من أهل السنة وإن كان صوابا فالصواب مع أهل السنة أيضا فعلى التقديرين لا يخرج الصواب عن قول أهل السنة

الثاني أن يقال الرافضة يوجد فيهم من المسائل ما لا يقوله مسلم يعرف دين الإسلام منها ما يتفقون عليه ومنها ما يقوله بعضهم مثل ترك الجمعة والجماعة فيعطلون المساجد التي أمر الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه عن الجمعة والجماعات ويعمرون المشاهد التي حرم الله ورسوله بناءها ويجعلونها بمنزلة دور الأوثان ومنهم من يجعل زيارتها كالحج كما صنف المفيد كتاب سماه مناسك حج المشاهد وفيه من الكذب والشرك ما هو من جنس كذب النصارى وشركهم ومنها تأخير صلاة المغرب مضاهاة لليهود ومنها وتحريم ذبائح أهل الكتاب وتحريم نوع من السمك وتحريم بعضهم لحم الجمل واشتراط بعضهم في الطلاق الشهود على الطلاق وإيجابهم أخذ خمس مكاسب المسلمين وجعلهم الميراث كله للبنت دون العم وغيره من العصبة والجمع الدائم بين الصلاتين ومثل صوم بعضهم بالعدد لا بالهلال يصومون قبل الهلال ويفطرون قبله ومثل ذلك من الأحكام التي يعلم علما يقينيا أنها خلاف دين المسلمين الذي بعث الله به رسوله ﷺ وأنزل به كتابه وقد قدمنا ذكر بعض أمورهم التي هي من أظهر الأمور إنكارا في الشرع والعقل ولهم مقالات باطلة وإن كان قد وافقهم عليها بعض المتقدمين مثل إحلال المتعة وأن الطلاق المعلق بالشرط لا يقع وإن قصد إيقاعه عند الشرط وأن الطلاق لا يقع بالكنايات وأنه يشترط فيه الإشهاد

الثالث أن يقال هذه المسائل لها مأخذ عند من قالها من الفقهاء وإن كانت خطأ عند جمهورهم فأهل السنة أنفسهم يثبتون خطأها فلا يخرج بيان الصواب عنهم كما لا يخرج الصواب عنهم فالمخلوقات من ماء الزنا يحرمها جمهورهم كأبي حنيفة وأحمد ومالك في أظهر الروايتين وحكى ذلك قولا للشافعي وأحمد لم يكن يظن أن في هذه المسائل نزاعا حتى أفتى بقتل من فعل ذلك والذين قالوها كالشافعي وابن الماجشون رأوا النسب منتفيا لعدم الإرث فانتفت أحكامه كلها والتحريم من أحكامه والذين أنكروها قالوا أحكام الأنساب تختلف فيثبت لبعض الأنساب من الأحكام ما لا يثبت لبعض فباب التحريم يتناول ما شمله اللفظ ولو مجازا حتى تحرم بنت البنت بل يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فالمخلوقة من مائه أولى بالتحريم بخلاف الإرث فإنه يختص بمن ينسب إلى الميت من ولده فيثبت لولد البنين دون ولد البنات

وأما عقده على ذوات المحارم فأبو حنيفة جعل ذلك شبهة تدرأ الحد لوجود صورة العقد وأما جمهور الفقهاء فلم يجعلوا ذلك شبهة بل قالوا هذا مما يوجب تغليظ الحد وعقوبه لكونه فعل محرمين العقد والوطء وكذلك اللواط أكثر السلف يوجبون قتل فاعله مطلقا وإن لم يكن محصنا وقيل إن ذلك إجماع الصحابة وهو مذهب أهل المدينة كمالك وغيره ومذهب أحمد في أصح الروايتين عنه والشافعي في أحد قوليه وعلى هذا القول يقتل المفعول به مطلقا إذا كان بالغا والقول الآخر أن حده حد الزاني وهو قول أبي يوسف ومحمد والشافعي وأحمد في أحد قوليهما

وإذا قيل الفاعل كالزاني فقيل يقتل المفعول به مطلقا وقيل لا يقتل وقيل بالفرق كالفاعل وسقوط الحد من مفردات أبي حنيفة

وأما إلحاق النسب في تزويج المشرقية بالمغربي فهذا أيضا من مفاريد أبي حنيفة وأصله في هذا الباب أن النسب عنده يقصد به المال فهو يقسم المقصود به فإذا ادعت امرأتان ولدا ألحقه بهما بمعنى أنهما يقتسمان ميراثه لا بمعنى أنه خلق منهما

وكذلك فيما إذا طلق المرأة قبل التمكن من وطئها فجعل الولد له بمعنى أنهما يتوارثان لا بمعنى أنه خلق من مائه وحقيقة مذهبه أنه لا يشترط في الحكم بالنسب ثبوت الولادة الحقيقية بل الولد عنده للزوج الذي هو للفراش مع قطعه أنه لم يحبلها

وهذا كما أنه إذا طلق إحدى امرأتيه ومات ولم تعرف المطلقة فإنه يقسم الميراث بينهما وأما أحمد فإنه يقرع بينهما وأما الشافعي فتوقف في الأمر فلم يحكم بشيء حتى يتبين له الأمر أو يصطلحا وجمهور العلماء يخالفونه ويقولون إذا علم انتفاء الولادة لم يجز إثبات النسب ولا حكم من أحكامه وهو يقول قد ثبت بعض الأحكام مع انتفاء الولادة

كما يقول فيما إذا قال لمملوكه الذي هو أكبر منه أنت ابني يجعل ذلك كناية في عتقه لا إقرارا بنسبه وجمهور العلماء يقولون هو إقرار علم كذبه فيه فلا يثبت به شيء

فالشناعة التي شنع بها على أبي حنيفة إن كان حقا فجمهور أهل السنة يوافقون عليها وإن كانت باطلا لم تضرهم شيئا مع أنه يشنع تشنيع من يظن أن أبا حنيفة يقول إن هذا الولد مخلوق من ماء هذا الرجل الذي لم يجتمع بامرأته وهذا لا يقوله أقل الناس عقلا فكيف بمثل أبي حنيفة ولكنه يثبت حكم النسب بدون الولادة وهو أصل انفرد به وخالفه فيه الجمهور وخطأوا من قال به

ثم منهم من يثبت النسب إذا أمكن وطء الزوج لها كما يقوله الشافعي وكثير من أصحاب أحمد ومنهم من يقول لا يثبت النسب إلا إذا دخل بها وهذا هو القول الآخر في مذهب أحمد وقول مالك وغيره

وكذلك مسألة حل الأنبذة قد علم أن جمهور أهل السنة يحرمون ذلك ويبالغون فيه حتى يحدون الشارب المتأول ولهم في فسقه قولان مذهب مالك وأحمد في إحدى الروايتين يفسق ومذهب الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى لا يفسق ومحمد بن الحسن يقول بالتحريم وهذا هو المختار عند أهل الإنصاف من أصحاب أبي حنيفة كأبي الليث السمرقندي ونحوه

وقول هذا الرافضي وإباحة النبيذ مع مشاركته الخمر في الإسكار احتجاج منه على أبي حنيفة بالقياس فإن كان القياس حقا بطل إنكاره وإن كان باطلا بطلت هذه الحجة

ولو احتج عليه بقول النبي ﷺ كل مسكر خمر وكل خمر حرام لكان أجود

وأما الوضوء بالنبيذ فجمهور العلماء ينكرونه وعن أبي حنيفة فيه روايتان أيضا وإنما أخذ ذلك لحديث روي في هذا الباب حديث ابن مسعود وفيه تمرة طيبة وماء طهور والجمهور منهم من يضعف هذا الحديث ويقولون إن كان صحيحا فهو منسوخ بآية الوضوء وآية تحريم الخمر مع أنه قد يكون لم يصر نبيذا وإنما كان الماء باقيا لم يتغير أو تغير تغيرا يسيرا أو تغيرا كثيرا مع كونه ماء على قول من يجوز الوضوء بالماء المضاف كماء الباقلاء وماء الحمص ونحوهما وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في أكثر الروايات عنه وهو أقوى في الحجة من القول الآخر لأن قوله فلم تجدوا ماء سورة النساء 43 نكرة في سياق النفي فيعم ما تغير بإلقاء هذه الطاهرات فيه كما يعم ما تغير بأصل خلقته أو بما لا يمكن صونه عنه إذ شمول اللفظ لهما سواء كما يجوز التوضؤ بماء البحر

وقد قال النبي ﷺ لما قيل له أنتوضأ من ماء البحر فإنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا فقال رسول الله ﷺ وهو الطهور ماؤه الحل ميتته قال الترمذي حديث صحيح فماء البحر طهور مع كونه في غاية الملوحة والمرارة والزهومة فالمتغير بالطاهرات أحسن حالا منه لكن ذاك تغير أصلي وهذا طارىء

وهذا الفرق لا يعود إلى اسم الماء ومن اعتبره جعل مقتضى القياس أنه لا يتوضأ بماء البحر ونحوه ولكن أبيح لأنه لا يمكن صونه عن المغيرات والأصل ثبوت الأحكام على وفق القياس لا على خلافه فإن كان هذا داخلا في اللفظ دخل الآخر وإلا فلا وهذه دلالة لفظية لا قياسية حتى يعتبر فيها المشقة وعدمها

وأما الصلاة في جلد الكلب فإنما يجوز ذلك أبو حنيفة إذا كان مدبوغا وهذا قول طائفة من العلماء ليس هذا من مفاريده وحجتهم قوله ﷺ أيما إهاب دبغ فقد طهر وهذه مسألة اجتهاد وليست هذه من مسائل الشناعات ولو قيل لهذا المنكر هات دليلا قاطعا على تحريم ذلك لم يجده بل لو طولب بدليل على تحريم الكلب ليرد به على مالك في إحدى الروايتين عنه فإنه يكرهه ولا يحرمه لم يكن هذا الرد من صناعته مع أن الصحيح الذي عليه جمهور العلماء أن جلد الكلب بل وسائر السباغ لا يطهر بالدباغ لما روي عن النبي ﷺ من وجوه متعددة أنه نهى عن جلود السباع وقوله ﷺ أيما إهاب دبغ فقد طهر ضعفه أحمد وغيره من أئمة الحديث وقد رواه مسلم وكذلك تحريم الكلب دلت عليه أدلة شرعية لكن هؤلاء الإمامية تعجز عن إقامة دليل يردون به على مالك في إحدى الروايتين

وأما الصلاة علىالعذرة اليابسة بلا حائل فليس هذا مذهب أبي حنيفة ولا أحد من الأئمة الأربعة ولكن إذا أصابت الأرض نجاسة فذهبت بالشمس أو الريح أو الاستحالة فمذهب الأكثرين طهارة الأرض وجواز الصلاة عليها هذا مذهب أبي حنيفة وأحد القولين في مذهب مالك وأحمد وهو القول القديم للشافعي وهذا القول أظهر من قول من لا يطهرها بذلك

وأما ما ذكره من صفة الصلاة التي يجيزها أبو حنيفة وفعلها عند بعض الملوك حتى رجع عن مذهبه فليس بحجة على فساد مذهب أهل السنة لأن أهل السنة يقولون إن الحق لا يخرج عنهم لا يقولون إنه لم يخطىء أحد منهم

وهذه الصلاة ينكرها جمهور أهل السنة كمذهب مالك والشافعي وأحمد والملك الذي ذكره هو محمود بن سبكتكين وإنما رجع إلى ما ظهر عنده أنه سنة النبي ﷺ وكان من خيار الملوك وأعدلهم وكان من أشد الناس قياما على أهل البدع لا سيما الرافضة فإنه كان قد أمر بلعنتهم ولعنة أمثالهم في بلاده وكان الحاكم العبيدي بمصر كتب إليه يدعوه فأحرق كتابه على رأس رسوله ونصر أهل السنة نصرا معروفا عنه

قوله وأباحوا المغصوب لو غير الغاصب الصفة فقالوا لو أن سارقا دخل مدارا لشخص له فيه دواب ورحى وطعام فطحن السارق طعام صاحب المدار بدوابه وأرحيته ملك الطحين بذلك فلو جاء المالك ونازعه كان المالك ظالما والسارق مظلوما فلو تقاتلا فإن قتل المالك كان هدرا وإن قتل السارق كان شهيدا

فيقال أولا هذه المسألة ليست قول جمهور علماء السنة

وإنما قالها من ينازعه فيها جمهورهم ويردون قوله بالأدلة الشرعية فهي قول بعض العلماء ولكن الفقهاء متنازعون في الغاصب إذا غير المغصوب بما أزال اسمه كطحن الحب فقيل هذا بمنزلة إتلافه فيجب للمالك القيمة وهذا قول أبي حنيفة

وقيل بل هو باق على ملك صاحبه والزيادة له والنقص على الغاصب وهو قول الشافعي

وقيل بل يخير المالك بين أخذ العين والمطالبة بالنقص إن نقص وبين المطالبة بالبدل وترك العين للغاصب وهذا هو المشهور من مذهب مالك وإذا أخذ العين فقيل يكون الغاصب شريكا بما أحدثه فيه من الصنعة وقيل لا شيء له وهذه الأقوال في مذهب أحمد وغيره وحينئذ فالقول الذي أنكره خلاف قول جمهور أهل السنة

ثم إنه كذب في نقله بقوله لو تقاتلا كان المالك ظالما فإن المالك إن كان متأولا لا يعتقد غير هذا القول لم يكن ظالما ولم تجز مقاتلته بل إذا تنازعا ترافعا إلى من يفصل بينهما إذا كان اعتقاد هذا أن هذه العين ملكه واعتقاد الآخر أنها ملكه وأيضا فقد يفرق بين من غصب الحب ثم اتفق أنه طحنه وبين من قصد بطحنه تملكه فإن معاقبة هذا بنقيض قصده من باب سد الذرائع

وبالجملة فهذه المسائل التي أنكرها كلها من مذهب أبي حنيفة ليس فيها لغيره إلا مسألة المخلوقة من ماء الزنا للشافعي

فيقال له الشيعة تقول إن مذهب أبي حنيفة أصح من بقية المذاهب الثلاثة ويقولون إنه إذا اضطر الإنسان إلى استفتاء بعض المذاهب الأربعة استفتى الحنفية ويرجحون محمد بن الحسن على أبي يوسف فإنهم لنفورهم عن الحديث والسنة ينفرون عمن كان أكثر تمسكا بالحديث والسنة

فإذا كان كذلك فهذه الشناعات في مذهب أبي حنيفة فإن كان قوله هو الراجح من مذاهب الأئمة الأربعة كان تكثير التشنيع عليه دون غيره تناقضا منهم وكانوا قد رجحوا مذهبا وفضلوه على غيره ثم بينوا فيه من الضعف والنقص ما يقتضي أن يكون أنقص من غيره وما هذا التناقض بعيد منهم فإنهم لفرط جهلهم وظلمهم يمدحون ويذمون بلا علم ولا عدل فإن كان مذهب أبي حنيفة هو الراجح كان ما ذكروه من اختصاصه بالمسائل الضعيفة التي لا يوجد مثلها لغيره تناقضا وإن لم يكن الراجح كان ترجيحه على بقية المذاهب باطلا فيلزم بالضرورة أن يكون الشيعة على الباطل على كل تقدير ولا ريب أنهم أصحاب جهل وهوى فيتكلمون في كل موضع بما يناسب أغراضهم سواء كان حقا أو باطلا

وقصدهم في هذا المقام ذم جميع طوائف أهل السنة فينكرون من كل مذهب ما يظنونه مذموما فيه سواء صدقوا في النقل أو كذبوا وسواء كان ما ذكروه من الذم حقا أو باطلا وإن كان في مذهبهم من المعايب أعظم وأكثر من معايب غيرهم

وأما قوله وأوجب الحد على الزاني إذا كذب الشهود وأسقطه إذا صدقهم فأسقط الحد مع اجتماع الإقرار والبينة وهذا ذريعة إلى إسقاط حدود الله تعالى فإن كل من شهد عليه بالزنا فصدق الشهود يسقط عنه الحد

فيقال وهذا أيضا من أقوال أبي حنيفة وخالفه فيها الجمهور كمالك والشافعي وأحمد وغيرهم ومأخذ أبي حنيفة أنه إذا أقر سقط حكم الشهادة ولا يؤخذ بالإقرار إلا إذا كان أربع مرات وأما الجمهور فيقولون الإقرار يؤكد حكم الشهادة ولا يبطلها لأنه موافق لها لا مخالف لها وإن لم يحتج إليه كزيادة عدد الشهود على الأربعة وكإقراره أكثر من أربع مرات

وبالجملة فهذا قول جمهور أهل السنة فإن كان صوابا فهو قولهم وإن كان الآخر هو الصواب فهو قولهم

ثم يقال له من المعلوم أن جمهور أهل السنة ينكرون هذه المسائل ويردون على من قالها بحجج وأدلة لا تعرفها الإمامية

وأما قوله وإباحة أكل الكلب واللواط بالعبيد وإباحة الملاهي كالشطرنج والغناء وغير ذلك من المسائل التي لا يحتملها هذا المختصر

فيقال نقل هذا عن جميع أهل السنة كذب وكذلك نقله عن جمهورهم بل فيه ما قاله بعض المقرين بخلافة الخلفاء الثلاثة

وفيه ما هو كذب عليهم لم يقله أحد منهم وذلك الذي قاله بعض هؤلاء أنكره جمهورهم فلم يتفقوا على ضلالة

ثم إن الموجود في الشيعة من الأمور المنكرة الشنيعة المخالفة للكتاب والسنة والإجماع أعظم وأشنع مما يوجد في أي طائفة فرضت من طوائف السنة فما من طائفة من طوائف السنة يوجد في قولها ما هو ضعيف إلا ويوجد ما هو أضعف منه وأشنع من أقوال الشيعة

فتبين على كل تقدير أن كل طائفة من أهل السنة خير منهم فإن الكذب الذي يوجد فيهم والتكذيب بالحق وفرط الجهل والتصديق بالمحالات وقلة العقل والغلو في اتباع الأهواء والتعلق بالمجهولات لا يوجد مثله في طائفة أخرى

وأما ما حكاه من إباحة اللواط بالعبيد فهو كذب لم يقله أحد من علماء أهل السنة وأظنه قصد التشنيع به على مالك فإني رأيت من الجهال من يحكي هذا عن مالك وأصل ذلك ما يحكى عنه في حشوش النساء فإنه لما حكي عن طائفة من أهل المدينة إباحة ذلك وحكي عن مالك فيه روايتان ظن الجاهل أن أدبار المماليك كذلك، وهذا من أعظم الغلط على من هو دون مالك فكيف على مالك مع جلالة قدره وشرف مذهبه وكمال صيانته عن الفواحش وأحكامه بسد الذرائع وأنه من أبلغ المذاهب إقامة للحدود ونهيا عن المنكرات والبدع

ولا يختلف مذهب مالك في أن من استحل إتيان المماليك أنه يكفر كما أن هذا قول جميع أئمة المسلمين فإنهم متفقون على أن استحلال هذا بمنزلة استحلال وطء أمته التي هي بنته من الرضاعة أو أخته من الرضاعة أو هي موطوءة ابنه أو أبيه فكما أن مملوكته إذا كانت محرمة برضاع أو صهر لا تباح له باتفاق المسلمين فملوكه أولى بالتحريم فإن هذا الجنس محرم مطلقا لا يباح بعقد نكاح ولا ملك يمين بخلاف وطء الإناث

ولهذا كان مذهب مالك وعلماء المدينة أن اللوطي يقتل رجما محصنا كان أو غير محصن سواء تلوط بمملوكه أو غير مملوكه فإنه يقتل عندهم الفاعل والمفعول به

كما في السنن عن النبي ﷺ أنه قال اقتلوا الفاعل والمفعول به رواه أبو داود وغيره

وهذا مذهب أحمد في الرواية المنصوصة عنه وهو أحد قولي الشافعي فمن يكون مذهبه أن هذا أشد من الزنا كيف يحكى عنه أنه أباح ذلك وكذلك لم يبحه غيره من العلماء بل هم متفقون على تحريم ذلك ولكن كثير من الأشياء يتفقون على تحريمها ويتنازعون في إقامة الحد على فاعلها هل يحد أو يعزر بما دون الحد كما لو وطيء أمته التي هي ابنته من الرضاعة

وأما قوله وإباحة الملاهي كالشطرنح والغناء

فيقال مذهب جمهور العلماء أن الشطرنج حرام وقد ثبت عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه مر بقوم يلعبون بالشطرنج فقال ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون

وكذلك النهي عنها معروف عن أبي موسى وابن عباس وابن عمر وغيره من الصحابة

وتنازعوا في أيهما أشد تحريما الشطرنج أوالنرد فقال مالك الشطرنج أشد من النرد وهذا منقول عن ابن عمر وهذا لأنها تشغل القلب بالفكر الذي يصد عن ذكر الله وعن الصلاة أكثر من النرد

وقال أبو حنيفة وأحمد النرد أشد فإن العوض يدخل فيها أكثر وأما الشافعي فلم يقل إن الشطرنج حلال ولكن قال النرد حرام والشطرنج دونها ولا يتبين لي أنها حرام فتوقف في التحريم ولأصحابه في تحريمها قولان فإن كان التحليل هو الراجح فلا ضرر

وإن كان التحريم هو الراجح فهو قول جمهور أهل السنة فعلى التقديرين لا يخرج الحق عنهم

قوله وإباحة الغناء

فيقال له هذا من الكذب على الأئمة الأربعة فإنهم متفقون على تحريم المعازف التي هي آلات اللهو كالعود ونحوه ولو أتلفها متلف عندهم لم يضمن صورة التالف بل يحرم عندهم اتخاذها وهل يضمن المادة على قولين مشهورين لهم كما لو أتلف أوعية الخمر فإنه لو أتلف ما يقوم به المحرم من المادة لم يضمنه في أحد قوليهم كما هو مذهب مالك وأشهر الروايتين عن احمد كما أتلف موسى العجل المتخذ من الذهب

وكما ثبت في الصحيح أن النبي ﷺ أمر عبدالله بن عمرو أن يحرق الثوبين المعصفرين اللذين كانا عليه

وكما أمرهم عام خيبر بكسر القدور التي كان فيها لحوم الحمر ثم أذن لهم في إراقة ما فيها فدل على جواز الأمرين

وكما أمر لما حرمت الخمر بشق الظروف وكسر الدنان

وكما أن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما أمرا بتحريق المكان الذي يباع فيه الخمر

ومن لم يجوز ذلك من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه قالوا هذه عقوبات مالية وهي منسوخة وأولئك يقولون لم ينسخ ذلك شيء فإن النسخ لا يكون إلا بنص متأخر عن الأول يعارضه ولم يرد شيء من ذلك بل العقوبات المالية كالعقوبات البدنية تستعمل على الوجه المشروع بل هي أولى بالاستعمال فإن إتلاف الأبدان والأعضاء أعظم من إتلاف الأموال فإذا كان جنس الأول مشروعا فجنس الثاني بطريق الأولى

وقد تنازعوا أيضا في القصاص في الأموال إذا خرق له ثوبا هل له أن يخرق نظيره من ثيابه فيتلف ماله كما أتلف ماله على قولين هما روايتان عن أحمد فمن قال لا يجوز ذلك قال لأنه فساد ومن قال يجوز قال إتلاف النفس والطرف أشد فسادا وهو جائز على وجه العدل والاقتصاص لما فيه من كف العدوان وشفاء نفس المظلوم ومن منع قال النفوس لو لم يشرع فيها القصاص لم تنكف النفوس فإن القاتل إذا علم أنه لا يقتل بل يؤدي دية أقدم على القتل وأدى الدية بخلاف الأموال فإنه يؤخذ من المتلف نظير ما أتلفه فحصل القصاص بذلك الزجر وأما إتلاف ذلك فضرره علىالمتلف عليه فإنه يذهب ماله وعوض ماله عليه وذلك يقول بل فيه نوع من شفاء غيظ المظلوم وأما إذا تعذر القصاص منه إلا بإتلاف ماله فهذا أظهر جوازا لأن القصاص عدل وجزاء سيئة سيئة مثلها فإذا أتلف ماله ولم يكن الاقتصاص منه إلا بإتلافه جاز ذلك

ولهذا اتفق العلماء على جواز إتلاف الشجر والزرع الذي للكفار إذا فعلوا بنا مثل ذلك أو لم يقدر عليهم إلا به وفي جوازه بدون ذلك نزاع معروف وهو روايتان عن أحمد والجواز مذهب الشافعي وغيره

والمقصود هنا أن آلات اللهو محرمة عند الأئمة الأربعة ولم يحك عنهم نزاع في ذلك إلا أن المتأخرين من الخراسانيين من أصحاب الشافعي ذكروا في النزاع وجهين والصحيح التحريم وأما العراقيون وقدماء الخراسانيين فلم يذكروا في ذلك نزاعا

وأما الغناء المجرد فمحرم عن أبي حنيفة ومالك وهو أحد القولين في مذهب الشافعي وأحمد وعنهما أنه مكروه وذهبت طائفة من أصحاب أحمد إلى أن الغناء المجرد مباح فإن كان هذا القول حقا فلا ضرر وإن كان باطلا فجمهور أهل السنة على التحريم فلم يخرج الحق عن أهل السنة

فصل

قال الرافضي الوجه الثاني في الدلالة على وجوب اتباع مذهب الإمامية ما قاله شيخنا الإمام الأعظم خواجه نصير الملة والحق والدين محمد بن الحسن الطوسي قدس الله روحه وقد سألته عن المذاهب فقال بحثنا عنها وعن قول رسول الله ﷺ ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة منها فرقة ناجية والباقي في النار وقد عين الفرقة الناجية والهالكة في حديث آخر صحيح متفق عليه وهو في قوله مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق فوجدنا الفرقة الناجية هي فرقة الإمامية لأنهم باينوا جميع المذاهب وجميع المذاهب قد اشتركت في أصول العقائد

فيقال الجواب من وجوه

أحدها أن هذا الإمامي قد كفر من قال إن الله موجب بالذات كما تقدم من قوله يلزم أن يكون الله موجبا بذاته لا مختار فيلزم الكفر 44)

وهذا الذي قد جعله شيخه الأعظم واحتج بقوله هو ممن يقول بأن الله موجب بالذات ويقول بقدم العالم كما ذكر في كتاب شرح الإشارات له فيلزم على قوله أن يكون شيخه هذا الذي احتج به كافرا والكافر لا يقبل قوله في دين المسلمين

الثاني أن هذا الرجل اشتهر عند الخاص والعام أنه كان وزير الملاحدة الباطنية الإسماعيلية بالألموت ثم لما قدم الترك المشركون إلى بلاد المسلمين وجاءوا إلى بغداد دار الخلاقة كان هذا منجما مشيرا لملك الترك المشركين هولاكو أشار عليه بقتل الخليفة وقتل أهل العلم والدين واستبقاء أهل الصناعات والتجارات الذين ينفعونه في الدنيا وأنه استولى على الوقف الذي للمسلمين وكان يعطي منه ما شاء الله لعلماء المشركين وشيوخهم من البخشية السحرة وأمثالهم وأنه لما بنى الرصد الذي بمراغة على طريقة الصابئة المشركين كان أبخس الناس نصيبا منه من كان إلى أهل الملل أقرب وأوفرهم نصيبا من كان أبعدهم عن الملل مثل الصابئة المشركين ومثل المعطلة وسائر المشركين وإن ارتزقوا بالنجوم والطب ونحو ذلك ومن المشهور عنه وعن أتباعه الاستهتار بواجبات الإسلام ومحرماته لا يحافظون على الفرائض كالصلوات ولا ينزعون عن محارم الله من الفواحش والخمر وغير ذلك من المنكرات حتى أنهم في شهر رمضان يذكر عنهم من إضاعة الصلوات وارتكاب الفواحش وشرب الخمور ما يعرفه أهل الخبرة بهم ولم يكن لهم قوة وظهور إلا مع المشركين الذين دينهم شر من دين اليهود والنصارى

ولهذا كان كلما قوي الإسلام في المغل وغيرهم من الترك ضعف أمر هؤلاء لفرط معاداتهم للإسلام وأهله ولهذا كانوا من أنقص الناس منزلة عند الأمير نوروز المجاهد في سبيل الله الشهيد الذي دعا ملك المغل غازان إلى الإسلام والتزم له أن ينصره إذا أسلم وقتل المشركين الذين لم يسلموا من البخشية السحرة وغيرهم وهدم البذخانات وكسر الأصنام ومزق سدنتها كل ممزق وألزم اليهود والنصارى بالجزية والصغار وبسببه ظهر الإسلام في المغل وأتباعهم

وبالجملة فأمر هذا الطوسي وأتباعه عند المسلمين أشهر وأعرف من أن يعرف ويوصف ومع هذا فقد قيل إنه كان في آخر عمره يحافظ على الصلوات الخمس ويشتغل بتفسير البغوى وبالفقه ونحو ذلك فإن كان قد تاب من الإلحاد فالله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات والله تعالى يقول يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا سورة الزمر 53

لكن ما ذكره عنه هذا إن كان قبل التوبة لم يقبل قوله وإن كان بعد التوبة لم يكن قد تاب من الرفض بل من الإلحاد وحده وعلى التقديرين فلا يقبل قوله والأظهر أنه إنما كان يجتمع به وبأمثاله لما كان منجما للمغل المشركين والإلحاد معروف من حاله إذ ذاك

فمن يقدح في مثل أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ويطعن على مثل مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل وأتباعهم ويعيرهم بغلطات بعضهم في مثل إباحة الشطرنج والغناء كيف يليق به أن يحتج لمذهبه بقول مثل هؤلاء الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ويستحلون المحرمات المجمع على تحريمها كالفواحش والخمر في مثل شهر رمضان الذين أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات وخرقوا سياج الشرائع واستخفوا بحرمات الدين وسلكوا غير طريق المؤمنين فهم كما قيل فيهم ... الدين يشكو بلية ... من فرقة فلسفية ... لا يشهدون صلاة ... إلا لأجل التقية ... ولا ترى الشرع إلا ... سياسة مدنية ... ويؤثرون عليه ... مناهجا فلسفية ولكن هذا حال الرافضة دائما يعادون أولياء الله المتقين من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ويوالون الكفار والمنافقين فإن أعظم الناس نفاقا في المنتسبين إلى الإسلام هم الملاحدة الباطنية الإسماعيلية فمن احتج بأقوالهم في نصرة قوله مع ما تقدم من طعنه على أقوال أئمة المسلمين كان من أعظم الناس موالاة لأهل النفاق ومعاداة لأهل الإيمان

ومن العجب أن هذا المصنف الرافضي الخبيث الكذاب المفتري يذكر أبا بكر وعمر وعثمان وسائر السابقين الأولين والتابعين وسائر أئمة المسلمين من أهل العلم والدين بالعظائم التي يفتريها عليهم هو وإخوانه ويجيء إلى من قد اشتهر عند المسلمين بمحادته لله ورسوله فيقول قال شيخنا الأعظم ويقول قدس الله روحه مع شهادته بالكفر عليه وعلى أمثاله ومع لعنة طائفته لخيار المؤمنين من الأولين والآخرين

وهؤلاء داخلون في معنى قوله تعالى ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن يجد له نصيرا سورة النساء 51 5فإن هؤلاء الإمامية أوتوا نصيبا من الكتاب إذ كانوا مقرين ببعض ما في الكتاب المنزل وفيهم شعبة من الإيمان بالجبت وهو السحر والطاغوت وهو يعبد من دون الله فإنهم يعظمون الفلسفة المتضمنة لذلك ويرون الدعاء والعبادة للموتى واتخاذ المساجد على القبور ويجعلون السفر إليها حجا له مناسك ويقولون مناسك حج المشاهد

وحدثني الثقات أن فيهم من يرون الحج إليها أعظم من الحج إلى البيت العتيق فيرون الإشراك بالله أعظم من عبادة الله وهذا من أعظم الإيمان بالطاغوت

وهم يقولون لمن يقرون بكفره من القائلين بقدم العالم ودعوة الكواكب والمسوغين للشرك هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا فإنهم فضلوا هؤلاء الملاحدة المشركين على السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان وليس هذا ببدع من الرافضة فقد عرف من موالاتهم لليهود والنصارى والمشركين ومعاونتهم على قتال المسلمين ما يعرفه الخاص والعام حتى قيل إنه ما اقتتل يهودي ومسلم ولا نصراني ومسلم ولا مشرك ومسلم إلا كان الرافضي مع اليهودي والنصراني والمشرك

والوجه الثالث أنه قد عرف كل أحد أن الإسماعيلية والنصيرية هم من الطوائف الذين يظهرون التشيع وإن كانوا في الباطن كفارا منسلخين من كل ملة والنصيرية هم من غلاة الرافضة الذين يدعون إلهية علي وهؤلاء أكفر من اليهود والنصارى باتفاق المسلمين

والإسماعيلية الباطنية أكفر منهم فإن حقيقة قولهم التعطيل أما أصحاب الناموس الأكبر والبلاغ الأعظم الذي هو آخر المراتب عندهم فهم من الدهرية القائلين بأن العالم لا فاعل له لا علة ولا خالق ويقولون ليس بيننا وبين الفلاسفة خلاف إلا في واجب الوجود فإنهم يثبتونه وهو شيء لا حقيقة له ويستهزئون بأسماء الله عز وجل ولا سيما هذا الاسم الذي هوالله فإن منهم من يكتبه على أسفل قدميه ويطؤه

وأما من هو دون هؤلاء فيقولون بالسابق والتالي الذين عثروا بهما عن العقل والنفس عند الفلاسفة وعن النور والظلمة عند المجوس وركبوا لهم مذهبا من مذاهب الصابئة والمجوس ظاهره التشيع

ولا ريب أن المجوس والصابئة شر من اليهود والنصارى ولكن تظاهروا بالتشيع قالوا لأن الشيعة أسرع الطوائف استجابة لنا لما فيهم من الخروج عن الشريعة ولما فيهم من الجهل وتصديق المجهولات ولهذا كان أئمتهم في الباطن فلاسفة كالنصير الطوسي هذا وكسنان البصري الذي كان بحصونهم بالشام وكان يقول قد رفعت عنهم الصوم والصلاة والحج والزكاة

فإذا كانت الإسماعيلية إنما يتظاهرون في الإسلام بالتشيع ومنه دخلوا وبه ظهروا وأهله هم المهاجرون إليهم لا إلى الله ورسوله وهم أنصارهم لا أنصار الله ورسوله علم أن شهادة الإسماعيلية للشيعة بأنهم على الحق شهادة مردودة باتفاق العقلاء

فإن هذا الشاهد إن كان يعرف أن ما هو عليه مخالف لدين الإسلام في الباطن وإنما أظهر التشيع لينفق له عند المسلمين فهو محتاج إلى تعظيم التشيع وشهادته له شهادة المرء لنفسه فهو كشهادة الآدمي لنفسه لكنه في هذه الشهادة يعلم أنه يكذب وإنما ذكب فيها كما كذب في سائر أحواله وإن كان يعتقد دين الإسلام في الباطن ويظن أن هؤلاء على دين الإسلام كان أيضا شاهدا لنفسه لكن مع جهله وضلاله

وعلى التقديرين فشهادة المرء لنفسه لا تقبل سواء علم كذب نفسه أو اعتقد صدق نفسه كما في السنن عن النبي ﷺ أنه قال لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين ولا ذي غمر على أخيه وهؤلاء خصماء أظناء متهمون ذوو غمر على أهل السنة والجماعة فشهادتهم مردودة بكل طريق

الوجه الرابع أن يقال أولا أنتم قوم لا تحتجون بمثل هذه الأحاديث فإن هذا الحديث إنما يرويه أهل السنة بأسانيد أهل السنة والحديث نفسه ليس في الصحيحين بل قد طعن فيه بعض أهل الحديث كابن حزم وغيره ولكن قد رواه أهل السنن كأبي داود والترمذي وابن ماجه ورواه أهل الأسانيد كالإمام أحمد وغيره

فمن أين لكم على أصولكم ثبوته حتى تحتجوا به وبتقدير ثبوته فهو من أخبار الأحاد فكيف يجوز أن تحتجوا في أصل من أصول الدين وإضلال جميع المسلمين إلا فرقة واحد بأخبار الآحاد التي لا يحتجون هم بها في الفروع العلمية

وهل هذا إلا من أعظم التنافض والجهل

الوجه الخامس أن الحديث روي تفسيره فيه من وجهين أحدهما أنه ﷺ سئل عن الفرقة الناجية فقال من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي وفي الرواية الأخرى قال هم الجماعة وكل من التفسيرين يناقض قول الإمامية ويتقضي أنهم خارجون عن الفرقة الناجية فإنهم خارجون عن جماعة المسلمين يكفرون أو يفسقون أئمة الجماعة كأبي بكر وعمر وعثمان دع معاوية وملوك بني أمية وبني العباس وكذلك يكفرون أو يفسقون علماء الجماعة وعبادهم كمالك والثوري والأوزاعي والليث بن سعد وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وإسحق وأبي عبيد وإبراهيم بن أدهم والفضيل بن عياض وأبي سليمان الداراني ومعروف الكرخي وأمثال هؤلاء وهم أبعد الناس عن معرفة سير الصحابة والاقتداء بهم لا في حياة النبي ﷺ ولا بعده فإن هذا إنما يعرفه أهل العلم بالحديث والمنقولات والمعرفة بالرجال الضعفاء والثقات وهم من أعظم الناس جهلا بالحديث وبغضا له ومعاداة لأهله فإذا كان وصف الفرقة الناجية أتباع الصحابة علىعهد رسول الله ﷺ وذلك شعار السنة والجماعة كانت الفرقة الناجية هم أهل السنة والجماعة فالسنة ما كان ﷺ هو وأصحابه عليه في عهده مما أمرهم به أو أقرهم عليه أو فعله هو والجماعة هم المجتمعون الذين ما فرقوا دينهم وكانوا شيعا فالذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا خارجون عن الجماعة قد برأ الله نبيه منهم فعلم بذلك أن هذا وصف أهل السنة والجماعة لا وصف الرافضة وأن الحديث وصف الفرقة الناجبة باتباع سنته التي كان عليها هو وأصحابه وبلزوم جماعةالمسلمين

فإن قيل فقد قال في الحديث من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي فمن خرج عن تلك الطريقة بعده لم يكن على طريقة الفرقة الناجية وقد ارتد ناس بعده فليسوا من الفرقة الناجية

قلنا نعم وأشهر الناس بالردة خصوم أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأتباعه كمسيلمة الكذاب وأتباعه وغيرهم وهؤلاء تتولاهم الرافضة كما ذكر ذلك غير واحد من شيوخهم مثل هذا الإمامي وغيره ويقولون إنهم كانوا على الحق وأن الصديق قاتلهم بغير حق ثم من أظهر الناس ردة الغالية الذين حرقهم علي رضي الله عنه بالنار لما ادعوا فيه الإلهية وهم السبائية أتباع عبدالله بن سبأ الذين أظهروا سب أبي بكر وعمر

وأول من ظهر عنه دعوى النبوة من المنتسبين إلى الإسلام المختار بن ابي عبيد وكان من الشيعة فعلم أن أعظم الناس ردة هم في الشيعة أكثر منهم في سائر الطوائف ولهذا لا يعرف ردة أسوأ حالا من ردة الغالية كالنصيرية ومن ردة الإسماعيلية الباطنية ونحوهم وأشهر الناس بقتال المرتدين هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه فلا يكون المرتدون في طائفة أكثر منها في خصوم أبي بكر الصديق فدل ذلك على أن المرتدين الذين لم يزالون مرتدين على اعقابهم هم بالرافضة أولى منهم بأهل السنة والجماعة

وهذا بين يعرفه كل عاقل يعرف الإسلام وأهله ولا يستريب أحد أن جنس المرتدين في المنتسبين إلى التشيع أعظم وأفحش كفرا من جنس المرتدين والمنتسبين إلى أهل السنة والجماعة إن كان فيهم مرتد

الوجه السادس أن يقال هذه الحجة التي احتج بها هذا الطوسي على أن الإمامية هم الفرقة الناجية كذب في وصفها كما هي باطلة في دلاتها وذلك أن قوله باينوا جميع المذاهب وجميع المذاهب قد اشتركت في أصول العقائد إن أراد بذلك أنهم باينوا جميع المذاهب فيما اختصوا به فهذا شأن جميع المذاهب فإن الخوارج أيضا باينوا جميع المذاهب فيما اختصوا به من التكفير بالذنوب ومن تكفير علي رضي الله عنه ومن إسقاط طاعة الرسول فيما لم يخبر به عن الله وتجويز الظلم عليه في قسمه والجور في حكمه وإسقاط أتباع السنة المتواترة التي تخالف ما يظن أنه ظاهر القرآن كقطع السارق من المنكب وأمثال ذلك

قال الأشعري في المقالات أجمعت الخوارج على إكفار علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذ حكم وهم مختلفون هل كفره شرك أم لا

قال وأجمعوا على أن كل كبيرة كفر إلا النجدات فإنها لا تقول بذلك وأجمعوا على أن الله يعذب أصحاب الكبائر عذابا دائما إلا النجدات أصحاب نجدة

وكذلك المعتزلة باينوا جميع الطوائف فيما اختصوا به من المنزلة بين المنزلتين وقولهم إن أهل الكبائر يخلدون في النار وليسوا بمؤمنين ولا كفار فإن هذا قولهم الذي سموا به معتزلة فمن وافقهم فيه بعد ذلك من الزيدية فعنهم أخذوا

بل الطوائف المنتسبون إلى السنة والجماعة تباين كل طائفة منهم سائر أهل السنة والجماعة فيما اختصت به فالكلابية باينوا سائر الناس في قولهم إن الكلام معنى واحد أو معان متعددة أربعة أو خمسة تقوم بذات المتكلم هو الأمر والنهي والخبر إن عبر عنه بالعربية كان قرآنا وإن عبر عنه بالعبرية كان توراة فإن هذا لم يقله أحد من الطوائف غيرهم

وكذلك الكرامية باينوا سائر الطوائف في قولهم إن الإيمان هو القول باللسان فمن أقر بلسانه كان مؤمنا وإن جحد بقلبه قالوا وهو مؤمن مخلد في النار فإن هذا لم يقله غيرهم

بل طوائف أهل السنة والعلم لكل طائفة قول لا يوافقهم عليه بقية الطوائف فلكل واحد من أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد مسائل تفرد بها عن الأئمة الثلاثة كثيرة

وإن أراد بذلك أنهم اختصوا بجميع أقوالهم فليس كذلك فإنهم في توحيدهم موافقون للمعتزلة وقدماؤهم كانوا مجسمة وكذلك في القدر هم موافقون للمعتزلة فقدماؤهم كان كثير منهم يثبت القدر وإنكار القدر في قدمائهم أشهر من إنكار الصفات وخروج أهل الذنوب من النار وعفو الله عز وجل عن أهل الكبائر لهم فيه قولان ومتأخروهم موافقون فيه الواقفية الذين يقولون لا ندري هل يدخل النار أحد من أهل القبلة أم لا وهم طائفة من الأشعرية وإن قالوا إنا نجزم بأن كثيرا من أهل الكبائر يدخل النار فهذا قول الجمهور من أهل السنة

ففي الجملة لهم أقوال اختصوا بها وأقوال شاركهم غيرهم فيها كما أن الخوارج والمعتزلة وغيرهم كذلك وأما أهل الحديث والسنة والجماعة فقد اختصوا باتباعهم الكتاب والسنة والثابتة عن نبيهم ﷺ في الأصول والفروع وما كان عليه أصحاب رسول الله ﷺ بخلاف الخوارج والمعتزلة والروافض ومن وافقهم في بعض أقوالهم فإنهم لا يتبعون الأحاديث التي رواها الثقات عن النبي ﷺ التي يعلم أهل الحديث صحتها

فالمعتزلة يقولون هذه أخبار آحاد وأما الرافضة فيطعنون في الصحابة ونقلهم وباطن أمرهم الطعن في الرسالة والخوارج يقول قائلهم أعدل يا محمد فإنك لم تعدل فيجوزون على النبي ﷺ أنه يظلم ولهذا قال النبي ﷺ لأولهم ويلك من يعدل إذا لم أعدل لقد خبت وخسرت إن لم أعدل فهم جهال فارقوا السنة والجماعة عن جهل

وأما الرافضة فأصل بدعتهم عن نفاق ولهذا فيهم من الزندقة ما ليس في الخوارج قال الأشعري في المقالات هذه حكاية أصحاب الحديث وأهل السنة جملة ما عليه أصحاب الحديث وأهل السنة الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله وما جاء من عند الله وما رواه الثقات عن رسول الله ﷺ لا يردون من ذلك شيئا وأنه إله واحد فرد صمد لا إله غيره لم يتخذ صاحبة ولا ولدا وأن محمدا عبده ورسوله وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وأن الله على عرشه كما قال الرحمن على العرش استوى وأن له يدين بلا كيف كما قال خلقت بيدي سورة ص 57 وكما قال بل يداه مبسوطتان سورة المائدة 64 وساق الكلام إلى آخره

فإن قال أن مراده بالمباينة انهم يكفرون كل أهل دار غير دارهم كما أفتى غير واحد من شيوخهم بأن الدار إذا كان الظاهر فيها مذهب النصب مثل المسح على الخفين وحل شرب الفقاع وتحريم المتعة كانت دار كفر وحكم بنجاسة ما فيها من المائعات وإن كان الظاهر مذهب الطائفة المحقة يعني الإمامية حكم بطهارة ما فيها من المائعات وإن كان كلا الأمرين ظاهرا كانت دار وقف فينظر فمن كان فيها من طائفتهم كان ما عنده من المائعات طاهرا ومن كان من غيرهم حكم بنجاسة ما عنده من المائعات

قيل هذا الوصف يشاركهم فيه الخوارج والخوارج في ذلك أقوى منهم فإن الخوارج ترى السيف وحروبهم مع الجماعة مشهورة وعندهم كل دار غير دارهم فهي دار كفر وقد نازع بعضهم في التكفير العام كما نازع بعض الإمامية في التكفير العام وقد وافقوهم في أصل التكفير

وأما السيف فإن الزيدية ترى السيف والإمامية لا تراه قال الأشعري وأجمعت الروافض على إبطال الخروج وإنكار السيف ولو قتلت حتى يظهر لها الإمام وحتى يأمرها بذلك

قلت ولهذا لا يغزون الكفار ولا يقاتلون مع أئمة الجماعة إلا من يلتزم مذهبه منهم فقد تبين أن المباينة والمشاركة في أصول العقائد قدر مشترك بين الرافضة وغيرهم

الوجه السابع أن يقال مباينتهم لجميع المذاهب هو على فساد قولهم أدل منه على صحة قولهم فإن مجرد انفراد طائفة عن جميع الطوائف لا يدل على أنه هو الصواب واشتراك أولئك في قول لا يدل على أنه باطل

فإن قيل إن النبي ﷺ جعل أمته ثلاثة وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة فدل على أنها لا بد أن تفارق هذه الواحدة سائر الاثنتين وسبعين فرقة قلنا نعم وكذلك يدل الحديث على مفارقة الثنتين وسبعين بعضها بعضا كما فارقت هذه الواحدة فليس في الحديث ما يدل على اشتراك الثنتين والسبعين في أصول العقائد بل ليس في ظاهر الحديث إلا مباينة الثلاث والسبعين كل طائفة للأخرى وحينئذ فمعلوم أن جهة الافتراق جهة ذم لا جهة مدح فإن الله تعالى أمر بالجماعة والائتلاف وذم التفرق والاختلاف فقال تعالى واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا سورة آل عمران 103 وقال ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذي اسودت وجوههم الأية سورة آل عمران 105 قال ابن عباس وغيره تبيض وجوه أهل السنة وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة

وقال تعالى إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء سورة الأنعام 159 وقال وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم البقرة 213 وقال وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة سورة البينة وإذا كان كذلك فأعظم الطوائف مفارقة للجماعة وافتراقا في نفسها أولى الطوائف بالذم وأقلها افتراقا ومفارقة للجماعة أقربها إلى الحق وإذا كانت الإمامية أولى بمفارقة سائر طوائف الأمة فهم أبعد عن الحق لا سيما وهم في أنفسهم أكثر اختلافا من جميع فرق الأمة حتى يقال إنهم ثنتان وسبعون فرقة وهذا القدر فيما نقله عن هذا الطوسي بعض أصحابه وقال كان يقول الشيعة تبلغ فرقهم ثنتين وسبعين فرقة أو كما قال وقد صنف الحسن بن موسى النوبختي وغيره في تعديد فرق الشيعة

وأما أهل الجماعة فهم أقل اختلافا في أصول دينهم من سائر الطوائف وهم أقرب إلى كل طائفة من كل طائفة إلى ضدها فهم الوسط في أهل الإسلام كما أن أهل الإسلام هم الوسط في أهل الملل هم وسط في باب صفات الله بين أهل التعطيل وأهل التمثيل وقال ﷺ خير الأمور أوسطها وحينئذ أهل السنة والجماعة خير الفرق

وفي باب القدر بين أهل التكذيب به وأهل الاحتجاج به وفي باب الأسماء والأحكام بين الوعيدية والمرجئة وفي باب الصحابة بين الغلاة والجفاة فلا يغلون في علي غلو الرافضة ولا يكفرونه تكفير الخوارج ولا يكفرون أبا بكر وعمر وعثمان كما تكفرهم الروافض ولا يكفرون عثمان وعليا كما يكفرهما الخوارج الوجه الثامن أن يقال إن الشيعة ليس لهم قول واحد اتفقوا عليه فإن القول الذي ذكره هذا قول من أقوال الإمامية ومن الإمامية طوائف تخالف هؤلاء في التوحيد والعدل كما تقدم حكايته وجمهور الشيعة تخالف الإمامية في الاثني عشر فالزيدية والإسماعيلية وغيرهم متفقون على إنكار إمامة الاثني عشر

قال الناقلون لمقالات الناس الشيعة ثلاثة أصناف وإنما قيل لهم الشيعة لأنهم شايعوا عليا وقدموه على سائر أصحاب رسول الله ﷺ فمنهم الغالية سموا بذاك لأنهم غلوا في علي وقالوا فيه قولا عظيما مثل اعتقادهم إلاهيته أو نبوته وهؤلاء أصناف متعددة والنصيرية منهم والصنف الثاني من الشيعة الرافضة

قال الأشعري وطائفة سموا رافضة لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر

قلت الصحيح أنهم سموا رافضة لما رفضوا زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لما خرج بالكوفة أيام هشام بن عبد الملك وقد ذكر هذا أيضا الاشعري وغيره

قالوا وإنما سمو الزيدية لتمسكهم بقول زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وكان زيد بويع له بالكوفة في أيام هشام بن عبدالملك وكان أمير الكوفة يوسف بن عمر الثقفي وكان زيد يفضل علي بن أبي طالب على سائر أصحاب النبي ﷺ ويتولى أبا بكر وعمر ويرى الخروج على أئمة الجور فلما ظهر بالكوفة في أصحابة الذين بايعوه وسمع من بعضهم الطعن على أبي بكر وعمر فأنكر ذلك على من سمعه منه فتفرق عنه الذين بايعوه فقال لهم رفضمتوني قالوا نعم فيقال إنهم سموا رافضة لقول زيد بن علي لهم رفضتموني وبقي في شرذمة فقاتل يوسف بن عمر فقتل

قالوا والرافضة مجمعون على أن النبي ﷺ نص على استخلاف علي بن أبي طالب باسمه وأظهر ذلك وأعلنه وأن أكثر الصحابة ضلوا بتركهم الاقتداء به بعد وفاة النبي ﷺ وأن الإمامة لا تكون إلا بنص وتوقيف وأنها قرابة وأنه جائز للإمام في حال التقية أن يقول إنه ليس بإمام وأبطلوا جميعا الاجتهاد في الأحكام وزعموا أن الإمام لا يكون إلا أفضل الناس وزعموا أن عليا كان مصيبا في جميع أحواله وأنه لم يخطىء في شيء من أمور الدين إلا الكاملية أصحاب أبي كامل فإنهم أكفروا الناس بترك الاقتداء به وأكفروا عليا بترك الطلب وأنكروا الخروج على أئمة الجور وقالوا ليس يجوز ذلك دون الإمام المنصوص على إمامته وهم سوى الكاملية أربع وعشرون فرقة وهم يدعون الإمامية لقولهم بالنص على إمامة علي فالفرقة الأولى وهم القطعية وإنما سموا القطعية لأنهم قطعوا على موت موسى بن جعفر بن محمد وهم وجمهور الشيعة يزعمون أن النبي ﷺ نص على إمامة علي وأن عليا نص على إمامة الحسن وأن الحسن نص على إمامة الحسين والحسين نص على إمامة ابنه علي بن الحسين وعلي بن الحسين نص على إمامة ابنه أبي جعفر محمد ومحمد نص على إمامة جعفر بن محمد وجعفر نص على إمامة ابنه موسى وموسى نص على إمامة ابنه علي وعلي نص على إمامة ابنه محمد بن علي ومحمد نص على إمامة ابنه علي بن محمد وعلي بن محمد نص على إمامة ابنه الحسن والحسن نص على إمامة ابنه محمد بن الحسن وهو الغائب المنتظر عندهم الذين يدعون أنه يظهر فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا والفرقة الثانية منهم الكيسانية وهم إحدى عشرة فرقة سموا كيسانية لأن المختار الذي خرج وطلب بدم الحسين بن علي ودعا إلى محمد بن الحنفية كان يقال له كيسان ويقال إنه مولى لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه

فمن الكيسانية من يدعي أن عليا نص على إمامة محمد بن الحنفية لأنه دفع إليه الراية بالبصرة

ومنهم من يقول بل الحسين نص على إمامة محمد بن الحنفية ومنهم من يقول إن محمد بن الحنفية حي بجبال رضوى أسد عن يمينه ونمر عن شماله يحفظانه يأتيه رزقه غدوة وعشية إلى وقت خروجه وزعموا أن السبب الذي من أجله صبر على هذه الحال أن يكون مغيبا عن الخلق أن لله فيه تدبيرا لا يعلمه غيره

قالوا ومن القائلين بهذا المذهب كثير الشاعر وفي ذلك يقول

ألا إن الأئمة من قريش ... ولاة الحق أربعة سواء

علي والثلاثة من بنيه ... هم الأسباط ليس بهم خفاء

فسبط سبط إيمان وبر ... وسبط غيبته كربلا

وسبط لا يذوق الموت حتى ... يقود الخيل يقدمها اللوا

تغيب لا يرى فيهم زمانا ... برضوى عنده عسل وماء

ومعلوم أن هؤلاء مع أن قولهم معلوم البطلان ضرورة فقول الإمامية أبطل من قولهم فإن هؤلاء ادعوا بقاء من كان موجودا حيا معروفا وأولئك ادعوا بقاء من لم يوجد بحال ومن هؤلاء من يقول إن محمد ابن الحنفية مات وإن الإمام بعده ابنه أبو هاشم عبدالله ثم من هؤلاء من يقول إن أبا هاشم عبدالله أوصى إلى أخيه الحسن وإن الحسن أوصى إلى ابنه علي بن الحسن وإن عليا هلك ولم يعقب فهم ينتظرون رجعة محمد بن الحنفية ويقولون إنه يرجع ويملك فهم اليوم في التيه لا إمام لهم إلى أن يرجع إليهم محمد بن الحنفية في زعمهم

ومنهم من يقول إن الإمام بعد أبي هاشم محمد بن علي بن عبدالله بن عباس أو أبوه علي قالوا وذلك أن أبا هاشم مات بأرض الشراة منصرفة من الشام وأوصى هناك إلى محمد بن علي بن عبدالله بن عابس وأوصى محمد بن علي إلى ابنه إبراهيم بن محمد ثم أوصى إبراهيم بن محمد إلى ابي العباس السفاح ثم أفضت الخلافة إلى أبي جعفر المنصور بوصية بعضهم إلى بعض

قال ثم رجع بعض هؤلاء عن هذا القول وزعموا أن النبي ﷺ نص على العباس بن عبدالمطلب ونصبه إمام ثم نص العباس على إمامة ابنه عبدالله ونص عبدالله على إمامة ابنه علي بن عبدالله ثم ساقوا الإمامة إلى أن انتهوا بها إلى أبي جعفر المنصور وهؤلاء هم الراوندية وافترقت هذه الفرقة في أمر أبي مسلم على مقالتين فزعمت فرقة منهم تدعى الرزامية أصحاب رجل يقال له رزام أن أبا مسلم قتل وقالت فرقة أخرى إن أبا مسلم لم يمت ويحكى عنهم الاستحلال لما لم يحلل لهم أسلافهم

ومن الكيسانية طائفة يزعمون أن أبا هاشم نصب عبدالله بن عمرو بن حرب إماما وتحولت روح أبي هاشم فيه ثم وقفوا على كذب عبدالله بن عمرو فصاروا إلى المدينة يلتمسون إماما فلقوا عبدالله بن معاوية بن عبدالله بن جعفر بن ابي طالب فدعاهم إلى أن يأتموا به فاتخذوه إماما وادعوا له الوصية

ثم منهم من قال إنه مات ومنهم من قال إنه لم يمت حتى يقوم ومنهم من قال بل هو المهدي المبشر به وأنه حي بجبال أصبهان ومنهم من يقول إن أبا هاشم أوصى إلى بيان بن سمعان ومنهم من يقول أوصى إلى علي بن الحسين فهذه أقوال من يقول بوصول النص إلى محمد بن الحنفية ثم أبي هاشم

ومن الرافضة من قال بل النص بعد الحسين بن علي على ابنه علي بن الحسين ثم إلى ابنه أبي جعفر وأن أبا جعفر أوصى إلى المغيرة بن سعيد فهم يأتمون به إلى أن يخرج المهدي والمهدي فيما زعموا هو محمد بن عبدالله بن الحسن بن علي بن أبي طالب وزعموا أنه حي مقيم بناحية الحاجر وأنه لا يزال مقيما هناك إلى أوان خروجه

ومن الرافضة من يقول إن الإمام بعد أبي جعفر محمد بن علي هو محمد بن عبدالله بن الحسن الخارج بالمدينة في خلافة أبي جعفر المنصور وقصته مشهورة وزعموا أنه المهدي وأنكروا إمامة المغيرة بن سعيد

ومن الرافضة من قال إن أبا جعفر اوصى إلى أبي منصور ثم من هؤلاء من قال إنه أوصى إلى ابنه الحسن بن أبي منصور ومنهم من مال إلى تثبيت أمر محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسين

وقالوا إنما أوصى أبو جعفر إلى أبي منصور دون بني هاشم كما أوصى موسى عليه السلام إلى يوشع بن نون دون ولده ودون ولد هارون عليه السلام ثم إن الأمر بعد أبي منصور راجع إلى ولد علي كما رجع الأمر بعد يوشع إلى ولد هارون

ومنهم من قال إن أبا جعفر نص على ابنه جعفر بن محمد وأن جعفرا حي لم يمت ولا يموت حتى يظهر امره وهو القائم المهدي

ومن الرافضة من يقول إن جعفر بن محمد مات وأن الإمام بعد جعفر ابنه إسماعيل وأنكروا أن يكون إسماعيل مات في حياة أبيه وقالوا لا يموت حتى يملك لأن أباه قد كان يخبر أنه وصيه والإمام بعده

ومن الرافضة القرامطة يزعمون أن خلافة النبي ﷺ اتصلت بالنص إلى جعفر كما يقوله الاثنا عشرية وأن جعفرا نص على إمامة ابن ابنه محمد بن إسماعليل وزعموا أن محمد بن إسماعيل حي إلى اليوم يعني إلى اوائل المائة والرابعة لم يمت ولا يموت حتى يملك الأرض وأنه هو المهدي الذي تقدمت البشارة به واحتجوا في ذلك باخبار رووها عن أسلافهم يخبرون فيها أن سابع الأئمة قائمهم

وهؤلاء يقال لهم السبعية كما يقال لأولئك الاثنا عشرية وهؤلاء ذكر المصنفون مقالاتهم في أوائل الأمر قبل المائة الرابعة قبل ظهورهم بالمغرب والقاهرة فإن هؤلاء انتشر من أمرهم في أثناء المائة الرابعة وبعدها ما يطول وصفه وظهر فيهم من الزندقة والإلحاد ما لم يعهد مثله لا في الغلاة ولا غيرهم

ومن بقايا هؤلاء الملاحدة الذين كانوا بخراسان والشام وغيرهما وكان أهل بيت ابن سينا من المستجيبين لدعوتهم زمن الحاكم وكذلك هذا الطوسي وأمثاله من أعوانهم وكذلك سنان وغيره

وأذكياؤهم يعلمون كذبهم وجهلهم ولكن بسبب خدمتهم يحصل لهم من الرياسة والمال والشهوات ما لا يحصل بدون ذلك فهم يعاونونهم كما يعاون أمثالهم من أهل الكذب والظلم لتنال بهم الأغراض

ومن الرافضة من يقول إنها في ولد محمد بن إسماعيل ومنهم من يقول إنها في ولد محمد بن جعفر بن محمد لا في إسماعيل وابنه ولا في موسى بن جعفر ومنهم من يقول إنها في ابنه عبدالله بن جعفر وكان أكبر من خلف من ولده وهؤلاء يقال لهم الفطحية لأن عبدالله بن جعفر كان أفطح الرجلين قالوا وهؤلاء عدد كثير ومن الرافضة من يقول بإمامة موسى بن جعفر بن محمد بعد أبيه ولكن يقول إن موسى بن جعفر حي لم يمت ولا يموت حتى يملك مشرق الأرض ومغربها وهذا الصنف يدعون الواقفة لأنهم وقفوا على موسى بن جعفر ولم يجاوزوه ويسمون الممطورة لأن يونس بن عبدالرحمن ناظرهم فقال أنتم أهون علي من الكلاب الممطورة فلزمهم هذا اللقب

ومنهم قوم وقفوا في أمر موسى بن جعفر فقالوا لا ندري أمات أم لم يمت

ومنهم من يقول إن موسى بن جعفر نص على إمامة ابنه أحمد

ومن الرافضة من قال إن بعد محمد بن الحسن المنتظر عند الاثني عشرية إماما آخر هوالقائم الذي يظهر فيملأ الدنيا عدلا ويقمع الظلم

فهذا بعض اختلاف الرافضة القائلين بالنص فإذا كانوا أعظم تباينا واختلافا من سائر طوائف الأمة امتنع ان تكون هي الطائفة الناجية لأن أقل ما في الطائفة الناجية أن تكون متفقة في أصول دينها كاتفاق أهل السنة والجماعة على أصول دينهم

وهؤلاء الإمامية الاثنا عشرية يقولون إن اصول الدين أربعة التوحيد والعدل والنبوة والإمامة وهم مختلفون في التوحيد والعدل والإمامة وأما النبوة فغايتهم أن يكونوا مقرين بها كإقرار سائر الأمة واختلافهم في الإمامة أعم من اختلاف سائر الأمة فإن قالت الاثنا عشرية نحن أكثر من هذه الطوائف فيكون الحق معنا دونهم قيل لهم وأهل السنة أكثر منكم فيكون الحق معهم دونكم فغايتكم أن تكون سائر فرق الإمامية معكم بمنزلتكم مع سائر المسلمين والإسلام هو دين الله الذي يجمع أهل الحق فصل

منهاج السنة النبوية
1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57